الشارع المغاربي – بورتري " الرئيس": عمر بالشعب -لن يكون- منصورًا !

بورتري ” الرئيس”: عمر بالشعب -لن يكون- منصورًا !

5 سبتمبر، 2019

الشارع المغاربي-بقلم معز زيود : في أواخر عام 2017 عُزل عمر منصور من منصب والي تونس. توقّعنا حينها أن يكون ضمن المرشّحين للاستحقاقات الانتخابيّة المقبلة، نظرا إلى الشهرة التي حقّقها آنذاك. وهو ما حدث فعلا، ويحتاج إلى الوقوف مجدّدا عند ملامح شخصيّة ملفتة للانتباه…

قد يعتقد البعض أنّ عمر منصور شخصيّة مستقلّة، على غرار الصورة التي رُسمت لعدد من الشخصيّات الأخرى المرشّحة للانتخابات الرئاسيّة. إجرائيّا يعدّ منصور طبعا مرشحًا مستقلّا باعتبار أنّه لا وجود لحزب يسنده ويقف وراء ترشيحه. أمّا عمليّا فإنّ مسيرته تُثبت أنّه لم يكن كذلك سواء قبل الثورة أو بعدها. وهذا ما توضّحه التفاصيل…

من رموز القضاء قبل الثورة
باشر منصور مهامًا ومناصب دقيقة في المؤسّسة القضائيّة زمن حكم نظام بن علي الاستبدادي. فقد كان، أواسط التسعينات، مستشارا بمحكمة الاستئناف بتونس. ثمّ كُلّف بمأموريّة في ديوان وزير العدل، ومنها ارتقى السلّم إلى أن تقلّد خطّة “عميد قضاة التحقيق” بالمحكمة الابتدائية تونس1 على امتداد ثماني سنوات من 2000 إلى 2008، ثمّ عُيّن وكيلا للجمهورية بالمحكمة الابتدائية تونس2، أي قبيل عامين فقط من الثورة. ولا يخفى عن ذي عقل صعوبة أن يحظى بمثل هذه المكانة القضائيّة البارزة من كان لا يُناصر النظام السابق ولا يُغمض العين عن ممارساته لتدجين المؤسّسة القضائيّة وتجاوزاته ضدّ المعارضين وسائر المظلومين. فما بالك بمن كان مكلّفا بمأموريّات في وزارة العدل في عهد بن علي!…
ظهر إشكال الاستقلاليّة، المشوب بعدّة تقاطعات مع السلطات الحاكمة، بوضوح أكبر حين عُيّن منصور واليًا على أريانة، ثمّ وزيرا للعدل زمن رئاسة الحبيب الصيد للحكومة. وكانت الإكراهات الحزبيّة المرتبطة بإقالة الصيد واتّفاق قرطاج وما إليها من ضغوط تتعلّق بتوزيع المناصب قد أثمرت تعيين منصور واليًا على تونس في سبتمبر 2016، أي فور بدء حكومة يوسف الشاهد عملها، ليشغل مهامه لفترة 13 شهرا تقريبا شكّلت مخاض طموحاته الرئاسيّة.

الشهرة والإقالة
تتمثّل الصورة العالقة في الأذهان حول مسيرة عمر منصور في أنّه كان مثالا مميّزا لرجل الدولة الذي لا يخشى لومة لائم في تطبيق القانون على الجميع دون تمييز. فقد اكتسب شهرته من إطلالاته في عدد من الأسواق والأحياء الراقية بولايتي أريانة وتونس العاصمة للتصدّي لعربات الباعة المتجوّلين وللمحلّات التجاريّة المختلفة المنتصبة على الأرصفة والطرقات بشكل فوضوي. وهي إنجازات أفلح منصور في تحقيقها، ونالت إعجاب جموع من التونسيّين التوّاقين إلى إنهاء استقواء هؤلاء التجّار على المواطن والدولة. والحقيقة أنّ منصور قد أجاد آنذاك توظيف حالة التململ إزاء تلك التجاوزات ليجعل منها حصانه الرابح. ولذلك نراه في حملته الانتخابيّة اليوم يُركّز على ضرورة إعادة هيبة الدولة المهدورة.
ومع ذلك ينبغي الإشارة إلى أنّ منصور كان يُحدّد بدقّة المناطق التي يُطبّق عليها تلك الإجراءات، ويحرص على تصويرها حتّى تُبثَّ بشكل كبير في الميديا الاجتماعيّة وفي المتون الفرجويّة المسيطرة على المشهد الإعلامي في البلاد. ويعود هذا التوصيف إلى أنّ الوالي السابق كان قد أهمل كليّا مناطق وأحياء مهمّشة ومحرومة في ولايتي أريانة وتونس. فقد تجاهل تمامًا، على سبيل المثال، منطقة كبرى مثل روّاد التي لا تزال معظم أحيائها تغرق في الوحل وتُحرم من الطرقات المعبّدة ومن قنوات الصرف الصحي، رغم أنّها لا تبعد سوى دقائق عن شوارع قمرت الفارهة وقراها السياحيّة الباذخة…
هذه الشجرة كانت إذن تُخفي الغابة. وفي سياق غموضها أيضا رُتّبت إقالته. فقد رُوّج على نطاق واسع، أواخر أكتوبر 2017، أنّ عزل عمر منصور يعود إلى جولة قام بها في ضاحية الكرم، والتقى خلالها بعماد دغيج الوجه البارز لـ”رابطات حماية الثورة” المحلّة، بل لم يُمانع في التقاط صورة تذكاريّة تجمعهما. وفي المقابل تؤكّد معلومات موثوق بها أنّ قرار الإقالة يعود إلى إقدامه على منح رخصة بيع الكحول لمطعم بضاحية المرسى يوجد بجوار مؤسّسة تربويّة. وهو ما طرح آنذاك تساؤلات بشأن خلفيات تلك القضيّة ومدى وجود مصالح متضاربة، بما يعني أنّ صورة منصور ودعيج كانت متعمّدة للإيهام بأنها تقف وراء قرار عزله. وبشيء من الترويّ نستكشف أنّه كانت هناك أيضا رغبة في وضع حدّ لجولاته الفولكلوريّة التي منحته شهرة فائقة، من شأنه أن يوظّفها لخدمة صورته انتخابيا.

مرشّح بلا برنامج
يُعوّل منصور في حملته الانتخابيّة على “الرصيد الشعبي” الذي حقّقه زمن كان واليا، غير أنّ ذلك الزخم الجماهيري قد تراجع كثيرا بعد مضيّ نحو عامين على إقالته وغياب صورته إعلاميّا بشكل شبه كلّي. عامان لم يستطع خلالهما الصمود بعد تجريده من آليّات السلطة، حتّى أنّ اسمه غاب تمامًا عن استطلاعات الرأي السابقة.
اختار عميد قضاة التحقيق والوزير والوالي الأسبق إذن أن يخوض حملته الانتخابيّة اليوم تحت شعار: “عمر بالشعب منصور”. وهو مثلما يبدو شعار طريف، غير أنّه يعكس درجة تضخّم الأنا في شخصيّته، على غرار شعارات إطلاقيّة من قبيل “ننتصر أو ننتصر” الذي رفعه المنصف المرزوقي سابقا دون أن ينتصر. والحال أنّ منصور الذي قال في عدد من تصريحاته الأخيرة: “ترشّحت للرئاسة لأنّ لديّ عدّة حلول للمشاكل المطروحة” لم يُقدّم أيّ برنامج انتخابي واضح أو يتضمّن إجراءات عمليّة لحلّ المشاكل العالقة ذات الصلة بصلاحيّات رئيس الجمهوريّة.
تصرَّفَ منصور، في بداية حملته الانتخابيّة، وكأنّه لا يزال واليا. فانطلق بجولة في المدينة العتيقة بالعاصمة التي يعرفها جيّدا. وكرّر في زياراته اللاحقة لعدد من الولايات مثل صفاقس والمنستير العناوين العريضة نفسها المتمثلة في “إصلاح الإدارة وإعادة قيمة العمل ودفع الثقافة والعلم وإرساء الأمن”. ومن بين أخطائه التعبيريّة والاتّصالية قوله حرفيّا في صفاقس إنّ الدولة التي يُريد إعادة بنائها “لم تعد موجود”!. وفي سؤال مفخّخ طُرح عليه في برنامج إذاعي كشف بارتباك واضح جهله بمعطيات لا ينبغي أن تخفى عن مرشح لمنصب رئيس الجمهوريّة مثل حجم الديون التي يتوجب على تونس دفعها في 2019 (9.3 مليارات دينار) وكذلك عدم معرفته بنسبة البطالة في البلاد (15.3) وفي ولاية تونس (17.8) التي كان واليا عليها…
ومع أنّ منصور لم ينس أن يقوم، قبل أيّام معدودة من انطلاق الحملة الانتخابيّة، بالتصريح بمكتسباته لدى الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد، فإنّ ترشحه الشكلي لن يسمح بأن يكون “عمر بالشعب منصورًا” مثلما يقول شعاره.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING