الشارع المغاربي – الباجي والشاهد: من التباغض إلى التناغم...

الباجي والشاهد: من التباغض إلى التناغم…

5 أبريل، 2019

الشارع المغاربي – كوثر زنطور : كشفت القمة العربية التي انتهت اشغالها يوم  الاحد 31 مارس 2019 عن طور جديد في العلاقات بين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد ، تناغم ظهر بشكل جلي في صور تناقلها مقربون من القصرين القصبة وقرطاج وسُوقت كمصالحة بين رأسي السلطة التنفيذية جاءت بعد اشهر من قطيعة وحرب باردة تحولت في الاسابيع الماضية الى حرب علنية احتواها نسبيا خطاب 20 مارس .

منذ جويلية 2018 ، لم يظهر قائد السبسي والشاهد في تناغم مثلما ظهرا عليه في اشغال القمة العربية ، الكواليس تتحدث عن ” عودة المياه الى مجاريها” ومصالحة بين الاب وابنه الروحي اشهر قليلة قبل موعد انتخابات رئاسية وتشريعية لم يكشف اي منهما عن طموحات شخصية لخوضها بالترشح تحديدا للسباق الرئاسي الذي قد يكون يستهوي الاثنين على حد سواء.
لا يمكن الجزم طبعا بحدوث مصالحة بين الرجلين ، لكن الصور المتداولة تشير الى وجود تغير واضح في طبيعة العلاقات الثنائية، واستنادا الى ما جد من شد وجذب بينهما طيلة ما يقارب السنة ، والى السعي المحموم من الجانبين لانهاء اي دور للطرف المقابل ،وبالنظر الى الرهانات المطروحة على كل منهما ، فإن ” التطبيع” مهما كانت درجاته ، لم يأت من فراغ وورائه على الارجح حسابات فرضت “عملية التحول” في العلاقات لا تبدو عجيبة في السياسة التي لا صداقة دائمة فيها ولا عداوة أيضا .
صاحب المبادرة
وجه الرئيس قائد السبسي في خطابه بمناسبة عيد الاستقلال منذ ما يقارب الاسبوعين ، دعوة للشاهد للعودة الى العمل المشترك ، بعد ان قدم في نفس الخطاب مؤشرات تعكس خطورة الوضع الاقتصادي ، وفشل الشاهد في ادارة شؤون الدولة بعد ان ازاحه من السلطة التنفيذية بتحالف مع حركة النهضة وتواطؤ من البرلمان الذي قبل تمرير تحوير وزاري تم دون تشاور مع رئاسة الجمهورية.
قدم قائد السبسي حصيلة حكم “الشاهد النهضة” الكارثية اذن كنتيجة طبيعة لعملية تجريده من “المسؤوليات” والانحراف بدستور قسّم صلاحيات ادارة السلطة التنفيذية بين القصبة وقرطاج، والحل من منظور قائد السبسي هو العودة للاصل ، واعادة جزء من السلطة اليه ملتفا وهو يطرح طلبه هذا بالوحدة الوطنية للتقليل من حدة مبادرة الصلح التي لم يكن احد يتوقع ان يكون مصدرها قرطاج بعد كم التوتر بين المؤسستين .
كان قائد السبسي الاب هو صاحب المبادرة ، ويبدو انه نجح في استمالة الشاهد الذي كان يترقب ، حسب ما نقل عنه احد المقربين منه ، اشارة من الرئيس قائد السبسي للتفاعل الايجابي واخماد فتيل الصراع الحاصل ، بعد ان دأب عن نفي مسؤوليته في التسبب فيه ، محملا ذلك للنجل حافظ قائد السبسي الذي منعه الشاهد ، وفق روايته في حوار تلفزي لقناة التاسعة ، من التصرف في الدولة كملكية خاصة .
ويبقى السؤال المطروح على ضوء ” تناغم القمة” ، إن كان هذا الود الجديد سيبقى على مستوى مؤسساتي بين رئاستي الجمهورية والحكومة ، وسيكتفي بانهاء النزاع الحاصل الذي مس من هيبة الدولة وتجاوز حتى ما جد خلال فترة حكم المهدي جمعة والمنصف المرزوقي ام انه ود في اطار اجندة تضم السياسي والحزبي والانتخابي ؟
الاجابة ستأتي في جزء منها من مؤتمرين سينتظمان خلال الايام القليلة القادمة ، مؤتمر نداء تونس الذي سيفتتحه الباجي قائد السبسي وسيلقي خلاله خطابا على شاكلة ما تم في مؤتمر سوسة ، ومؤتمر ” حزب تحيا تونس” الذي سيعقد يوم 28 افريل الجاري وسيوضح العلاقة بين الحزب ورئيس الحكومة يوسف الشاهد ، وربما قد يعلنه مرشحا للسباق الرئاسي.
وان يكون قائد السبسي صاحب مبادرة الصلح مع الشاهد ، فذلك يعني الكثير لمن يعرف الباجي الذي يقبل الانحناء للعاصفة ويحسب الكثير لتغير موازين القوى الذي لا يلعب اليوم لصالحه ، فالرجل الذي رفض في وقت سابق وساطة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي لمصالحة بينه وبين الشاهد ، يعلم انه اليوم بلا حزب قوي وبلا حليف قوي ايضا وبلا صلاحيات وان دور الرئيس المعارض سيجعله معزولا خارج الخارطة الانتخابية التي بدأت في التشكل.
هذا يشير الى امكانية الترشح لعهدة ثانية ،تطلب توسيع دائرة الحلفاء والعودة الى جلباب 2014 ، ” الشخصية الجامعة” ، ورغم تدني حظوظه وابتعاده عن دائرة المنافسة الجدية وفق ما تقدم نتائج سبر الاراء ، ومعوقات اخرى فإن طموح تمديد السكن في قرطاج يراود الرئيس قائد السبسي ، وهو الذي صرح منذ ايام لقناة العربية إن له الحق في الترشح لعهدة ثانية.
بين الباجي والشاهد
يبدو ان المصالحة ، ان تمت بالفعل ، تصب في مصلحة الباجي كالشاهد ، استنادا للبراغماتية الانتهازية التي تقود كل منهما ، فالمصالحة ستمنح قائد السبسي نفسا جديدا للمعادلة السياسية ، وان كانت الكواليس تتحدث عن مبادرة اوسع من المصالحة تشمل مختلف مكونات العائلة الوسطية لخوض الانتخابات في جبهة واحدة خصمها الاساسي النهضة .
لكن الرهان الانتخابي ، ليس المحدد الوحيد بالنسبة لقائد السبسي ،فالمعطى العائلي مطروح أيضا وربما يطغى على كل المعطيات الاخرى ، اذ ان عودة التقارب قد تكون في اطار ترتيبات “عائلية عائلية” ، تحول دون أي تشف قد يلحق النجل بعد خروج من السلطة ، هذه القراءة تطرح بقوة في المشهد السياسي ، والمعروف ان ” العائلة” و” الوريث” شكلا اهم الانتقادات الموجهة لقائد السبسي خلال فترة حكمه.
الى جانب ذلك ، لا يخف عن الباجي قدرته العجيبة على استمالة خصومه في اطار ” سياسة العناق للحناق” ، ويمكن ان نذكر خلافه الشهير مع امين عام حزب حركة مشروع تونس محسن مرزوق الذي اتهمه ضمنيا بالتخابر قبل ان يعود للتنسيق معه ، وايضا مع رضا بلحاج مدير ديوانه السابق واحد مؤسسي نداء تونس الذي عاد للقائه والتنسيق معه بعد حرب تصريحات وجه فيها بلحاج اخطر التهم لقائد السبسي وايضا مع الوزير السابق مبروك كورشيد الذي اتهمه حتى بتعذيب اليوسفيين قبل ان يعينه الرئيس كاتب دولة فوزير واصبح محاميه.
في المقابل ، ستقلل المصالحة من وطأة التهم الموجهة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد بالانقلاب على ولي نعمته السياسية ، وستمكن الشاهد من التقليص من عدد خصومه وهو الذي يستعد لاول استحقاقات انتخابية لا يعلم بشكل واضح ان كان سيكتفي بدور الداعم لحزب تحيا تونس المحسوب عليه ، ام انه سيخوض غمار الانتخابات الرئاسية.
داخل الحزب الوليد ، هناك انقسام كبير بخصوص هذه المصالحة ، بين من يدعو الى ان تكون مؤسساتية “فقط” وتنهي الصراع مع رئاسة الجمهورية ، ومن يدعو الى ان تكون قاطرة لتجمع انتخابي واسع يواجه النهضة ، صعود حزب عبير موسي الذي بات المنافس الاول للقاعدة الانتخابية التي يراهن عليها الحزب.
ومنذ ايام ، لم يستبعد حاتم العشي الوزير السابق وأحد الاعضاء بقبعة ” صاحب مهمة تقنية” في حزب تحيا تونس ، امكانية مساندة يوسف الشاهد رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ان ترشح لعهدة رئاسية جديدة ، هذه الفرضية تذكر بما تناقل مقربون من القصبة وقرطاج ابان انطلاق الازمة بين الشاهد والباجي ، وتحديدا نفي رئيس الحكومة القاطع طموح منافسته في السباق الرئاسي وانه اقترح عليه حتى ان يكون مدير حملته الانتخابية ان اعتزم الترشح.
تختلف الرهانات بين الباجي والشاهد ، وتتقلص معها فرضيات استدامة “المصالحة” التي ستصطدم حتى باختلاف الاجندات الانتخابية ، الشاهد الذي ترى جماعته انه كسب شرعية بمعارضة الرئيس ونجله ، والباجي الذي يسعى لتحويل العزيمة لانتصار والفشل لنجاح ، بعد خيبات ابعاده عن القصبة بتعنت حركة النهضة وتمسكها بالشاهد ، يبحث اليوم عن عودة للتموقع في السلطة والمراهنة ربما على ورقة ” مرشح توافقي” .

صدر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها 165.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING