الشارع المغاربي – عن التجارب المغاربية في رفع الدعم: شعوب تعارض وحكومات تتراجع

عن التجارب المغاربية في رفع الدعم: شعوب تعارض وحكومات تتراجع

21 سبتمبر، 2018

الشارع المغاربي- إبراهيم بوغانمي:

 

على اعتبار ان الظروف الاجتماعية والاقتصادية والأجواء الجيو سياسية متقاربة في بلدان المغرب العربي فلا غرابة أن تتشابه التجارب هنا وهناك. من ذلك مسألة رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية التي تشغل بال التونسيين اليوم بعدما شغلتْ العام الماضي بال أشقائنا الجزائريين والمغاربة.

الجزائر.. تصريحات متناقضة بشأن رفع الدعم

لأشهر طويلة العام الماضي ظل أشقاؤنا الجزائريون في حيرة من أمرهم بسبب التصريحات المتناقضة للوزراء والمسؤولين حول مسألة رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية من عدمه بل أحيانا يصدر التناقض عن الشخص نفسه. من ذلك ما حصل مع وزير الطاقة الجزائري محمد فيطوني الذي صرح بأن الحكومة تتجه نحو رفع الدعم عن مواد الطاقة تدريجيا بدءا من 2019.

ثم عاد ليقول “لم نقل أبدا أننا سنرفع الدعم عن أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية سواء تعلق الأمر بفئة من المواطنين الفقراء أو جميعهم. الحديث يقتصر على إعداد سيناريوهات ودراسات فقط لما بعد رفع الدعم عن الأسعار مستقبلا..”. وأثار التضارب بين تصريحات مسؤولين في الحكومة الجزائرية ارتباكا وسط الرأي العام الجزائري وتساؤلات عن خلفياته.

وذهب بعض المحللين وقتها إلى أن هذا التضارب مقصود وأته يُستخدم كبالون اختبار لقياس ردة فعل الجزائريين التي كانت عنيفة آنذاك وعبروا صراحة عن رفضهم أي إجراء يمس من قدراتهم الشرائية.

المغرب.. الشعب يحتقن والحكومة تتراجع

في المغرب الشقيق يسمون صندوق الدعم بـ “صندوق المقاصة”، ويتمتع باستقلالية مالية. وظيفته الأساسية تتمثل في دعم أسعار المواد الأولية أو الأساسية في البلاد، مثل الدقيق والسكر والزيت والمحروقات النفطية والغازية لئلا تتأثر بالأسعار الدولية وتبقى مستقرة لتتماشى مع القدرة الشرائية للمغاربة.

وفي الربع الأول من العام الماضي وخلال تقديمه البرنامج الحكومي أمام البرلمان آنذاك أكد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني أنه عازم على إصلاح وضع صندوق الدعم من خلال رفعه تدريجيًا عن المواد الأساسية المتبقية (الدقيق والسكر والغاز) الأمر الذي اعتبره العديد من الخبراء استمرارا في نفس النهج الذي بدأه سلفه عبد الإله بنكيران.

وتداولت وسائل الإعلام المغربية الخبر على نطاق واسع مما أثار الكثير من ردود الفعل السلبية من طرف المغاربة فضلاً عن إثارة تساؤلات كثيرة أبرزها إلى أي مدى ستتأثر القدرة الشرائية للمغاربة؟

ولاحظت الحكومة المغربية آنذاك ان منسوب الاحتقان آخذ في الارتفاع لدى المغاربة الذين أحسوا بالخطر على قوتهم اليومي فاضطرت الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة إلى “نفي” ما تم “ترويجه” في وسائل الإعلام المحلية. وشددت على أن “الحكومة لم تحسم بعد في سيناريو إصلاح صندوق المقاصة (الدعم) وأن هذا الحسم سيتم بعد تشاور عميق مع مختلف الفرقاء المعنيين”.

وعادت ذاكرة المغاربة في تلك الفترة إلى تصريحات سابقة لأعضاء حكومة عبد الإله بنكيران عندما كانوا يربطون بين ضرورة إصلاح صندوق الدعم وبين شروط المؤسسات المالية الأجنبية، “غير أن الحسابات الانتخابية للأحزاب كانت دائمًا العائق أمام تفعيلها” مثلما يرى عديد الملاحظين في المغرب.

وسبق أن كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات المغربي عن حقائق وصفت بـ”الخطيرة” حول مآل أموال صندوق الدعم وحول الفئات والقطاعات والمؤسسات التي تستفيد بشكل مباشر من دعم الدولة الذي يتم إنفاقه من هذا الصندوق وحول طبيعة وتركيبة أسعار المواد المدعمة وأسباب تفاقم تكاليفها المالية التي أصبحت عبئًا على الميزانية العامة للدولة حيث أكد التقرير أن مختلف فئات المواطنين لا يصلها إلا 15% من أموال الدعم، في حين تستفيد الشركات والمؤسسات الإنتاجية والقطاعات الاستهلاكية الأخرى بأكثر من 85% من دعم هذا الصندوق. وهذا يعني حسابيًا أنه خلال عشر سنوات أنفقت الدولة 250 مليار درهم استفاد المواطنون منها بأقل من 40 مليار درهم في حين استفادت الشركات والقطاعات الإنتاجية والاستهلاكية والضيعات الفلاحية الكبرى بنحو 210 مليارات درهم. ودعا المجلس وقتها إلى إعادة ترشيد هذا الدعم وتوجيهه لمستحقيه.

وتظل مسألة رفع الدعم من عدمه ورقة انتخابية مهمة لن تكون لدى أعلب السياسيين الجرأة الكاملة للحسم فيها. وهذا ينطبق إلى حد كبير على تونس كما على الجزائر المقبلتيْن العام القادم على سنة انتخابية.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING