الشارع المغاربي – خطير وبالوثائق: توريد 5000 طن من بطاطا ملوّثة تهدد الهواء والماء والتربة / إبراهيم بوغانمي

خطير وبالوثائق: توريد 5000 طن من بطاطا ملوّثة تهدد الهواء والماء والتربة / إبراهيم بوغانمي

16 أكتوبر، 2018

الشارع المغاربي : لم يعد من الصعب التفطن إلى أن أنشطة القطاع الفلاحي بصدد التّهاوي الواحد تلو الآخر وآخرها الأزمة التي يمر بها نشاط إنتاج وتوزيع الألبان والتي ما تزال قائمة إلى جانب معضلة البيض الأخيرة وقبلها مشاكل الثروة السمكية والتلوث البحري. دون أن ننسى الصعوبات الجمّة التي تمر بها الزراعات الكبرى وخاصة زراعة القمح التي باتت تكبّد الفلاحين خسائر كبيرة حسب ما يقول عديد الفلاحين في ولايات الشمال الغربي لتونس. والمشكلة الخطيرة اليوم في قطاعنا الفلاحي هي البطاطا الملوثة والعقيمة التي تم توريدها في فيفري المنقضي دون أن يحرك أحد ساكنا رغم مخاطرها على التربة والماء والهواء.
فيفري 2018.. بداية الحكاية

مأساتنا مع البطاطا بدأت في فيفري المنقضي عندما استوردت الحكومة كميات كبيرة من البذور التي أثبتت التحاليل المخبرية أنها ليست فقط (NEMATODE)عقيمة وإنما أيضا ملوّثة إذ انها تحمل فيروس يسمى “نيماتود”, وهو فيروس يُصنف من الأوبئة التي تصيب التربة بالعقم إذ يأخذ شكل دودة تستوطن الأرض لسنوات طويلة, كما تصيب الماء والهواء بالتلوث لمدة طويلة. والأخطر من كل ما تم ذكره هو أن هذا الفيروس يتسبب في أمراض مختلفة للبشر الذين يصيبهم إذ يتسبب في إنتاج طفيليات تتكاثر داخل أمعاء الإنسان وأحشائه فيشعر بالمغص والآلام وما يرافق ذلك من إعياء وتقيّؤ وحمى. كما أن بإمكان هذا الفيروس أن يستهدف العضلات بشكل جدي وخطير.
الكمية المستوردة في فيفري 2018 بلغت 5000 طن من البطاطا الملوثة بهذا الفيروس بقيمة 4 ملايين دينار تونسي, وهي كما يقول العارفون بالميدان تُعتبر كميات هائلة أغرقت السوق منذ شهر سبتمبر المنقضي وأثّرت على الفلاحين المنتجين للبطاطا خاصة الصغار منهم مع العلم أن الاستهلاك اليومي للبطاطا في تونس الكبرى لوحدها يقارب 150 طن بين استهلاك منزلي وصناعي وخدماتي. فضلا عن تكاليف الخزن المشطّة التي بلغت منذ فيفري المنقضي وإلى سبتمبر –موعد ترويجها في الأسواق- 2.2 مليون دينار.
وتثبت الوثائق أن تلك الكمية من البطاطا المستوردة تحديدا من مصر الشقيقة تم حجزها بميناء سوسة في 20 فيفري الماضي لعدم مطابقتها للمواصفات الصحية الأمر الذي دفع رئيس الشبكة الوطنية لمقاومة الرشوة والفساد توفيق الشماري إلى استيضاح الأمر رسميا وكتابيا من وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري في مراسلة بتاريخ 6 جويلية 2018. بيد أنه من الواضح أن الوزارة تجاهلت المراسلة وروجت البطاطا الملوثة بعد شهرين من تاريخ إيداعها بمكتب الضبط بوزارة الفلاحة.
المخاطر مزدوجة.. استهلاكا وبذورا

في جانفي 2018 أصدر الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بلاغا حذّر فيه من خطورة اقتناء صنف من البطاطا كان معروضا وقتها للبيع واستعماله كبذور “لمحدودية و ضعف مردوديتها إضافة إلى الإضرار الكبيرة التي يمكن أن تلحقها بالأرض المخصصة لمثل هذه الزراعة”. ودعا وقتها اتحاد الفلاحة المنتجين إلى اقتناء حاجاتهم من بذور البطاطا المعدة للزراعة الفصلية من نقاط التزود المعروفة ببيع البذور المراقبة والمصادق عليها و التثبت من حمل أكياس البذور لبطاقة تتضمن كل المعطيات اللازمة حول النوعية و الصنف و المصدر.
صدر هذا البلاغ أياما قليلة قبل استيراد الكميات الملوثة من البطاطا والتي استُخدمت فيما بعد للاستهلاك وكبذور والتي ستتسبب في متاعب كيميائية وزراعية وصحية. وعبثا حاولنا التوصل إلى معرفة هل ان اتحاد الفلاحة كان ببلاغه هذا على علم بالبطاطا الملوثة وهي في طريقها إلى بلادنا أم انه كان يقصد صنفا آخر من البطاطا. وبقرار أحادي من وزارة التجارة تم ترويج هذه البطاطا الملوثة في الأسواق منذ الشهر الماضي بسعر جملة يقارب الـ 200 كليم وهو سعر زهيد جدا يضرب صغار الفلاحين في جيوبهم, كما يضرب المستهلكين في صحتهم, ويضرب الدورة الهوائية والمائية والترابية لسنوات طويلة.
!!علف الخنازير يتناوله التونسيون

ولمن لا يعرف من قرائنا الكرام فإن البطاطا تُعدّ من الخضر التي تُستخدم ثمرتها في نفس الوقت للبذر وللاستهلاك الغذائي. ولعله يجدر بنا في هذا السياق أن نذكّر بأن الدولة التونسية تستورد البذور من مختلف أصناف الخضروات بما قيمته 500 مليون دينار سنويا, في وقت يبلغ فيه الرقم الإجمالي للمعاملات في القطاع الفلاحي 11 مليار دينار. ومن هنا نستشف إلى أيّ مدى تُثقل عملية استيراد البذور ميزانية القطاع, وفوق ذلك بعض تلك البذور تكون ملوثة أو عقيمة كما هو الحال مع البطاطا التي نحن بصدد الحديث عنها. وحسب الجاري به العمل في عديد دول العالم, فإن البطاطا عندما يصيبها فيروس “نيماتود” أو بعض الفيروسات الخطيرة الأخرى فإنه في عديد الدول يتم تقديمها للخنازير كعلف نظرا للطبيعة الفيزيولوجية والخصائص المناعيّة التي يتميز بها الخنزير.
يُذكر أنه في شهر أوت من عام 2016 أن الإدارة العامة لحماية ووقاية وجودة المنتوجات منعت استيراد 1200 طن من البطاطا من الجزائر وبقيت عالقة على الحدود بين البلدين بسبب الاشتباه في كونها مصابة بمرض “البيوض”, وهو مرض أصاب في تلك الفترة المنتوجات الفلاحية تحت الترابية في الجزائر والمغرب وموريتانيا وخلّف أضرارا زراعية كبرى. فأين هي إدارة حماية ووقاية وجودة المنتوجات مما يجري اليوم؟

وبمنأى عن نظرية المؤامرة يحقّ لنا أن نتساءل بصوت مرتفع: إلى أين تسير هذه الدولة بالقطاع الفلاحي وهو الذي يتلقى الضربة تلو الأخرى في عديد الأنشطة الحساسة (ألبان, لحوم, بيض, قمح, علف, أسماك, بطاطا..)؟ لماذا بات الفلاحون يميلون إلى الاعتقاد بأن الفلاحة باتت قطاعا مُفرغا من مردوديته ويكلفهم خسائر فادحة؟ ثم وهنا السؤال الأهمّ, هل أصبح القطاع الفلاحي حقّا قطاعا مسموما يشكل خطرا جسيما على صحة المواطنين وعلى مستقبل الأجيال القادمة؟؟


صدر باسبوعية الشارع المغاربي في عددها الصادر اليوم الثلاثاء 16 أكتوبر 2018.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING