الشارع المغاربي – المــــأزق / بقلم: عبد العزيز المزوغي

المــــأزق / بقلم: عبد العزيز المزوغي

1 يونيو، 2018

الشارع المغاربي: ما من شك ان البلاد وصلت في الأيام الأخيرة الى مأزق ومنعرج خطير في الحياة السياسية وما التأجيلات والاجتماعات والتصريحات المتضاربة لجماعة قرطاج 2 الا دليلا قاطعا على اختلاط الأوراق وضبابية المواقف. وما زاد في تعقيد الأمور اختلاط التطلعات الشخصية والحزبية بالاعتبارات شبه العامة والتلاعب بالمبادئ الذي يطغى على كل منطق وطني آخر.

إن تغيير الشاهد أو إبقاءه أو إجراء تحوير جزئي أو كلي للحكومة لا يجدي نفعا باعتبار اننا مررنا بنفس الارهاصات التي وقعت على اثرها   مهزلة سياسية وبرلمانية أطاحت بحكومة الحبيب الصيد. وكما يقول المثل العاميالزنقة وقفت بالهاربوذلك لأن كل التمشي منذ الثورة وخاصة منذ 2014 لا يمكن ان يؤدي بصفة ميكانيكية الا الى الوضع الحالي والى انسداد الأفق على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

مؤامرة ومسرحية

لقد تبين اليوم بوضوح وجلاء لعامة الناس وخاصتها عدا الاغبياء والانتهازيين الذين يرددون شعارات بائدة اكل عليها الدهر وشرب ان ثورة 2011 لا تعدو ان تكون الا مؤامرة دولية لن ندخل في تفاصيلها في نطاق هذا المقال لإيصال الإسلام السياسي الى الحكم وإبقائه فيه خدمة لمصالح دول الشرق والغرب.

ان الحركات الإسلامية الثورية التي تسعى الى تغيير النمط المجتمعي للبلاد الذي ساد بتونس منذ الاستقلال وبعد تقييمها الاوضاع وهشاشة البنيات السياسية في كل الدول المستهدفة توخت نهجالديمقراطيةللوصول الى السلطة والتمكن منها عبر انتخابات لا  تستجيب لكل مكونات النزاهة والشفافية.

لقد دخلت تونس بفضلالترويكاوبسرعة مذهلة في دوامة التطرف والعنف وان تسارع الاحداث في هذا السياق يجعل من الصعب ذكر جميع محطاتالتدافع الاجتماعيمن مقتل لطفي نقض الى اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي مرورا بالرش في سليانة وخروج أبو عياض كالشعرة من العجين من جامع الفتح عن طريق قيادات امنية نظامية موازية  تلعب ربما الى اليوم أدوارا على الساحة الأمنية والسياسية.

ثم أتت بعد ذلك مسرحية المهدي جمعة والرباعي الراعي للحوار الفائز بجائزة نوبل للسلام الذي هو بمثابة الحلقة الثانية لتعديل جزئي للمسار الذي ارادته لنا الدول الكبرى والذي سمح بفضل تنازل أجوف بإخراج حركة النهضة من الحكومة دون إخراجها من السلطة كما عبر عن  ذلك صراحة قائدها راشد الغنوشي.

وبعدها أتت الحلقة الأخيرة من المسرحية التي كتبت في غير ديارنا لتوهم الناس بأن الباجي قايد السبسي سينقذ البلاد من مخالب الإسلام السياسي المدمر فارتمت في احضانه دون قيد ولا شرط كل القوى الوطنية الحداثية التي ضعفت واندثرت في عهدي بورقيبة وبن علي. وبمجرد تحقيقه الانتصار الانتخابي سنة 2014 واعتلائه دفة رئاسة الجمهورية تنكر الباجي قائد السبسي للتيار الجارف الذي حمله الى اعلى المراتب .هذا التيار الذي دعمه ودفعه وايده الشعب التونسي بمختلف اصنافه وشرائحه دون أي احتراز او تردد  لإنقاذ الوطن.  لكن الباجي قائد السبسي احتج (وهذه الحجة ضعيفة جدا) بعدم حصوله على الأغلبية المطلقة للتحالف مع عدو الامس ومع الحزب الثاني في تحالف غير طبيعي وغير أخلاقي يبشر بالدخول في نفق سيؤدي حتما الى مأزق.

ورغم الشكوك التي تحوم حول نزاهة هذه الانتخابات التي تبدو وكأن نتائجها تدفع مسبقا وتؤسس لما وقع في ما بعد من تحالف مغشوش ومن تلاعب بأصوات الناخبين في تجربتهم الانتخابية الأولى اذا اعتبرنا ان انتخابات المجلس التأسيسي وقعت في ظروف عمت فيها الفوضى وغابت عنها الشفافية والانضباط فان الباجي قايد السبسي كان بإمكانه اقتراح حكومة منبثقة من اغلبية حداثية وتقدمية مريحة جدا ومنسجمة مبدئيا وسياسيا تتركب على الأقل من 125 نائبا وهم نواب نداء تونس والوطني الحر وآفاق تونس والجبهة الشعبية. لكن إرادة الباجي قايد السبسي الذي لم يحترم تصويت المكتب التنفيذي لحزبه بأغلبية ساحقة لفائدة لائحة تدعو الى عدم التحالف مع حركة النهضة وتشريكها في الحكومة ارتأت عكس ذلك وبعد مناورة سخيفة تحالف مع حركة النهضة وشرّكها في الحكومة التي عين على رأسها أحد مستشاري حمادي الجبالي.

ومنذ ذلك الحين بدأت عملية تحويل السلطة بسلاسة من مجلس نواب الشعب كما هو الشأن في الأنظمة البرلمانية الى قصر قرطاج وذلك عبر بعض الآليات التي قبلتها الطبقة السياسية المهترئة والانتهازية في غالبيتها برحابة صدر وسوء تقدير مذهلين.

فبدأ بالتحالف مع من كان يعتبر ان نداء تونس أخطر على البلاد من السلفيين وطبق الباجي قائد السبسي توصيات زعيم النهضة الداعية علنا الى التخلص منالمتطرفينفي حزبه وهي دعوة تهدف في الحقيقةلاستئصالمن يمثلون العمود الفقري للحداثة صلب نداء تونس وتعويضهم شيئا فشيئا بزمرة من الانتهازيين ومن بقايا الأحزاب الحاكمة.

وبعد ذلك قام رئيس الجمهورية بتحوير دستوري ابيض وذلك بتعيين وزيرين أوّلين للحكومة لايبلّوا ولا يعلّواوليس لهما أي اشعاع شعبي باعتبار انهما لم يشاركا بشكل أو بآخر في المعركة الانتخابية المصيرية ولا يمكن لهما الوقوف أمام المواطنين ليقولا لهم نحن أصحاب الشرعية ونحن من أعطاه الشعب وكالة مطلقة للقيام بالإصلاحات التي نراها صالحة للبلاد.

وتواصل هذا التحوير الدستوري الغير المعلن بنقل سلطة تعيين الحكومة ومراقبة ادائها من البرلمان الى لجنة تتركب من خمسة أحزاب اثنين منها فاعلة وبقيتها لا تمثل الا نفسها مثل حزب المبادرة الذي يرأسه صهر بن علي والذي قضى كل عهد بن علي في المنظمات الدولية والوزارات السيادية والذي اصبح اليوم اشد متملق ومتزلف لراشد الغنوشي رغم ان هذا الأخير وامثاله كانوا في غياهب السجون والمنافي لما كان كمال مرجان ينعم بامتيازات السلطة.

ان هذا التمشي الفريد من نوعه في عالم السياسة عززته عملية ثالثة تفوق الخيال وتتمثل في تهشيم الحزب الذي مكن الباجي قائد السبسي من الانتصار واهدائه الى ابنه حافظ قايد السبسي الذي تجمع كل الأوساط يمينا وشمالا افقيا وعموديا على اعتباره غير مؤهل لمثل هذا المنصب في الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.

ان عدم مبايعة ابن رئيس الدولة من طرف الأغلبية الساحقة من المواطنين تعود الى أسباب  واضحة أولها ان التوريث مرفوض مبدئيا من طرف اغلبية الشعب التونسي وثانيها ان الرجل غير مؤهل تماما لاعتلاء هذا المنصب وثالثها ان تطورات نداء تونس وأزماته المتتالية بنسق مرتفع تدل دلالة واضحة على أن من يسيره مند سنوات هو الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب وعلى ان حافظ قايد السبسي هو السبب الرئيسي للانشقاقات العديدة التي شهدها حزب نداء تونس والتي تسربت عدواها الى  مجلس نواب الشعب حيث فقد نداء تونس الصدارة العددية لفائدة النهضة التي أصبحت الحزب الأول في مجلس نواب الشعب.

ان هذا التمشي كان ممكنا لان الديمقراطية التونسية تأسست على الأحزاب ضد المواطنين والناخبين فالأحزاب هي التي تختار عبر الآليات الانتخابية من سيمثل الشعب في المجالس الانتخابية وليس للمواطن من سلطة الا ان يختار الحزب الذي اختار مسبقا رؤساء قائماته وترتيبهم.

الأحزاب تختارلا المواطن

ان الحزب هو المتصرف الأساسي في أصوات ممثليه في مجلس النواب وذلك عن طريق الاختيار الأول لتركيبة القائمات وتبجيل المنضبطين من بين اطاراته على من يتمتع بشخصية قوية ثم السيطرة عليهم في ما بعد عن طريق الترغيب والترهيب.

ولقد شاهدنا في مناسبات عديدة تدخل رؤساء الاحزاب في عمل النواب وتنقلهم على عين المكان للضغط على منظوريهم في هذا الاتجاه أو ذاك. والادلة على هذه الممارسات عديدة مما يجعل قرارات الأحزاب هي التي تُؤخذ بعين الاعتبار في التصويت داخل مجلس النواب وقد تجلى  ذلك بوضوح عند الإطاحة بحكومة الحبيب الصيد بعد تزكيتها بوقت وجيز من طرف أغلبية كبيرة.

ان مجلس قرطاج اصبح أعلى سلطة في البلاد يولي ويعزل الحكومات وتتخذ فيه القرارات الكبرى ثم تمر القرارات الىالمجلس الكبيرللمصادقة عليها وتزكيتها رغم بعض المعارك والمحاولات التي يقوم بها بعض النواب وبعض الكتل للتمرد على هذا الوضع دون نتيجة تذكر نظرا لضعف بعض هذه التيارات عقيدة وتمشيا.

ان ما يجري اليوم هو نتاج سلبي لكل هذه التراكمات وان يوسف الشاهد الذي كانت تتوفر فيه عدة خصال مثل الشباب وتعبيره عن نيته في مقاومة الفساد أخفق لا محالة لأسباب موضوعية تتمثل في عدم ارتكازه على اغلبية موالية له وعلى اخفاقه اخفاقا كليا في التوغل في بؤرة مقاومة الفساد محسوما عشية الاحد الفارط قبل اجتماع لجنة وثيقة قرطاج وكان مرشحا للمرور من الطريق المذلة التي مر به الحبيب الصيد ليعزل بنفس الطريقة دون ان يخلف اثرا يذكر لأنه صعد الى منصب الرجل الأول في التسيير الحكومي دون اية شرعية شخصية او جماعية ولم يقم باي عمل تمردي يؤسس لشرعية وظيفية مسنودة شعبيا.

لكن جد يوم الاثنين ما كان غير متوقع وانفجرت لجنة قرطاج2 وتبعثرت اوراقها ورجعنا بكل استخفاف بمصالح البلاد والرجوع الى المربع الأول. فهل هي فعلا هزيمة مدوية ‘(أخرى)لحافظ قائد السبسي ومن معه الذي عبر بكل قوة عن رغبته في التخلص من يوسف الشاهد ام هل هي مسرحية جديدة أخرى لإيهامنا بان الباجي قائد السبسي شاعر بالمخاطر التي تحدق بالبلاد وانه مستعد للتضحية بالغالي والنفيس(في حدود معينة لا محالة) لبناء صورة له كرجل دولة محنك لا تحركه الا مصلحة الوطن. وكالعادة فان حركة النهضة تناور وأصبحت تؤازر يوسف الشاهدة كما يفعل حبل المشنقة بالمشنوق؟ وما هو موقف المعارضين الاشداء لحركة النهضة من مساندي يوسف الشاهد الذين اصبحواجنود الاحتياطوفي نفس الخانة مع الحركة. وما هو شعور يوسف الشاهد نفسه وشعور محبيه وانصاره الذين اصبح مصير صاحبهم في قبضة اعدائهم من الناحية النظرية و المبدئية على الأقل؟ ان حزبي الوفاق استهوتهما فكرةتلبيسيوسف الشاهد كل خطايا الوضع الراهن واعتباره الضحية المثلى للتغطية على فشلهم في الانتخابات البلدية ففكروا  في التضحية به دون تردد لكن الوضع استعصى عليه وصدمتهم جدران خياراتهم الاستراتيجية الخرقاء السابقة فدخلوا في منطق ناقل الريشةتهزها تندم تخليها تندم“.

ان ما نراه اليوم من تحالفات مسترابة للإطاحة بالشاهد ومن ردود فعل للمحافظة عليه يؤكد عمق المأزق الذي آلت اليه البلاد والذي لن تتجاوزه لا الإطاحة بالشاهد او ابقاؤه لان الوضع سيبقى بالأساس سياسيا واجتماعيا على ما هو عليه أيّا كان رئيس الحكومة وأيّا كان أعضائها لان الحكومات المتعاقبة ليست حكومات فاشلة بل انها حكومات ميتة وجثث هامدة لا تتحرك تحت وطأة التوازن السياسي المفتعل والآليات القانونية التي وضعت لمنعها من الحركة.

ان تصرف الفاعلين السياسيين واستخفافهم بما يجري في البلاد والتوحد المفرط الذي أصاب قياداتهم لا يبعث على التفاؤل. الازمة ازمة ثقة وأزمة تفاؤل بالمستقبل ولا يمكن حلها الا بترتيب واضح للسلط وبتنافس نزيه ومتزن على السلطة مع إقرار بعض الثوابت المجتمعية والمدنية التي تمثل الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه باي حال من الأحوال.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING