الشارع المغاربي – صراع سعودي قطري للسيطرة على القرار الوطني التونسي

صراع سعودي قطري للسيطرة على القرار الوطني التونسي

20 ديسمبر، 2018

الشارع المغاربي-كوثر زنطور : 8 أشهر تقريبا منذ احتدام الازمة بين القصبة وقرطاج وشهران بعد إعلان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي القطيعة مع حركة النهضة ، دخلت كل من السعودية وقطر على خط الشأن الداخلي التونسي ، الأولى تحشد بالأموال لحكم تُقصي منه النهضة والثانية تتوسط لإحياء التوافق وضمان بقاء ” الحركة” في السلطة.

خلال السنوات المنقضية ، أصبحت تصنيفات الأحزاب تقدم استنادا لاصطفافها الإقليمي بين المحور السعودي الإماراتي أو المحور التركي القطري ، ولا تكاد تمر أزمة دون ” تنابز” وتبادل التهم حول تمويلات قطرية وإماراتية ، ومع مرور الوقت أضحى المشهد ما يشبه التطبيع مع هذا التدخل السافر في الشأن العام التونسي وبات يُنظر إلى هذا الانحراف الخطير كمُكوّن من مكونات الهوية السياسية للأحزاب والفاعلين في مختلف القطاعات وليس ضربا للسيادة الوطنية وخدمة بالوكالة للأجندات الأجنبية وحتى استقواء بالخارج.

ومنذ 28 نوفمبر المنقضي ، تاريخ زيارة ولي العهد السعودي لتونس عاد الحديث بقوة عن تدخل سعودي في القرار السيادي التونسي ، الزيارة سبقها حشد مدني وسياسي يقال ان جزءا منه حُرّك ” بفعل بفاعل” للتنديد بهذه الزيارة بسبب شبهات تورط ولي العهد في اغتيال الصحفي جمال خاشقجي ، فيما تعالت أصوات قيادات سياسية مناهضة للشاهد تُبشر بقرب حدوث تغييرات جذرية في المشهد تفضي الى إبعاد “الاخوان” في إشارة الى النهضة و “وكيلها” يوسف الشاهد من الحكم.

بعدها بأسبوعين تحول كل من راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ورئيس الهيئة السياسية لنداء تونس حافظ قائد السبسي الى قطر بدعوة من أميرها تميم، الثنائي لم يعلن عن فحوى الزيارة التي دامت يومين تخللاها لقاءان مع الأمير تميم والأوساط القريبة من الحزبين تحدثت عن وساطة قطرية لإعادة إحياء التوافق ، اياما قليلة بعدها يعود حافظ الى قطر ويلتقي مرة اخرى بالامير تميم فيما تحول رئيس الحكومة يوسف الشاهد للسعودية مصحوبا بوفد يتضمن مستشارين ووزراء وغُيب عنه وزير الخارجية ويعلن في اختتامها عن استثمارات وتمويلات من المملكة لتونس بقيمة 2500 مليون دينار أصبحت في ما بعد محل نزاع بين جماعة القصبة وقرطاج حول صاحب الفضل فيها “الشاهد ام الباجي”.

السعودية .. الغنوشي والباجي
نهاية الاسبوع المنقضي كانت حافلة بدويّ ” المليارات” السعودية الموجهة لتونس في شكل استثمارات ومشاريع تنموية وتمويلات بقيمة جملية تناهز 2500 مليون دينار حسب ما صرح به رئيس الحكومة يوسف الشاهد ،قبل أن تصبح بعد يومين فقط 3000 مليون دينار وفق ما جاء على لسان وزير التنمية والاستثمار زياد العذاري .

والوفد لم يصل إلى تونس بعد ، صرح رئيس كتلة حركة نداء تونس سفيان طوبال ان التمويلات المعلن عنها لفائدة تونس هي تتمة لعمل قام به الباجي قائد السبسي بصفته المشرف الاول على السياسة الخارجية وأتمه “تقنيا” يوسف الشاهد باعتباره رئيس السلطة التنفيذية ، فيما نشر أحد الملحقين برئاسة الجمهورية تدوينة على صفحته بموقع فايسبوك ذكر فيها ان التمويلات السعودية الموجهة لتونس هي ثمار اتفاق بين الرئيس قائد السبسي وضيفه ولي العهد السعودي .

بعيدا عن هذا النزاع ، يُطرح السؤال حول الشروط التي وضعتها السعودية لضخ تمويلات غير مسبوقة من حيث حجمها طيلة السنوات الأخيرة ، الشرط الاكثر رواجا في الكواليس والمقدم استنادا للتجربة المصرية هو ابعاد النهضة من دفة الحكم والمعلوم ان علاقة توتر عادت لتكتنف العلاقات بين السعودية والنهضة بعد انفراج نسبي يقال ان الرئيس قائد السبسي وراءه وتجلي في توجيه الملك السلمان دعوة شخصية لراشد الغنوشي لأداء مناسك الحج سنة 2016 بعد ان منع من ذلك سنتي 2007 و2008 عندما كان في منفاه بلندن .

وذكرت وسائل اعلام قطرية وقتها على غرار ” عربي 21″ ان الغنوشي كان ممنوعا من دخول الاراضي السعودية خلال فترة نظام بن علي وان رئيس النهضة سعى منذ صعود حزبه إلى دفة الحكم لطمأنة الخليجيين الذين كانوا متوجسين من ادارتها السلطة وان قطر فقط دعمت الحزب وحكم الترويكا وان السعودية خاصة ابقت على علاقة حذر دائم من النهضة ورئيسها وكانت من أبرز الغائبين عن حفل ختم دستور الجمهورية الثانية.

ومنذ عودته الى تونس من منفاه زار الغنوشي السعودية بقبعات مختلفة ، الاولى بصفة شخصية للتعزية اثر وفاة الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز ثم في جويلية 2016 لاداء العمرة وحاول وقتها التوسط بين السعودية واخوان مصر والثالثة بدعوة من الملك سلمان للمشاركة في افطار سنوي تقيمه المملكة في شهر رمضان ، قبل ان يعود التوتر بسبب تصريحات الغنوشي حول قضية خاشقجي والتي شببها بمقتل البوعزيزي وانطلاق شرارة الثورة في تونس .

تلك التصريحات أثارت غضبا سعوديا وثب عليه حزب نداء تونس بسرعة مخالفا كل الاعراف الدبلوماسية لعقد لقاء مع السفير السعودية في تونس ، ثم جاءت زيارة ولي العهد السعودي واستقباله على اعلى مستوى بمطار تونس قرطاج من قبل الرئيس قائد السبسي وما تم تداوله في كواليس من حديث حول دعم سعودي للرئيس قائد السبسي بسبب قرار القطيعة مع النهضة.

وفي الحقيقة لم تكن تصريحات الغنوشي حول اغتيال الصحفي خاشقجي هي المنطلق الجديد للتوتر مع المملكة ، فقد كانت تحذيرات رئيس النهضة من ” انقلاب يقوده جنرال مجنون” في اشارة الى وزير الداخلية في تلك الفترة لطفي ابراهم العائد حديثا وقتها من السعودية بعد زيارة مثيرة للجدل التقى فيها الملك سلمان ، وراء عودة الفتور بقوة لاسيما انها تضمنت اشارات لدعم سعودي لانقلاب كان واضحا ان الغنوشي اتهم فيه ضمنيا ابراهم .

للنهضة ما يبرر مخاوفها من دخول السعودية على خط الأزمة ، وهي التي تسوق اليوم ان امينها العام وزيرها زياد العذاري لم يكن ضمن الوفد الذي رافق الشاهد في زيارته للسعودية وان دعوة شخصية بلغته لزيارة المملكة ، فيما تشير مصادر دبلوماسية إلى ان السعودية وجهت دعوات للوزراء المعنيين بتوقيع الاتفاقات وانها وضعت للتنسيق مواعيد بين 12 و14 ديسمبر لإتمامها ، وان العذاري كغيره من الوزراء المعنيين تلقى دعوة من نظيره السعودي.

لكن هذا التفصيل وان كان مهما فهو غير ذي بال أمام التضارب الكبير في الروايات حول الزيارة بين دوائر القصبة وقرطاج ، وحتى مع الوزير العذاري الذي نفى في تصريح لراديو موزاييك لقاء يوسف الشاهد ولي العهد على انفراد ، وهو ما نفاه مصدر من القصر أيضا واكده لـ”الشارع المغاربي” احد المقربين من الشاهد.
واحد المقربين من الشاهد اكد أيضا ان رئيس الحكومة التقى على انفراد الملك سلمان ثم ولي العهد وانه نجح (والعبارة له) في تفنيد الصورة التي قدمت له بخصوص كيفية استمراره في الحكم ، وان حكومته هي حكومة النهضة وكل “ما قُدم لولي العهد خلال زيارته الى تونس حول التطورات الحاصلة في المشهد السياسي وخاصة محاولة عزل رئيس الجمهورية” بتخطيط من النهضة وتنفيذ منه.
ويبدو ان الشاهد ، استنادا الى الرواية المقدمة ، برّأ ذمته وذمة النهضة والخطير انه قد يكون كذّب رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ، والواضح ان تغييبه شخصيتين هما كل من وزير الخارجية خميس الجهيناوي وكاتب الدولة للدبلوماسية الاقتصادية حاتم الفرجاني هو ضمان لإبعاد ” اذن وعيون ” الرئيس عن الزيارة وتوظيفها سياسيا وفقا لأجندته التي ينتظر ان تتحول قريبا بشكل رسمي وعلني الى انتخابية.
في المقابل يقول احد قيادات نداء تونس لـ “الشارع المغاربي” ان الزيارة اعد لها من قبل الرئيس قائد السبسي وان السعودية تحاول ابعاد الشاهد عن المحور التركي مذكرا باستقباله في مطار ابان عودته من الصين في تركيا من قبل مسؤولين اتراك من ضمنهم صهر أردوغان ، وان العملية تهدف لإقرار مصالحة بين الشاهد والباجي وإعادة رسم تشكيل حكم لا يضم النهضة لافتا إلى ان السعودية لا تضخ أموالا بوجود الحركة في الحكم.
قطر .. وبوصلة حافظ
الحليف الاستراتيجي لحركة النهضة دولة قطر استقبلت للمرة الثانية رئيس الهيئة السياسية لحزب حركة نداء تونس حافظ قائد السبسي ، نجل الرئيس عاد مرة اخرى بدعوة من امير قطر بشكل غير معلن ويغلب على اللقاء الطابع الرسمي بعد ان كان قد قدم في لقاء سابق 5 شروط للقبول بالوساطة القطرية التي قال ان امير تميم يقودها بين النهضة ورئاسة الجمهورية .

الشروط التي قدمها حافظ هي حل الهيئة العليا لانتخابات وإعادة تشكيلها مركزيا وجهويا وتخلّي النهضة عن رئيس الحكومة يوسف الشاهد وتشكيل حكومة انتخابات تقنية وابعاد وجوه النهضة الراديكالية من النهضة والتوافق حول اعضاء المحكمة الدستورية ، ويبدو ان هذه الشروط نقلها الامير تميم لضيفه الثاني راشد الغنوشي.

وكان حافظ قد التقى لاول مرة الامير تميم سنة 2015 بوساطة من النهضة وتحديدا من رئيسها الغنوشي الذي فتح له ايضا الابواب للقاء الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ، وتقول دوائر القصبة إنه ليس للزيارة الثانية لحافظ في غضون أسبوعين لقطر علاقة بالوساطة التي يقوم بها اميرها لرأب الصدع بين النهضة والرئيس قائد السبسي وانه توجه هذه المرة كـ ” حامل لاخبار” حول خفايا زيارة الشاهد للسعودية ، وهي نفس التهمة التي توجهها جماعة نداء تونس للعذاري في زيارته للسعودية.

في المحصلة يبدو ان قطر متوجسة من الدخول السعودي على خط الشأن التونسي ووجدت في ” حافظ قائد السبسي” المهمش في الساحة والذي يواجه دعوات متعددة للابتعاد عن زعامة الحزب ،ضالتها ، وانها جددت الدعوة للغنوشي للبقاء في ” الخط الثاني” بقيادة الدولة ، وان الوساطة ستتواصل الى حين إيجاد توافقات تبقي النهضة في الحكم فيما يقول نهضويون ان الرسالة التي وجهتها قيادات منها للرئيس الغنوشي واعلنت فيها رفضها القطيعة مع الرئاسة وراء التحرك القطري.

فصل جديد من التدخل السافر في الشأن الداخلي تحول إلى صراع ومخاوف من هذا الجانب وذاك ، بين نهضة متطبعة بالمحيط الإقليمي والدولي ومتهافتون على السلطة انخرطوا في لعبة المحاور غير آبهين بالواقع الاجتماعي الذي قد يطيح بكل الاجندات مهما خيل للبعض منهم بأنها قادرة على ابقائهم في الحكم.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING