الشارع المغاربي – كيف اختار" بيار منداس فرانس " الزعيم بورقيبة مُحاورا جديرا للدولة الفرنسية ؟

كيف اختار” بيار منداس فرانس ” الزعيم بورقيبة مُحاورا جديرا للدولة الفرنسية ؟

7 يوليو، 2018

الشارع المغاربي – د. محمد لطفي الشايبي:  لم يكن قدوم رئيس الحكومة الفرنسية الجديد، الراديكالي ” بيار منداس فرانس” إلى قرطاج  يوم 31 جويلية 1954 و عرضه على العاهل الحسيني محمد الأمين باي التفاوض في الاستقلال الداخلي من باب الصدفة أو الحظ اللذان يلعبان دوْرا مُؤٓكّدا في صيرورة الأحداث و لكن نتيجة لمباحثات سرّية فرنسية (راديكالية و اشتراكية)/ تونسية (دستورية) مهّدت لها زيارة النائب الاشتراكي المناهض للاستعمار، ” آلان سافاري” للزعيم الحبيب بورقيبة المُبْعٓد في جزيرة جالطة يوم 3 مارس 1953 و التي نشر في أعقابها مقالته المُدٓوّية الصّادرة في صحيفة ” لومند” الباريسية (27 مارس) والحاثة السلطة الفرنسية على وجوب التحاور مع رئيس الحزب الحر الدستوري التونسي (1).

و لقد مثلت  سنة 1953 لا فقط نقطة الصدام القصوى بين مؤسسة الحماية و الحركة الوطنية من حيث تفاقم أعمال العنف و التخريب في المدن و القرى التونسية وبروز المقاومة الوطنية المسلحة في الأرياف بل سجلت احتداد التنافس بين الزعماء الثلاثة للحركة الوطنية – إثر اغتيال الزعيم فرحات حشاد يوم 5 ديسمبر 1952 و نعني الحبيب بورقيبة رئيس الحزب، المبعد في جزيرة جالطة و صالح بن يوسف الوزير المفاوض في حكومة شنيق والأمين العام للحزب الناشط في المهجر :  الشرق الآسيوي و الغرب الأمريكي و الهادي نويرة، الأمين العام المساعد للحزب المشرف على الديوان السياسي السري في الفترة العصيبة التي تلت فاجعة 5 ديسمبر السابقة الذكر- للظفر بصفة المحاور الجدير مع السلطة الاستعمارية.

و لئن أبانت الأسْطوغرافية المُنْجٓزة من قِبٓل المؤرخين الفرنسيين مثل شارل أندري جوليان (2)  و التونسيين مثل الزميلة سامية مشاط (3) والزميل الراحل حسين رؤوف حمزة حول الطريقة التي توخّاها ” بيار منداس فرانس” في حسم خيار المُحاور الجدير لصالح الزعيم بورقيبة على حساب غريمه صالح بن يوسف، فإنها لم يٓتٓيٓسّر لها استحضار الدور الدّافع و الجامع الذي أدّاه الزعيم الهادي نويرة قبل وإثر استقالته من مسؤولية الكتابة العامة المساعدة للحزب في أفريل 1954  فحسب، في المشاركة الخفية ، من وراء الستار في المباحثات السرية بين السلطة الفرنسية ورئيس الحزب الحر الدستوري التونسي ، الزعيم الحبيب بورقيبة  بصفة غير مباشرة و التي أقرّها ” بيار منداس فرانس” و جمعت الثلاثي : النائب الاشترا كي ” آلان سافاري” و الصحفي ” روجي ستيفان” و مندوب الحزب بفرنسا، محمد المصمودي.

فبقدر ما كان مقترح الصحفي” روجي ستيفان” على صديقه رئيس الحكومة الفرنسية ” بيار منداس فرانس” عمليا لإقحام محمد المصمودي كممثل و وسيط  للحزب الحر الدستوري في الاتصال بالزعيم بورقيبة رفقة مٓوْفُودٓه الرئيسي ” آلان سافاري” حيث يشير ” روجي ستيفان” في مذكراته : ” كيف طلب منه ( بيار منداس فرانس) يوم 27 جوان 1954 فك عقدة المشكل التونسي والسعي إلى استخراج بعض المقترحات العملية لدفع عجلة الإصلاح ومن ضمنها ضبط رزنامة. و كنت مطالبا بإنجاز ذلك في ظرف 24 ساعة. و استعنت في تلك الليلة بمحمد المصمودي لتقديم مشروع تكوين حكومة تونسية من قبل الباي ذات سيادة والاعتراف  بالحزب الحر الدستوري الجديد الذي ينجر عنه الاعتراف بزعامة الحبيب بورقيبة الوطنية” (4)، كانت معرفة ” بيار منداس فرانس” بالزعيم الهادي نويرة عريقة  ترجع إلى عهد حكومة الجبهة الشعبية (1936 – 1938)  حيث كان الطالب الدستوري الهادي نويرة ، ينشر مقالاته الصحفية الوطنية في صحيفة ” سهم باريس”، La Flèche de Paris الناطقة الرسمية للحزب الجبهوي frontiste Le parti إحدى تشكيلات الحزب الراديكالي التي يتزعمها المحامي الراديكالي ” قسطون برجري”  Gaston Bergery المتعاطف مع الحركة الوطنية الدستورية و صديق

” بيار منداس فرانس”الذي سيتولى خطة كاتب دولة مساعد في حكومة الجبهة الشعبية تحت إشراف الاشتراكي ” ليون بلوم”Léon Blum .

و توطّدت علاقة الأستاذ الهادي نويرة، مدير صحيفة  Mission الناطقة الرسمية باللسان الفرنسي للحزب الحر الدستوري الجديد إثر الحرب العالمية الثانية (1948 – 1952) بالنائب / الوزير الراديكالي ” بيار منداس فرانس” في إطار مساعيه السياسية لحل الأزمة الفرنسية / التونسية. و يشير المناضل البشير بوعلي،أمين مال الحزب الحرّ الدستوري الجديد في فترة السرّية (1952 – 1954) في مذكّراته إلى الدور الذي لعبه في ربط الصلة بين المحاميين الهادي نويرة و بيار منداس فرانس بمناسبة النظر في قضية المقاوم الجلولي/ الحبيب عاشور بزغوان و التي ستجمع بينهما في لقاء دام ساعتين بنزل ” تونيزيا بالاص” (أفريل 1953) أي قبل استقالة الهادي نويرة من مسؤولية الكتابة العامة المساعدة بسنة (أفريل 1954) لأسباب صحية و خلافية مع بقية أعضاء الديوان السياسي. وهو اللقاء الذي مكّن ” بيار منداس فرانس ” من معرفة المشكل التونسي عن كثب (5) . ثم كيف نفسّر إفصاح الأستاذ نويرة عن مطالب الوطنيين التونسيين لحظة بداية الاتصالات و المشاورات السرية (4 و 17 جويلية 1954) – و الذي كان مقيما حينذاك بباريس –  بصحيفة  L’Express

الأسبوعية الفرنسية الموالية و المدعمة  لسياسة بيار منداس فرانس منذ 1953 (6) ثم التبشير بعلاقات تونسية / فرنسية جديدة تزامنا مع حلول بيار منداس فرانس يوم 31 جويلية 1954؟ (7).

في تقديرنا، مثّل حضور الهادي نويرة معية النائب الاشتراكي ” آلان سافاري” بصفة متباينة في مباحثات 4 و 17 جويلية 1954 عاملا مُهما في ترجيح كفة اختيارالزعيم بورقيبة محاورا جديرا للدولة الفرنسية (انظر رسالة/إجابة آلان سافاري المصاحبة).

 

الهوامش :

(1) « Le Monde », 27 mars 1953. Libres opinions : Urgence en Tunisie, Alain Savary.

(2) Julien (Charles – André) : Et la Tunisie devint indépendante…1951 – 1957. Paris, Ed. Jeune Afrique, 1985.

(3) El Mechat (Samia) : Tunisie. Les chemins vers l’indépendance (1945 – 1956). Paris, L’Harmattan, 1992.

(4)  Stéphane (Roger) : Tout est bien. Chronique. Paris, Quai Voltaire, 1989, page 382.

(5) بوعلي (البشير): ذكريات مناضل وطني. تونس، بدون تاريخ، ص.174.

(6)  « L’Express », 3 juillet 1954. Le but des nationalistes tunisiens, par Hedi Nouira du comité directeur du Néo- Destour.

(7) « L’Express », 31 juillet 1954. Renouveau en Tunisie ?, par Me Hedi Nouira du Néo-Destour.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING