الشارع المغاربي – لطفي النجار: دعا الخبير الاقتصادي محمد الجراية الأسبوع الفارط في البرنامج الإذاعي “هنا شمس” الحجيج والمعتمرين لتأجيل الحج والعمرة إلى سنة أخرى تفاديا للضغط على العملة الصعبة باعتبار أنّ احتياطي البلاد من العملة الصعبة واصل هبوطه إلى مستويات حرجة وخطيرة لا تكفي إلّا واردات ما يناهز 80 يوما. واعتبر الجراية أنّ العمرة والحجّ وغيرها من السفرات من الكماليات، وانه أصبح اليوم من الضروري التقليص من هذه الكماليات حسب تشخيصه لأنّ البلاد تعيش وضعا صعبا.
دعوة الخبير الاقتصادي فيها جرأة محمودة ولم يقم بها “خبراء” في الشأن الديني “عالمون” بالنصوص شرحا وتأويلا وبالفقه أصولا ومذاهب، وخاصّة واعون بالأوضاع الصعبة التي يعيشها اقتصادنا الوطني ومدى استنزاف الحج والعمرة احتياطي عملتنا الصعبة المستنزفة أصلا لاسيّما بعد إعلان وزير الشؤون الدينية أحمد عظوم عن استجابة السلطات السعودية لطلب كانت قد تقدمت به تونس للترفيع في عدد حجيجها كاشفا أنّ العدد سيصل خلال الموسم القادم إلى 10982 حاجا، هذا الإعلان الذي سيزيد ضغطا متزايدا على رصيدنا من العملة الصعبة في ظرف اقتصادي شديد الحساسية والخطورة.
تقول الآية الكريمة:”وللّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا” (آل عمران 97). في شرحه وتفسيره لهذه الآية في الجزء الرابع من كتابه “التحرير والتنوير” يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور : “وظاهر قوله تعالى من استطاع إليه سبيلا أنّ الخطاب بالحج والاستطاعة للمرء في عمله لا في عمل غيره…وقد اختلف العلماء في أنّ الحجّ واجب على الفور أو على التراخي..,واحتجّ بحديث ابن عباس: أنّ امرأة من خثعم سألت النبي يوم حج الوداع فقالت : إنّ فريضة الله على عباده، أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفيجزىء أن أحج عنه ؟ قال : نعم حجي عنه أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته ؟ قالت : نعم، قال : فدين الله أحق أن يقضى. وأجاب عنه المالكية بأنّ الحديث لم يدل على الوجوب بل أجابها بما فيه حثّ على طاعة أبيها، وطاعة ربها“.
الشيخ المجدّد ابن عاشور أشار إلى إمكانية ما يسمّى في الفقه ب“التراخي” أي التأجيل لسنوات أخرى كما دعا إلى ذلك الخبير الاقتصادي في حال عدم الاستطاعة أو وجود دين متخلّد. وعدم القدرة أو الاستطاعة اليوم هي حال مجتمع بأسره ينوء اقتصاده تحت وطأة الديون والقروض.
إنّ النّاظر اليوم لأزمتنا الاقتصادية يكتشف انها تتطلّب بالضرورة تقشّفا رسميا من أصحاب الرئاسة والوزارة ونيابة الشعب لإعطاء المثال والنموذج للنّاس، كما تتطلّب إثر ذلك إيجاد حلول عملية وعلمية لأزمتنا المالية الخانقة، وتفرض علينا مقاربات جديدة في معضلة الحج والعمرة والنظر في إمكان التأجيل لسنوات معدودات قصد الخروج من هذا النفق المالي الخطير. فشرط “الاستطاعة إليه سبيلا” لم يعد متوفّرا للمجتمع بأسره في وحدته والحجّة على ذلك احتياطي بلادنا الضعيف من العملة الصعبة والكمّ المفزع من الديون والقروض…لذلك يجوز “التراخي” على قول ابن عاشور ويجوز التأجيل والله أعلم.