الشارع المغاربي – منير الفلاح يكتب: نجيب الخطّاب كما عرفته !

منير الفلاح يكتب: نجيب الخطّاب كما عرفته !

25 أبريل، 2018
الشارع المغاربي – بقلم منير الفلاّح : في 25 أفريل 1998 تُوفّي “نجيب الخطّّاب” المُذيع الذي أحبّه الملايين من التّونسيين. لقد كسب عطف واحترام المستمعين والمتفرّجين بعد ملحمة المنتخب الوطني التونسي في كأس العالم بالأرجنتين سنة 1978.لم يكن تعليقه على المقابلات عاديّا بالمرّة… بل كان وصفه لإبداعات عناصرنا الوطنيّة فوق الميدان وحماسه المفرط ومشاعره الفيّاضة أمام الميكروفون شيئا يصعب تصديقه.. حيث عبّر” نجيب الخطّاب “عن فرحته بتلقائيّة مع كلّ هجوم… ومع كلّ هدف و إلى الآن مازالت صيحات سعادته تدبّ في قلوبنا… ومازالت أجمل اللّحظات التي عاشتها كرة القدم التونسية هي تلك التي صوّرها على طريقته الخاصّة. كان عمره آنذاك 25 سنة وساهم إلى جانب بقيّة اللاّعبين (وأغلبهم يقاربونه في السنّ) في إعلاء إسم تونس التي أدارت إليها الرّقاب لما قام به أبناؤها…
عرفته شخصيّا سنة 1986 لمّا كان ينشّط منوعة تلفزية تُبث عشية الاحد مباشرة من أستوديو 9..ودعاني صحبة صديقي” مصطفى نقبو” للحديث عن مجلّتي” شاشات تونسية” التي رأت النّور في تلك الفترة.. و أثناء تقديمي أخطأ في إسمي قائلا “صالح” فحاولت التصّحيح مذكرا إيّاه أنّ إسمي “منير ” لكنّه إعتقد أنّي قلت له “مدير” فعلق متهكّما:” كلّنا مديرون في مشاريعنا الخاصة” ثم فسح المجال لبثّ إحدى المباريات الرياضية..فعاتبته على إصراره على الخطأ وعلى نبرة التّهكّم التي صاحبت تعليقه ووضّحت له المسألة قائلا:
” راهو اسمي منير موش صالح أمّا في خصوص قولك مدير… راني مدير دار الثّقافة باب العسل ومدير نوادي السّينما ومدير “شاشات تونسية “يعني ثلاثة في واحد…” فضحك كثيرا ثم تدارك المسألة عند عودة للبث فإعتذر لي وقدمني باسمي منير….
سنة 1990 تعاملت معه كثيرا بوصفي رئيس مصلحة البرامج الثّقافيّة بقناة 7 وكان يستشيرني في خصوص الشّخصيات الثّقافية التي ينوي دعوتها لبرامجه …و في تلك الفترة كان المرحوم الحبيب حرار يقوم بإعداد الأسئلة الخاصّة بالمسابقات.وحدث أن اختلف معه في مسألة مهنية فعاقبه حبيب حرّار باعطائه جوابا خاطئا عن سؤال يخصّ الفلاسفة اليونانيّين وسطّر له تحت إسم” ارسطو”عوض”افلاطون” وأثناء البث المباشر أسند “نجيب الخطّاب” الجائزة بصفة خاطئة و جلبت له المسألة نقد الصّحافة .
فقرر التخلّي عن “حبيب حرار” و طلب مني مساعدته في إعداد الأسئلة و لأجوبة وقدّم لي مقابل ذلك منحة ماليّة مهمّة تفوق بكثير منحة برنامج سينما و جمهور الذي كنت أعدّه لقناة 7 في تلك الفترة.. في سنة 1995 كنت إتّفقت مع مجموعة” الحمائم البيض” على تنظيم ذكرى عيد الميلاد 15 للمجموعة بدار الثقافة ابن خلدون و اقترحت على “نجيب الخطّاب” دعوتهم في منوعته بالمناسبة وأقنعته أن مجرد تقديمهم لفقرة في التلفزة التونسية سيرفع عن الفرقة الحصار المفروض عليها بسبب نوعية الأغاني التي إختصّت في تقديمها فوافق على الفور ونسّق مع المجموعة و قدّمها في أحلى حلّة…
هذا هو نجيب الخطّاب كما عرفته وقبل وفاته بأيّام إلتقيته صدفة فاعلمني أن الإرهاق أنهكه وأنّ الطّبيب طلب منه التوقّف عن العمل ثمّ ضحك وقال لي:”..ماك تعرف الجو هوني(التلفزة) لو كان ترتاح يفكولك البلاصة!!”..الأسبوع الأخير من حياته كان متعبا إلى درجة لا توصف. وصل به الأمر إلى حدّ ملازمة الفراش ولم يعد إلى العمل إلاّ يوم الجمعة بعد الزّوال أي قبل وفاته بيوم… حيث باشر بنفسه مونتاج برنامج «السهريّة على الفضائيّة» ثم خاطب بالهاتف الفنّان المصري “علي الحجّار” الذي كان من المفروض أن ينزل ضيفا على سهرته ثم طلب صور موكب دفن الفنّان الرّاحل “محمد بن علي” لأنّه كان ينوي بثّ فقرة خاصّة عنه.
وقبل مغادرة مكتبه في مقرّ الإذاعة والتّلفزة التونسية علم باعتذار “علي الحجّار ” عن القدوم فاتّصل بالمطربة “صوفية صادق “وأعلمها بأنّه سيقدّم لقطات من حفلها مباشرة من قصر القبّة…وبدأ يعدّ لبرنامج يعوّض به حضور “علي الحجار” .
وفي حدود السّاعة الثّامنة أحسّ بأوجاع فتمّ نقله إلى المصحّة… وإلى غاية منتصف اللّيل كانت حالته مستقرّة، ولكن بعد ذلك بساعتين أمر الأطبّاء بنقله على عجل إلى العناية المركّزة لكنّه أسلم الرّوح قبل دخولها…
رحم الله الفقيد العزيز على قلوبنا جميعا

اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING