الشارع المغاربي – قانون "من أين لك هذا؟": القانون مثالي.. والتطبيق خيالي بقلم/ إبراهيم بوغانمي

قانون “من أين لك هذا؟”: القانون مثالي.. والتطبيق خيالي بقلم/ إبراهيم بوغانمي

16 نوفمبر، 2018

 الشارع المغاربي : صدر يوم السبت 13 أكتوبر 2018  بالرائد الرسمي للجمهورية التونسيّة الأمر الحكومي عدد 818 لسنة 2018 المؤرخ في 11 أكتوبر 2018 والذي يتعلّق بضبط أنموذج التصريح بالمكاسب والمصالح والحد الأدنى للمكاسب والقروض والهدايا الواجب التصريح بها. وكان مجلس نواب الشعب قد صادق يوم 17 جويلية الماضي على قانون التصريح بالمكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح بعد جدل كبير بشأنه بين مختلف الكتل النيابية.

ويهدف هذا القانون وفق ما جاء في الفصل الأول من منه إلى “دعم الشفافية وترسيخ مبادئ النزاهة والحياد والمساءلة و مكافحة الإثراء غير المشروع وحماية المال العام”. أما الفصل الثاني فيضبط ” شروط وإجراءات التصريح بالمكاسب والمصالح ويحدد كيفية التصرف في حالات تضارب المصالح وآليات مكافحة الإثراء غير المشروع.

القانون في سطور
عدد فصول القانون: 51 موزعة على 4 أبواب
تاريخ التصويت بالبرلمان: 17 جويلية 2018
صاحب المبادرة: الحكومة

عدد النواب الذين صوتوا على القانون:  126
عدد الاعتراضات: 1
عدد الرافضين: 0
الدخول حيز النفاذ: شهران بعد صدور الأوامر الحكومية المتعلقة بضبط نموذج التصريح والحد الأدنى للمكاسب والقروض والهدايا الواجب التصريح بها. وتنشر الأوامر الحكومية التطبيقية لهذا القانون وجوبا في ظرف 60 يوما من تاريخ نشر هذا القانون بالرائد الرسمي.

قانون الخروقات والمفارقات

يرى المختصون أنه يجب مزيد تطوير هذا القانون وتنقيحه مستقبلا إذا اتضح أنه لم يتضمن بعض الإجراءات أو أنه لم يتضمن بعض الفئات المعنية بالكسب غير المشروع. وفي هذا الصدد يقول البعض إن القانون لم يشمل بالفعل فئات تتوفر لها إمكانية الاستفادة من المكاسب غير المشروعة ومن تضارب المصالح ومن الهدايا. وكان من الضروري أن تشملها قائمة الـ37 على غرار المهن الحُرة أو بعض الأصناف الأخرى من الأنشطة.

رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية شوقي قداس يعتبر أن قانون التصريح بالمكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح مهم وثري وأنّه مع ذلك يحمل عدة ثغرات من أبرزها إلزام نشر التصاريح لبعض الأصناف فقط وإلزام القرين بالإمضاء على المكاسب والمصالح مع قرينه, فضلا عن إغراق القانون بالأصناف المطالبة بالتصريح بمكاسبها مما يجعل أمر تنفيذه صعبا جدا على الهيئات المكلفة بالتثبت والتحقيق.

فالقانون أقرّ بالأساس مبدأ حماية المعطيات الشخصية إلا أنه وفي مفارقة غريبة خرق المبدأ المذكور في بعض الفصول. وهي نقطة فسرها شوقي قداس بعدم استشارة الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية وعدم الاستئناس بآرائها في هذا الموضوع, معتبرا أن فرض نشر التصاريح للعموم على سبعة أصناف فقط ملزمين بالتصريح من أصل 37 صنفا على غرار رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وأعضاء الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه ورئيس ديوانه ومستشاريه ورؤساء الهيئات الدستورية المستقلة وأعضائها هو إجراء “مبالغ فيه وأسسه غير موضوعية وينطوي على تفرقة وتمييز بين الأصناف المطالبة بالتصريح”. وهنا يرى بعض المختصين أنه كان من الممكن تفادي هذا التناقض عن طريق إدراج فصل بالقانون ينصّ على إتاحة الاطلاع على المكاسب والمصالح عند الهيئة فقط دون نسخها أو نشرها للعموم.
نقطة أخرى مهمة للغاية تتعلق بفرض الإمضاء على قرين الشخص المصرح وهي نقطة اعتبرها شوقي قداس “بدعة قانونية تونسية غير موجودة في القوانين المقارنة” مبينا أنه كان من الأفضل ترك الأمر “اختياريا” بالنسبة للقرين, بالإضافة إلى أن قسم مكافحة الفساد بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد يتولى وجوبا التقصي والتحقق في صحة التصاريح بالمكاسب والمصالح التي يقوم بها الأشخاص ويمكنه في هذه الحالة التثبت من ممتلكات القرين. وفي هذا الشأن ذهب إلى حد مطالبة “القرين بعدم الإمضاء على تصريح قرينه نظرا إلى أنه لا يوجد أي شيء في القانون يلزمه بذلك..”

فالقرين له شخصيته القانونية المستقلة عن المصرح وهو أمر غفل عنه المشرّع الذي لم يخصص أي عقاب للقرين الذي يرفض الإدلاء بمكاسبه لقرينه. والإمضاء على وثيقة التصريح. فالمصرحون يمكنهم أن يمتنعوا عن التصريح بمكتسبات قرينهم والتنصيص على أنه رفض التوقيع, وهي وضعية لا يعاقب عليها المصرح ولا القرين. لكن الهيئة في هذه الحالة يمكنها القيام بالتحريات اللازمة والتحقق من مكتسبات القرين عبر طرح السؤال على مصالح الملكية العقارية ومنظومة البطاقات الرمادية للسيارات وغيرها من مصالح الدولة التي تقوم بتخزين هذه المعطيات والتي يمكن الولوج إليها عبر عدد بطاقة التعريف الوطنية. وهي حلول سهلة وغالبا ما تلجأ إليها السلطات الرسمية في أية دولة قصد التثبت من معلومات أو معطيات شخصية ما.

من جهة أخرى لفت شوقي قداس إلى أنّ القانون يلزم الهيئة بواجب نشر محتوي التصريح لثماني أصناف ملاحظا أنّ في ذلك خرقا لقواعد حماية المعطيات الشخصية على معنى الفصل 49 من الدستور الذي يحدد الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات مضيفا أيضا أنّ هذا الإلزام يخل بمبدأ المساواة بين المصرحين.

عراقيل لوجستية وبشرية
وعلى مستوى الإمكانات اللوجستية والمادية والبشرية الواجب توفيرها لتنزيل قانون التصريح بالمكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح, أشار بعض الخبراء إلى أنه بات من الواضح والجلي للجميع أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لا تملك الإمكانات المادية والبشرية الكافية واللازمة لتنفيذ بنود هذا القانون بالدقة والنجاعة المطلوبتين. وهذا يستدعي تدخّل الدولة من أجل توفير كل الاعتمادات للهيئة الدستورية القادمة, هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد, لكي تستطيع إنفاذ هذا القانون ولا يبقى حبرا على ورق. فعملية التصريح بالمكاسب في ظرف ستين يوما بالنظر إلى العدد الهائل من الأشخاص الذين يستوجب عليهم التصريح والبالغ عددهم قرابة 35000 مصرّح يتوزعون على 37 صنفا, تبدو عملية صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة.

وبالعودة إلى الفصل 50 من القانون نستشفّ أنّه يتعيّن على الأشخاص الخاضعين لواجب التصريح تسوية وضعياتهم في أجل شهرين من تاريخ صدور الأمر الحكومي المتعلّق بضبط الأنموذج بالرائد الرسمي, ناهيك عن ضرورة قيام المعني بالأمر بعملية التصريح عند توليه المنصب وعند تغير ذمته المالية أو المادية وكل 3 سنوات وعند انتهاء مهامه سيجعل عدد التصاريح هائلا ولن يتيح للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قبولها في أحسن الظروف ومراقبة محتواها ومقارنتها بالتصريح الأوّلي خاصة أن الهيئة لم تتمكن إلى حد كتابة هذه الأسطر من توفير الأرضية اللوجستية اللازمة على غرار المنظومة الإلكترونية والتطبيقات المرتبطة بشبكة الأنترنت ليُمكن لها استقبال التصاريح عن بعد, وهي وضعية ستُغرقها لا محالة في الملفات والأوراق التي يستدعي حفظها وتأمينها تجنيد طاقات بشرية. وهذا يُحيلنا على مسألة تكوين الأعوان المستقبلين للتصاريح وإلزامهم بقواعد أخلاقية معينة ليقوموا بمهمتهم على أحسن وجه.

بقي أن نختم بالقول إن الوضعية التي نعيشها اليوم إزاء هذا القانون الذي يعطي الانطباع بأنه مثالي ويصعب تطبيقه لا يقع اللوم فيها على القانون في حد ذاته وإنما على إشكالية على غاية من الأهمية على علاقة بثقافة الارتجال التي دأبنا عليها ألا وهي غياب دراسة تتعلق بالنتائج والجدوى المرتبطة بمشاريع القوانين صلب مجلس نواب الشعب. ففي البرلمانات المقارنة لا تقلّ مثل هذه الدراسات أهمية عن القوانين في حد ذاتها إذ تسمح باستشراف وتوقع نتائج تطبيق القانون عند المصادقة عليه, وحجم العرايقل أو المشاكل التي يمكن أن تعترض مسارات التطبيق والتنفيذ.

منشور بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر يوم الثلاثاء 13 نوفمبر 2018


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING