الشارع المغاربي – بورتري "الرئيس": يوسف الشاهد .. "الرجل الأبيض المتوسط"

بورتري “الرئيس”: يوسف الشاهد .. “الرجل الأبيض المتوسط”

قسم الأخبار

12 سبتمبر، 2019

الشارع المغاربي- بقلم لطفي النجار : الله يرحمك يا الباجي ويسامحك، هكذا جرى عرف القول عندنا في تونس لمّا يترك لنا راحل عزيز “تركة” عانى منها في خريف حياته غدرا ونكرانا للجميل وتركها لنا بعد موته كورثة ثقيلة أو دينا كبيرا نسدّده من قوتنا وعرقنا وعملنا…ترك لنا الباجي ( قبل رحيله وبعده) يوسف الشّاهد رئيسا للحكومة ذلك الرجل الذي اكتشفه التونسيون لأوّل مرّة ذات صيف من سنة  2016  شابا ذا سحنة بيضاء وتاريخ أبيض، وإمكانات وقدرات متوسّطة لا غير !

البياض…البياض…

دفع به الراحل الباجي قائد السبسي ورشّحه لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية في 26 أوت 2016 خلفا للحبيب الصّيد. رجل بلا تاريخ سياسي أو نضالي أو جمعياتي لا زمن الاستبداد ولا بعده سوى عضوية عابرة في الحزب الجمهوري لفترة قصيرة، ثمّ بقدرة قادر  قفز “الرجل الأبيض المتوسّط” من كاتب دولة لدى وزير الفلاحة فوزيرا للشؤون المحلّية ليصعد إلى كرسي القصبة ويستقرّ فيه بإرادة وإلحاح من الراحل الباجي قائد السبسي الذي رشّحه وبمساندة نهضوية معلنة وواضحة رفعت شعارا تبريريا فاضحا “الاستقرار الحكومي”.

افتقد يوسف الشّاهد إلى مظلّة الشرعية الانتخابية، كما افتقد أيضا إلى الشرعية التاريخية المستندة إلى سيرة نضالية معروفة طيلة “استقراره” في القصبة، وقد تزامن هذا الفقد مع غياب للمنجز على الأرض ومراكمة للفشل والتعثّر الاقتصادي. عاد الرجل إذن إلى الماضي العائلي لعلّه يؤثّث بياض التاريخ حيث تنحت السرديات وتنسج الشرعيات المتخيّلة ومنها إيجاد أصل أو نقطة ارتكاز كالاحتماء بالعصبيات تحت مظلّة القرابات الدموية…”خالي حسيب بن عمّار” هي الجملة المفتاح لفهم جزء من سيرة ومسيرة الرجل في القصبة. اتّكل يوسف على “الحسب والنسب” في سعيه لنحت مشروعيته الشخصية واحتمى بمظلّة النّسب من الأم بدل الفعل والبناء “هنا والآن”.

عاد بنا إلى المربّعات البغيضة للقرابة والروابط الدموية كأنظمة تحكّمت في آليات السّلطة والنفوذ لعقود من تاريخ تونس المعاصر. وهذا الاحتماء البغيض بالنّسب العائلي وإقحامه في معارك سياسية لا يمكن أن يكون حجّة ودليلا على أنّ الخلف ندّ للسلف حتى وإن جرت نفس الدماء في عروق حسيب ويوسف…في الحقيقة هي حجّة على أنّ يوسف قد قلّب صفحات سيرته الشخصية  الماضية في العمل السياسي أوالنضال الحزبي فلم يجد سوى البياض البياض !

متوسّط أو دونه

لو تفحّصنا السيرة العلمية لبعض المتنافسين المترشّحين للرئاسية وقارنّاها بسيرة يوسف الشاهد لوجدناها متوسّطة لا غير: في “الوسط ” تقريبا، يعني “خير من غيرو” ، وهناك من يفوقه خبرة علمية وتقلّدا للمناصب الأكاديمية الهامّة. أمّا في باب حصيلة يوسف الاقتصادية فهي دون المتوسّطة بل مخيّبة للآمال، وسنعتمد في التفصيل العلمي المستند إلى الأرقام والنسب على المختصّ في الشأن المالي والاقتصادي جمال الدين العويديدي الذي كتب في أسبوعية الشارع المغاربي (العدد 180): لقد تميزت هذه الحكومة بأطول مدة فاقت الثلاث سنوات و عرفت فيها تغييرا واحدا هاما إضافة إلى بعض التغييرات التي تعتبر تكتيكية من بينها وزارة المالية و وزارة الداخلية و وزارة العدل. لقد عرفت هذه الحكومة نفس التوجه التي دأبت عليه كل الحكومات السابقة في إطار اتفاق قمة “دوفيل” لسنة 2011.  و قد التزمت بتنفيذ كل ما تم الاتفاق حوله مع صندوق النقد الدولي أو مع الاتحاد الأوروبي في موضوع “الأليكا”.

غير أن ما ميز هذه الحكومة على المستوى الاقتصادي هو التعميق المفرط للعجز التجاري الذي ارتفع من 20,7 مليار دينار في سنة 2016 إلى 29,2 مليار دينار في سنة 2019 وهو مرشح ليفوق 31 مليار دينار في أواخر 2019 (وصل إلى  أدى حسب اعتقادنا إلى انهيار كبير في قيمة الدينار من 2,4 دينار لليورو الواحد في أواخر سنة 2016 إلى 3,4 دينار في أواخر  2018 بمعنى انهيار بنسبة 41,7 ٪ كانت له تداعيات سلبية جدا على القدرة الشرائية للمواطن وعلى نسبة التضخم التي ناهزت 7,5 ٪ في سنة 2018 وخاصة منه “التضخم المستورد” وكذلك على مستوى تنامي المديونية التي قفزت من  49,5 مليار دينار في سنة  2016 إلى 78,4 مليار دينار في سنة 2018 وفاقت 82 مليار دينار حاليا.

كما أقدمت الحكومة في سنة 2018 على زيادات مجحفة في سعر الطاقة للمؤسسات علاوة على الزيادة في سعر الفائدة الرئيسية التي أصبحت في حدود 7,75 ٪  وهذه الإجراءات أدت إلى انهيار الإنتاج الصناعي حسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء وهو ما أدى إلى تراجع كبير في نسبة النمو الذي راوح 1,2 ٪ في السداسي الأول من سنة 2019 والحال أن الحكومة كانت تراهن على نسبة نمو بـ3,1 ٪. مما يبن التخبط التي أصبحت عليه سياسة الحكومة التي انشغلت بالتقليص في العجز التجاري استجابة لرغبة صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي ولكن لم تستوعب أن الزيادة في تكاليف الإنتاج سوف يقضي على النمو وخلق القيمة المضافة في البلاد وهو المحرك الأساسي للاقتصاد الوطني.

غياب الرؤيا و غياب إستراتيجية تنموية أوصل البلاد إلى حالة إفلاس غير معلن. وكم كنا نتمنى أن تصريح المستشار الاقتصادي لدى رئاسة الحكومة صائبا عند تحدث عن إبعاد شبح  الإفلاس على البلاد ولكن الحقيقة عنيدة كما يقال. لأن ما حققت الحكومة من تقليص في عجز الميزانية كان بالضرورة على حساب المرافق العمومية من صحة وتعليم وبنية انهارت تماما وعلى حساب توازنات الصناديق الاجتماعية التي انهارت لعدم توفر الشغل لتمكين الأجيال الحالية من توفير الموارد الضرورية لتعزيز مواردها.

لذلك نقول لا يمكن أن نترقب نتائج إيجابية لإنقاذ البلاد من هذه المحنة إذا كانت السياسة المتبعة هي نفسها بل حتى أسوأ منها التي أدت إلى انتفاضة الحوض المنجمي واندلاع الثورة بين ديسمبر 2010 وجانفي 2011 مهما حاولت كل الأطراف الداخلية والخارجية المسيطرة من مغالطات مثلما تبين من خلال هذا الكشف الواضح والشامل. لا يمكن إصلاح البلاد ما دام السعي إلى السلطة أصبح غاية وليس وسيلة للإصلاح.

من جهتنا نقول، هذه هي حصيلة حكومة يوسف كما شخّصها الأستاذ العويديدي…حصيلة باهتة بلا ألوان…حصاد “أبيض” لمترشّح لم تكفه سنوات ثلاث عجاف ويعد بأن تكون “تونس أقوى” في عهده الرئاسي “السعيد” جدا…


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING