الشارع المغاربي – لو لم يُشفَ رئيس الدولة لا قدر الله : المحكمة الدستورية رهينة الحسابات السياسية

لو لم يُشفَ رئيس الدولة لا قدر الله : المحكمة الدستورية رهينة الحسابات السياسية

11 يوليو، 2019

الشارع المغاربي- بقلم محمد بوعود : كثير من الفاعلين في كُتلهم الانتخابية، ومن النواب الحريصين على الظهور التلفزي، وحتى من رؤساء الكتل واللجان، كانت لهم مواقف صارمة وحازمة يومي الخميس والجمعة الفارطين، وامتدت حتى السبت والاحد، حول ضرورة وضع حدّ لمهزلة الخلاف الطويل بشان انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، لكنها اصطدمت بداية الاسبوع بنفس عقلية التعاطي مع المحكمة، لا باعتبارها سلطة دستورية عُليا لا بد من ارسائها، بل باعتبارها غنيمة لا بدّ من تقاسمها سياسيا، مهما كانت النتائج، حتى وان كان ذلك على حساب البلاد، وعلى حساب الامن القومي للدولة.

المصلحة الوطنية العليا للبلاد، واستقرارها السياسي، ووضعها القانوني، وحتى الانتقال الديمقراطي والعملية السياسية برمّتها، كانت مهددّة في الصميم الخميس الفارط، حين انتابت رئيس الدولة نوبة صحية مفاجئة، وكان محتملا جدا ان ننتقل الى فراغ دستوري لا قدّر الله، وكان الجميع يعرف ذلك، ويعرف أيضا أن أهم عنصر لسد هذا الفراغ، ولتثبيت ومُعاينة الشغور وتكليف الجهة المخولة دستوريا بملئه، والذي هو المحكمة الدستورية، كان غائبا، وكان غيابه هذا يمكن ان تنتج عنه كارثة تنازع سُلطات، وكان أيضا قابلا للانفجار اذا أصرّ كل طرف على ان الشغور يعنيه هو، وهو المخوّل بتولي سدّ الفراغ، وكان ايضا يمكن ان يدفع البلاد الى نزاع، قد يطول ويتشعّب ولا تحسن عواقبه، لولا ألطاف الله، ولولا أن شُفي الرئيس وعاد الى ممارسة مهامه.

هذا الخطر المُحدق، الذي عبّر كل نواب الشعب تقريبا عن فزعهم منه، وعن التزامهم بضرورة ارساء المحكمة الدستورية في أقرب أجل ممكن، بل فيهم من عبّر عن استعداده للعمل ليليا نهارا وإلغاء كل الجلسات ومشاريع القرارات الأخرى، وتركيز النقاش فقط على المحكمة الدستورية وضرورة إرسائها في الأيام القريبة القادمة.
لكن ما حدث بعد ذلك أن الجميع عاد إلى نفس الممارسة، وكأن شيئا لم يكن، وكان البلاد لم تكن على حافة اقتتال لا قدّر الله لو حدث فراغ وتشتت السلطة بين من يرغب فيها ومن يريد الانقلاب عليها وتحصيل موقع الرئاسة حتى قبل أن يغيب الرئيس.

هذه الانتكاسة من جديد، أو هذا النكوص من نواب الشعب عن الالتزام الذي قطعوه على أنفسهم نهاية الأسبوع الفارط، حينما تحدثوا في كل وسائل الاعلام وفي كل المنابر عن سعيهم الحثيث لإرساء المحكمة الدستورية مهما كانت الخلافات ومهما كانت الحسابات. لكن الذي حدث ان هذه الحسابات تغلّبت على نوايا المصلحة العليا او على رغبة بعض النواب في سدّ هذا الفراغ الدستوري.

ورغم أن السيدة سناء بن عاشور، التي كانت محل خلاف بين رؤساء الكتل في اجتماعات اللجان السابقة، قد سحبت ترشّحها، وقررت أن تخرج من هذا الماراطون الهزيل من النقاشات العقيمة، إلا أن الخلاف تجدد مرة أخرى بخصوص الأستاذ عياشي الهمامي، الذي تشبّثت النهضة بضرورة أن يكون في المحكمة الدستورية، بل إن بعض قادتها قال صراحة انه لن تكون هناك محكمة دستورية بدون العياشي الهمامي، وان لا مجال لأي توافق يقصي الاستاذ العياشي.

هذا التشبث القوي من قبل كتلة الحركة قابله أيضا تشبث من ناحية بعض الكتل الأخرى بضرورة إبعاده، مستندين في ذلك إلى انه غير محايد سياسيا وانه في يوم من الأيام كان في الإدارة الإعلامية لحملة الرئيس السابق الدكتور منصف المرزوقي.

وهذا الخلاف الذي تجدد الأسبوع الفارط رغم التزام رؤساء الكتل في لجنة التوافقات وامام وسائل الإعلام، لازال يرهق العملية السياسية، بل انه كاد يتحول الى كابوس يقضّ مضاجع التونسيين، الذين لم يعرفوا الى حد الان ما ستؤول اليه المباحثات الماراطونية في جولاتها الجديدة، وهل ان البرلمان سيحسم المسألة وتُحلّ هذه العُقدة ام ان التشبّث بالموقف سيحرم البلاد من استحقاق دستوري انتظرته طويلا.

فالايام القريبة القادمة هي التي ستثبت ان كانت الطبقة السياسية ممثلة خاصة في نوابها، حريصة بالفعل على تجسيد انتقال ديمقراطي سلس وسليم وقانوني، ام انها فقط حريصة على اقتسام غنيمة المناصب، وعلى احتكار مواقع في السلطات التي تخشى من حياديتها الحقيقية.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING