الشارع المغاربي – الباجي يواجه ابنه وقريبه ونفسه.../ بقلم: كوثر زنطور

الباجي يواجه ابنه وقريبه ونفسه…/ بقلم: كوثر زنطور

8 يونيو، 2018

الشارع المغاربي: يُراقب رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي تطورات الحرب المفتوحة بين نجله» حافظ» ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، هذا الثنائي الذي كان الرئيس نفسه وراء وجوده السياسي أصبح يشكل وجعا للبلاد وجزءا أساسيا من أزمته السياسية، وهو أيضا محل حرج  كبير لرئيس بات مُطالبا بتحديد  موقفه من حرب محتدمة وضعته في الأخير أمام نفسه، وفي مواجهة قريبه الشاهد ونجله حافظ .

تعددت التخمينات حول موقف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مما جدّ بين المدير التنفيذي لنداء تونس ورئيس الحكومة ، اليوم تتحدث الدوائر القريبة من القصر عن قرارات سيتخذها الرئيس قائد السبسي  وعن ظهور إعلامي مرتقب سيكون على الأرجح  بعد شهر رمضان سيتطرق فيه  لمستجدات الوضع السياسي بدءا بتعليق العمل بوثيقة قرطاج 2 وصولا الى الحرب بينحافظوالشاهد“.

ولا يختلف اثنان في التأكيد على ان الرئيس في وضع لا يحسد عليه ، وفي ان الحسم وإصدار قرارات من رحم  التطورات الخطيرة التي وضعت البلاد في أزمة حكم ، لن يكون بالأمر السهل بالنظر الى تشابك السياسي بالعائلي والى تداخل الذاتي بالموضوعي ، وبالنظر أيضا الى المسؤولية الشخصية للرئيس في كل ما يحدث ، وكل ما يحدث هو نتيجة سياسة  كاملة انطلقت بمؤتمر سوسة وامتدت  الى البرلمان قبل أن تدخل عقر  الحكومة.

الباجي يُواجه إبنه 

وضع رئيس الحكومة يوسف الشاهد في كلمته التي توجه بها للرأي العام منذ أيام عبر القناة الوطنية الأولى، مصير حافظ  قائد السبسي على رأس نداء تونس على طاولة النقاش، ليس فقط عبر اتهامه بتدمير الحزب وفي التسبب في هزائمه الانتخابية ، بل من خلال دعوته الأكيدة الندائيين الى الانطلاق في مسار تصحيحي داخل النداء.

هذه الدعوة التي تحمل مشروعا للاستحواذ على نداء تونس  وطرد حافظ منه ، جاءت بعد أسبوعين من طرح نجل الرئيس في اجتماع رسمي للموقعين على وثيقة قرطاج  طلب تغيير الشاهد والمرور نحو تشكيل حكومة جديدة تتعهد بعدم الترشح للاستحقاقات الانتخابية القادمة، وبات حال البلاد بعد طلب حافظ ودعوة الشاهد، شللا في الحكم وتململا داخل نداء تونس الذي أصبح فريسة يتحين الجميع لحظة  الانقضاض عليها.

وان تسبب هجوم الشاهد المباشر علىحافظفي ظهور مجموعة معارضة لنجل الرئيس تتكون من مؤسسين ونواب وقيادات مركزية وجهوية ، فانها بقيت حتى الان مشتتة،  الجزء الكبير منها يقول انه لا يحتكم الا الى بوصلة الرئيس المؤسس للحزب وان فرضية ابعاد حافظ ستكون ممكنة فقط ان أعطى الرئيس الاب الضوء الاخضر .

هذا الامر أكثر من مفهوم بالنظر الى السند الدائم الذي تحصل عليه حافظ قائد السبسي من الاب  ، الذي مكنه من قيادة نداء تونس ومن الاستحواذ على كل الصلاحيات ومن ابعادفيلةالحزب ، ونذكر ان حافظ قائد السبسي بقي خلال مرحلة ترؤس الاب الحزب مجرد عضو وقيادي عهد اليه بعد ابعاد فاضل الجزيري  تنظيم الاجتماعات الشعبية ، قبل ان يتحول فترة وجيزة بعد انضمام محمد الغرياني أخر أمين عام لحزب التجمع للنداء ، الى مكلف بالهياكل.

وطيلة فترة التأسيس تقربت كل القيادات تقريبا  من نجل الرئيس للحصول على دعم الاب ، وللتأثير في قرارات الحزب ، واثر الانتخابات التشريعية والرئاسية مباشرة قرر رئيس الجمهورية في اجتماع استثنائي للمكتب التنفيذي  تمكين الابن من عضوية في الهيئة التأسيسية ، ولذر الرماد على العيون تم اقرار مبدأ التوسيع في هذا الهيكل وألحق به أيضا كل من محمد الناصر وفاضل بن عمران.

لكن طموحات الابن تضاخمت  وأصبحت تتجاوز ادارة  الهياكل وعضوية الهيئة المؤسسة ،  وتسببت في  سلسلة هزات عرفها  نداء تونس انطلقت بإبعاد الامين العام الطيب البكوش وتعيين محسن مرزوق خلفا له ، ثم الدخول في مواجهة مع مرزوق استعملت فيها أجهزة الدولة وتعالت فيها تهم التخوين والتخابر ليأتي مؤتمر سوسة  ويحدث اول انقسام ضرب الحزب والكتلة البرلمانية التي فقدت ما يقرب ثلث نوابها.

ورغم التحذيرات العديدة التي بلغت لرئيس الجمهورية من خطورة سياسية التوريث ، ومن عدم أهلية نجله لقيادة الحزب ، استبسل قائد السبسي في الدفاع عن الابن ، بل واستنكر في اجتماع مع إعلاميين في خضم مشاورات مبادرة حكومة الوحدة الوطنية ، مطالبة ابنه بالابتعاد عن الشأن السياسي الى حين نهايته عهدته الدستورية ، قائلا بلسان فصيح إن ابنه أحسن من كل الموجودين في نداء تونس.

لذلك لم يكن غريبا صعود حافظ  في مؤتمر بصلاحيات واسعة بل ووصفت بالفرعونية لقيادة الحزب والاستحواذ عليه ، وإفراغه بمباركة الأب  من مؤسسيه ومن الجامعيين والخبراء والمثقفين الذين كانوا يؤثثون هياكله ولجانه ، وتمت إدارة مؤتمر سوسة بتنسيق تام من رئيس الجمهورية رأسا الذي غلّب الابن الذي احيلت اليه ليس فقط الصلاحيات بل وأيضا صفة الممثل القانوني للحزب التي باتت تعرف ، والعبارة  لناجي جلول بـالباتيندة“.

بعدها أصبح حافظ صاحب قول وفصل في تعيين الوزراء وكتاب الدولة والمسؤولين والولاة والمعتمدين ، قبل ان تعرف علاقته بالحبيب الصيد توترا فرض دخول الاب على الخط مغلبا منطق الابن الداعي إلى ابعاد الصيد باعتباره  تجاوز حدوده، وأطلق مبادرة تشكيل حكومة وحدة وطنية أفضت الى مغادرة تعسفية للصيد ، ومع تعيين  يوسف الشاهد  أصبح الرأي العام ينظر الى الاب والابن على طاولة المفاوضات في اعلى مستوى يحدد  فيه القرار الوطني.

اليوم ، أصبح حافظ يمثل حرجا بالنسبة لرئيس الجمهورية  ، الذي يساءل من قبل كل ضيوفه عن دور الابن في السلطة وعن حقيقة وجود سياسة للتوريث ، علاوة على ذلك تُتناقل لرئيس الجمهورية روايات حول شبهات فساد تحوم حول ابنه ، وحول علاقته المسترابة برجل الاعمال شفيق جراية التي قال ان الرئيس حشر فيها .

وحتى مأزق النقطة 64 المتعلقة بتغيير يوسف الشاهد من عدمه ، فالمعطيات المتوفرة تؤكد ان من أسبابه التجاوز الاخلاقي الذي أقدم عليه حافظ تجاه راشد الغنوشي في منزله ، مما عطل التوصل الى توافق بين الحزبين ، وأكثر من ذلك بات من شبه المؤكد ان الغنوشي أصبح يرفض التعامل مع نجل الرئيس .

في المحصلة لا يعلم ان كان الرئيس سيقبل التضحية بالابن ، في سيبل رئيس الحكومة ، اذ ان الباجي اصطف الى جانب ابنه في كل الأزمات السابقة ، مع الطيب البكوش ثم مرزوق ورضا  بلحاج  والحبيب الصيد ، الا ان الامر في الأزمة الحالية يختلف باعتبار ان حافظ  يواجه رئيس حكومة ، وسيكون قائد السبسي في حرج كبير ان ساند الابن بابعاد الشاهد  خاصة ان ذلك بات يقدم بمثابة ضرب وتهديد للاستقرار السياسي.

الشاهد ومسؤولية الاختيار

في الدوائر القريبة من القصر ومن القصبة أيضا ، يُتداول ان رئيس الجمهورية رأى في الشاهد عند تكليفه بتشكيل الحكومة ، أكثر القادرين على حماية مصالح العائلة وعلى حماية حافظ قائد السبسي من نفسه ومن المجموعة المحيطة به ، وان رابط القرابة هو الضامن الأساسي  لإنجاح عملية توريث ديمقراطي تشمل القريب الشاهد والابن حافظ قائد السبسي.

ورغم الجدل الكبير الذي رافق اختياره الشاهد ، تسمك رئيس الجمهورية به ، مراهنا على عامل الشباب وضعف التجربة السياسية للوافد الجديد على القصبة لتحقيق استقرار يمر عبر  حكم رئاسي بتعزيز ناعم للصلاحيات ، ومرّ الشاهد الى مستوى آخر لتعزيز حضوره  في المشهد ولتعزيز التحالف بينه وبين حافظ الذي اقترحه لرئاسة الهيئة السياسية في اطار مشروعحزب الدولة“.

ذلك المشروع الذي كان يُراد منه ديمومة في الحكم ، قبل ان تتغير المعطيات بفعلاصحاب السوءكما يحلو للندائيين تسمية مستشاري الشاهد ، تلك المجموعة التي حولت رئيس لجنة الـ13 الى حالم وطموح ومغتر بنفسه ، وأفقدته توازنه وجعلته في خصومة مع حافظ قائد السبسي  اصبحت تبحث عن توسيع نفوذها والتخطيط لتأسيس حزب جديد.

بعدها جاءت الحرب على الفساد ، التي صنعت بما رافقها من بهرج اعلامي صاخب لرئيس الحكومة الشاب طموحات اكبر وأكبر وبات الشاهد في عيون المقربين من الباجي قائد السبسي خاصة مغامرا لا يستأمن ، ليزيد حديث دوائر الشاهد عن سيناريو سعودي في تونس ، وإمكانية حتى ايقاف حافظ قائد السبسي الذي صدرت في شأنه دعوة من قاضي التحقيق العسكري للمثول أمامه كشاهد في قضية التآمر على أمن الدولة  من المخاوف من الشاهد ، ومن طموحاته لـالاستحواذ على الحكم“.

مع كل هذا يرفض الباجي قائد السبسي الداعم لرحيل الشاهد وأول من وضع المؤشرات السلبية لحكومته على طاولة النقاش، تفعيل آليات تغييره لما تحمله من مجازفات قد تضرب فعلا الاستقرار السياسي وفي الحقيقة الوضع الذي وجد الباجي قائد السبسي نفسه فيه، محاصرا من الابن حافظ ومن قريبه يوسف هو نتيجة حتمية لمسار تغليب الشخصي على المصلحة الوطنية العليا، والسماح بتدخل العائلي في السياسي.

والرئيس المستاء اليوم مما يسمي بحملات تشويه عائلته ، كان حريا به تحييده تماما عن السياسة ، لا ان يصبح الاب وزوجته متحكمين في نداء تونس ، وابن خالة زوجة ابنه مدير الديوان الرئاسي ، وقريب  زوجة ابنته رئيس للحكومة ، هذا على مستوى المسؤوليات الكبرى في الدولة فما بالك بالبقية؟.. 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING