الشارع المغاربي – تونس في قبضة «المافيا» و«الحرب على الفساد» فشلت

تونس في قبضة «المافيا» و«الحرب على الفساد» فشلت

30 مارس، 2018

الشارع المغاربي – منير السويسي* : «البلاد اليوم أصبحت تحكمها مافيوزا بأتمّ معنى الكلمة». «عصابات التهريب» موّلت «العديد من الأحزاب» وأبرمت معها «صفقات» ولو تمّ استهداف هذه العصابات لـ«فضحت» تلك الأحزاب.

هذا بعض من أهمّ من جاء في كلمة ألقاها الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي خلال تجمع عمالي بدار الاتحاد في بنزرت يوم الأحد 25 مارس 2018.

الطبوبي أضاف متوجها بالخطاب إلى الحكومة «أتحداكم تحديا صارخا أن تضعوا أسماء المؤسسات (العمومية) التي تريدون بيعها. لأنه ليس عندكم غاية إصلاح. كل ما في الأمر أن هناك مافيوزا وهناك سماسرة واضعين أعينهم على اللحمة السمينة».

بهذه التصريحات تنضمّ «المركزية النقابية» إلى منظمات دولية وتونسية حذرت من أن أجهزة الدولة في تونس أصبحت في قبضة «المافيا».

رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي أعلن «الحرب على الفساد»، أقرّ شخصيا خلال مقابلة صحفية سابقة مع «الوطنية 1» بأن «المافيا» تغلغلت في مفاصل الدولة.

وقبْل الشاهد، صرّح سلفه الحبيب الصيد بأن «الحرب على الفساد أصعب من الحرب على الإرهاب». فكيْف وصلنا إلى هذا الوضع «المافيوزي»؟

«منظومة ابتزاز ومساومة باسم الثورة»

غداة هروب زين العابدين بن علي وزوجته إلى السعودية ووضع «الطرابلسية» في السجن، انتصبت في تونس «منظومة مساومة باسم الثورة» وفق منظمة «مجموعة الأزمات الدولية».

فبَعْد أن كان «ابتزاز رجال الأعمال في عهد بن علي امتيازا لفائدة الزمرة الممسكة بالسلطة، قلّما سمحت به لغيرها،  ازدادت رقعته اتساعا منذ الثورة. إذ برزت منظومة مساومة تستند إلى مصدر نادر هو الملفات» المتعلقة بالفساد (الدّوسيّات).

عقب الثورة مباشرة، «تعرضت أرشيفات وزارة الداخلية ورئاسة الجمهورية والوزارة الأولى ووزارة العدل والجماعات الجهوية والمحلية، المتعلقة بأنشطة الفساد للعديد من الفاعلين في الاقتصاد، إلى الإتلاف جزئيًا، أو على النقيض من ذلك تم استنساخها من طرف موظفين يعملون بشكل مواز لفائدة رؤساء مؤسسات مؤثرين في شبكات اقتصادية عائلية وجهويّة» و«باتت تلك الوثائق تغذي منظومة ابتزاز وفساد في توسّع متزايد» وفق تقرير لمنظمة «مجموعة الأزمات الدولية».

ويتمثل «الابتزاز» في «انتزاع الأموال من رجال الأعمال الذين كانوا ناشطين في عهد النظام السابق، أي غالبية رؤساء المؤسسات الحاليين الذين استفادوا بشكل أو  بآخر من امتيازات ومن ممارسات غير قانونية لإنجاح مؤسساتهم» في عهد بن علي مثل «التهرّب الجبائي» و«التهريب».

وفي حال رفض المعني بالأمر دفع المبالغ المالية المطلوبة، فإن الماسكين بملفات الفساد يعمدون عبر شبكة من «التواطؤات الضرورية»، تضمّ وسائل إعلام وأطرافا «داخل العدالة والمحاماة»، إلى «فضح القضية على الملأ»  أو «إنجاز متابعات قضائية سريعة».

وكان «ضحايا» منظومة الابتزاز والمساومة هذه، «رجال أعمال محلّ متابعات قضائية، لا يَحْظَوْن بالمداخل الضرورية في أجهزة الإدارة المركزية، والعديد منهم، لا سيما البعض ممن دُرست ملفاتهم في 2011 من طرف اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة وقدمت للعدالة، لم يكن لهم الحق في مغادرة البلاد قبل محاكمتهم، دفعوا رشاوى للإفلات من المتابعة».

القائمون بعمليات الابتزاز والمساومة «يبتزون الأموال لحساب شركائهم السياسيين (أي الأحزاب السياسية النافذة) ثم يغيّبون الملفات المحرجة مقابل رشوة تستخدم لإثراء حزب أو تمويل حملة انتخابية».

بارونات الفساد واختراق أجهزة الدولة

«بارونات الفساد اخترقوا (بأموالهم) وزارة الداخلية ووزارة المالية والديوانة والقضاء ووسائل الاعلام ومجلس النواب والاحزاب السياسية (..) للاحتماء بها»، هكذا  وصف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب درجة تغلغل «المافيا» في مفاصل الدولة، خلال إحدى ندواته الصحفية.

الطبيب أشار إلى أن القضاء التونسي لم يبت بعد، بسبب فساد «بعض القضاة»، في عدة ملفات فساد، رغم إحالتها على القضاء «منذ سنوات» قائلا «من أسباب ركود هذه الملفات في القضاء، ان بعض القضاة (…) تواطؤوا للتغطية عليهم».

«الإثراء من المناصب السياسية»

بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014، أصبح «الإثراء من المناصب» السياسية والإدارية و»المحسوبية» و«السمسرة» مظاهر «تنخر»  الإدارة والطبقة السياسية «العليا» في تونس (الأحزاب، البرلمان..) إلى درجة أن عموم المواطنين صاروا يعتبرون أجهزة الدولة «مافيوزية»، وفق توصيف منظمة «مجموعة الأزمات الدولية».

وبحسب المنظمة، أصبح مجلس نواب الشعب «مركز التقاء  الشبكات الزبائنية» وأصبح «عديد» النواب «مختصين في السمسرة وترقية الأعمال».

كما أصبح «الفاعلون الاقتصاديون الذين مولوا الحملة الانتخابية لبعض الأحزاب» السياسية «يؤثّرون مباشرة في تعيين الوزراء وكتاب الدولة وكوادر الإدارة المركزية والجهوية والمحلية بما في ذلك الديوانة وقوات الامن الداخلي» وفق المنظمة.

ولفتت المنظمة إلى أن «بعض» ممن يتم تعيينهم في هذه المناصب «مجبرون على الإذعان (للتعليمات) كما كان الحال زمن الدكتاتورية، لتفادي فضح ملفاتهم الأخلاقية والجبائية وفسادهم ، في حين يذعن البعض الآخر خوفا من عزله» من المنصب.

وحذّرت من أن تونس تعيش في ظل «منظومة مافيوزية» وأن الفساد بلغ «مستويات خطيرة» خصوصا في «وزارة الداخلية والديوانة والقضاء».

لقد فشلت «الحرب على الفساد» بسبب «تورط العديد من الأطراف المشكلة للسلطة مع الفساد وأباطرة التهريب والتجارة الموازية وشبكات تبييض الأموال والاحتكار ونفاذ رجال أعمال فاسدين في دواليب السلطة»، وفق توصيف حزب «القطب» اليساري.

*رئيس «منتدى تونس للصحافة والنفاذ إلى المعلومات»

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING