الشارع المغاربي – جرأة الحداد و بورقيبة في مسار تحرير المرأة -بقلم المؤرخ لطفي الشايبي

جرأة الحداد و بورقيبة في مسار تحرير المرأة -بقلم المؤرخ لطفي الشايبي

15 مارس، 2019

 الشارع  المغاربي : كثيرا ما يطرح اللقاء الذي لم يحصل سنتي 1929 –  1930  في غمار معركة السفور بين شهيد الفكر الحر، الطاهر الحداد (1899 – 1935) و الزعيم الحبيب بورقيبة (1903 – 2000)، محرر البلاد والمرأة  كدليل على عدم التوافق بين الشخصيتين الوطنيتين إزاء مسألة تحرير المرأة باعتبار صدور كتاب “ إمرأتنا في الشريعة والمجتمع“، أكتوبر 1930 ، إثر مقال ” الحجاب” ، 11 جانفي 1929. والحال أن قضية تحرير المرأة التونسية بدأ الخوض فيها منذ صدور رسالة أحمد أبي الضياف في المرأة سنة 1856 ردّا عن الأسئلة التي طرحها القنصل الفرنسي “ ليون روش” بتونس ( جويلية 1856 – أكتوبر 1863) ثم تلتها كتابات حسين ابن الخوجة ومحمد ابن الخوجة والشيخ محمد السنوسي والشيخ سالم بن حميدة والشيخ عبد العزيز الثعالبي ومحمد الجعايبي ومقالات ” الرائد التونسي” و ” الحاضرة” و ” المجلة التونسية” Revue Tunisienne و “ الصواب“…ولئن اتفقت النخبة بعد نقاش وسجال طويل  وأحيانا عنيف على ضرورة تعليم المرأة وحقها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بجانب الرجل على قدم المساواة والعدل فإنها بقيت منقسمة في شأن القراءة المقاصدية لما سنته الشريعة في أحكام الزواج والطلاق والميراث والسفور.

و في هذا السياق تبرز جرأة الحداد وبورقيبة الأول بصفته مفكّرا حرّا والثاني بحكم زعامته للحركة الوطنية في تفعيل فكرة تحرير المرأة التونسية (” إمرأتنا في الشريعة و المجتمع “) وتكريسها (” مجلة الأحوال الشخصية”) فهي جرأة حاصلة على مستوى الفكر بالنسبة للأول وعلى مستوى الإنجاز أي الإصلاح الاجتماعي والسياسي بالنسبة للثاني ولئن بدت غير متزامنة ، فهي متكاملة.  ولا نجانب الصواب  إذا ذكّرنا بما كتب زين العابدين السنوسي في تقديمه كتاب ” إمرأتنا في الشريعة و المجتمع ” حين أبان  ما يلي في فيفري 1930 : ” نتوقع تأثيرا كبيرا للكتاب الذي ألفه صديقنا النابه الشيخ الطاهر الحداد تحت العنوان أعلاه و قد صور فيه المرأة التونسية المسلمة في مختلف أحوالها الاجتماعية و قابلها بالمرأة الاسلامية حسبما منحها القرآن و السنة. و ها نحن نتحف قراء (العالم) بمقتطف من مقدمة هذا الكتاب الاجتماعي التشريعي الذي قدم للطبع: ‘ المرأة أم الإنسان تحمله في بطنها وبين أحضانها. وهو لا يعي غير طبعها الذي يبرز في حياته من بعد. وترضعه لبنها. تغذيه من دمها و قلبها. وهي الزوج الأليف تشبع جوع نفسه. وتذهب وحشة انفراده. وتبذل من صحتها وراحة قلبها لتحقيق حاجاته وتذليل العقبات أمامه. وتغمره بعواطفها فتخفف عنه وقع المصائب والأحزان  وتجدد فيه نشاط الحياة. وهي نصف الإنسان وشطر الأمة نوعا و عددا وقوة في الإنتاج من عامة وجوهه. فإذا كنا نحتقر المرأة ولا نعبأ بما هي  فيه من هوان و سقوط فإنما ذلك صورة من احتقارنا لأنفسنا.  ورضائنا بما نحن فيه من هوان و سقوط. وإذا كنا نحبها ونحترمها ونسعى لتكميل ذاتها فليس ذلك إلا صورة من حبنا و احترامنا لأنفسنا. وسعينا في تكميل ذاتنا…’ (1). ويفسر السبق الصحفي الذي أنجزه زين العابدين السنوسي بنشره مقدمة الكتاب في فيفري 1930 أي سبعة أشهر قبل الصدور بكونه هو صاحب ” مطبعة العرب” التي نشرت تباعا كتابي الحداد : العمال التونسيون و ظهور الحركة النقابية بتونس (1927) و ” إمرأتنا…”.

غير أن قرار الطاهر الحداد في إصدار كتاب ” إمرأتنا في الشريعة و المجتمع ” تزامن مع ظرف سياسي وإيديولوجي غير ملائم ، تمظهر في السياسة الاندماجية الاستعمارية للفيدرالية الاشتراكية الماصونية بتونس الموجّهة للمرأة المسلمة وبداية ظهور تبعاتها الاجتماعية من ناحية ومع علاقة الحداد المقطوعة مع اللجنة التنفيذية للحزب منذ تخاذلها إزاء جامعة عموم العملة التونسية (بيان 22 فيفري 1925 الممضى من قبل ممثلين عن اللجنة التنفيذية للحزب والحزب الإصلاحي والمجلس الكبير) والتي ستزداد سوءا في أعقاب صدور كتابه أربعة أشهر بعد انعقاد المؤتمر الإفخاريستي في أكتوبر 1930 من جهة ومعارضة الحبيب بورقيبة الصريحة طرح مسألة سفور المرأة المسلمة و تحريرها عبر

منبر ” الترقي” L’Essor الذي حضره الاشتراكي الماصوني ” جواكيم دورال“. وهو ما يفسر السجال الذي حصل بينهما إثر نشر مقالي الحبيب بورقيبة في ” الراية التونسية” L’Etendard Tunisien  (2). ولم يكن المحامي الوطني الشاب الحبيب بورقيبة مشاطرا  مقاربة الحداد في طرح تحرير المرأة المسلمة للتوّ، هنا و الآن  (Hic et nunc). وكانت تسانده في هذا الموقف النخبة الوطنية المنضوية لجماعة ” الراية التونسية” و ” صوت التونسي” (الطاهر صفر و الشاذلي خير الله…) في حين  وجد الطاهر الحداد لدى بعض الصحفيين والكُتّاب ذوي التكوين الصادقي المؤازرة والمساندة (زين العابدين السنوسي و عبد العزيز العروي) ولكن الدعم الثابت أتى من نخبة الزيتونيين الثوريين ( أبو القاسم الشابي، يوسف الرويسي، الشيخ سالم بن حميدة، الهادي العبيدي، مصطفى خريف، محمد الحليوي…).

ولم تكن مهمة الزعيم بورقيبة سهلة في التمهيد وتحمل المسؤولية حين إصدار ” مجلة الأحوال الشخصية ” سنة 1956. بل أكّد إنجازه على شخصيته الكاريزمية في الإقناع والإقدام وبهذه الصفة التقى مع الحداد على مستوى الجرأة في تحقيق مسار تحرير المرأة التونسية على النمط الغربي.

الهوامش :

(1) ” العالم الأدبي”، فيفري 1930. إمرأتنا في الشريعة و المجتمع.

(2)  – « L’Etendard Tunisien », 11 janvier 1929. Le voile, Habib Bourguiba.

– « L’Etendard Tunisien », 1er et 23 février 1929. Le    ‘ Durellisme’ ou le socialisme boiteux (1) et (2), Habib Bourguiba.

(3) نشر الصحفي عبد العزيز العروي مقالين متناقضين حول الحجاب، الأول مساند للحداد سنة 1930  أي مع السفور الآني و الآخر يدعو إلى زوال تدريجي للحجاب سنة 1938 :

– « Le Croissant », 24 octobre 1930. Jugez et comparez.

– « Le Petit Matin », 15 septembre 1938.  La poésie du voile.

صدر بالعدد الاخير من أسبوعية “الشارع المغاربي”.

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING