الشارع المغاربي – هدّد بـ"ذبح البقرة الحلوب التي جفّ ضرعها" : خفايا إهانة ترامب ملك السعودية

هدّد بـ”ذبح البقرة الحلوب التي جفّ ضرعها” : خفايا إهانة ترامب ملك السعودية

11 أكتوبر، 2018

الشارع المغاربي – الحبيب القيزاني: لمدة عقود كانت السعودية “البقرة الحلوب” التي تدرّ الذهب على شركات النفط والسلاح والتكنولوجيا وعلى الخزينة الأمريكية. لكن لماذا أهان ترامب ملكها وتطاول عليه بلغة وقحة تتنافى مع الأعراف الديبلوماسية ؟ ولماذا لوّح بشكل فاضح باستحالة بقاء بن سلمان أسبوعين في الحكم إذا رفعت واشنطن الحماية عن عرشه ؟ ولماذا جاء الهجوم في هذا التوقيت بالذات رغم كل الخدمات التي أسدتها أسرة آل سعود على مرّ تاريخ تحالفها مع واشنطن؟ وما هو الشيء الذي غاب عن ملوك هذه الأسرة عند “تورطهم” في تحالف مع قوة أكدت كل الشواهد أنها لا ترضى إلاّ بأن تكون امبراطورية لا تُرد لها كلمة ولا تُرفض لها مطالب؟ وهل أخطأ آل سعود عندما صدقوا كذبة الصداقة الأمريكية السعودية؟ بعبارة أخرى هل تؤمن الدول العظمى بالصداقات والأحلاف أم أن ذلك لا يعدو أن يكون سوى احدى الوسائل التي تلجأ اليها لتجسيد مخططاتها المستقبلية التي لا تأخذ بعين الاعتبار سوى مصالحها ؟ هل نسي السعوديون أهم مطلب تقدم به الرئيس روزفلت يوم جمعه لقاء سري على متن الطرّاد الأمريكي “كوينسي” عام 1945 ؟

بدأ التحالف الامريكي السعودي منذ انعقاد اللقاء المذكور بعد بروز الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي كقوتين عظميين وتراجع نفوذ بريطانيا وفرنسا في العالم. وكانت صفقة الاتفاق أن تضمن السعودية تدفق النفط على أمريكا مقابل ضمان أمن وحماية آل سعود وتقديم دعم سياسي وأمني لنظامهم.
دام اللقاء المذكور ساعة وربع ساعة. ووفق مصادر صحفية وتاريخية فإنه “وبعد مناقشة تطورات الحرب واستعراض الثقة بأن الألمان منهزمون لا محالة، أعرب روزفلت عن مشكلته الخطيرة التي يأمل أن يجد لها مساعدة ونصيحة عند الملك وهى إنقاذ البقية الباقية من اليهود في وسط أوروبا الذين يذوقون رعباً لا يوصف على يد النازيين على حدّ تعبيره.

كان رد الملك عاجلاً ومقتضباً: “أعطهم وأحفادهم أراضي الألمان ومنازلهم فهم الذين اضطهدوهم”. فأجابه الرئيس بأن للناجين من اليهود رغبة عاطفية في العيش في “فلسطين” وأنهم في الحقيقة يخشون الإقامة في ألمانيا وأنه قد ينالهم العذاب ثانية.
فقال الملك إنه : “لا يشك أن لدى اليهود أسباباً قوية تمنعهم من الوثوق بالألمان إلا أنه لا يشك أيضاً في أن الحلفاء سيدمرون قوة النازيين للأبد وسيكون نصرهم عزيزاً بحيث يوفر الحماية لضحايا النازية وإنني لا أستطيع أن أترك عدواً لي في وضع يسمح له برد الضربة بعد الهزيمة.”
وعاد روزفلت يقول: “إنه يعتمد على الكرم العربي وعلى مساعدة الملك في حل المشكلة الصهيونية.” فأجابه الملك متسائلاً: “أي شر ألحقه العرب بيهود أوروبا؟ إنهم المسيحيون الألمان سرقوا أموالهم وأرواحهم، إذن فليدفع الألمان الثمن، ويسكن اليهود ألمانيا.”

ولما عاود الرئيس يشكو من أن الملك لم يمد له يد العون لحل هذه المشكلة، بدا أن صبر الملك قد نفد فقال بشيء من الحدة: “إن من تقاليد العرب توزيع
الضحايا الناجين من المعركة على العشائر المنتصرة وفقاً لعدد كل عشيرة ومقدار ما أسهمت به من ماء وطعام للمحاربين، وإن في معسكر الحلفاء ) 50 (
بلداً أفقرها وأصغرها “فلسطين” التي عُهِد إليها بأكثر مما تطيق من اللاجئين الأوروبيين”.
لم يتوصلا إلى أي اتفاق حول فلسطين، إلا أنهما يريدان المُضي قدماً على ما التقيا حوله خلال هذا الاجتماع القصير نسبياً. وتُوفيَّ الرئيس روزفلت بعد شهرين، وكان قد وعد الملك في الاجتماع وبعد ذلك كتابة:”أن الولايات المتحدة لن تتخذ أي قرار نهائي حاسم بشأن فلسطين دون التشاور الكامل
مع جميع الأطراف المعنية”. وأخذ الملك ذلك كالتزام من الولايات المتحدة ككل وليس من «روزفلت » فقط. ومع ذلك؛ فقد كان ما تعهد به الرئيس «روزفلت » غير ملزما لخليفته «هاري ترومان »، فقد أيد «ترومان » قرار تقسيم فلسطين وهو ما أزعج الملك بشدة”.
اليوم وبعد مرور 73 على ميلاد التحالف بين الجانبين وفي ظلّ التغيرات التي شهدتها المنطقة وما زالت تشهدها يخرج رئيس أمريكا الحالي ليقول
لملك السعودية بكل صلف وصفاقة وثقة في النفس : “أيها الملك نحن نحميك… ربما لا تتمكن من البقاء لأسبوعين بدوننا… عليك أن تدفع لجيشك”.
وبقطع النظر عن الاهانة التي مثّلها كلام ترامب فالأكيد أن للرجل أسبابا تدفعه لذلك وأوراقا يعتمد عليها في التحدي والتهديد والابتزاز: أولها ما تراه واشنطن ومن ورائها اللوبي الصهيوني ترددا سعوديا في الدفع بما يسمى صفقة القرن لدفن القضية الفلسطينية.

وثانيها غضبه على أسعار النفط المرتفعة وعلى السعودية الذي يرى أنها “لم تقم بالواجب” في الزيادة في انتاج الذهب الاسود للتخفيض في
أسعاره.
وثالثها حرب اليمن التي تورطت السعودية في مستنقعها واتضح أنها عاجزة عن تحقيق انتصار حاسم فيها وهنا يمثل كلام ترامب تهديدا ضمنيا لوقف الدعم العسكر ي الذي يقدمه الجيش الامريكي للقوات السعودية.

ورابعها قانون “جاستا” الذي تحتفظ به واشنطن كسيف معلق على رقبة آل سعود وتلوّح به كل مرة لمزيد ابتزازهم. ويتعلق القانون باتهامات للسعودية عن دورها في احداث سبتمبر 2001 الارهابية.
وخامسها التلويح بورقة الفزّاعة الايرانية والضغط من أجل دفع ثمن حماية المملكة من أي هجوم ايراني.
والحقيقة أن ما جاء على لسان ترامب ليس جديدا اذ سبق للرجل أن وصف خلال حملته الانتخابية الرئاسية سنة 2016 السعودية بالبقرة الحلوب، التي تدرّ ذهباً ودولارات بحسب الطلب الأمريكي، مطالباً النظام السعودي بدفع ثلاثة أرباع ثروته بدلاً عن الحماية التي تقدمها القوات الأمريكية له داخلياً وخارجياً. واعتبر ترامب الذي يعد أول مرشح في تاريخ الانتخابات الأمريكية ينتقد السعودية علانية ويقلل من شأنها في الأجندة الخارجية الأمريكية أن من حقه “ذبح ضرع هذه البقرة الذي لم يعد يعطي الدولارات والذهب”. وليس ترامب في النهاية سوى عنقود من شجرة المحافظين الجدد الذين استفردوا بسلطة القرار
في البيت الابيض مع نهاية القرن العشرين والذين يعملون على تحقيق نظرية لوران مورافيتش أحد أبرز المنظرين في معهد “راند” للأبحاث الاستراتيجية
والذي عمل مستشارا للخارجية الامريكية في عهد جورج بوش الاب.

وخلاصة نظرية مورافيتش أن “الحرب على العراق مجرد خطوة تكتيكية ستغيّ وجه الشرق الاوسط والعالم. أما السعودية فهي هدف استراتيجي وأما مصر فهي الجائزة الكبرى في نهاية الطريق”.
ومن قبله قال مهندس السياسة الامريكية هنري كيسنجر أحد أبرز صقور الادارة الامريكية وأحد أقطاب الصهيونية العالمية : “ان الفوضى في الشرق الاوسط هي ضربة البداية في الحرب العالمية الثالثة التي سيتوجب فيها على اسرائيل قتل أكبر عدد ممكن من العرب والايرانيين واحتلال نصف الشرق الاوسط”.
فهل قرأ آل سعود حسابا لهذه النوايا أم فضّلوا سلك سياسة النعامة؟
الجواب ما نشاهد على أرض الواقع منذ ما لا يقلّ عن عقدين والذي يمكن تلخيصه في نظرية الفوضى الخلاّقة التي انطلق تجسيدها باحتلال العراق
ثم بزرع مجموعات ارهابية ومرتزقة وتسليحهم وتمويلهم بأياد عربية لتدمير ليبيا ثم محاولة تدمير سوريا واليمن اليوم.
اليوم يوحي كلام ترامب وابتزازه أنه لم يعد أمام صقور البيت الابيض سوى اختراق السعودية ومصر.
وفي خضم هذا الوضع انفجرت في وجه آل سعود فضيحة جديدة هي جريمة اختطاف وقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، جريمة تلقّفتها الصحافة الامريكية والاوروبية للتشهير بالنظام السعودي واتهامه بعدم ايلاء حقوق الانسان وخاصة حرية التعبير والرأي أية أهمية.

واذا كانت الازمتان الاخيرتان اللتان واجهتهما السعودية مع كل من كندا والمانيا بخصوص حقوق الانسان في المملكة قد مرتا “بسلام” بالنسبة للنظام السعودي فإن جريمة اغتيال خاشقجي ستضع الرياض في موقف لا تحسد عليه.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING