الشارع المغاربي – "لا للحصيرة قبل الجامع" ! ..بقلم يوسف الصدّيق

“لا للحصيرة قبل الجامع” ! ..بقلم يوسف الصدّيق

27 يوليو، 2018

الشارع المغاربي : كنت أتمنى بإلحاح عندما دعيت من طرف المنظمات او المعنيات، على غرار الأستاذة بشرى بالحاج حميدة أو الأستاذة سناء بن عاشور، أن يكون هناك نقاش خلال ما سمي بمؤتمر المساواة الذي انعقد في مدينة الثقافة يوم الثلاثاء 24 جويلية الجاري. كنت أتمنى ان أدلي ببيان اقترح فيه علىالمؤتمرينوالمؤتمراتتدقيقه ومناقشته وربما تبنّيه على أن يُوَقَّع من طرف من يوافقه ويهمّه الأمر. لكن ما راعني إلا أن هذا المؤتمر قد خُطط لمسرحته من قبل، من ناحية المتدخلين والمنشطين واكتفيت أنا بشرف أن يؤّمّن لي مقعد في الصفوف الأولى.

كنت سأعلن مساندتي للمشروع المقترحِ رفعه إلى رئاسة الجمهورية ثم إلى البرلمان مساندة مطلقة إلا أنهاوضعت الحصائر قبل الجامعإذ لابد لمساندي ومساندات هذا المشروع أن يعوا أن النقاش والجدال سيكونان بين أصحاب المشروع وبين شعب تونسي لا يفهم للوهلة الأولى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو أقوى مما جاء فيكلام اللهوعلينا إذا أن نتوجه إلى هذا الشعب حتى نقنعه بأن لا تناقض بين القوانين الوضعية التي وافق عليها الكل في دستورنا وبين جوهر الكتاب المنزل الذي يعتقد فيه أغلبية المسلمين.

لذا فإن هذا البيان الذي اقترحه بصفتي الشخصية للتحليل والمناقشة وربما للتوقيع، هو الخطوة الأولى حتى نرتفع بمشروع قانون الحريات والمساواة من ساحة الجدال العقيم إلى اعتماده دون النيل من حساسية الشعب التونسي الإسلامي في ساحق أغلبيته.

البيان المقترح

أولا: نحن نعتقد راسخ الاعتقاد ومنذ أن بدأنا التفكير في مستقبل مجتمعنا أن تونس بلد مسلم في أغلبية أهله وأن الإسلام كما ينصّ على ذلك الفصل الأول من الدستور هو الدين الغالب عند شعبه ولكن نعتقد أيضا أن هذه الغلبة العددية الديمغرافية ولكنّنا نعتقد أيضا أنه لا شأن لموقّعي هذا البيان في تحليل ولا نقد فضلا على إنكارها أو التنكر لها.

ثانيا : في المقابل لا يمكن لعاقل أن ينفي أن الإسلام عبر تاريخه كله قد اعتمد مئات المذاهب في ممارسته أو طريقة العيش في تعاليمه وتطبيقه على الحياة المادية العامة وذلك فقط حين نبحث في الإسلام السني فما بالك باسلامات أخرى مختلفة أو أحيانا معادية للإسلام السني وهي التي تهيمن في كثير من المجتمعات و الدول الإسلامية بعضها من الدول العربية كلبنان وسلطنة عمان أو في جهات من بلادنا كمناطق تونس الإباضية أو المزاب الجزائري لذلك لا يمكن لنمط العيش والتعامل بين أفراد المجتمعات والتأسيس للحياة المشتركة أن يعتمد على ثوابت وخصوصيات تفسيرية تخص هذا المذهب أو ذاك وعلى المجتمعات وعلى الدولة أن تكتفي بحماية الشعائر والطقوس وأن تتجنب بذلك الخوض في اختيارات اقتصادية أو اجتماعية أو بنكية أو تعليمية ينادي بها هذا المذهب أو ذاك.

ثالثا : اختصت تونس، وتلك مفخرة لأهلها وفي تاريخها المعاصر، بأن سنت قوانين تختلف عما ذهب إليه الفقهاء والمفسرون القدامى من تجميد النص الإسلامي المنزل إذ منع المشرع نقاطا عدة مهمة وأخرجها من الفقه إلى القانون الوضعي مثلما هو الحال بالنسبة لإبطال تعدد الزوجات وتحريم التبني ومنع الطلاق من جهة واحدة، جهة الزوج الذكر وقد باتت هذه التحويرات الجذرية مقبولة ومتّفق عليها معاشة في سلم من كل أفراد المجتمع التونسي علاوة على ما أقره العرف الحداثي ضد ما جاء به النص المنزل من قطع يد السارق أو السارقة وجلد الزناة وشهود الزور التي لم يعد عاقلا ينادي بتطبيقها وإعادة ممارستها.

رابعا: إن مشروع المساواة هذا الذي نسانده وبحجة ما تقدم ذكره وبيانه يتواصل فتح النص على المستقبل وعلى ما يحدث للناس وللمجتمعات من قضايا لم تكن مطروحة في زمن التنزيل. وهذا في رأينا من البداهة والتأكيد حين يثبت لنا أن كثير من آيات التنزيل تبحث وتقنن في أمور الرق والعبودية  وفي مقاتلة المشركين وقتلهم بينما لا مجال البتة لأن يقبل عاقل اليوم الرق أو قتل من ليس بمسلم ولا حتى مجرد التفكير فيه، يتبين إذن أن أمور التشريع حتى في القرآن الكريم مفتوحة دوما على المستقبل أي أنها صالحة للتلاوة الشعائرية كلما تعارضت مع ما توصل إليه الإنسان من تطور علمي وأخلاقي ومؤسساتي.

خامسا: خلاصة الأمر هو أن آيات ما يسمى بالتشريع في المصحف الشريف لا يمكنها أن ترتهن الإنسانإلى أن يرث الله الأرض ومن عليهابأحكام القرن السابع أو أي قرن من القرون المنقضية وبعادات أهلها وبلباسهم وبطريقة عيشهم وما كان عندهم من حسن المعروف وسيئ المنكر ذلك أن الانسان في حالنا هذا وفي عصرنا أصبح هو الهدف والمقصد لكل التشاريع والانسان كما نعلم في متن التنزيل ذاته لا يعرّف لا بإيمانه ولا بمذهبه ولا بجنسه ولا بلون بشرته وهو المطلق الذي تستند عليه كل المنظومات التشريعية اليوم سيما أن التاريخ الإسلامي نفسه، ابتداء من عصر الخلفاء إلى زماننا المتأخر هذا، يزخر بقراءات مقاصدية لم تحذ حذو النص، بل انصرفت من الحرف الصريح إلى روح هي، في الواقع، أوضح دلالة.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING