الشارع المغاربي – في تناقضات ومخاطر التشريع الجديد للنظام الانتخابي... بقلم: العميد الصادق بلعيد

في تناقضات ومخاطر التشريع الجديد للنظام الانتخابي… بقلم: العميد الصادق بلعيد

7 فبراير، 2019

الشارع المغاربي : في سبتمبر 2018، قدمت الحكومة مشروعي قانون أساسي يتعلق الأول بضبط مقاييس تقسيم الدوائر الانتخابية وتحديد عدد مقاعدها، ويتعلق الثاني بتنقيح نظام الانتخابات التشريعية الوارد في القانون الأساسي المؤرخ في ماي 2014 (والمنقح بالقانون عدد 7 لسنة 2017 والمؤرخ في 14 فيفري 2017) ؛ وعُرض هذان المشروعان على انظار لجنة ‘النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية’ بمجلس نواب الشعب، التي بادرت بالنظر في المشروع الاول واصدرت في شأنه قرارا بالتخلي عنه في آخر نوفمبر 2018، وذلك بالرغم م ان الحكومة الحّت على الاسراع في تمريره بتعلة انه جاء في الفصل 106 من القانون الاساسي لسنة 2014 القاضي بلزوم “تقسيم الدوائر الانتخابية وضبط عدد مقاعدها بالاعتماد الى قانون يصدر سنة على الاقل قبل الموعد للانتخابات التشريعية” المُقدمة في 2019؛ أما المشروع الثاني والمتعلق بتنقيح القانون الخاص بتحوير النظام الانتخابي، فإنه تم تدارسه في اطار نفس اللجنة المذكورة التي وافقت عليه واحالته الى الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب للبت فيه. وإن ما يهمنا في هذا البحث هو النظر في اختلاف تعامل اللجنة المذكورة مع هذه المشاريع القانونية الهامة؛

1– ‘التخلي’ عن تقسيم الدوائر:

ان اعادة النظر في تقسيم الدوائر الانتخابية كان متوقعا منذ 2011، ووقع التأكيد عليه في الفصل 106 من القانون الانتخابي الذي يقول: “يتم تقسيم الدوائر الانتخابية ويضبط عدد مقاعدها بالاستناد الى قانون يصدر سنة على الاقل قبل الموعد الدوري للانتخابات التسريعية”؛  وكان النظام الانتخابي لسنة 2011 يعتبر نظاما مؤقتا بموجب الفصل 173 من قانون الاساسي لسنة  2014، وهو يقول: “الى حين صدور القانون المتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية والمنصوص عليه بالفصل 106 من هذا القانون، يعتمد تقسيم الدوائر وعدد المقاعد الذي اعتمد في انتخابات المجلس الوطني  التأسيسي”؛  لكن ذلك التحوير لم يحصل بالرغم من اقتراب ‘الموعد الانتخابي الدوري’ لسنة 2019 وامكانية انقراض المهلة المحددة في القانون ؛ ورغم محاولة الحكومة لتدارك الامر، فإن اللجنة المختصة في مجلس النواب قررت عدم الاستجابة لطلبها وقررت “إرجاء النظر في المسألة الى ما بعد الانتخابات التشريعية المقررة سنة 2019، وذلك بالرغم من ان التطور الديمغرافي الذي عرفته مختلف الولايات بالجمهورية منذ انتخاب المجلس التأسيسي سنة 2011″؛

في تقديرنا المتواضع، إنه من الصعب قبول هذا القرار في مضمونه وفي المؤيدات التي جاءت بها اللجنة، وذلك لأسباب مختلفة: 1*- إنه من غير المقبول، بالرجوع الى “المبادئ الدستورية والى المعايير الدولية” التي استشهدت بها اللجنة المحترمة، عدم اعتبار التطور الديمغرافي الذي تعترف به اللجنة وحرمان المواطنين-الناخبين من حقهم المشروع في المشاركة في الانتخابات، وانتزاعه منهم بجرة قلم؛ 2*- : يحق لنا ان نتساءل عن جدارة التجاء اللجنة الى ‘المعايير الدولية والممارسات الفضلى’ العالمية في نفس الوقت الذي تقوم هذه اللجنة نفسها بخرق صارخ لتلك المبادئ وبمحاولتها للتستّر بها؛

لكن، هناك في الأمر ما هو أغرب، يتجلى عند النظر في المشروع التشريعي الحكومي الثاني والمتعلق بتحوير النظام الانتخابي؛

  2*- مفاجأة المشروع الحكومي للنظام الانتخابي:

*-أ- :من المعلوم ان النظام الانتخابي وقع اعتماده في سنة 2011 بمناسبة انتخاب اعضاء المجلس التأسيسي وانه كان من المفروض اعادة النظر فيه لاحقا؛ لكن هنا، مرة اخرى، لم يتيسّر ذلك، فوقع تطبيق ذلك النظام في الانتخابات الدستورية والتشريعية (2011 – 2014) وكذلك في الانتخابات البلدية (2018)؛ وفي كل تلك المناسبات، أثيرت مسألة التحوير الانتخابي في 2014 وفي 2018، لكن من دون جدوى؛ ثم وقع طرح نفس السؤال بمناسبة الانتخابات التشريعية القادمة (2019)؛ لكن وبعد صمت طويل، فوجئ الجميع بمشروع قانون حكومي (ورئاسي؟)، الذي اقتصر في الواقع على تغيير أساسي واحد، يرمي الى إقحام مبدا ‘العتبة’ في النظام الانتخابي التشريعي والى تحديدها بخمس بالمائة ؛ لكن’ في هذه الحال، اعلن رئيس اللجنة التشريعية أنه “تم الاكتفاء بالمصادقة على تحديد العتبة الانتخابية بخمس بالمائة وارجاء النظر في اعادة تقسيم الدوائر الانتخابية وتحديد عدد مقاعدها الى ما بعد الانتخابات التشريعية المقررة لسنة 2019″؛

*-بـ -: الا ان المريب في هذا الابتكار، الذي يدخل لأول مرة في تاريخ التشريع التونسي الخاص بالانتخابات التشريعية، اعتماد فكرة ‘العتبة’ ورفعها الى خمس في المائة، وذلك من دون أية مشاورة حول مثل هذا القرار الخطير بتبعاته العميقة على المشهد السياسي للبلاد ومضاعفاته السلبية على التوجه الديمقراطي الذي اختارته البلاد وعرفت بأسبقيتها في هذا التوجه؛ وإن النتائج التي ستنجر عن هذا القرار يمكن تحديدها في النقاط التالية:

ب-1 *- : إن التأمل في هذه المبادرة الحكومية يعطي الانطباع ان طرفا من اصحاب هذا المشروع سيفاجأ بنتيجة معاكسة لتلك التي كان يترقبها، وذلك للسبب التالي: يبدو ان القرار حول “العتبة” قد وقع وضعه في الفترة التي لا زال فيها التوافق بين الحزبين الكبيرين قائما ولا زال التفاهم بين ‘الشيخين’ قويا وراسخا وقادرا على تمديد هيمنتهما السياسية على سائر شؤون البلاد لمدة خماسية ثانية، ولم يكن أحد يتوقع تلك الانقلابات المفاجئة التي عرفتها البلاد خلال الاشهر الأخيرة والتي خلقت مشهدا سياسيا غير مألوف منذ ‘الترويكا’ الاولى، وكونت قطيعة عميقة بين الفريقين وبين رئيسيهما؛ لكن المشهد تغيّر بصورة مفاجئة اثناء الاشهر الاخيرة لصالح أحد من الطرفين وبمضرّة الثاني، فتكون العواقب جدّ سلبية وخطيرة بالنسبة إليه؛ وبذلك يكون من غير المستبعد حدوث انقلابات عميقة وسيئة جدا في البلاد بفعل هذه التقلبات؛

بـ- 2-*- :  إن هذا القرار هو بمثابة عملية انتقام من الأحزاب العديدة التي تكونت على إثر ‘الثورة’ والتي كانت نتيجتها تشتيت التجمعات السياسية والاحزاب، او بالأحرى “الحزيبات”، التي لم يكن بإمكانها جني اية ثمار حقيقية لصالحها بل واصبحت عقبة مضجرة في طريق الاحزاب الكبيرة؛ لكن هذه العملية الإقصائية، وبهذه الحدة، لا شك انها ستضرب بضربة قاتلة التجربة ‘الديمقراطية’ التونسية وستعطي انطباعا سيئا للعديد من الدول والجهات العالمية التي ابدت تعاطفا قويا معها؛

ج*- : لكن المذهل في هذه العملية التشريعية يتجاوز ما ذكر آنفا، ويتطلب اكثر جدية في المبادرات التشريعية سواء أكان ذلك من طرف الحكومة أو من طرف اعضاء اللجنة المختصة في المجلس التشريعي؛

*-ج-1: فمن جهة اولى، نحن نعلم ان مبادرة تشريعية حكومية قدمت في شقين، يتعلق الاول بتقسيم الدوائر الانتخابية والثاني بالنظام الانتخابي ؛ ثم إنا اسلفنا ان اللجنة المختصة في مجلس النواب قررت التخلي عن المشروع الاول لأسباب ‘قانونية’ كانت في الحقيقة كافية لتبرير رفض ذلك المشروع؛ لكن، هذه اللجنة اردفت تلك التعليلات القانونية بحجة من نوع آخر، عبرت عنها بالكلمات التالية: لقد “تم ارجاء النظر في إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية … بهدف ضمان نزاهة الانتخابات وعدم اقحام تقسيم الدوائر في حسابات حزبية من الممكن ان تضرّ بحسن سير الانتخابات”؛

*-ج-2: لكن ومن جهة ثانية، وإن كانت الاعتبارات الاخلاقية التي اخذتها اللجنة بعين الاعتبار لرفض المشروع الحكومي الأول، حكيمة وفي محلها، فتحمد عليه، فإن هذه اللجنة فاجأتنا مع كل أسف بموافقتها على المشروع الثاني والمتعلق بتحوير النظام الانتخابي وبتمريره الى الجلسة العامة للمصادقة عليه؛ فالسؤال الذي يجب طرحه على اعضاء هذه اللجنة هو كالتالي: هل غاب عليكم انه من شأن تحوير النظام الانتخابي بضعة اشهر فقط من الانتخابات التشريعية انه”سيخل بنزاهة تلك الانتخابات ومن شأنه ايضا ” ان يقحم العملية الانتخابية بكاملها في الحسابات الحزبية التي من الممكن ان تضرّ بحسن سير الانتخابات وان تعكّر المناخ الانتخابي” وان تشكك في مصداقية التجربة الديمقراطية في بلادنا؟ – هل من المنطقي وهل هو من باب الحكمة السياسية ان تعامل نفس العملية التشريعية بقرارات متناقضة تؤخذ فيها الاعتبارات الاخلاقية في الحالة الاولى فيُلغى بجرة قلم مشروع القانون فيها، ثم تُلغى نفس الاعتبارات الاخلاقية في الحالة الثانية فيُمرر مشروع القانون المتعلق بها؟ – هلا ان “الحسابات الحزبية” التي تتظاهر اللجنة الموقرة تجنبها هي بالذات تلك التي تكمن وراء “الحسابات الحزبية” التي مررت بها نفس اللجنة للمشروع التشريعي الثاني؟ – إنا أمام تناقض سافر وقد تكون له انعكاسات سلبية ولا تحمد عقباها؛ فليتذكر اصحاب هذه المشاريع التشريعية الفوضوية مسؤوليتهم عن تلك التبعات السلبية التي خيل لهم تجنبها باعتماد الشيء ونقيضه في تشريعاتهم…

صدر بأسبوعية”الشارع المغاربي”.

 

 

 

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING