الشارع المغاربي – العلاقة بين القصبة وقرطاج تتحوّل إلى حرب مفتوحة / بقلم :كوثر زنطور

العلاقة بين القصبة وقرطاج تتحوّل إلى حرب مفتوحة / بقلم :كوثر زنطور

20 يوليو، 2018

الشارع المغاربي : دخلت الأزمة السياسية الراهنة منعرجا جديدا بخروج رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي عن حياده ودعوته صراحة رئيس الحكومة يوسف الشاهد الى تقديم استقالته أو التوجه للبرلمان لتجديد الثقة. موقف الرئيس الذي كان حتى وقت قريب يُقدم كمُحدد لتغيير موازين القوى والحسم في مصير الشاهد لم يكن كافيا بالمرة ولقاء القصر المنعقد يوم أمس والذي غابت عنه القرارات يؤكد اننا انتقلنا من أزمة الى حرب مفتوحة بين القصرين القصبة وقرطاج والمصطفين وراء ساكنيهما.

عكس كل الاجتماعات السابقة التي احتضنها قصر الرئاسة بقرطاج ، غابت تصريحات المشاركين فيه ، وشكل البيان الجليدي الصادر عن الرئاسة والمنشور على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعيفايسبوكمصحوبا بمقتطفمقتضبمن كلمة الرئيس قائد السبسي ، المعطى الرسمي الوحيد عن اجتماع حضره أبرز الفاعلين في المشهد وانتظر الجميع ان يأتي بالجديد خاصة أنه عقد يوما واحدا بعد أول ظهور اعلامي لرئيس الجمهورية منذ تعليق مشاورات قرطاج 2 يوم 28 ماي المنقضي.

المعطيات المتوفرة تؤكد ان المواقف لم تغيير ، وان نداء تونس و النهضة ومنظمتي الشغالين والأعراف جددت مواقفها المتباينة بخصوص بقاء رئيس الحكومة من عدمه ، وقد يكون المستجد الوحيد في لقاء يوم امس هو قطعا اقتراح الشاهد اجراء تحوير وزاري وتغيير وزير الداخلية بالنيابة غازي الجريبي ، اقتراح لم يجد أي قبول لدى عموم المشاركين من أحزاب ومنظمات ، ليس دعما للجريبي بل رفضا للتصور الذي قدمه رئيس الحكومة والذي يعني سياسيا في صورة القبول بعه تجديد الثقة له .

كواليس الاجتماع

اجتماع يوم امس عُقد بعد سلسلة من الاحداث السياسية الهامة تجعله بحكم أنه الأول منذ حصولها ، فرصة مناسبة لتصفية الحسابات بين الخصوم ، نذكر منها كلمة يوسف الشاهد المتلفزة التي بثت على القناة الوطنية الأولى والرئيس خارج الديار التونسية واستهدف فيه بشكل مباشر حافظ قائد السبسي متهما اياه بتدمير نداء تونس ، ثم إقالة لطفي ابراهم وقصة الجنرال المجنون أو مخطط الانقلاب وعزل رئيس الجمهورية  فحادثة عين سلطان الإرهابية وأخير الحوار التلفزي للرئيس قائد السبسي ودعوته الشاهد للاستقالة أو التوجه لمجلس نواب الشعب.

كل هذا كان وراء ارتفاع منسوب التوتر والاحتقان في اجتماع امس ، اجتماع تؤكد مصادر قريبة من قصر قرطاج ان الحيز الزمني الأهم للمداخلات التي شهدها كان من نصيب نجل الرئيس حافظ قائد السبسي ، الذي كان أول المتدخلين واكثرهم اسهالا في الحديث وفي كيل التهم لرئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي دخل معه في مشادة كلامية.

ويبدو ان حافظ اتهم الشاهد بما أسمته المصادر بـممارسات دنيئةتتّبعها القصبة لتصفية حساباتها مع خصومها ، وأنه اتهم الشاهد بتوظيف وسائل الإعلام وتمويل صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لتشويهه هو وعائلة رئيس الجمهورية والاخطر على الإطلاق اتهامه رئيس الحكومة بإعداد ملفات ضد شخصيات سياسية في اطارحرب مزعومة على الفساد“.

علاوة على ذلك ، عاد نجل الرئيس الى كلمة الشاهد المتلفزة التي حمّله فيها مسؤولية تدمير نداء تونس وهزائمه في الانتخابات ، واستنكر كيفية استغلاله المرفق العمومي لتأليب الرأي العام عليه ، والندائيين تحديدا ، مشددا ، وفقا لنفس المصدر ،على ان الشاهد كان يعلم انه عاجز عن الرد عليه وعلى الدفاع عن نفسه بنفس الآليات التي استعملها نافيا عنه أية صفة أو معرفة بنداء تونس الذي ذكره بأنه التحق بصفوفه بعد سنتين من تأسيسه وانه لم تكن له أية مساهمة في حملة الحزب للانتخابات البلدية باستثناء مشاركة في دائرتين قال نجل الرئيس ان الحزب تكبد فيهما هزيمة.

تدخل حافظ الذي كان حادا ، ردّ عليه الشاهد ببرود مكتفيا بالتأكيد على وجود نداء 2014 ونداء 2018 وأن النداء الجديد تحت ادارة حافظ لا يشبه نداء تونس الذي نجح في الانتخابات بشقيها الرئاسي والتشريعي ، وان كل من التحق بالحزب في تلك الفترة و بقياداته وأنصاره ضدّ نداء حافظ الذي قال إنه لا يتحكم لا في الحزب ولا في كتلته البرلمانية.

ومن الغريب ان يُخصص الحيز الأكبر لاجتماع كان من المفترض ان ينهي أزمة البلاد السياسية الى خصومة الشاهد ونجل الرئيس ، وان يكتفي جميع المشاركين بمن فيهم رئيس الجمهورية بمراقبة المشاحنة بين الطرفين دون تحرّك لإنهائها ، لتنحصر بقية النقاشات حول إعادة مواقف سابقة يعرفها القاضي والداني ، اتحاد شغل متمسك برحيل الشاهد ويحذر من كارثية بقائه على رأس السلطة ، منظمة أعراف تدعو لتغيير عميق في الحقائب الاقتصادية وتعلن دعمها اي حل توافقي ، نهضة مع استمرار حكومي ونداء مع تسريع في إقالة رئيس الحكومة.

من جهة اخرى ، تفيد المعطيات المتوفرة بأن رئيس الحكومة تمسك بدوره بما يعتبره نجاحات حكومته ، نجاح يقول انه مثبت بالأرقام والمؤشرات وبأنها تجعل من  الإبقاء على الحكومة واستقرارها عنصرا أساسيا لتحقيق نجاحات اخرى ، ابرز أن من اوكدها المحافظة على مصداقية الدولة التي تقود مفاوضات مع المؤسسات المالية المانحة التي قال إنها ترى ان الاستقرار سيعزز فرضية الانقاذ الاقتصادي  بما يعني ضمنيا رفض تقديم استقالته كما دعاه الى ذلك رئيس الجمهورية.

وان تشير كل الروايات حول خفايا اجتماع يوم امس الى تمسك راشد الغنوشي بالاستقرار الحكومي ، فإن مصدرا قريبا قدم ما يدحض هذه الروايات من خلال تأكيده ان الغنوشي تعهد في لقاء ثنائي وخاطف اثر نهاية الاجتماع  برئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر ، الذي يقال انه التزم الصمت المريب ، بأنه  سيقنع رئيس الحكومة بالتوجه الى  مجلس نواب الشعب .

حرب مفتوحة

بات من الواضح ان رئيس الحكومة متسمك بالسلطة وأنه لا ينوي التخلي عنها ، رغم ان مقربين منه تناقلوا ابان انطلاق مسار قرطاج 2 أن الشاهد سيقدم استقالته ويغادر القصبة فقط لو طلب منه رئيس الجمهورية ذلك ، لتُبين الوقائع ان الكلام شيء والممارسة شيء اخر  بما يعني ان كل ما تم طرحه على لسان الشاهد أشهر خلت من تهديد بالاستقالة إن قوبلت إصلاحاته الموهومة بتعطيل من قبل الأطراف السياسية أو الاجتماعية لا يعدو ان يكون مناورات لا أكثر.

اليوم بات من الواضح أيضا ان ما تناقلته دوائر الشاهد بخصوص دعم رئيس الجمهورية له ودعوته إياه لمواصلة العمل دون الإكتراث  بتشويش الابن غير صحيح ، وان السيد رئيس الحكومة وجماعته إما قاموا ببث الإشاعات لإيهام الفاعلين في المشهد السياسي بدعم مزعوم من الرئيس أو أن الرئيس غيّر موقفه منه وتحول من داعم وصانع صعوده السياسي إلى اهم الداعين لرحيله .

حول هذه النقطة للرئيس قول، جاء على لسان احد من التقاهم مؤخرا الذي لفت الى ان الباجي قائد السبسي انتهى إلى خلاصة وحيدة حول رئيس حكومته هي انه فاقد فعلا للتجربة السياسية ، وانه لا يفهم من الإشارة ، من ذلك انه فهم من حواره التلفزي انه ضد وزير الداخلية ليدخل اجتماع الأمس مطالبا بتغييره .

وان كان الباجي يرى أن مشكل رئيس حكومته الشابعدم الادراكوصعوبة الفهم من الاشارةفإن جموع التونسيين لا يبدو ان ملكة الفهم غابت عنهم بعد الحوار التلفزي الاخير وما سبقه ولحقه من استقطاب سياسي واعلامي يشير بشكل جلي إلى أن تونس تعيش حربا مفتوحة بين القصرين ، حرب على السلطة وعلى الخلافة.

اذ ان الشاهد لا ينوي لا مغادرة القصبة ، ولا رمي المنديل من نداء تونس ،  وجماعته تعتزم خوض حتى معركة قضائية مع المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي لافتكاك الحزب وخوض الاستحقاقات الانتخابية القادمة التشريعية والرئاسية تحت يافطته ، مُتوهمين ان طرد حافظ سيعيد للنداء بريقه وانالشعبية  المفترضة للشاهد وغياب منافسين له سيعبدان طريقه  نحو قرطاج.

ازاء ذلك يتحرك الرئيس بفريق جديد يتكون أساسا من مجموعة من قيادات نداء تونس المنشقة عن الحزب ، بعد ان أغلق المنافذ أمام مستشاريه وهذه غريبة الغرائب ، فكيف لرئيس جمهورية ان يجري حوارا من مقر إقامته في الحمامات دون اعلام اي من مستشاريه ، وكيف يصمت كل الفريق الرئاسي بعد حوار مهم وإن تعددت الانتقادات حوله ، فانه محمول على المستشارين تبني كل مضاميه

لا يُعرف ان كان مسار تغيير الشاهد سينطلق خلال هذه الايام ، ام سُتشكّل النهضة عقبة أمام اطلاقه ، لكن المؤكد ان التغيير سيكون فعلا عميقا وان رئيس الجمهورية يتجه نحو تغيير رئيس حكومته وأيضا مدير ديوانه سليم العزابي ، وهنا تقول الدوائر القريبة من الرئيس إن اتصالات قد تكون تمت مع رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد الذي قد يُعين في مرحلة أولى مستشارا للرئيس قبل ان يخلف العزابي في مرحلة ثانية.

في المحصلة يتشبث الشاهد بملف الاصلاحات وبما يسميه مصداقية الدولة لاكساء شرعية على مواجهة صانع صعوده السياسي رئيس الجمهورية الذي كان له وحده الفضل في تعيينه كاتب دولة ثم وزيرا فرئيسا للحكومة ، رغم انه من الصفوف الخلفية لقيادات نداء تونس ويحل بالمرتبة 198 في السلم القيادي للحزب ، وفقا لقول خصومه.

في المقابل تحرك رئيس الجمهورية قد يكون تم فعلا  بعد ضغوطات من العائلة ، او بعد تيقنه من سوء إدارة الشاهد دواليب الدولة ، او ربما على خلفية تخطيطه  لإرساء منظومة سياسية جديدة لا تتماهى مع منظومة 2014 . كل هذا قابل للنقاش ولا احد بإمكانه الجزم حول أسباب رفع الرئيس يده عن قريبه الشاهد ، الا ان كل ذلك لا يُبرر البتة السقوط الأخلاقي والسياسي لنواب وسياسيين أنستهم الطموحات حدود اللباقة السياسية ، واقدموا لتبرير مساندتهم للشاهد وانقلابهم على من كانوا يسمونهم بالرئيس المؤسس على الترويج إلى أن الباجي أصبح مجرد دمية يُتحكم فيها و ضعيف المدارك.

فمهما اختلفت التقييمات والقراءات والمواقف بخصوص الأزمة الراهنة ، بين من يصطف مع الشاهد ويتفنن في حياكة الأفلام الهوليوودية ومن يصطف وراء رئيس الجمهورية ويبدع في تقديم تفاصيل مخططات الشاهد الانقلابية ، فإن من المهم التذكير بأن الوضع بات لا يحتمل كل هذه السياسوية وان لا شرعية لأحد الفريقين سواء من كان في قارب الباجي وقفز لقارب الشاهد أو العكس ، وان الحرب الحالية ستنتهي حتما بخسارة اشكالها مختلفة على هذا الفريق وذاك وانه لا فائز فيها.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING