الشارع المغاربي – هل نحْن بِصَدَد إرْسَاء "الدكْتاتورِية" في تونس ؟ بقلم خالد عبيد

هل نحْن بِصَدَد إرْسَاء “الدكْتاتورِية” في تونس ؟ بقلم خالد عبيد

17 سبتمبر، 2018

الشارع المغاربي : لست أدري لماذا يُذكّرني واقعنا الحالي بفترة أواخر الثمانينات وبداية التسعينات في تونس؟ وإِنْ ببعض الاختلاف، فهل أنّ تونس مُقبلة على عهْد دكتاتوري جديد سيكون مُغَايرًا حتْما لعهد بن علي؟ ربّما ! لكن ثمّة مؤشرات تدْفع إلى الاعتقاد بأنّنا قد نشهد هذا العهْد.

في البداية، وَاهِمٌ من يَخْتزِل أوْ يدفع بكلّ قوّة كي يبرز مدى شخْصَانِية الخلاف بين يوسف الشاهد وحافظ قايد السبسي، وَوَاهِمٌ أكثر من يعتقد بأنّ الباجي قايد السبسي انتصر لابنه حافظ على حساب تغليب مصلحة الدولة، صحيحٌ أنّ هذا ما حاولت أن تقنعنا به “المَاكِينة” منذ آخر ماي الفارط، وتحديدا منذ خطاب الشاهد المتلفز والذي حمّل فيه حافظ تبعات تدمير النداء، إذ كان ذلك الخطاب إشارة الانطلاق …”للماكينة” كي توجّه الرأي العام إلى هذا الاستنتاج..
فموقف الباجي واضح منذ صيف 2017 وشاطره في ذلك الغنوشي، وقد تبيّن ذلك في تصريحه على قناة نسمة، وقتها لم يكن هناك توتر مَا بين حافظ ويوسف..عَلنيًا على الأقلّ.

عَلَيْنا أن نحاول فهم ما الذي حدث منذ تلك الفترة وإلى الآن، حتى نَسْتوْعِب خَفَايَا هذه القطيعة التامّة بين رأسيْ السلطة التنفيذية، أمّا أن نكتفي بما تصوّره لنا “الماكينة” فهذا اسْتِبْلاه حقيقي لنا.

قد تكون البداية عندما تمّ استشعار ما يُخَطّط له في القصبة من أجل الظفر باستحقاق 2019 ..اعتمادا على جهازالسلطة..

خطأ الباجي بالتأكيد هو أنّه لم يشأ لجْم ابنه حافظ وترَكَه يُشَظِّي النداء منذ 2015، كان عليه أن يُبْعد ابنه عن الأنظار ويَا ليْتَه فعل حفاظا على التوازن! قد يكون رَاهَن أيضا على الشاهد من أجل تحقيق توازنٍ ما، لكنّه، قد يكون أدرك في الأثناء، أنّ الشاهد ذهب بعيدا أو تسرّع في طموحه إلى حدّ التحضير لعُهْدة 2019 دون علْم الباجي وفي تجاوزٍ له.

قد يكون الباجي استغلّ تعمّق الأزمة الاقتصادية في تونس وتَبِعاتها، كي يدفع جاهدا لإنْهاء عُهْدة الشاهد متعلّلا بأنّه قد حاد عن المهمّة التي أنيطت به وغلّب أحلامه على حساب الدولة.

وهنا يرى الباجي نفسه بورقيبة الذي غَدَرَ به بن علي، لذا عمل ما في مقدوره منذ مدّة كي يمنع من أن يكون الشاهد: بن علي الثاني الذي أطاح بالباجي.
في الأثناء، نلاحظ أنّ “المَاكِينة” انطلقت في حمْلة مَحْمُومَة مباشرةً بعد خطاب الشاهد في آخر ماي 2018 الذي اختزل فيه “مصائب” تونس في حافظ قايد السبسي، قلْنا، انطلقت الماكينة في شيْطنة الابْن ولم يَسْلم حتى الأب الروحي الرئيس الباجي منها وذلك إثر حواره في قناة نسمة، “ماكينة” اعتمدت على ما يتمّ تسميته بـ Fake news أو الأخبار الكاذبة ومهمّتها استهداف كلّ من يعارض الشاهد أو يمكن أن يقف في طريقه أو يشكّل منافسا جدّيا له نحو الاستحواذ على السلطة في 2019 ، وذلك باعتماد التشويه والسبّ والتَلْفِيق والتبْخِيس وكان خالد بن قدور آخر “ضحاياها”!.

“ماكينةٌ” تدفع الرأي العام إلى الاعتقاد بأنّ “مصيبة” تونس هي حافظ قايد السبسي ووالده الذي انتصر له على حساب مصلحة الدولة، بينما يوسف مجرّد “الضحيّة” التي يُرَاد لها أن تُرْمى في البئر وهو الذي يعْمل ليلا نهارا “من أجل تونس”.

وهنا، أَجَادَت “الماكينة” تصوير يوسف الشاهد في مظهر الضحيّة إلى درجة تقمّصه هو شخصيا لهذا الدور، وبات يرى نفسه كذلك حتى في تصريحاته، كما أجادت في التلاعب بالخبر أو اختلاقه أو تهويله ….من أجل تشويه الآخر وتَتْفِيهِه حتى تَتَهَاوى صورته أمام يوسف الشاهد، فلا تبقى إلاّ صورة يوسف الشاهد لدى الرأي العام الذي لديه قابلية التأثر بهذه الماكينة، صورة المُنقذ الوحيد لتونس، صورة الأمل الأوْحد لها، صورة ضرورة الاصطفاف حوْله حتى لا يُلْقوا به “إخوته” في البئر، ومن هنا قد تبدأ الدكتاتورية…

في الأثناء، عِمَاد خِطاب يوسف الشاهد هو ضرورة الاستقرار السياسي في وضْعٍ حَرِجٍ للغاية وضرورة المُضيّ قُدُمًا في الإصلاحات، وهذا الخطاب بالذات، لقيَ هَوًى لدى جزء كبير من قيادة حركة النهضة، لأنّها تعتقد بأنّ يوسف الشاهد تَسْنِده قوى خارجية، وقد يكون هو مرشحها لتولّي الحكم في المرحلة القادمة، ويهمّ هذه القيادة أن تظهر للخارج بمظهر الغيورة على الاستقرار ومدركة ما معنى استمرار الدولة وضرورة الحفاظ عليها!

لكن نعتقد أنّ البعض من هذا الهَوَى تجاه يوسف مردّه أيضا تشجيعه، دون أن تعلن عن ذلك صراحةً، كي يُمْضِيَ قُدُمًا في ما بدأه حافظ من التدمير الذاتي للنداء وذلك بأن “تُوكَل” للشاهد مهمّة “الإجهاز” عليه نهائيا وشطبه من الخارطة السياسية في تونس، وتشجعه أيضا كي يمرّر “الإصلاحات” أو بالأحرى “الإمْلاءات” بـ”القوّة”، إمْلاءات صندوق النقد الدولي التي لا يمكن أن تطبّق بالمرّة إلاّ بعد أن يقع تدْجِين الاتحاد العام التونسي للشغل، العَقَبَة الكأْدَاء شبه الوحيدة أمام تمرير هذه “الإصلاحات” التي لا يمكن لأيّة قوّة نقابية في العالم أن تقبلها، لأنّها ستسحق الطبقة المتوسّطة سحقا وهي المتداعية الآن بطبعها، وستحوّل حياة المُفَقرين والمُهمّشين إلى الجحيم.

وهنا تشعر قيادة الاتحاد أنّها قد “غُدِرَ” بها أيضا، وهي التي دافعت عن يوسف الشاهد وحالت دون إمكانية “عزله” عندما اتفق الشيخان على ذلك في صيف 2017، ومن هنا نفهم موقفها الداعي بكلّ قوّة إلى رحيل حكومة الشاهد لاعتقادها بأنّ هذه الحكومة قرّرت “إنهاء” وجود الاتحاد حتى تتمكّن من تمرير ما يمليه عليها الخارج مستغلّة في ذلك الأخطاء الفادحة التي يرتكبها بعض منتسبي الاتحاد وذلك بغاية تشويهه وتأليب جزء من الرأي العام ضدّه حتى يسهل قمعه، خاصّة وأنّ هذا الرأي العام جزء لا بأس به مُؤَلَّبٌ بطبْعه تجاه الاتحاد جرّاء هذه الأخطاء.
ولا يمكن أن نفهم دوافع “الالتقاء” بين “الماكينة” المؤيّدة للشاهد و”الماكينة” المؤيّدة للنهضة في استهداف الاتحاد وقياداته وشيطنتهما…إلاّ من هذه الزاوية.
قد يكون مَرَدّ هَوَى بعض قيادة النهضة في مساندة الشاهد خلال الأزمة مع الاتحاد، هو التقاء هدفها مع هدف الشاهد، وإن اختلفت الدوافع، لأنّ النهضة ترى، أنّ إنهاء وجود الاتحاد ولو معنوياً، يعني إنهاء مشروعية دولة الاستقلال نهائيا، ، مشروعية قامت على عماديْن: حزب الدستور الذي انتهى والاتحاد الذي فشلت النهضة في إنهائه سنتيْ 2012 و2013 .
وإذا ما تمكّن يوسف الشاهد هذه المرّة من “إنهاء” قوّة الاتحاد مدعوما خاصّة بالنهضة وبمن التفّ حوله، فإنّ ذلك يعني أنّ تونس ستدخل مرحلة تاريخية جديدة تقوم على أساس الهدْم وإعادة التشكّل، أي “الفوضى الخلاّقة”، إن شئنا، هدْم فترة أكثر من ستين سنة ومَحْوها من الأذهان بل وتَجْرِيمها، -وهذا ما حاولتْ جاهدةً أن تقوم به هيئة الحقيقة والكرامة-، وتشكيل مرحلة أخرى تقوم على أساس البدء في تجسيم مشروع ما ترغب فيه قيادات النهضة، لكن نحن نعرف ما هي انعكاسات هكذا توجّه في بلدان جَرّبَت هذه “الوَصْفَة” فخُرّبت أوْطانها.

لكن بالرغم من هذا الالتقاء الموضوعي بين الطرفين، فإنّ ذلك لا يمنع من توجّس البعض داخل حركة النهضة من الشاهد، لأنّهم لا يمكن أن يُوَصّفوا تعامل يوسف الشاهد مع “أبيه الروحي” الباجي قايد السبسي إلاّ بأوصاف “الخيانة” و”الغدر”، ومن المحتمل جدّا أن تَنَاهَت إليهم ما يُنْسَب له – نَسُوق هذا بكلّ الاحتراز الأقْصى- من أنّه لمّا يتفرّغ من إنْهاء وجود الباجي قايد السبسي وابنه ومن معهما، فإنّه سيتفرّغ إلى النهضة أيضا درْءًا هنا تحديدا للتهمة التي ألْصِقت له بأنّه في رِكَابِهَا وطوْع بِنَانِها.

وهنا بالذات، لست أدْري، لماذا تسْتحضرني فترة بن علي في بدايتها، أي قبل المواجهة المفتوحة بينه وبين حركة النهضة سنوات 1990 – 1992، عندما قرّر الرئيس السابق أن “يَشْطَب” حركة النهضة، فكان أن اشتغلت “الماكينة” على ذلك وهُيِّئَت الأجْواء لـ”التصفية”، وعمل بن علي على استقطاب بعض “المعارضين” من خلال دفْعهم لِتَبنّي موقفه، لأنّه في حاجة إليهم لإضْفَاء شرْعية ضرورية على توجّهه ، وقد يكون وَعَدَهم بأنّه سيفتح باب الديموقراطية والحرّيات على مصْراعيها، وأنّ تردّده في ذلك سابقا مرَدّه هو خوفه من أن تستغلّ حركة النهضة ذلك كي تتعاظم وتكتسح الميدان، مستغلّة تأجيج المشاعر الدينية للتونسيين.

لم يكن هذا التوجّه بخافٍ آنذاك لدى قيادة النهضة التي قامت هي نفسها بالاستعداد لهذه المواجهة من خلال المخطّط الذي وضعته لإنْهاء حكم بن علي، لكن يَد بنْ علي كانت هي الأقوى وقتها خاصّة وأنّ أجهزة الدولة لديه والماكينة قامت بعملها آنذاك كما يجب، والتف جزء من المعارضة حوله على غرار محمّد مواعدة، فكان أن دخلت تونس فعلا مرحلة صنع الطاغية والدكتاتورية، لأنّ بن علي قرّر، دون أن يعلن ذلك، أن يُنْهيَ كلّ نفس مُعَارض له بتصفية حركة النهضة آنذاك وتعْميم الخوف لدى التونسيين، وقد نجح في ذلك، إذْ، لم تكن النهضة ضحيّته لوَحْدها بل وخاصة هنا محمّد مواعدة الذي ألقي به في السجن.
ومنذ هذه “التصفية”، دخلت تونس فعلا عهدا حقيقيا من الاستبداد وخنق الحرّيات، لكن الفرق بين هذه الفترة والفترة الحالية أنّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي وقتها في تناقض كبير وأفضل ممّا نعيشه الآن، ولهذا “نجح” بن علي آنذاك في تحقيق هدفه وهو الاستفراد بالحكم بهذه الطريقة.

لكن، لا يعني هذا أنّ ما قام به بن علي آنذاك قد يتكرّر الآن مع يوسف الشاهد، وإن كان الواقع يدفع لهكذا اعتقاد، لأنّ الظروف وقتها ليست نفسها الآن، ولأنّ التاريخ لا يمكنه أن يتكرّر، حتى وإن كانت ليوسف الشاهد ربّما هذه الرغبة الجامحة في ذلك، وحتى إن كان للرأي العام توجها الآن نحو قبول الاستبداد من جديد.
فهل أنّ قَدَرنا المحتوم هو الاكْتِواء باسْتِبْدَادٍ جديد؟ وذلك، لأنّنا لم نكن أهلا يوما ما للحرّية والديموقراطية! ربّما ! خاصّة وأنّنا لم نَرَ انْبِرَاءً من النُخْبة كي تدْعُوَ إلى النَأْيِ بتونس عن هذه الثنائية المشؤومة التي تلاحقنا منذ أزمان سحيقة، فيكفي تونس ما عانَت من ويْلات الصراعات الدموية بين الباشية والحُسَيْنية وبين البورقيبية واليوسفية والآن بين “الحافظية” و”اليوسفية الجديدة”، لا قدّر الله!

في الأثناء، يترقب بَعْض هذه النخبة على الربْوة مآل ما يحدث كي يصطفّ للمنتصر، والبعض اصطفّ إلى هذا أو ذاك اعتقادا منه أنّه هو الرابح الأكيد، والبعض الآخر، ممّن يَسْتَعْدِي النهضة، اصطفّ إلى يوسف الشاهد نِكَايَةً في حافظ قايد السبسي غاضّا الطرف عن انصهار الشاهد مؤقتا في النهضة والعكس صحيح! اعتقادا منه أو يريد أن يعتقد ساذجا، بأنّ المسألة مُنْحَصِرة في رغبة حافظ منع يوسف الشاهد من أن يحكم ومن أن يترشح لاحقا، وهنا بالذات، ستتحمّل هذه “النخبة” مسؤولية تاريخية في ما يُحَضَّر لتونس تمامًا مثلما حُمِّلَت إيّاها أيّام دكتاتورية بن علي جرّاء صَمْتها بل واصْطِفَاف بعضها معه. لكن، هذه المرّة، “الوِزْر” أكبر والتاريخ لا يرحم!

للحديث بقيّة

 

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING