الشارع المغاربي – في بيانها الثاني : كتيبة عقبة بن نافع تكشفُ عن "عزلتها" و"هشاشتها"

في بيانها الثاني : كتيبة عقبة بن نافع تكشفُ عن “عزلتها” و”هشاشتها”

11 يوليو، 2018

الشارع المغاربي- وليد الفرشيشي: تحت عنوان “قراءة تحليلية لغزوة نصرة الشريعة بعين سلطان”، أصدرت كتيبة عقبة بن نافع الإرهابية، اليوم الأربعاء 11 جويلية 2018، بيان عادت فيه على “أسباب” عمليتها الأخيرة وأهدافها، كما تعرّضت فيه إلى مسائل باتت مثار جدلٍ عام في تونس كتقرير لجنة الحرّيات الفردية والمساواة والوضع الاقتصادي في تونس، الأمر الذي يكشفُ دون لبس سعي التنظيم الإرهابي لإكساء شرعيّة “ما” على العمليّة الغادرة والجبانة التي استهدفت دورية للحرس الوطني يوم الأحد الماضي.

وفي “القراءة” التي قدّمها التنظيم الإرهابي ثمّة إشارة واضحة إلى دخول التنظيم في مرحلة كمون اختياري أو “صمت”  كما ورد في الوثيقة، مرحلة وقع استغلالها لـ”الإعداد الدؤوب” لعملية “نصرة الشريعة”، أي العملية التي استهدفت بواسل الحرس الوطني بولاية جندوبة. في المقابل، ولئن “سخر” التنظيم من التفاؤل المفرط لدى مؤسسات الدولة، عسكرية وأمنية، إثر القضاء على أهم رؤوس الإرهاب في المناطق الحدوديّة، فانه أقرّ للمرّة الأولى تقريبًا بتلقيه ضربات قاصمة من مؤسساتنا الأمنية والعسكرية وهو يعدّد أسماء “قتلاه”، سواءً إثر عمليات جبل سليمان قبل الثورة، على غرار “أبو هاشم لسعد ساسي” و”ابو خيثمة الموريتاني” و”حسنين العيفة” أو رؤوس التنظيم الذين اقتنصتهم قواتنا الباسلة إثر الثورة على غرار “حلمي الرتيبي” و”علي العمري” و”لقمان أبي صخر” و”مراد الغرسلي” و”حسام أبي فتح الجزائري” وغيرهم من قيادات التنظيم الإرهابي.

من جهة أخرى، برّر التنظيم الإرهابي عملية “نصرة الشريعة”، بجملة من الأسباب، التي لا نراها غريبة عن تيار الأفكار العامة التي تسبخُ فيها التيارات الجهادية، على غرار تقرير لجنة الحريّات الفردية والمساواة ، الذي ٍرأت فيه استفزازا لمشاعر المسلمين وسعيا من الرئيس الباجي قائد السبسي لاستكمال مشروع الزعيم الحبيب بورقيبة، إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة وأزمة الحكم في تونس، بل وتعرّضت للمؤشرات الاقتصادية بالتحليل ولمشاكل تزويد السوق بعدد من المنتجات الاستهلاكية انتهاءً بالمحروقات، وهو ما يكشفُ بداهة سعة إطلاع التنظيم على واقع البلاد الاقتصادي والإجتماعي ومعرفتهم “الدقيقة” بواقع الأزمة باستثناء تقديمه نسبة نمو خاطئة قد تكون عن جهل .

وهذا ما كنّا قد نبهنا إليه في أسبوعيّة الشارع المغاربي، في عدد يوم أمس الثلاثاء، حين أشرنا إلى أنّ التنظيم الإرهابي استغلّ عاملين مهمين للقيام بعمليته الجبانة، أي واقع الأزمة الاقتصادية واستتباعات أزمة منظومة الحكم على مؤسسات الدولة. وهذا التوظيف لقضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية من طرف التنظيم يكشفُ عن رغبة التنظيم نفسهِ في إيجاد منفذ داخل النسيج المجتمعي التونسي ومحاولتهِ تحويل قضايا الراهن العام إلى “مبرّرات” تشرعنُ عمليّتهُ الأخيرة.

ورغم ذلك، فإنّ هذه “القراءة التحليلية” التي قدّمها التنظيم تكشفُ مسألتين على غاية من الأهمّية في تقديرنا:

الأولى، أنّ التنظيم وهو يقدّم قراءة أقرب إلى بيانات الأحزاب السياسيّة، كشفَ عن “هشاشتهِ” وهو يناورُ على “هامش” القضايا المجتمعية أي أنّهُ، بمعنى أدقّ، كشف انحسارِ حواضنهِ الإجتماعيّة بل وعزلتهِ التي يحاولُ فكّها عبر إسباغ هالة من الشرعيّة المصطنعة على عمليّتهِ الأخيرة.

أمّا الثانية فهي انعدام “العامل الإقليمي” في هذه العمليّة، وافتقاد الكتيبة لأيّ دعم خارجي أو داخلي وهو ما يؤيّد الفكرة العامة حول فقدان الجماعات الإرهابيّة لعناصر قوّتها المادية واللوجستية، في ظلّ الضربات المتتالية التي تلقتها سواء في الجزائر وتونس وليبيا أو في منطقة الساحل الأفريقي إضافة إلى منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي دفع بالتنظيم الى نشر بيانٍ إنشائيّ حاول من خلالهِ إسباغ هالة “تنظيمية” حول عمليّتهِ وتقديمها على أنّها نتاج لأشهر من التخطيط و”العمل الدؤوب”.

ومع ذلك، فإنّ بيان التنظيم يدفعُ إلى جملة من الاستنتاجات المهمّة في تقديرنا:

أوّلا، قدرة مجاميع الإرهاب على توظيف ما ينشرُ في وسائل الإعلام لتنفيذ أجنداتها ومن ثمّ تبريرها.

ثانيا، أنّ الحرب على الإرهاب لم تنتهِ بالقضاء على عدد من الرؤوس الكبيرة ذلك أنّ دينامية هذهِ المجموعات قائمة أساسا على عقيدة “الكرّ والفرّ” أو “حرب العصابات”، الأمر الذي يستدعي رفع درجة تأهب مؤسساتنا الأمنية والعسكرية إلى أعلى درجة.

ثالثا، أنّ الإرهاب يتغذى على أعطاب الدولة، الاقتصادي والاجتماعي منها ولكن أيضا السياسي، كي يجد منفذًا لاختراق النسيج المجتمعي وإيجاد حاضنة له.

رابعًا وأخيرًا، أن الصراع السياسي لن يخدمَ إلاّ الفوضى تلك التي تهيئ الأرضية لمثلِ هذه العمليّات، التي وإن كشفت عن ترهّل بنى المجاميع الإرهابية وضعفها، فإن نتائجها المادية و”النفسية”  خاصة عادة ما تكونُ كارثيّة.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING