الشارع المغاربي – كيف حوّلت حشرة ولاية أمريكية إلى قطب زراعي ؟

كيف حوّلت حشرة ولاية أمريكية إلى قطب زراعي ؟

21 أغسطس، 2018

الشارع المغاربي – وكالات : في قلب مدينة إنتربرايز (Enterprise) التابعة لمقاطعة كوفي (Coffee) بولاية ألاباما الأمريكية يقبع واحد من أغرب النصب التذكارية، في هيئة امرأة، على شاكلة النساء الإغريقيات القدامى، مصنوعة من المرمر الأبيض ورافعة بين يديها مجسماً صغيرا يقارب وزنه 50 كلغ لحشرة خنفساء القطن.

ويعود تاريخ ظهور هذا التمثال وسط إنتربرايز إلى سنة 1919 حين طلب أحد التجار المحليين من نحات إيطالي إنشاء هذا المعلم. وفي البداية، حمل هذا التمثال الكلاسيكي نافورة بين ذراعيه قبل أم يتم تعويضها بعد حوالي 30 سنة بمجسم خنفساء القطن المحبوبة لدى أهالي المدينة.

لكن ما قصّة المدينة مع الحنفساء المذكورة؟ وكيف غيّرت هذه الحشرة مستقبل ولاية امريكية كاملة وجعلت منها قطبا زراعيا يقرأ له ألف حساب؟

 في حين تُصنف خنفساء القطن ضمن قائمة الرموز التاريخية الهامة بمدينة إنتربرايز وتحظى بمكانة مرموقة لدى سكان المدينة، يعتبر بقية الأمريكيين خنفساء القطن حشرة ضارة كادت تهلك الاقتصاد الأمريكي خلال القرن الماضي. ذلك انه منذ وفودها من المكسيك سنة 1892 كبّدت هذه الحشرة قطاع زراعة القطن خسائر مالية فادحة بلغت قيمتها 23 مليار دولارتسببت في تزايد نسبة النزوح الريفي بعدما دفعت الفلاحين لبيع مزارعهم والتخلي عن تجارتهم في مجال القطن والهجرة نحو المدن والعمل بالمصانع.

وتعود أصول خنفساء القطن إلى المكسيك حيث تعيش هذه الحشرة أساسا بمزارع القطن. وتتغذى على أوراق نبات القطن، لكن مع حلول فترة التكاثر تعمد هذه الحشرة إلى وضع بيضها داخل براعم أزهار نبات القطن. وبالتزامن مع خروجها من البيض، تقدم اليرقات على اكل كل ما في طريقها مما يدمّر محاصيل حقول القطن.

وفي الولايات المتحدة، سجلت خنفساء القطن أول ظهور لها بولاية تكساس لتنتشر تدريجيا لمختلف المناطق مسببةً الخراب في طريقها، فخلال فترة وجيزة تمكنت هذه الحشرة من تخريب ما يعادل 50% من مزارع القطن الأمربكية. وحاولت السلطات الأمريكية التصدي لهذه الآفة عن طريق استخدام المبيدات الحشرية وحرق بعض المزارع، كما اتجه الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت آنذاك لإقناع الكونغرس بإمكانية استيراد كميات من نمل غواتيمالا المتوحش للتخلص من هذه الحشرة الضارة. لكن هذه الجهود منيت بالفشل وواصلت خنفساء القطن تكاثرها وإفساد المحاصيل.

وسنة 1915، حلّت الكارثة بإنتربرايز. فخلال تلك السنة تراجع محصول القطن إلى الثلث مقارنة بالسنة التي سبقتها بسبب خنفساء القطن، ووضعت هذه الكارثة العديد من أصحاب الأراضي على حافة الإفلاس. حينها، سافر أحد الفلاحين المحليين نحو ولاية كارولينا الشمالية، وأثناء سفره لاحظ ازدهار المنطقة بسبب زراعة الفول السوداني (الكاكاوية)، فما كان منه إلا أن عاد الى مدينته إنتربرايز حاملاً معه فكرة تعويض زراعة القطن بزراعة الفول السوداني والتي كانت ثمارها في مأمن من خنفساء القطن.

وحال عودته نحو مسقط رأسه، أقدم هذا الفلاح على زراعة الفول السوداني بدل القطن ليحقق خلال سنة 1916 أرباحا مالية خيالية ساعدته في تسديد جميع ديونه. ومع انتشار خبر نجاحه عمد بقية الفلاحين بإنتربرايز لتقليده وزراعة الفول السوداني.

ومع حلول سنة 1917، تمكّن فلاحو إنتربرايز من النجاة من خطر الإفلاس بعدما عوضوا زراعة القطن بزراعة الفول السوداني، وحققت المدينة أرباحا مالية تجاوزت 5 ملايين دولار. وبعدها، أقدم بقية أهالي مقاطعة كوفي بولاية ألاباما على القيام بخطوة مماثلة ليتخلوا عن زراعة القطن لصالح الفول السوداني، وبفضل ذلك صُنفت هذه المنطقة كأهم منتج للفول السوداني سنة 1919.

وبسبب هذه الحادثة، يصنّف أهالي مدينة إنتربرايز خنفساء القطن ضمن قائمة الرموز التاريخية للمدينة، بعدما ساهمت في دفع أهالي المدينة نحو زراعة الفول السوداني لتحقق إنتربرايز على إثر ذلك أرباحا مالية هامة ساهمت بشكل سريع في تحسين الوضع المادي للأهالي والبنية التحتية للمدينة وحوّلت ولايتهم الى احد الاقطاب الزراعية بالبلاد.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING