الشارع المغاربي – يوسف الشاهد والكلفة الباهظة لأخطاء التسيير الحكومي / بقلم : عبد الوهاب الهاني

يوسف الشاهد والكلفة الباهظة لأخطاء التسيير الحكومي / بقلم : عبد الوهاب الهاني

12 يناير، 2018

الشارع المغاربي : اختار السيد يوسف الشاهد رئيس الحكومة إعطاء إشارة الانطلاق للسنة الإدارية الجديدة، بالتأكيد  على أنهلا يحبذ التحويرات الوزارية لأن العدو الاول للاستقرار الاقتصادي هو عدم الاستقرار السياسي، وخاصة المتعلق بتغييرتالحكوماتتو الوزراء، في تصريح أدلى به مطلع السنة في حصة مجاملة إعلامية على القناة الوطنية.

علما أن السيد الشاهد هو رئيس الحكومة السابع، وحكومته الحالية هي الحادية عشر منذ الثورة التونسية وانهيار نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. أي أن تونس تعيش على وتيرة سياسية بمعدل رئيس حكومة كل سنة، وحكومة كل ستة أشهر وثلث الشهر، وأقل من ذلك بالنسبة للعمر الافتراضي ومؤمل الحياة الوزارية  لبعض الوزراء على رأس وزاراتهم.

هذه الحالة من التغيير المزمن تؤثر سلبا على أداء الحكومة وعلى الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وتزيد من قلق الشركاء الاجتماعيين والشركاء الاقتصاديين داخليا وخارجيا.

لكن الأخطر من تغيير الحكومات هو الأخطاء القاتلة في تسيير وتدبير الشأن العام وتأثيراتها الكارثية على الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني للبلاد. ولعل من أبرز هذه الأخطاء في مسيرة السيد الشاهد وحكومتيه العاشرة والحادية عشر بعد الثورة:

الوظائف الوهمية:

رغم تأكيد كل الأطراف السياسية على ضرورة عقلنة التعيينات الحكومية، فقد شهدت حكومتا السيد الشاهد عددا كبيرا من كتابات الدولة، بطريقة أقرب إلى الوظائف الوهمية بغاية الترضيات الحزبية. في حين أن النواميس التي دأبت عليها الدولة التونسية منذ فترة بُعيد الاستقلال كانت تستحدث خطط كتابات الدولة صلب الوزارات، من أجل إحكام تسيير قطاع ما كالشؤون الخارجية للدولة مثلا، أو من أجل توفير الخبرة الضرورية في تسيير الوزارات عندما يكون الوزير من الكفاءات السياسية وكاتب الدولة من الكفاءات الفنية للوزارة. فعلى سبيل الذكر لا الحصر: أية إضافة قدمتها كاتبة الدولة المستقيلة للرياضة، ولا هي ولا وزيرتها من الكفاءات الفنية في المجال، حتى يحصل التكامل بين البعد السياسي والبعد الفني في تسيير الوزارة. وأي جدوى قدمتها كتابات الدولة للاقتصاد الرقمي، وللمبادرة الخاصة، وأخيرا وليس آخرا كتابة الدولة الوهمية للديبلوماسية الاقتصادية؟

هذهالوظائف الوهميةلم تتوقف على إحداث كتابات دولة هُلامية للترضيات الحزبية، بل شملت العجز عن تقييم الإفراق الذي لحق بعض الإدارات عن وزاراتها الأم بطريقة غير مدروسة ولم تبرهن عن جدواها، غير تكرار واستنساخ عمل الإدارات المعنية بدون أية رؤية سياسية تقدم الإضافة المرجوة.

فقد عجز رئيس الحكومة عن تقييمالوظائف الوهميةوالإفراقغير الموفق، وذلك رغم الصلاحيات الدستورية الواسعة التي يتمتع بها فيإحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها بعد مداولة مجلس الوزراء، بموجب الفصل 92 من الدستور الجديد.

عبثية إفراغ المقعد البرلماني الألماني الوحيد وإحداث كتابة دولة وهمية للديبلوماسية الاقتصادية:

بيَّنت الأحداث وبعيدا عن الجمل الخشبية الرنانة، أن إحداث منصب كاتب دولة جديد للديبلوماسية الاقتصادية، وبدون كتابة دولة، لم يكن خاضعا لعقل ولحاجات وأولويات الدولة، بل لاعتبارات سياسوية خاصة بالأحزاب المكونة للحزام السياسي للحكومة تأهبا لاستدعاء الاستقطاب الانتخابي الثنائي للحزبين الحاكمين الرئيسيينالنهضةوالنداء” (النَّهْدَاء).

وكان على رئيس الحكومة رفض الزج بحكومته في أتون اللعبة الانتخابية واستقطاباتها. خاصة أن هذا المنصب الجديد تسبب في خسارة مالية كبرى للدولة والبلاد تمر بضائقة مالية خطيرة، ومن دونما أية جدوى لا سياسية ولا ديبلوماسية ولا اقتصادية تذكر. كما أن الأحداث بيَّنت أيضا عبثية قرار إحداث منصب جديد، لم تجد له حتى وسائل الدعاية الحكومية أية منفعة يمكن تدوينها في سجل الأداء الحكومي.

كما أن التعيين الأخير لكاتب الدولة المذكور للديبلوماسية الاقتصادية ، والنائب عن دائرة ألمانيا ممثلا عن جاليتنا في الخارج سابقا، منسقا للحملة الانتخابية البلدية لحزب رئيس الحكومة عن دائرة جندوبة داخل التراب الوطني، خارج نطاق اهتماماته النيابية السابقة والحكومية الحالية، يطرح أسئلةالمعنىو أكثر من سؤال مزعج حول غياب التنسيق بينصاحب القصبةوصاحب قرطاجفي وظيفة تتعلق بالديبلوماسية وبالسياسة الخارجية للدولة، وبينهما وبين الحزب الحاكم الأول لدىصاحب البحيرة، والأهم من ذلك جدوى الإبقاء على وظيفة وهمية تستنزف المال العام.

تعفين الأوضاع بعدم القدرة على إقالة الوزراء الفاشلين والمخالفين:

مثَّل البطء في أخذ القرار المناسب في الوقت المناسب بإقالة أو استقالة الوزارء الفاشلين والمخالفين وأحيانا المدانين من طرف المحاكم أبرز سماتالتسيير الشاهديللحكومة.

فقد انتظر رئيس الحكومة مدة طويلة قبل اقالة وزيرة المالية السابقة رغم تسببت تصريحاتها الكارثية فيالانهيار الديناريغير المسبوق للعملة الوطنية أمام أبرز العملاتالصعبةالأجنبية. وهو الأمر الذي جعل رئيس الحكومة مؤقتا في منأى عن الانتقاد وتوجيه سهام النقد لوزيرةالانهيار الديناريولكن ذلك أدى إلى مزيد ارباك الأسواق المالية والإحساس بعدم قدرة رئيس الحكومة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وخاصة في الملفات الحساسة.

ونفس السيناريو تكرر من جديد مع وزير المالية بالنيابة السابق والذي كان محل تتبع قضائي وأحكام قضائية في قضايا ديوانية بتهم تخل بالنزاهة المالية وتشي بتضارب واضح للمصالح. وقد أدت المحافظة العبثية على وزير للمالية بالنيابة محل تتبعات عدلية إلى مزيد انهيار العملة الوطنية وإلى مزيد اهتراء الثقة داخليا وخارجيا في الحكومة التي ترفع شعار مكافحة الفساد.

ولئن كان هذا العجز من سمات حكومتي السيد الشاهد، فإنه مثَّل سمة ثابتة منذ الثورة تقريبا في ما يتعلق بوزارة المالية. حيث تتالت على رأسها الاستقالات والإقالات والنيابات، طيلة كل الحكومات المتعاقبة. وهو ما أدى إلى إرباك الأداء المالي والاقتصادي للدولة وإحداث الإحساس بأن الانتقال الاقتصادي ليس من أولويات الحكومات المتعاقبة، في حين أنه كان من أوكد أولويات شعارات الثورة.

كما تكرر سيناريو العجز عن اتخاذ القرار مع الإبقاء على منصب وزير الصحة شاغرا بدون تعيين مباشر والاكتفاء بالنيابة المؤقتة الطويلة، بعد وفاة المغفور له سليم شاكر وزير الصحة السابق وهو في ميدان الشرف، وكذلك كان الأمر مع وزير الحوكمة والوظيفة العمومية المُستقال بعد تعيين غير موفق ثم إلغاء الوزارة جملة وتفصيلا.

يُضاف إل ذلك ظاهرة الوزراء النقازين من وزارة إلى أخرى في ظروف وجيزة لم تتجاوز الثلاثة أشهر أحيانا ومن قطاع فني إلى آخر لا علاقة له بالإطلاق. وظاهرة غياب التضامن الحكومي للتشاتم بين وزراء ينتمون إلى نفس الحكومة وظاهرة التصريحات غير الموفقة لبعض الوزراء في غير مجالات اختصاص وزاراتهم والتي كادت أ تعصف بالعلاقات الخارجية للدولة وبمبادئ حسن الجوار التي تجمعنا مع أشقائنا في دول الجوار المغاربي.

كل هذه الظواهر ساهمت في اهتراء مشروعية أداء الحكومة وأداء رئيسها. بل الأخطر من ذلك بدأ الإحساس لدى قطاعات واسعة من الرأي العام، ساهت في تغذيتها بعض المقالات والتصريحات والتحاليل الإعلامية، بأن هم رئيس الحكومة هو تكوين فريقه الحزبي المقبل من رحم تجربته الحكومية.

فأصبح قياس وتقييم الأداء الحكومي لا يتم على حساب الجدوى والمنفعة العامة والمصلحة الوطنية، بل بمدى التموقع في فلك رئيس الحكومة وطموحاته المستقبلية المشروعة. وهو أكبر خلل قاتل يمكن أن يصيب أي جهاز تنفيذي للحكومة.

الحرب الانتقائية عل الفساد:

استبشر الرأي العام داخليا وخارجيا بتصريحات رئيس الحكومة وإعلاناته المتكررة باعتزامه اقتلاع دابر الفساد من تونس. ولكن سرعان ما خفت وهج بريق الاعتقالات الأولى، لتستقر الأسئلة المزعجة حول المرجعيات والضمانات القانونية التي تحيط بالحملة الحكومية لمكافحة الفساد، وخصوصا حول انتقائيتها ثم أخيرا حول إخفاقاتها القانونية المتكررة أمام الرقابة القضائية للمحكمة الإدارية.

ولقد زادت الحملات الإعلامية والحملات المضادة للأطراف الاقتصادية المتصارعة، خاصة على شبكات التواصل الاجتماعي، في انتشار حالة من الرِّيبة العامة ، طالت عددا من أعضاء الحكومة أنفسهم أو أقاربهم  وأحيانا محيطهم. ولم تقم الحكومة ورئيسها بأية أدوار تذكر في إعادة الطمأنينة وتبدبد الإشاعات والمخاوف من إمكانية استعمال حملة مكافحة الفساد كأداة لإزاحة الخصوم. في حين أن مكافحة الفساد تتطلب مناخا من الطمأنينة العامة والثقة في قدرة المؤسسات الشرعية للدولة على استئصال هذه الآفة الخبيثة.

مسؤولية رئيس الحكومة ضمن المسؤولية المشتركة لمنظومة الحكم:

صحيح أن تقييم أداء الحكومة وأداء رئيسها لا يمكن أن يتم بمعزل عن تقييم أداء منظومة الحكمالتَّرَوِيكِيَّةمنذ الثورة، وخاصة منذ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، وخصوصا منذتوافقات باريسواعتماد دستور 2014 الجديد والتي كرَّست في رُخام الدستور مبدأ إضعاف السلطة التنفيذية وتوزيعها على رئاسات ثلاث، ثم تفريقها بين أحزاب ثلاث متغيرة غير ثابتة، ومن يدور في فلكها وبصفة ذبذبية مذببة، بشيوخها وعائلاتها وأحزابها الحاكمة والأخرى شبهشبه، وبدونما بوصلة من رؤية مشتركة للإصلاح أو حتى برنامج مرحلي واضح للحكم.

لكن رئيس الحكومة السابع، للحكومتين العاشرة والحادية عشر للجمهورية التونسية بعد الثورة، يتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية. لأن العجز عن اتخاذ القرار المناسب في التوقيت المناسب، والعجز عن اختيار المسؤول المناسب في المكان المنساب، وسلوك عدم الاكتراث، والإغراق في التقنيات التواصلية دونما مضمون جدي مقنع ومواجهة النقد بالحملات الدعائية والتي وصلت حد المناشدة، والعجز عن فرض احترام اخلاقيات العمل السياسي بالقبول باستقالة وزراء الأحزاب المغادرة للحكومة باتجاه المعارضة، كلها أسباب مباشرة ساهمت وتساهم في التقييم السلبي للحكومة ولمنظومة الحكم وتدفع بالتونسيين والتونسيات نحو العزوف.

تصريح رئيس الحكومة في مستهل السنة الإدارية، والذي لمح فيه إلا مساندته رئيس الجمهورية في حال ترشح للانتخابات 2019، أدخل البلاد في حالة انتظار وتموقع واصطفاف لرئاسيات خريف 2019 وأدخل حكومته الحادية عشر في حالة تصريف أعمال.

فهل ستتحمل تونس الجمود الحكومي في إطار فريق تصريف أعمال تعوز العديد من أعضائه الكفاءة السياسية والفنية وأحيانا حتى الأخلاقية لإدارة وتدبير الشأن العام في فترة حساسة وصعبة من تاريخ البلاد؟


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING