الشارع المغاربي – تحالف الحكم بين النهضة والشاهد: هل هي صناعة لبن علي جديد  ؟  بقلم عبد الواحد اليحياوي

تحالف الحكم بين النهضة والشاهد: هل هي صناعة لبن علي جديد  ؟  بقلم عبد الواحد اليحياوي

قسم الأخبار

30 مايو، 2019

الشارع المغاربي-مقال رأي : اتاح لي التنقل بين اكثر من تجربة حزبية (النهضة قديما _ الجمهوري- الحراك)تكوين صداقات عدة تسمح لي ببعض النوافذ على اغلب الساحة السياسية : يمينها ويسارها ..حداثيوها ومحافظوها، لذلك فقد كنت اعرف بعد أشهر من توليه رئاسة الحكومة ان الشاهد بصدد تحويل حكمه الى مشروع سياسي شخصي يهدف الى السيطرة على السلطة بإيعاز وتخطيط من بعض وزرائه ومستشاريه .

لم يكن الاشكال في اكتساب رئيس الحكومة الشاب طموحا مفاجئا للهيمنة على السلطة ولكن في المجموعات وشبكات المنافع التي اصطفت وراءه وهي التي مثلت البنية العميقة للنظام السياسي والاقتصادي الذي هيمن قبل وبعد ، اضافة الى كل ذلك ما يرشح من استعمال لأجهزة الدولة في اقصاء الخصوم السياسيين .

عندما طرحت مسالة استبعاد الشاهد وحكومته من خلال مسار قرطاج 2 كان رائي انها فرصة لتخليص مسار الانتقال الديمقراطي من تهديد حقيقي ، فمستقبل السبسي الاب اصبح خلفه ،اما الابن فلا يحظى بأية فرصة في لعب دور سياسي وهو سينتهي بمجرد نهاية عهدة والده بعكس الشاهد الذي استطاع بناء شبكة علاقات مرتبطة بالسلطة وذات امكانات مادية وإعلامية واسعة.

حاولت الدفع داخل حراك تونس الارادة نحز موقف مساند لتغيير الحكومة رغم صعوبة ذلك بسبب الحساسية تجاه الرئيس السبسي الموروثة عن انتخابات 2014، لأنه في ذلك الوقت مساندة تغيير الحكومة كانت تعني مساندة واصطفافا مع الباجي قائد السبسي.

ولكن في كل الحالات لم يكن موقف الحراك بنائبيه ، أو حتى بجميع نواب الكتلة الديمقراطية مرجحا ، اذ كانت كل الانظار متجهة لحركة النهضة صاحبة الكتلة الاكبر في البرلمان.

كان قرار حركة النهضة دعم الشاهد ولو كان ذلك انهاء التوافق مع رئيس الدولة مفاجئا ، ويبدو ان سبب ذلك غموض وثيقة قرطاج 2 في خصوص البديل عن الشاهد مع مخاوف من الحركة من استفراد السبسي الذي كان يعتقد انه الوحيد الماسك بخيوط اللعبة واتحاد الشغل بقرار تعيين رئيس حكومة جديد قد يكون معاديا لها  لذلك فقد تمسكت بحكومة الشاهد حيث كانت تتمتع بتمثيلية مقبولة مع اعتقاد بان الشاهد المرتبط بقاؤه في السلطة بدعمها سيكون شريكا ضعيفا دون نسيان طبعا ان الصراع بين السبسي والشاهد سيمثل مزيدا من الاضعاف لمنافسها السياسي ، نداء تونس.

رغم انه كان واضحا ان المجموعات التي التفت حول الشاهد تسعى الى بناء تنظيم سياسي داخل الدولة في اعادة انتاج لتجربة التجمع الدستوري الديمقراطي وما يمثل ذلك من خطر على مسار الانتقال الديمقراطي فإن حركة النهضة ظلت وفية لحساباتها كجماعة محكومة بهاجس الخلاص الفردي ، مرة اخرى كانت حساباتها دون رؤية استراتيجية وغير وطنية عبر وضع مسار الانتقال الديمقراطي في خطر مقابل حفاظها على وضع مريح ، وعلى توازنات تستطيع من خلالها المناورة والحصول على اكثر امتيازات ممكنة. اما الشاهد فقد اختار استراتيجية الصمت السياسي بقبوله مساندة حركة النهضة دون ان يقدم أية التزامات علنية حول مستقبله السياسي مع التأكيد كلما سنحت له الفرصة ان وجود حركة النهضة في الحكومة وضع موروث عن الفترة التي قبله وان ما يجمعه معها فقط هي فكرة الاستقرار الحكومي التي تعني شيئا واحدا: الاستمرار في السلطة مثلما خططت لذلك الدوائر القريبة منه .

رغم المخاوف داخل حركة النهضة من اعادة تجربة بن علي من خلال  الشاهد ، اذ ان مساندة حركة النهضة انذاك صحبة اطراف سياسية اخرى لابن علي اعطته الشرعية اللازمة لتركيز حكمه ثم الانقلاب على المسار الديمقراطي الذي وعد به ، فان راشد الغنوشي ودائرته الضيقة اصرا على مساندته متجاهلين تحذيرات اصوات من داخل الحركة مثل لطفي زيتون وعبد الفتاح مورو ونور الدين البحيري.

لقد تأكد ان الغنوشي قد استولى على القرار السياسي داخل الحركة ، وانه لا يحسن التفكير استراتيجيا بإعطاء الفرصة لولادة حزب بإمكانيت الدولة وبهدف وحيد وهو الاستيلاء على السلطة كممثل للمركب السياسي_ المالي _الجهوي الذي حكم تونس منذ الاستقلال وهو ما يعني اعادة انتاج نظام بن علي دون ان يكون ذلك بالعودة الى نفس الاستبداد بل بطرق عدة منها بناء ديمقراطية شكلية فاسدة قد تكون أسوأ من الاستبداد نفسه.

أتيحت لي الفرصة للتحذير من هذا الخطأ ولكن كان واضحا مرة اخرى ان حسابات حركة النهضة مرتبطة كالعادة بوضعها كجماعة سياسية وليس بحسابات مصلحة البلاد في انجاز مسار انتقال ديمقراطي حقيقي وللجميع.اتذكر اني تحدثت مع احد القيادات التاريخية لحركة النهضة اثناء المشاركة في برنامج اذاعي عن ضرورة تغيير الحكومة بحكومة انتخابية خاصة أنها فشلت في تحقيق اي انجاز اقتصادي واجتماعي كما ان حركة النهضة كانت تشعر بقلق عميق بعد زيارة وزير الداخلية انذاك لطفي ابراهم للمملكة السعودية وأخبار عن زيارة سرية للإمارات مما يعني بسقوط الحكومة سيعود وزير الداخلية المثير للجدل وكان رده انهم يخافون انه اذا وقع تغيير الحكومة فقد يعود لطفي ابراهم نفسه رئيسا للحكومة.

كانت حركة النهضة قد بدأت تفقد ثقتها في رئيس الدولة ، وفي الوضع السياسي وكانت خائفة من ان اي تغيير قد لا يكون لها دور في تحديد ترتيباته.

لقد أكدت الاحداث بعد ذلك ضعف التفكير الاستراتيجي للغنوشي ، حيث تأكد المشروع السياسي الشخصي لرئيس الحكومة عبر انقلابه على رئيس الدولة الذي جاء به ونزعة الهيمنة على الاعلام ومؤسسات الدولة ، ثم تكوين حزب سياسي من داخل الدولة مع اصطفاف المركب السياسي_المالي_ الجهوي القديم خلفه وسعيه الى السيطرة على مسار الانتقال الديمقراطي ، ليس فقط من خلال الفوز بالانتخابات ، بل بالسيطرة على الدولة نفسها وتحويل اجهزتها الى ماكنة في خدمة طموحاته الشخصية.

تعبر الان حركة النهضة عن مخاوفها الجديدة عبر تصريحات خجولة من قبيل تصريح الغنوشي ان الحركة قد تذهب الى فكرة الحكومة الانتخابية ، وفي تعطيل التعيينات داخل الدولة خاصة المسؤولين الجهويين من ولاة ومعتمدين ، ولكنها تعرف ان الوقت لم يعد يعمل لصالحها ، وان اوساطا في الداخل والخارج في سعي محموم لصناعة بن علي جديد قد يكون رئيس الحكومة : رئيس حكومة ربح كل معاركه ضد معسكره السياسي ، وخسر معركة تحقيق اي انجاز اقتصادي او اجتماعي.

الفشل الذي قد ينقذ مسار الانتقال الديمقراطي من حسابات الشاهد والنهضة معا .

عبد الواحد اليحياوي: قيادي بحزب التيار الديمقراطي 

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING