الشارع المغاربي – بعد نرجسية واستسهال تدخّله التلفزي الأخير: هل الشاهد في مستوى الوضع ؟ / بقلم: كوثر زنطور

بعد نرجسية واستسهال تدخّله التلفزي الأخير: هل الشاهد في مستوى الوضع ؟ / بقلم: كوثر زنطور

2 مارس، 2018

الشارع المغاربي : إصرار رئيس الحكومة يوسف الشاهد على تقديم صورة وردية لحصيلة عمل حكومته منذ تسلمه العهدة الى اليوم، والتساهل الغير المسؤول في تعاطيه مع ملفات حارقة واحترافه سياسة المغالطات في تقديم الارقام وفي توظيفها كلها معطيات تدعو فعلا للتساؤل حول أهلية الرجل لقيادة سفينة البلاد  في وضع دقيق  كالذي تمر به تونس على جميع المستويات.

منذ أيام قليلة ردّ أحد مستشاري رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في لقاء غير رسمي عن  سؤال يتعلق بكيفية تقييم الرئيس قائد السبسي عمل حكومة يوسف الشاهد وما يتداول من حديث عن توتر يسود العلاقات بينهما بالقولالشاهد تحسّن وانطلق أخيرا في معرفة الدولة ودواليبها واصبح يقضي وقتا أطول في مكتبه مقارنة بالفترة الأولى من تسلمه الحكم

وان كان رئيس الجمهورية يرى أن الشاهد انطلق في مسارتعلم اسس العمل الحكوميفالواضح ان ما جاء في الحوار التلفزي  الاخير لرئيس الحكومة يُبين انه انطلق في تلذذ السلطة، وفي تنويع الأساليب السياسوية بالشعبوية للمحافظة على منصبه حتى ان اقتضى الامر مغالطة الرأي العام والزعم بان تونس تعيش مرحلة ايجابية .

الحال .. والاحوال

أكد يوسف الشاهد في ثاني حوار تلفزي له سنة 2018 اختار ان يكون مرة اخرى على القناة الوطنية الاولى يوم أول امس الاحد ( آخر حوار تلفزي بالاعلام المحلي يوم غرة جانفي ببرنامجقهوة عربي“)، ان البلاد تعرف في هذه المرحلة مؤشرات في طريقها الى اللون الأخضر خاصة في مجالات التصدير والنسيج والسياحة والصناعات المعملية وان نسبة البطالة تقلصت منذ تسلمه مقاليد الحكم لتصل الى 29.6  بالمائة بعد ان كانت في حدود 31.6 .

تفاؤل رئيس الحكومة  وتأكيده ان البلاد تعيشمرحلة ايجايبةيثير الاستغراب حتى لا نقول انه صادم. فيوم 15 فيفري 2018 وصف المحافظ الجديد للبنك المركزي مروان العباسي  في كلمة بمجلس نواب الشعب المؤشرات الاقتصادية بـالمخيفة  مبرزا أن تضخم الأسعار أخطر من إدراج تونس في القائمة السوداء .

ولا يبعد تقييم المحافظ الجديد للبنك المركزي عما يطرحه اهم خبراء الاقتصاد، فالحديث عن انتعاشة في السياحة مثلا سبق ان فنده البنك المركزي في بلاغ صادر عنه منتصف شهر جانفي المنقضي عندما أشار إلى ان عائدات السياحة سجلت زيادة ب1.9 في المئة، وأن النسبة لا تعكس حتى بالنسبة لاكثر المتفائلين اية انتعاشة تذكر .

ومن المفارقات ان يتحدث رئيس الحكومة ايضا عن مؤشرات ايجابية في قطاع النسيج الذي يشهد احد أحلك الفترات على الإطلاق. ويكفي ان نذكر في هذا المجال ان تونس خسرت 40 الف موطن شغل ،وفق ما أكد الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي يوم 3 فيفري 2018، بسبب غلق 300 مؤسسة تنشط في قطاع النسيج فيما أكدت دراسة صادرة عن المنتدى التونسي للحقوق الإجتماعية والإقتصادية ان هذا القطاع يتجه نحو الاندثار.

وبعيدا عن مقارعة أرقام رئيس الحكومة التي وظفها عبر معادلةمقارنة الاسوء بما هو أسوأ منه، لنا ان نتساءل إن كانت للإنتعاشة التي قال الشاهد أنها سجلت في عدد من القطاعات كالنسيج والسياحة تأثيراتها على العجلة الاقتصادية وعلى موارد الدولة خاصة من العملة الصعبة التي سجلت تراجعا قياسيا لم تعرفه البلاد منذ اكثر من 16 سنة.

وتستعد تونس للخروج للسوق المالية العالمية للحصول على قرض بمليار دولار، ولا يبدو أمام السواد الذي لحقها من تصنيفات الاتحاد الاوروبي ومن التراجع القياسي في مخزونها من العملة الصعبة ومن تأخر صندوق النقد الدولي في صرف القسط الثالث من قرض الـ2.9 مليار دولار أنها ستكون قادرة على تجميعها وان تمكنت فستكون بشروط جد قاسية .

ونبقى مع النظرة التفائلية للسيد الشاهد عن المرحلة الايجابية، فنذكر ان الثلاث  الاشهر الاخيرة تعتبر سوداء قاتمة على تونس سجل خلالها عجز الميزان التجاري عجزا ب15.5 مليار دينار وتراجع احتياطي العملة ليغطي واردات تونس لـ82 يوما فقط، وادراج الاتحاد الاوروبي تونس في قائمة سوداء ثم رمادية للدول المصنفة كملاذات ضريبة، وبعدها صنفت من البرلمان الاوروبي كدولة ذات مخاطر عالية لغسل الأموال وتبييض الإرهاب.

غياب المنجز

في ظل غياب الانجازات والالتزام بالتعهدات، التجأ رئيس الحكومة الى ورقة الفساد ليضع كل من ينتقد حكومته في سلة  الخائفين من المحاسبة والمتحالفين مع لوبيات الفساد . فالسيد الشاهد يعتبر ان حكومته هي الوحيدة التي حاربت الفساد في تاريخ تونس، ولا نعلم ان كان إيقاف عدد من المهربين ورجل أعمال في قضية التآمر على امن الدولة يعتبر انجازا تاريخا وسم الشاهد به نفسه.

فالحرب التي اطلقها رئيس الحكومة على الفساد يوم 9 ماي 2018 انتقدها اهم حليف له، الاتحاد العام التونسي للشغل الذي اعتبر على لسان أمينه العام ان الزج ب4 أشخاص في السجن لا يعكس حربا على الفساد، فيما جدد رئيس هيئة مكافحة الفساد شوقي الطبيب تأكيده على ان الفساد ينخر مؤسسات الدولة في تصريح ادلى به منذ ايام معدودات .

ولا يبدو ان هذه الحرب التي لم تظهر ثمارها بعد، ولم تُر لها نتائج حقيقية تدعو رئيس الحكومة لتوظيفها واستغلالها كورقة سياسية، قد عرفت مسارا بعيدا عن الانتقائية ولم تشبها شوائب عديدة. ويختزل قرار المحكمة الإدارية باسقاط قرارات مصادرة أملاك عدد من الموقوفين في اطار هذه الحرب ثغراتها ويؤكد انها انطلقت بلا استراتيجية واضحة.

ولأن التساهل الذي ظهر على رئيس الحكومة الذي تحدث الى محاوريهساق على ساق  بعيدا عن  مقام رجل الدولة قد استعصى بالرجل ليصل حد تحميل لجنة التحاليل المالية مسؤولية إدراج تونس في القائمة السوداء للدول المعرضة لمخاطر غسل الأموال وتمويل الارهاب، لنا ان نطرح سؤالا بسيطا ان كان البنك المركزي ممثلا في اللجنة المضيقة لمحارية الفاسد وإن كان العمل على هذا الملف انطلق مثلا بفتح ملفات اكثر من 20 الف جمعية تحوم شبهات حول تمويلاتها؟.

هذا كله لا يهم في نظر رئيس الحكومة الذي يعتبر نفسه انتهى من محاربة الحيتان الكبيرة لينطلق اليوم في حرب على الفساد الصغير، ولأننا منخرطون مبدئيا في هذه الحرب نطرح تساؤلا آخر يتعلق بقرار تكليف مستشاره بملفاورنج تونس، وسؤال آخر يتعلق برئيس الكرامة هوليدينغ وبمراسلة البنك المركزي الذي رفضت في وقت سابق تعيينه على رأس بنك  عمومي بسبب تضارب مصالح ليتم تعيينه على رأس مؤسسة مكلفة بإدارة الأملاك المصادرة.

هذه المعطيات نضيف إليها أخرى تصب في  سياسة استسهال تسيير دواليب الدولة، نذكر منها غياب أي تنسيق بين أجهزة الدولة الذي كان احد أسباب التصنيفات السوداء الأخيرة إلى درجة أصبحت البلاد معها محل استهزاء من شريكها الأساسي، الاتحاد الاوروبي على خلفية عجزها عن الرد في الآجال، بسبب حالة فراغ على رأس وزارة المالية حتمها قرار متسرع بإقالة الوزيرة لمياء الزريبي ثم الاستخفاف بالدولة وتأخير التعيين الوزير لأكثر من 6 أشهر.

وقبل الحديث عن رقمنة الإدارة، وهو قرار استراتيجي وهام، يبدو ان رئيس الحكومة مطالب قبل ذلك بإعادة الأمور إلى نصابها داخل فريقه الحكومي الذي قال انه وجه إليه توبيخا خلال اخر اجتماع لمجلس الوزراء، فكواليس القصبة تشير إلى برودٍ ضرب علاقات الشاهد بوزراء السيادة بخلاف خصومات شقت صفوف وزرائه.

في الحصيلة، لا تشير سياسة رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى جدية في التعامل مع الملفات الحارقة في وقت يحذر الخبراء وكبريات المنظمات الدولية من مخاطر تهدد السلم الاجتماعي والاقتصادي بتونس. ولا يعكس خطابه النرجسي إلا رغبة في البقاء رغبة جعلته اليوم يغازل نداء تونس بعد ان لفظه الإتحاد العام التونسي للشغل الذي كان حتى وقت قريب يقرر والشاهد ينفذ، من ذلك إقالة وزير المالية لمياء الزريبي وإبقاء وزارة سيادية في حالة شلل وفراغ بسبب نصيحة من الأمين العام الطبوبي تتضمن التمهل قبل الإعلان عن تحوير شامل.. والنتيجة يعلمها الجميع.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING