الشارع المغاربي – الباجي والشاهد: المصالحة المستحيلة../ بقلم: كوثر زنطور

الباجي والشاهد: المصالحة المستحيلة../ بقلم: كوثر زنطور

24 يناير، 2019

الشارع المغاربي : في غمرة إعداد حزب حركة نداء تونس لعقد مؤتمره الانتخابي الاول ومع تواصل اجتماعات مجموعة الشاهد الاستشارية قبيل الإعلان عن تأسيس حزبها.. تتعالى أصوات من داخل المجموعتين تؤكد إمكانية عدم انعقاد المؤتمر بصبغته المقدمة (ديمقراطي انتخابي) وفرضية غض النظر عن تأسيس الشاهد حزبه. ومع الفرضيتين تطرح خاصة استحالة إقرار مصالحة بين الطرفين سبق ان طرحها مقربون منهما في أكثر من مرة وتوأد في المهد لأسباب عديدة ذاتية وموضوعية وتكتيكية انتخابية .

مع اقتراب شهر مارس بمواعيده السياسية الهامة بالنسبة للنداء ولمجموعة الشاهد على حد سواء بتنظيم الاول مؤتمره يومي 2 و3 مارس والثاني بالاعلان عن تأسيس الحزب يوم 17 من نفس الشهر ، شقت الاختلافات والخلافات صفوف الفريقين وحتى الشكوك في جدية مسار انعقاد المؤتمر أو تأسيس حزب .وفي خضم حالة الارتباك هذه ، ظهر مسار ثالث حشر فيه اتحاد الشغل منذ تشديد قيادات منه على اعتزام المنظمة خوض غمار انتخابات 2019، فرضية ينظر اليها شق من النداء كـ”سيناريو ب” يتم الالتجاء اليه في صورة فشل المؤتمر الانتخابي.
المصالحة المستحيلة
استقبل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي يوم أمس رئيس الحكومة يوسف الشاهد لأول مرة منذ اجتماع 5 نوفمبر 2018 ، تاريخ اخر لقاء ثنائي بين الطرفين ، اجتماع سبقه حديث عن مبادرة لتقريب وجهات النظر تنهي القطيعة وتدشن لمرحلة ” تفاهم جديد” حول تسيير الشأن العام وأيضا حول مؤتمر نداء تونس.
وتداولت الأوساط السياسية ان راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة دفع في هذا الاتجاه خلال لقائه الأخير بقائد السبسي الأب وان “عائلات” دخلت على الخط وتحركت بدورها في إطار مبادرة لا أحد يحدد بشكل قاطع من يقف وراءها، مقابل تأكيد على انها وضعت على طاولة النقاش منذ مدة وحتى قبل تمرير قانون المالية وعلى ان التحوير الوزاري حال دون تحقيقها .
مع تعدد المبادرات والمحاولات للتقريب بين رأسي السلطة التنفيذية ، تعددت أيضا مساع لفرض القطيعة و”اللاعودة” بينهما، من مجموعة رئيس الجمهورية التي تصف الشاهد بالانقلابي ، ومن مجموعة الشاهد التي ترى من جهتها ان التمديد والتمكين من السلطة تعزز باعلان القطيعة مع الاب والابن قائد السبسي وان أي انخراط في تفاهمات يعني “دخول لبيت الطاعة” وضرب لمسار كامل اقترب موعد قطاف ثماره ( انتخابات 2019).
ذلك يشير الى ما سبق ان تحدث عنه الشاهد في جلسة عامة بالبرلمان خلال منح الثقة للوزراء المقترحين ضمن التحوير الوزاري ، واتهم وقتها أطرافا لم يسمها بزرع بذور الفتنة بينه وبين الرئيس قبل ان يشدد في حواره التلفزي على قناة التاسعة على أن العلاقة بينهما على أحسن ما يرام وعلى انهما يتعاملان كـ “رجلي دولة”.
لكن اجتماع ” الثمانية” بقرطاج فنّد “مزاعم” الشاهد واتضح لكل المشاركين فيه من اطراف اجتماعية والمكونات الجديدة للائتلاف الحاكم ان الخلاف بين رئيسي الحكومة والجمهورية عميق وان القطيعة نهائية وباتة ، ورغم ذلك عاد البعض للتحرك خاصة ممن لم يجد له مقعدا متقدما في فريق الشاهد لطرح مصالحة تم استنادا الى مفاهمات حول المؤتمر الندائي وانتخابات 2019 التشريعية والرئاسية.
مقربون من قرطاج يصفونها بالمستحيلة ، وبأن ارضيتها غير متوفرة ، وهذه الأرضية لا تعني الا مغادرة للقصبة والقطع مع مجموعة من مستشاريهم والعودة وقتها الى نداء بتونس والقبول طبعا بزعامة النجل حافظ ، وارضية المصالحة غير متوفرة ايضا بالنسبة للشاهد شخصيا المتلذذ بمكارم السلطة والمتوجس من تبعات الخروج منها ، والذي بات لا يقبل بعد حملات ” المناشدات ” وتلقيبه بالزعيم بأي دور ثانوي.
هذه المصالحة المستحيلة كما يشير اليها عارفون بخفايا الصراع القائم بين القصبة وقرطاج ، سيزيد من وتيرة المناورات داخل نداء تونس وفي صفوف فريق الشاهد اللذين أصبحا خطان متوازيان لن يلتقيا على الأقل في الوقت الراهن ، ويراهنان على السلطة كأحسن المسالك للفوز بانتخابات 2019 ، النداء بمواصلة الضغط لتشكيل حكومة انتخابات وفريق الشاهد بربح الوقت والبقاء اقصى ما يمكن في الحكم .

فريق الشاهد.. والنداء
كشفت اجتماعات مجموعة يوسف الشاهد التي ينشطها المدير السابق للديوان الرئاسي سليم العزابي انخراط جزء ليس بالهيّن من مسؤولي الدولة بدءا بالوزراء مرورا بالرؤساء المديرين العامين والعمد والمعتمدين وولاة وصولا لرؤساء البلديات والمستشارين البلديين في المشروع السياسي الجديد ، بما جعله يلقب قبل تحوله الى كيان حزبي بـ” حزب الدولة” .
وفي كل الاجتماعات يحضر بالغياب الثلاثي ” الباجي قائد السبسي ونداء تونس ويوسف الشاهد ” في النقاشات التي يختتمها عادة العزابي بتأكيد على دور الرئيس قائد السبسي وفضله على كل من يتقلد مسؤولية بالدولة وعلى رأسهم الشاهد مرفوقا باعلان نهاية حزب نداء تونس والاعداد لتقديم عرض سياسي جديد يتزعمه الشاهد يقطع مع ممارسات الحزب القديم.
المتأمل في فريق الشاهد يقف على كم التناقضات التي تشقه وعلى ان عناصر النجاح قد تتحول إلى عناصر فشل ، فالمجموعة تتكون من مجموعات هي:
-مجموعة القصبة التي تضم وزراء وكتّاب دولة ومستشارين .
-العائلات المتقاربة والمتصاهرة مع الشاهد والمنقسمة بين ما يسمى بـ”البلدية” واللوبي الساحلي وينشط فيه بشكل هام صهر رئيس الحكومة (زوج شقيقة حرم الشاهد ).
-كتلة الائتلاف الوطني
– قدماء نداء تونس ممن لم يتمكنوا من الفوز بمقاعد في التشريعية او بمناصب سواء على المستوى المركزي او المحلي.
– رجال الاعمال
– مجموعة قدماء الحزب الجمهوري
– مجموعة التجمعيين
كل مجموعة من المجموعات المذكورة ترى انها مفتاح نجاح المشروع السياسي ، بين المجموعة المضيقة للشاهد التي ضبطت منذ أشهر تكتيك تأسيس الحزب والتي وان فضلت حتى وقت قريب التحرك في الخفاء فانها ستظهر قريبا فارضة موقعا متقدما في المشروع وكتلة الائتلاف الوطني التي تحسب لنفسها بقاء رئيس الحكومة في منصبه ومواجهة مناورات البرلمان في محطات هامة ابرزها جلسة منح الثقة لوزير الداخلية واسقاط سحب الثقة من وزير النهضة أنور معروف ومعركة قانون المالية وقبلها تمرير التحوير الوزاري تقابلها مجموعة قدماء نداء تونس اكثر معارضي النواب والذين يرون انهم سيعيقون اي تقدم للحزب فيما ترى مجموعة التجمعيين ان لا نجاح لأي بديل لا تكون له هوية تجمعية دستورية خالصة.
التناقضات داخل المشروع قبيل ولادته ، في وقت تتصارع اللوبيات المنقسمة بين العائلات النافذة ورؤوس الاموال ومكونات الدولة العميقة والنواب ، بما سيجعل من عملية الفرز التي سبق ان اعلن عنها سليم العزابي في احد الاجتماعات السابقة، جد صعبة وربما محددة في تأسيس الحزب خاصة في صورة خروج يوسف الشاهد من القصبة.
في المقابل يتواصل الصراع داخل نداء تونس حول حافظ قائد السبسي ، وقد يكون اجتماع يوم امس في قرطاح بين رئيس الجمهورية والسداسي رضا شرف الدين وبوجمعة الرميلي وسفيان طوبال وانس الحطاب وقائد السبسي الابن ورؤوف الخماسي حول ترتيبات المؤتمر تأكيدا جديدا على ان مصممه هو الرئيس بنفسه.
فبعد الخلافات حول صلاحيات عمل لجنة الإعداد للمؤتمر التي يقول بوجمعة الرميلي انها انتهت بالتوصل الى اتفاق بعد مفاوضات ، ظهر خلاف جديد حول اقتراح تولي الباجي قائد السبسي تعيين ثلث القيادة فيما يُنتخب في المؤتمر الثلثين المتبقيين ، واقتراح إعداد قائمة توافقية للقيادة القادمة يزكيها الحزب.
بين هذا وذاك لا يزال مسار تأكيد تنظيم الحزب مؤتمر انتخابي ديمقراطي غير مؤكد ، ويصطدم بغياب الثقة بين ما تبقى من قياداته وتواصل مناورات نجل الرئيس الذي لا يبدو انه راغب في ترك مكانه لأحد مسنود بمجموعة لن يكون لها أي وجود في صورة خروج “حافظ” من المشهد القيادي للحزب.
في خضم الصراع القديم الجديد داخل نداء تونس ، وضع شق منه ، وتحديدا المجموعة المناهضة لزعامة حافظ “سيناريو ب ” يتمثل في مغادرة الركب والالتحاق بما تسميه “جبهة وطنية” يقودها اتحاد الشغل تخوض معها غمار الانتخابات القادمة التشريعية والرئاسية وأنها ستواجه حزب الشاهد المرتقب وحليفه الاساسي اليوم في الحكم،حركة النهضة.
هذه الجبهة يُتداول انها محل تشاور ونقاشات انخرط فيها حتى سياسيين مخضرمين ونقابيين سابقين ، وانها بصدد التبلور وستكون مدعومة من اتحاد الشغل الذي سبق ان اعلنت قياداته وعلى رأسها أمينه العام نور الدين الطبوبي انه معني باستحقاقات 2019 وان هياكل المنظمة ستتدارس كيفية خوضها.
في انتظار تحديد اتحاد الشغل تصوّره لكيفية دخول استحقاقات 2019 الانتخابية ، لا يبدو حال مجموعة الشاهد أحسن من حال نداء تونس ، الأول كالثاني تتقاذفه المطامح والتكتيكات الانتخابية خاليي البال من حصيلتيهما الهزيلة جدا في الحكم يتصارعان على فضاء واحد بوجوه جُرّب جلها وفشل.

صدر باسبوعية “الشارع المغاربي”  في عددها الصادر يوم الثلاثاء 22 جانفي 2019.

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING