الشارع المغاربي – الانتخابات البلدية 2018: انتصر المستقلّون على حساب الثنائي النهضوي-الندائي / بقلم: عبد العزيز المزوغي

الانتخابات البلدية 2018: انتصر المستقلّون على حساب الثنائي النهضوي-الندائي / بقلم: عبد العزيز المزوغي

11 مايو، 2018

الشارع المغاربي : قام الشعب التونسي بثورة أو بانتفاضة أو بغيرها من المسميات التي تتراوح بين تمجيد وتقديس ومعاداة وتحقير أوضاع كان راضيا عن جزء منها (النمو الاقتصادي والسلم الاجتماعية طيلة أكثر من عشريتين) ولكنه سئم وملّ التخلف المطبق على المستوى السياسي والشخصنة المفرطة والتملق اللامتناهي وتمجيد السلطة على كل المستويات. ولكن هذا الطموح المشروع لاصلاح الاوضاع والمرور الى الافضل جوبه بالحسابات الضيقة والطموحات المفرطة للطبقة السياسية مما جعل الرأي العام ينزلق شيئا فشيئا نحو الاحباط واليأس والخوف من المستقبل.

فبعد ازاحة بن علي دون القضاء على العقلية الانتهازية التي مكنته من السيطرة على البلاد   لأكثر  من 20 سنة كان الامل يحدو الكثير من المواطنين في ارساء ديمقراطية متبصّرة وجدية تمكن البلاد من الاقلاع نهائيا من صفوف البلدان المتخلفة والمحوكمة بصفة متسلطة نحو صفوف الامم الديمقراطية الراقية.

لكن هذا الحلم لم يعمر طويلا ودخلنا سريعا في دوّامة العنف  والتحزّب الضيق والفساد المالي على حساب المصلحة الوطنية فاصبحت  البلاد ومنذ انطلاق الانتخابات الأولى (انتخابات المجلس التأسيسي) تنزلق شيئا فشيئا نحو المجهول ونحو الرداءة وضعف تأثير الرأي العام والشارع تحت الضغط المكثف لاحزاب السلطة على الاعلام وعالم الاعمال والقضاء وغيرها من الهياكل الأساسية للسلطة. وتم كل هذا  تحت شعار الوفاق بين أعداء الأمس  حركة النهضة ونداء تونساللذين ضيّقا الخناق على البلاد حتى رجع النفاق والتملق والمحسوبية والفساد الى أسوإ ما كانت عليه في عهد بن علي.

وقد شكلت الانتخابات وهذا شيء عادي في الديمقراطيات محطات هامة في انزلاق البلاد بسرعة مذهلة في مرحلة أولى وببطء نسبي في ما بعد نحو الحضيض. فبعد انتخابات المجلس التأسيسي والتي شكلت نموذجا للسطو الديمقراطي على السلطة واستعمال المحطة الانتخابية في غير محلها وبسوء نية واضحة انطلق الشعب التونسي بكل جوارحه في عملية لانقاذ البلاد فكان سقوط الحكومة المنبثقة عنشرعيةانتخابات المجلس التأسيسي ومحطة 2014 التي أبعدت الاحزاب التي ساهمت بقسط وافر في تدهور الاوضاع بالبلاد وانزلاقها نحو العنف والتطرف والتلف الفكري والسياسي.

ان الانتخابات البلدية التي انتظمت يوم 6 ماي 2018 والتي تم تأجيلها عدة مرات تفاعلا مع أهواء الأحزاب المهيمنة ومع حساباتها الضيقة والتي تم تحديد موعدها في غير أوانه باعتبار أنها التأمت سنة ونصف تقريبا قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية العامة وفي جو يطغى عليه اليأس والتشاؤم حول صلابة الدولة وقدرة الحكومة على السيطرة على الوضع السياسي والامني والاقتصادي والاجتماعي وفي ظل قانون منظم للجماعات المحلية اجمع كل الخبراء على خطره على التماسك الافقي للدولة وتأكيد العديد منهم على انه قد يؤدي الى تفككها الافقي بعد ان اسهمت الازمات الحكومية والحزبية في تفككها العمودي هي المحطة الثالثة في المسار الانتخابي.

ان هذه الانتخابات هي بمثابة الامتحان للقوى السياسية التي تدير المرحلة الحالية والمؤسسة مبدئيا علىالتحالفبين نداء تونس وحركة النهضة منذ انتخابات 2014. وقد جاءت نتائج هذه الانتخابات لتؤكد ما كان يتوقعه جل الملاحظين والمتابعين للشأن الوطني اذ تبين بوضوح عدم رضى أغلب التونسيين وأغلب الناخبين (قرابة الـ 75 بالمائة) على ادارة تبعاتالثورةوأن الشعب التونسي غير راض عما آلت إليه الأوضاع العامة وأصبح ينظر بشيء من الحنين الى فترة ما قبل 2010 وذلك رغم رضى الأوساط الأجنبية الغربية وبعض الدول الخليجية على المسار الديمقراطي في تونس. هذا الرضى الذي تحتج به علينا في كل مناسبة مخالفة بذلك مقولة أهل مكة أدرى بشعابها.

ان نسبة المشاركة في هذه الانتخابات ضئيلة جدا وتدل دلالة واضحة على حيرة المواطنين والناخبين أمام ما آلت اليه الأوضاع رغم ان هذه النسبة مضخمة نوعا ما لأن العديد من الناخبين توجهوا الى صناديق الاقتراع خوفا من الطوفان النهضوي الذي قد يرجع البلاد الى المربع الاول مربع العنف والارهاب.

ولا يمكن تقييم نتائج الانتخابات البلدية الا بقياسها بنتائج انتخابات 2011 و2014 بالنسبة لحركة النهضة وبنتائج 2014 بالنسبة لنداء تونس. ان عدد الاصوات التي تحصلت عليها حركة النهضة مرت من مليون و500 الف صوت سنة 2011 الى 900 الف سنة 2014 لتقف عند 450 الف صوت تقريبا بالنسبة لسنة 2018. وهذا يدلّ على ان النهضة انتفعت بتشتت المعارضات سنة 2011 وبوضعها كحزب وحيد مدعم دوليا واقليميا وبتعاطف بعض الفئات الاجتماعية نتيجة اضطهادها في العهد السابق. ولكن هذا تآكل سنة 2014 نتيجة عجزها عن السيطرة على الوضع واضعافها للدولة وتقسيم المجتمع الذي تفشت فيه ظواهر العنف والتطرف والارهاب. ان انتخابات 2014 رغم محدودية مصداقيتها شأنها كشأن انتخابات المجلس التأسيسي أكدت تراجع حركة النهضة وهذا التراجع استمر في الانتخابات البلدية ولكنه سيحجب سياسيا بفوزها بالمرتبة الاولى نتيجة التقهقر الكبير وغير المفاجئ لنداء تونس.

ان نداء تونس الذي خلق من عدم بعد فوز النهضة بانتخابات المجلس التأسيسي مر من مليون واربعمائة الف صوت سنة 2014 سنة بروزه لأول مرة على الساحة الانتخابية الى أكثر من 300 الف صوت في الانتخابات البلدية اي انه فقد 3/4 اصوات ناخبيه. وهذا ليس بغريب لما نتذكر المسلسل الهزلي الذي مر به هذا الحزب بقرار رئيسه التنكر لمناضليه ولناخبيه والارتماء بدون قيد ولا شرط في احضان حركة النهضة وتأكيد المواقع التي اكتسبتها في كل أجهزة الدولة. ان هذا التقهقر طبيعي ومنطقي ويدل بوضوح على ان هذا الحزب انتحر لما قرر التحالف مع حركة النهضة ولما قرر كذلك تفكيك نفسه الى ملل ونحل ارضاء لبعض الاهواء في تضارب مع أبسط القواعد المنطقية والسياسية.

ان الفائزين الحقيقيين على الاقل عدديا في انتخابات 2018 هم المستقلونالاحزاب الاخرى‘” كما تسميهم احدى الشركات المختصة في سبر الاراء لكن فوزهم هذا لن يكون له اي انعكاس سياسي على الساحة الوطنية وان حركة النهضة رغم تقهقر عدد المصوتين لها ستعزز شرعيتها باعتبارها الحزب الاول وتكثف ضغطها على السلطة والمجتمع على جميع مكونات المجموعة الوطنية.

ان جولة الانتخابات البلدية قد انتهت بهزيمة كل الاحزاب وتقهقرها لكن نداء تونس هو الذي دفع ابهظ ثمن نتيجة عدم احترامه للديمقراطية الداخلية وسيطرة الانتهازيين عليه وقيامه باخطاء استراتيجية وتكتيكية قد تؤدي به الى الاضمحلال تماما عند فقدان تمركزه في السلطة المكتسب بعد انتصاره في انتخابات 2014. ان نتيجة الانتخابات البلدية ستضعف بالضرورة حكومة يوسف الشاهد الذي ينتمي على الاقل نظريا الى حزب نداء تونس وما لقاء رئيس الحكومة بالرئيس الحالي للنداء الا بمثابة لقاء أعمى ومقعد.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING