الشارع المغاربي – حتى لا «تمشي تونس في العفس» /بقلم: جمال الدين العوديدي

حتى لا «تمشي تونس في العفس» /بقلم: جمال الدين العوديدي

1 يونيو، 2018

الشارع المغاربي: ما يحدث اليوم من تجاذبات سياسية عقيمة لا يجب أن يحجب على الشعب حقيقة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي آلت إليه البلاد نتيجة تصرف الأحزاب التي تسلمت السلطة منذ انتخابات 2014.

حيث أن ما يجري منذ منتصف سنة 2016 عبر وثيقتي قرطاج 1 و 2 يمكن اعتباره في خانة المناورات سعيا للتغطية على الوعود الانتخابية التشريعية و الرئاسية لسنة 2014 والتي لم يتحقق منها شيء. كما يمكن اعتباره تسكين الحمى الاجتماعية التي بدأ زفيرها يتصاعد بتصاعد حمى غلاء المعيشة وانهيار قيمة الدينار وتنامي المديونية ونسبة البطالة واعتزام السلطة التفريط في مؤسساتنا الوطنية الإستراتيجية و توريط البلاد في اتفاقية جديدة شديدة الخطورة.

إن الممارسات الديمقراطية تقتضي ضرورة محاسبة الأحزاب حول مدى التزامها بتنفيذ وعودها الانتخابية التي تم بمقتضاها انتخابها وائتمانها على البلاد.  من هذا المنطلق نذكر أن حزب حركة النهضة عند تقديم برنامجه الاقتصادي قبل انتخابات سنة 2014 عن طريق وزيره السابق والوزير المستشار في الحكومة الحالية صرح   أن برنامج الحزب  يسعى للقيام بإصلاحات جذرية في شتى المجالات، و يعمل على الحفاظ على التوازنات المالية، و خفض عجز الموازنة، و ترشيد نفقات الدعم الحكومي، والحد من التضخم، ورفع الاستثمار، وبعث مشاريع البُنى التحتية، وتشغيل نصف خريجي الجامعات المعطلين (بمعنى 150 ألف موطن شغل جديد تقريبا)”.

أما حزب حركة نداء تونس فقد وعد في برنامجه الانتخابي لنفس السنةبتسخير حجم غير مسبوق من الاستثمار بقدر 125 مليار دينار في بحر الخمس سنوات المقبلة بين 2015 و 2019 . كما وعدبإنقاذ المؤسسات العمومية من الإفلاس بوضع برنامج استعجالي يمكّنها من استعادة توازناتها المالية ومواصلة نشاطها في إطار تعاقدي” .   

كما أكد أنهبفضل هذه السياسة الطموحة وبالاعتماد على الاستثمارات الضخمة، سنتمكن من تحقيق نمو قوي وثابت بقدر 34 % زيادة في الناتج الداخلي الخام خلال الخمس سنوات القادمة (أي بمعدل 6,8 بالمائة سنوي وهي نفس النسبة التي التزم بها حزب النهضة)  مع الترفيع بأكثر من 28 % في الدخل الفردي وتحقيق تراجع حاسم في البطالة“.

طبعا كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الحالية تدل بوضوح على أن هذه الوعود كانت سرابا مما يثبت الفشل الذريع لهذه الأحزاب في تسيير شؤون البلاد عبر كل حكوماتها التي تداولت على السلطة منذ بداية سنة 2015 إلى اليوم

و أمام الجدل الحاد الذي قام حول مسألة تغيير رئيس الحكومة من عدمه، و أمام ما تسرب من اتفاق خبراء الأحزاب و المنظمات الوطنية حول وثيقة قرطاج الثانية و بقطع النظر عن التمسك بها من عدمه، و التي أفضت إلى وجودتوافق على ثلاثة وستين نقطة تم تحديدها لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي تتخبط فيه البلادفإنه يجب التأكيد على ما يلي :

أولا أن مسألة رئاسة الحكومة ليست مسألة أشخاص بقدر ما هي مسألة تغيير جذري في السياسات لاقتصادية و الاجتماعية التي يجب تحديدها بوضوح ليتم تطبيقها وتحقيقها من طرف أي من الكفاءات الوطنية التي تزخر بها البلاد.

أن العبرة ليست بكثرة النقاط المتعددة و التي تتمحور حول نفس الشعارات التي يتم ترديدها منذ أكثر من سبع سنوات حتى أفرغت من مضامينها  مثل الإصلاح الجبائي ومقاومة الفساد والإصلاحات الكبرى و ما شابهها  بقدر ما يجب اتخاذ قرارات واضحة وهادفة ذات طابع جريء وسيادي تتلخص في ثلاثة نقاط :

1/ المبادرة بمصارحة الشعب حول الوضع الاقتصادي الحقيقي للبلاد وإعلان حالة الطوارئ الاقتصادية لتحفيز كل أطراف المجتمع بضرورة مجابهة الوضع بكل تضامن ولكن كلا حسب إمكاناته وطاقاته ومسؤولياته.

2/ المبادرة بالتطبيق الفوري للفصل الثاني عشر من قانون المنظمة العالمية للتجارة والفصل 35 من اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي يمكنها من حق الحماية  في علاقة بالعجز الخطير لميزان الدفوعات. هذا الإجراء سوف يترتب عنه مباشرة تعزيز مداخيل الدولة عبر المعاليم الديوانية و ترشيد التوريد و تقليص العجز التجاري مما سيؤدي بدوره إلى تعزيز قيمة الدينار و تقليص نسبة التضخم و تحسين القدرة الشرائية للمواطن علاوة على تشجيع الإنتاج الوطني والتصدير والتشغيل.

3/  المبادرة  فورا برفع صرف المنح التي قدّرها البنك الدولي في تقريره في سنة 2014 بقيمة مليار دولار أمريكي سنويا أي 2,6 مليار دينار حاليا و التي تدفع جزافا لصالح الشركات غير المقيمة و المصدرة كليا بصفتها شركات تقوم بالمناولة في شكل خدمات صناعية و أن تتعهد الحكومة بتوظيف كامل هذا المبلغ لبعث بنك تنمية وطني لدعم المؤسسات الوطنية العمومية منها و الخاصة الحالية و لبعث مشاريع صناعية جديدة ترد الاعتبار للقطاع الصناعي الذي يعيش مرحلة تصحر من جراء اتفاق الشراكة غير المتكافئ مع الاتحاد الأوروبي و الموقع في سنة 1995. هذه القرارات الثلاث تعتبر كافية و ضافية لمن يريد الإصلاح الحقيقي في البلاد وحتى لا «تمشي تونس في العفس».   


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING