الشارع المغاربي – على وقع التفاقم الخطير لأزمات البلاد: هل أصبح الخروج إلى الشارع ضرورة حتمية ؟ بقلم: لطفي النجار

على وقع التفاقم الخطير لأزمات البلاد: هل أصبح الخروج إلى الشارع ضرورة حتمية ؟ بقلم: لطفي النجار

21 ديسمبر، 2018

الشارع المغاربي : كلّ المؤشرات تفيد أنّ مسارات الحلحلة السياسية قد تعطّلت بعد أن راوحت الأزمة الراهنة مكانها منذ سنة. تأتي هذه العطالة الخطيرة في سياق تفقير مستمر للطبقة الوسطى والتحاق أطياف واسعة منها بعموم الفقراء والمهمّشين، وبالتوازي أيضا مع ما يشبه الإجماع السياسي و”التقني” بأنّ ميزانية 2019 ستعمّق الجراحات الاجتماعية وتوسّع الهوّة أكثر بين قلّة من الأثرياء وسواد متعاظم من المحبطين والفقراء…يحدث كلّ هذا في أجواء تتعالى فيها الحناجر الداعية للخروج إلى الشارع..حناجر سياسية وحزبية ونقابية ومواطنية متنوّعة المشارب والخلفيات.

عندما تتقاطع تصريحات جلّ الفاعلين في الحياة السياسية حول دقّة الوضع الاجتماعي وخطورته العالية المنبئة بانفجار قادم لا نعلم جميعا آفاقه ومآلاته، ولمّا يحصل ما يشبه “التوافق” في التشخيص عبّر عنه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي لدى إشرافه يوم أمس 17 ديسمبر على فعاليات إحياء الذكرى الثامنة لثورة الحرية والكرامة بسيدي بوزيد بجملة مختزلة ومعبّرة قائلا: “الوضع العام في البلاد متشنّج ومحتقن على جميع المستويات”، فاعلم أنّنا بصدد نفاذ “التوقيت السياسي” بعد أن استنفذنا “الزمن الإضافي” ولم يعد أمامنا إلاّ التساؤل المشروع والمبرّر: هل أصبح الخروج إلى الشارع ضرورة حتمية للحسم ؟.
أزمة سياسية “مستدامة”
سقطت وثيقة قرطاج 1 التي أريد لها أن تجهز على حكومة الحبيب الصيد في خطوة أولى ثمّ تشكيل إئتلاف واسع يسند حكومة يوسف الشاهد ( الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وأحزاب النهضة ونداء تونس ومشروع تونس والاتحاد الوطني الحر وآفاق تونس والحزب الجمهوري والمسار الديمقراطي الاجتماعي وحركة الشعب والمبادرة الوطنية الدستورية). ارتطمت “قرطاج 1” بموجات من النقد موجّه لحكومة الوحدة الوطنية من سياسيين وأحزاب اعتبروا أنّ الاتفاق “فضفاض وإنشائي” وغير قادر على رسم السياسات والخيارات العاجلة لإنقاذ البلاد، ثمّ تصاعد النقد ليشمل أطرافا وقّعت على الوثيقة شملت أحزابا ومنظّمات وطنية عبّرت عن محدودية المضامين المعلنة مقارنة بصعوبة الأوضاع التي تعيشها البلاد. تزامن النقد الموجّه للوثيقة (قرطاج 1) ولأداء الحكومة المتعثّر مع تدهور في جلّ المؤشّرات الاقتصادية وتعفّن الأوضاع الاجتماعية وتوالي الانسحابات السياسية من أحزاب ومنظّمات موقّعة على الوثيقة وانحسار شديد للدائرة المحيطة بحكومة يوسف الشاهد.
رحّل الفشل الأوّل وعنوانه “قرطاج 1” إلى وثيقة جديدة ( قرطاج 2) بدأ التفكير والتشاور حول نقاطها وبنودها منذ جانفي 2018 ليمتد مدّا وجزرا وتجاذبا وصراعا سياسيا مشهديا دون أن يرى الاتفاق النور وينتهي المسلسل “الهيتشكوكي” إلى تعليق النقاشات حول الوثيقة المقترحة. سنة بالضبط تقريبا تمرّ على إيقاع أزمة مستفحلة وقد استدامت ولم تحسم، بل لم يحصل شيء، فلا “قرطاج 2 ” فعّلت ولا حكومة كفاءات رأت النور ولا أثر لفريق حكم يستند على إجماع وطني واسع ينقذ البلاد والعباد من هذا النفق…كلّ ما نراه توغّل في طريق المحاصصة واقتسام للغنائم والمناصب دون أفق سياسي وطني.

الفقر والجوع ينتشران في الأرض
لا يختلف عاقلان اليوم لمّا ينصتا إلى نبضات الشارع التونسي ويرصدا أوضاع الناس في المدن والقرى والأرياف والجبال، في دواخل البلاد وسواحلها أنّ الطبقة الوسطى مفخرة دولة الاستقلال قد دخلت مرحلة العوزوالحاجة وأنّها بصدد التآكل والتفتّت. كما لا يغيب على النّاظر اليوم حجم الفقر الممتدّ من أحزمة المدن إلى البوادي، ومظاهر الجوع القاسية المنتشرة والموزّعة على كلّ الجهات، على أطرافها وهوامشها وحتى في مراكزها.
تجمع الإحصائيات الرسمية اليوم على وجود 40 ألف متسوّل تونسي، و600 ألف من “البرباشة” أي 5 بالمائة من التونسيين يقتاتون من الفضلات، وأنّ نسبة الفقر قد فاقت خمس سكّان تونس، أضيفت لهم مئات الآلاف من المنتمين إلى الطبقة الوسطى الذين تدحرجوا اجتماعيا إلى القاع بعد التهاب الأسعار واهتراء القدرة الشرائية بسبب ارتفاع نسبة التضخّم إلى مستوى خطير (7 فاصل 8 بالمائة) وتواصل انهيار الدينار أمام باقي اليورو والدولار.
مليونا تونسي تحت خطّ الفقر زائد طبقة وسطى تقترب هي الأخرى من خطّ الفقر بسبب غلاء الأسعار، هي الحقيقة الماثلة اليوم التي يمكن أن تتحوّل في كلّ لحظة إلى وقود لانفجار اجتماعي هائل.
ميزانية 2019 وتعميق الجراحات
يذهب الكثير من المتابعين والسياسيين وخبراء الاقتصاد إلى أنّ ميزانية 2019 ستعمّق الفوارق بين الشرائح الاجتماعية وتزيد في حجم الهوّة المتّسع أصلا بين قلّة من الأثرياء والجموع المتبقّية من التونسيين، وأنّ بنودها ومضامين فصولها لن تقدر على إخراج تونس من مأزقها الاقتصادي والاجتماعي.
المحلّل ورجل الاقتصاد عز الدين سعيدان يرى أنّ الاقتصاد التونسي يسير نحو الإفلاس، وأنّ قانون المالية فاقد للمصداقية لأنّه تضمّن فصولا قدّمت في آخر وقت وطريقة المصادقة عليها بيّنت وجود ضغوطات من قبل لوبيات معيّنة. الخبير في الاقتصادالسياسي والصناعي جمال الدين العويديدي شبّه تونس ب”الرهينة” و”المعروضة للبيع” معتبرا أنّ “لوبيات الاتحاد الأوروبي تقود تونس إلى الهاوية”.
هذا بالنسبة للخبراء والمحلّلين الاقتصاديين، أمّا بالنسبة لرجال السياسة فإنّ الأمر أكثر وضوحا كما عبّر عن ذلك الأمين العام للتيّار الشعبي والقيادي بالجبهة الشعبية زهير حمدي قائلا “ميزانية الدولة لسنة 2019 ترجمة حقيقية لما يمليه صندوق النقد الدولي على الحكومة، من إجراءات تقشّف وخوصصة وزيادة في الضرائب على الطبقات الفقيرة والتخلي عن الخدمات الأساسية على غرار الصحة والتعليم لفائدة القطاع الخاص”. منجي الرحوي هو الآخر اعتبر أنّ قانون المالية الذي تمّت المصادقة عليه يطلب من الطبقة الفقيرة والمتوسطة تحمّل الإصلاحات الموجعة للحكومة.
اعتبر الكثير من المتابعين إذن، أنّ الميزانية الجديدة تنتصر لحفنة من رجال الأعمال المقرّبين من الإئتلاف الحاكم وأنّ وزرها ستحمله الطبقات المفقّرة والعمّال والأجراء كما رصدنا ذلك في مداخلات وتصريحات كلّ قيادات المنظّمة الشغيلة وجلّ الفاعلين السياسيين سواء في المعارضة أو حتى خارجها ممّن لم يعودوا قادرين عن الدفاع عمّا لا يمكن الدفاع عنه كما يقول المثل الفرنسي defendre l indefendable.
الشارع قوّة حسم أخيرة ؟
أمام الخطوط الثلاث المتوازية لأزمة متعدّدة الأبعاد : سياسية واقتصادية واجتماعية، وأمام هذا العجز الرسمي البيّن عن الخروج من نفق مظلم امتد من جانفي 2018 إلى مشارف جانفي 2019 (حكومة بلا بوصلة ودون أفق)، المتزامن مع حالة احتقان وغضب متصاعد في صدور التونسيين نتيجة الفقر والجوع، مضافا إليها ميزانية وصّفت بميزانية الإيغال في الجرح الاجتماعي عبرالانتصار لحفنة من اللّوبيات والمصالح المتنفّذة، تتواتر دعوات صريحة للخروج إلى الشارع. دعوات تشترك رغم تنوّع خلفياتها وتوجّهاتها ومراميها في شعار محوري ومطلب أساسي للشارع الذي يمكن أن يكون أو أن يتحوّل إلى قوّة حسم حتمية.
نور الدين الطبوبي أعلنها صراحة في سيدي بوزيد”لا مفرّ من الانحناء لإرادة الشعب والإيمان بالديمقراطية”، بعد أن صرّح يوم السبت الفارط في اختتام أعمال ندوة نقابية أنّ ” تونس على كفّ عفريت” منبّها إلى خطورة الوضع الاجتماعي في البلاد الذي وصفه “بالخطير والخطير جدا”، ومحذّرا إلى إمكانية أن نصل إلى “مالا يحمد عقباه”. زهير المغزاوي النائب بمجلس نوّاب الشعب والأمين العام لحركة الشعب ذهب أبعد من ذلك داعيا الشعب التونسي إلى الدفاع عن نفسه قائلا في مداخلة تحت قبّة البرلمان “نحن المعارضة عجزنا عن الدفاع عنكم..دافعوا عن أنفسكم”. منجي الرحوي، أيمن العلوي حمة الهمامي ووجوه أخرى من جلّ الأطياف والمشارب السياسية والنقابية والفاعلة في الفضاء العام ترى اليوم أن لا مفر من الحسم في الشارع بعد أن بلغ السيل الزبى.
مازلنا لم نبلغ جانفي بعد والدعوات للتظاهر تتواتر وتتعدّد من أفراد وجماعات يحاول بعضها استنساخ ما يحدث في فرنسا، ويعمل البعض الآخر على التحشيد والتعبئة على صفحات التواصل الاجتماعي، وتذهب البقيّة الباقية إلى أنّ حاجز الدفاع عن حقوق الناس قد سقط وأن لا مفر من المقاومة السلمية في الساحات والشوارع…هي دعوات تكشف في تشخيص أوّلي و مباشرعن استنتاج نكاد نراه بأمّ العين: خيبة عامّة من الحكّام…والشارعصار خيارا للكثير وربّما حتمية لم نعد نملك أمامها حرية تقرير ساعة الخروج إليه…المسألة مسألة حسب محرار الشارع طبعا !

 

 

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING