الشارع المغاربي – أهداف انتخابية لمشروع قانون المالية : هدايا ووعود ومغالطات بالجملة بقلم/ محمود مطير

أهداف انتخابية لمشروع قانون المالية : هدايا ووعود ومغالطات بالجملة بقلم/ محمود مطير

16 نوفمبر، 2018

الشارع المغاربي: يأتي مشروع قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2019 في ظرف اقتصادي صعب وظرف سياسي يتميز بالجمود في حين ان الوضع الاجتماعي يكتنفه الغموض …

نلاحظ أن قانون المالية لسنة 2019 يُمثل آخر قانون مالية وآخر ميزانية للدولة للخماسية المنتهية تحت قيادة حزبي النداء والنهضة وبالتالي وبما ان سنة 2019 هي سنة الانتخابات الرئاسية والتشريعية فان قانون المالية لسنة 2019 الذي غابت عنه كسابقيه الإجراءات التنموية هو قانون السنة الانتخابية وهو ما يبرز جليا من خلال الإجراءات الجبائية التي تبدو للعارفين وحتى لغير العارفين ذات طابع دعائي بحت وبامتياز كبير.

فبعد قوانين مالية مجحفة طيلة الأربع سنوات الأخيرة تميزت بالزيادة في نسب الأداءات والضرائب السارية المفعول وبعث أداءات جديدة وضرب المكتسبات الاجتماعية (التعليم والصحة…) أذكر خاصة قانون المالية لسنة 2018 الذي رفع في نسب الأداء على القيمة المضافة ووسع نطاق الأداء وبعث أداءات جديدة أثقلت كاهل المواطن والمؤسسة على حد سواء ،يأتي مشروع قانون المالية لسنة 2019 بردا وسلاما ليقدم الهدايا والوعود خاصة لأصحاب المؤسسات لكسب ود الناخبين المحتملين.

ومن ضمن الهدايا إجراءات تلغي ما أقر قانون المالية لسنة 2018 وهي إجراءات ما فتئت حكومة النهضة/النداء تدعي أنها ضرورية لإنقاذ المالية العمومية المتدهورة وبقدرة قادر وبين عشية وضحاها أصبح حال المالية العمومية في بحبوحة وأصبحت الحكومة قادرة على تقديم الهدايا الجبائية.

ولكن إلى جانب هذه الهدايا هناك الكثير من الوعود التي لا تتعلق بسنة 2019 وهو ما يعني أن الحكومة الحالية غير مطالبة بتنفيذها إذ أن كل الإجراءات الواردة بمشروع قانون المالية لسنة 2019 والتي تتعلق بسنة 2020 أو 2021 يمكن للحكومة التي ستأتي في آخر 2019 أن تلغيها قبل أن ترى النور. أغلب الإجراءات الجبائية الواردة بمشروع قانون المالية لسنة 2019 تتمثل في إعفاءات من الضرائب والاداءات أو تخفيضات في هذه الضرائب والاداءات .

• بعض الإجراءات الجبائية الواردة بقانون المالية لسنة 2019 يغلب عليها طابع الوعود وربما المغالطة إذ نص مشروع قانون المالية على امتيازات جبائية لا يمكن التمتع بها في السنة الجبائية القادمة وهي السنة موضوع قانون المالية.

فقد نص مشروع قانون المالية لسنة 2019 على إعطاء امتيازات لبعض المؤسسات لكن هذه الامتيازات تتعلق بسنوات 2020 وما بعدها. إذ ورد في باب “إجراءات لدفع الاستثمار ودعم القدرة التنافسية للمؤسسات ” إجراءات عديدة تنص على منح امتيازات جبائية للمؤسسات الاقتصادية لكن هذه الامتيازات لا تتعلق بسنة 2019 أي السنة المالية موضوع قانون وميزانية الدولة لسنة 2019.

• ينص إجراء أول على «”التشجيع على إحداث المؤسسات وذلك بالإعفاء من الضريبة على الدخل أو الضريبة على الشركات لمدة 4 سنوات ابتداء من تاريخ الدخول طور النشاط الفعلي للمؤسسات الجديدة المحدثة سنة 2020″.

• وينص إجراء ثان على مراجعة نسب الضريبة على الشركات بالنسبة لبعض القطاعات الصناعية (مثل الصناعات الميكانيكية) والخدماتية (مثل مراكز النداء) ولكن الإجراء سيطبق على الأرباح المحققة ابتداء من سنة 2021.

• وينص إجراء ثالث على تمكين المؤسسات التي تنشط في غير القطاع المالي والطاقة والمناجم والبعث العقاري …من طرح القيمة الزائدة المتأتية من التفويت في عناصر الأصول الثابتة المادية المخصصة لنشاطها الأصلي في حدود 50 في المائة إذا تمت عملية التفويت في الأصول المذكورة بعد 5 سنوات بداية من تاريخ التملك …على أن يتم تطبيق الإجراء على عمليات التفويت المنجزة خلال السنوات من 2019 إلى 2021 .

وهنا نتساءل: إذا كان الهدف من هذا الإجراء – مثلما ينص على ذلك مشروع القانون – هو «تخفيف العبء الجبائي على المؤسسات وتشجيعها على تجديد أصولها ودعم هيكلتها المالية » فلماذا تم قصر الإجراء على الفترة المتراوحة بين 2019 و 2021 ولماذا تم تمتيع بعض القطاعات دون أخرى؟

يتضح إذن من مجمل هذه الإجراءات أن الهدف الوحيد الذي تروم الحكومة تحقيقه هو هدف سياسي آني يتمثل في توفير الظروف المناسبة لانتخاب أو إعادة انتخاب منسوبيها.

• بعض الإجراءات اعتبرتها الحكومة «ذات طابع اجتماعي » ولكنها تبدو في غير محلها لأنها تدخل أيضا في باب المغالطة والدعاية الانتخابية. فقد نص مشروع قانون المالية لسنة 2019 على:

– الترفيع في قيمة الطرح من قيمة المساكن المشيدة من قبل الباعثين العقاريين المعفى من معلوم التسجيل النسبي إلى 300 ألف دينار عوض 200 ألف دينار وذلك بدعوى «مواصلة التمشي الرامي إلى تمكين الأشخاص من الطبقة الضعيفة والمتوسطة من اقتناء المحلات المعدة للسكنى باعتبار الارتفاع المحسوس لأسعار هذه المحلات » ويأتي هذا الإجراء الذي يتمثل في إعفاء ما قيمته مائة ألف دينار من ثمن البيع من التسجيل بالمعلوم النسبي (5 في المائة) بعد اقل من سنة فقط من توظيف الأداء على القيمة المضافة بنسبة 13 في المائة على نفس العمليات العقارية وهو ما ساهم
بدور كبير في ركود سوق البعث العقاري.

وإضافة إلى كون هذا الإجراء لا علاقة له بالجانب الإجتماعي نظرا إلى أن المسكن الذي ثمنه 300 ألف دينار ليس مسكنا اجتماعيا فإن لهذا الإجراء أيضا طابعا انتخابيا بحت ويبدو كأنه عملية ترضية للباعثين العقاريين .

– التخفيض في جباية السيارات السياحية المجهزة بمحركات ذات مكابس متناوبة يتم الاشتعال فيها يغير الضغط التي لا تتجاوز سعة اسطوانتها 1200 صم 3 ولا تتعدى قوتها 4 خيول بخارية جبائية والمدرجة تحت الرقم 87.03 من تعريفة المعاليم الديوانية وذلك من خلال إعفائها من المعلوم على الاستهلاك والتخفيض في الأداء على القيمة المضافة الموظف عليها إلى 7 في المائة وذلك بهدف الحد من كلفة هذه السيارات. يناهز ثمن هذه السيارات (حسب النوع) 30.000 د وإذا تم التخفيض في المعلوم على الاستهلاك والتخفيض من نسبة الأداء على القيمة المضافة فقد يبلغ الثمن ما بين 24 و 26 ألف دينار. إن هذا التخفيض من قيمة السيارة بما قدره ما بين أربعة أو ستة آلاف دينار مهم لكن هل يمكن الحديث عن سيارة شعبية بهذا «الثمن المخفض » ؟ أليست هذه مغالطة انتخابية أخرى؟

• التخفيض في نسبة الأداء على القيمة المضافة على خدمات الهاتف القار والانترنات القار المنزلي :  نلاحظ أن هذه الخدمات قد شملتها الزيادة في الأداءات المتعلقة بها ضمن قانون المالية لسنة 2018 . ماذا تغير بين ديسمبر 2017 وديسمبر 2018 لنوظف زيادة في ديسمبر 2017 ونقوم بالتخفيض في ديسمبر 2018 ؟ يبدو الهدف السياسي واضحا لا لبس فيه.

• إجراءات جبائية أخرى قدمتها الحكومة على أنها تهدف إلى مساعدة المؤسسة غير أنها تبدو غير مبررة خاصة في الظرف الحالي للمالية العمومية وبعد أن تم تسليط الضغط الجبائي على شرائح اجتماعية متواضعة في السنوات الأخيرة وبصورة خاصة سنة 2018 . ونسوق بعض الإجراءات على سبيل المثال:

• الإجراء المتعلق بإقرار نظام تفاضلي ينص على إعادة تقييم الموازنات وهو إجراء كانت تنص عليه مجلة الضريبة على الدخل وتم حذفه في إطار الإصلاحات الجبائية المتعددة ويمثل هذا الإجراء هدية محترمة لأصحاب رؤوس الأموال.

• الإجراء المتعلق بدعم إعادة الهيكلة المالية للنزل السياحية التي تواجه صعوبات مالية في حين يعلم الجميع أن هذه الصعوبات ليست جديدة ولها أسباب هيكلية مما يعني أن إجراءات قانون المالية لن تقدم ولن تؤخّر.

• الإجراء المتعلق بالإعفاء من الأداء على القيمة المضافة للعمولات الراجعة لوكلاء أسواق الجملة والمتعلقة بالمنتجات الفلاحية ومنتجات الصيد البحري وهو إعفاء بررته الحكومة بعجزها عن مراقبة هؤلاء الوكلاء. وفي النهاية نختم بأن مشروع قانون المالية لسنة 2019 قد نص على إعفاء طيف هام ممن لم يقوموا بخلاص الأداء البلدي على شرط خلاص هذا الأداء المتعلق بسنوات 2017 إلى 2019 . ويدور حديث لدى المقربين من السلطة بان هناك نية وعزما على تقديم إعفاء من الخطايا لكل من يقوم بخلاص مبالغ الاداءات المثقلة باسمه وسيتم التصريح بهذا الإعفاء وإقراره في نهاية نقاش مشروع القانون امام المجلس النيابي. لهذا يمكن القول إن قانون المالية لسنة 2019 هو قانون الدعاية الانتخابية باعتماد العفو والوعود والمغالطة.

منشور بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر يوم الثلاثاء 13 نوفمبر 2018


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING