الشارع المغاربي – دراساتهم تفضحهم ... لوبيات الاتحاد الأوروبي تقود تونس إلى الهاوية / بقلم : جمال الدين العويديدي

دراساتهم تفضحهم … لوبيات الاتحاد الأوروبي تقود تونس إلى الهاوية / بقلم : جمال الدين العويديدي

26 يناير، 2018

الشارع المغاربي: في الوقت الذي احتدت فيه الاحتجاجات على قانون المالية 2018 الذي حمل في طياته مزيدا من الضغط الجبائي على المواطنين وعلى القطاع المنظم بالدرجة الأولى والتي تلتها ردة فعل للحكومة بدأت باتهام المعارضة الديمقراطية جزافا و تحميلها مسؤولية التحركات الاجتماعية ثم تقدمت بحزمة من الإجراءات ذات طابع اجتماعي بعضها يبدو غير قابل للتنفيذ من البداية كقرار تمكين كل العاطلين عن العمل وعددهم أكثر من 620 ألفا من العلاج المجاني تكاليفه غير مبرمجة بالميزانية، تشد انتباهنا تحركات مريبة تقوم بها جهات محلية مرتبطة بمناطق النفوذ في الإتحاد الأوروبي بدأت تنشط سعيا لمعاضدة الحكومة عبر تقديم حلول للأزمة الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي تمر بها بلادنا بطريقة سطحية بقدر ما تبدو فلكلورية.

وحتى نضع الصورة في إطارها ونعرف كيف تصاغ السياسة الاقتصادية في بلادنا نُذكّر بأن الاتحاد الأوروبي سواء على المستوى المركزي ببروكسل أو على مستوى أذرعته المتواجدة في البلدان الواقعة جنوب فضائه سعى منذ بداية تنفيذ اتفاق الشراكة مع تونس سنة 1995 إلى تنشيط هياكل تفكير ممولة من طرفه ومن الشركات الأوروبية الكبرى وكذلك من بعض رجال أعمال تونسيين تعمل في شكل لوبيات تم تفريخها داخل البلاد التونسية نذكر من بينهامعهد الاستشراف الاقتصادي للعالم المتوسطيIPEMEDالذي يرأسه جون لوي قيقو (زوج الوزيرة السابقة إليزابيت قيقو) الذي أسس فرعا له في تونس تديره ثلة من رجال أعمال تونسيين وكذلك  جمعيةمرسيليا للمتوسط” ” Marseille méditerranéeالتي أسست كذلك فرعا تابعا لها في تونس تحت اسمتونس للمتوسط” “Tunis méditerranée  تم إسناد رئاستها لمحافظ البنك المركزي التونسي. وللتذكير فقد تم تعيين الجمعية الأصلية بمرسيليا وفرعها في تونس كعضو فياللجنة التوجيهية للاقتصاد التونسيالتي تم تكوينها في سنة 2014 برئاسة محافظ البنك المركزي وشملت 16 عضوا رسميا من بينهم السفير الفرنسي بتونس آنذاك فرانسوا غويات والمدير العام للخزينة العمومية الفرنسية زيادة على وزير الاقتصاد والمالية حكيم بن حمودة ونوفل الورفلي الوزير المستشار لدى رئيس الحكومة آنذاك المهدي جمعة. هذه اللجنة التوجيهية أفرزت الوثيقة الاقتصادية 20162020 التي تم اعتمادها كبرنامج اقتصادي خماسي للجمهورية التونسية !

دراسات واهية وغير موضوعية تقدم من طرف لوبيات أجنبية ومحلية

اثر صياغة قانون المالية لسنة 2018 وفي علاقة بتنامي العجز التجاري لسنة 2017 تقدممعهد الاستشراف الاقتصادي للعالم المتوسطيبدراسة موجهة لرئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد قام بها جون لوي قيقو تحت إدارة نور الدين الحاجي بصفته رئيس الفرع التونسي للمعهد قدم فيها أربعة اقتراحات خاصة بإعادة التوازن للميزان التجاري التونسي تبدو غير موضوعية وغير جدية. من ذلك فقد بدأ بالتذكير بأن 85 بالمائة من المبادلات التجارية التونسية تتم مع بلدان الاتحاد الأوروبي ثم يسارع إلى التأكيدبأن هذه التجارة شمالجنوب متوازنةبمعنى أن تونس ليس لها عجز تجاري مع هذه البلدان. والسؤال هو إذا كان الأمر كذلك فإن العجز أصبح محصورا في بقية المبادلات التي لا تتعدى حسب زعمه 15 بالمائة الباقية. وهو افتراء عار عن الصحة وموغل في تزوير الحقائق لأن الميزان التجاري في النظام العام الذي يُقدّم حقيقة الميزان التجاري يبين أن مبادلاتنا تحت هذا النظام تشكو من عجز كبير تم تقييمه من طرف المعهد الوطني للإحصاء الصادر بتاريخ 15 جانفي 2018 في حدود 25,2 مليار دينارمن بينها 10 مليارات دينار مع بلدان الاتحاد الأوروبي في سنة 2017 من بينها 2,6 مليار مع فرنسا و 4,1 مليارات مع إيطاليا. بعد تبرئة بلدان الاتحاد الأوروبي بهذه الطريقة المزورة يقترح المعهد على الحكومة التونسيةإعادة النظر في اتفاقية التبادل التجاري مع تركيا لتقليص التوريد الغير منتج و المتعلق بالمنتوجات الكمالية و ذلك عبر إعادة توظيف المعاليم الديوانيةوهو ما أقدمت عليه حكومة يوسف الشاهد في قانون المالية لسنة 2018 و لم تقحم بلدان الاتحاد الأوروبي في هذا الإجراء في عملية انتقائية غير موضوعية بقدر ما تدل على تغلغل نفوذ الاتحاد الأوروبي في القرارات السيادية لبلادنا. مع التأكيد أننا لسنا معنيين بتسييس هذه المسألة لصالح أي من الطرفين التركي أو الأوروبي بقدر ما يعنينا الدفاع عن مصالح تونس و شعبها.  كما نصح المعهد الحكومة التونسية بتنشيط التصدير مما جعل رئيس الحكومة يرأس المجلس الأعلى للتصدير و يعلن عن حزمة إجراءات ستنتفع بالعديد منها الشركات الأوروبية غير المقيمة والمصدرة كليا نذكر من بينها المنح الخاصة بالنقل البحري والجوي التي سيتم الترفيع في نسبها إلى 60 و70 بالمائة؟   

بعد هذه المرحلة وفي خطوة لامتصاص الغضب الشعبي وتخدير الرأي العام التونسي قام أحد البنوك الخاصة التونسية وينتمي لمجموعة خاصة تونسية تنشط في عديد القطاعات وتعتبر من مموليمعهد الاستشراف الاقتصادي للعالم المتوسطيبتنظيمأول حلقة من سلسلة ندوات مبرمجة وذلك بمقر البنك بتاريخ 17 جانفي 2018 حول موضوعمحددات الإقلاع الاقتصادي لتونس في العالم الحالي“. و قد استدعت ثلة منالمختصينفي مقدمتهمليونال زينسوذو الجنسية المزدوجةالفرنكوبينينيةو الذي ترأس حكومة البينين بين سنتي 2015 و2016 وكذلك إلياس الجويني الوزير السابق في حكومة ما بعد الثورة بصفته نائب رئيس جامعةدوفينالباريسية الليبرالية وعضو في مجموعة الخبراء لدىكارلوس موإيداسالمفوض الأوروبي المسؤول عن البحوث والعلوم والابتكارات بالاتحاد الأوروبي وهو أيضا عضو في مجلس التحاليل الاقتصادية التونسي التابع لرئاسة الحكومة والذي يرأسه عفيف شلبي الذي شغل منصب وزير الصناعة سابقا وكذلك نور الدين الحاجي رئيسمعهد الاستشراف الاقتصادي للعالم المتوسطيفرع تونس

لقد استهل  ليونال زينسوالوزير الأول السابقالفرنكوبينينيتدخله مطمئنا كل الحضور و من ورائهم الشعب التونسي بقولهإن الاقتصاد التونسي ليس الوحيد الذي يعاني من أزمةوأنالأزمة الاقتصادية هي في عقول التونسيين فقطوليست واقعية. وأضاف أنهمن خلال بعض المؤشرات الرسمية فإن الاقتصاد التونسي بدأ بالإقلاعوذكر في مقدمة هذه المؤشرات بطريقة مطمئنة جداأن العجز التجاري الذي يبدو لكم أنه وصل إلى مستوى مفزع فإنه لا يمثل حسب رأيه أي مشكل. لماذا؟لأنو الكلام لهالميزان التجاري بين تونس و الاتحاد الأوروبي يتمتع بفائض تجاري لصالح تونس وهو علامة تدل على مدى القدرة التنافسية والكفاءة التي يتمتع بهما الاقتصاد التونسي؟ طبعا هو يتحدث عن نظام الشركات الغير مقيمة والمصدرة كليا التي لا تسترجع مداخيل التصدير إلى البلاد التونسية.  أما مع الصين فيطمئن من جديد مضيفافإن العجز التجاري مع هذه الإمبراطورية الوسطى العظمى عادي جدا، لأنّ هذا الوضع أصبح وضعا عالميا تعاني منه كل بلدان العالم.” و كأني به  يسرد المثل التونسي القائلالشنقة مع الجماعة خلاعة“.

هكذا بكل بساطة ولنقل بكل سذاجة يتم تقييم الوضع الاقتصادي لبلادنا وتقديم النصائح التي تطبقها الحكومة التونسية والحال أن الخزينة العمومية للبلد تعاني من شح مالي كبير مما جعل الدولة تلتجئ مؤخرا إلى البنوك المحلية الخاصة منها والعمومية لالتماس قرض بـ150 مليون دينار مع استعداد الدولة  لدفع نسبة فائدة بين 8 و9 بالمائة وذلك لتوفير جرايات التقاعد لشهر جانفي 2018 ! مع العلم أنه لم تستجب لهذا العرض المغري جدا البنوك التونسية لسبب بسيط حسب رأينا هو أن هذه البنوك بذاتها تعاني من نقص حاد في السيولة المالية لعدة اعتبارات منها انهيار نسبة الادخار الوطني نظرا لتدهور القدرة الشرائية للمواطنين.

أرقام رسمية مفزعة تنذر بخطورة الوضع في سنة 2018

25,2 مليار دينار عجز تجاري و5,6 مليارات خدمة الدين الخارجي فيما لا تقل قيمة تحويل مرابيح الشركات الأجنبية المنتصبة في بلادنا عن 3,5 مليار أي ما مجموعه 34,3 مليار دينار يجب توفيرها بالعملة الأجنبية في سنة 2018 ولا يمكن تغطيتها عبر ميزان الخدمات في كل الأحوال. هذا الوضع الذي سيعمق العجز في ميزان الدفوعات سوف تكون له انعكاسات سلبية جدا على مستوى المديونية وعلى مستوى الزيادة في انهيار قيمة العملة الوطنية وعلى مستوى تقلص القدرة الشرائية للمواطن التونسي.   

لذلك وبالنظر لكل ما سبق ذكره من تلاعب ومهاترات بمستقبل بلادنا وأجيالنا من طرف لوبيات غير مسؤولة  وبعيدا عن كل تجاذبات سياسية لا تفيد الوطن في شيء ندعو الحكومة إلى القيام بمصارحة الشعب التونسي بالوضع الحقيقي للاقتصاد الوطني الذي يتم جره إلى الإفلاس عبر إملاءات تُقدّم في شكل إصلاحات عانت منها الكثير من البلدان في العالم ولم تخرج منها إلا بتغيير منوال التنمية ونذكر من بينها البرتغال الذي اختار مند سنتين فقط سياسة اقتصادية تعتمد تنشيط الطلب الداخلي الذي نشط الاستثمار والإنتاج الداخلي أيضا والقطع مع سياسة التقشف التي يفرضها صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي فكانت النتيجة جد سارة ومفاجئة حيث تقلصت نسبة البطالة من 17 بالمائة إلى 8 بالمائة فقط حاليا كما ارتفعت نسبة النمو حيث فاقت مستوى كل البلدان الأوروبية مما أحرج مراكز النفوذ في الاتحاد الأوروبي المغالين في تبرير سياسة التقشف. كما قرر البرتغال وضع حد لسياسة التفريط في المؤسسات الوطنية بعدما لجأ سابقا إلى بيع حتى المستشفيات العمومية إلى القطاع الخاص ولوحظ آنذاك تكاثر عدد المرضى في صفوف الشعب البرتغالي الذين كانوا يرابطون أمام تلك المستشفيات التي تمتنع عن مداواتهم نظرا لعدم قدرتهم على الدفع المسبق للمبالغ المشطة التي تشترطها تلك المستشفيات التي تمت خصخصتها.

كما نجدد الطلب الملح للحكومة والذي سبق أن تقدمنا به منذ أسبوعين على صفحاتالشارع المغاربيمن أجل المبادرة بالتعجيل بتقديم مشروع قانون يلغي مفعول قانون أفريل 2016 المتعلق بتغيير القانون الأساسي للبنك المركزي التونسي حتى يتسنى للدولة التمتع بمرونة سيادية تيسّر عليها توفير السيولة المالية الداخلية لمجابهة وتخطي الوضع الصعب الذي تمر به الخزينة العمومية كما ندعوها بكل إلحاح أيضا إلى ضرورة تطبيق حق الحماية طبقا للفصل 12 من قانون المنظمة العالمية للتجارة والفصل 35 من اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في علاقة بالعجز العميق لميزان الدفوعات الذي يهدد البلاد بالإفلاس و ذلك قبل فوات الأوان.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING