الشارع المغاربي – هل ينبغي محاكمة محمد زين العابدين ؟

هل ينبغي محاكمة محمد زين العابدين ؟

قسم الأخبار

14 نوفمبر، 2019

 الشارع المغاربي -عواطف البلدي: وأنت تنصت للسّواد الأكبر من المثقّفين والفنانين والمبدعين تدرك مباشرة حجم خيبتهم من وزارة الثقافة في السنوات الثلاث الاخيرة  زمن تولّي إدارتها محمد زين العابدين، وتكتشف أنّ بعض بقع الضوء القليلة المضيئة في مدينة الثقافة تخفي ظلاما و”هزّان ونفضان” في التصوّر والإدارة والبرمجة والتنفيذ يطال أو يكاد كل الجهات وأجهزة الوزارة وأنشطتها. الأمر يدعو إلى التحقيق في مسائل “ملتبسة” وقضايا “مبهمة” و”كلام” يدور في أروقة الوزارة وخارجها. “الشارع المغاربي” حاول أن يفكّ “الشيفرة” طارحا سؤالا يردّده جمع من المثقّفين بعد التقصّي طبعا وكشف الأوراق: هل ينبغي محاكمة محمد زين العابدين ؟

لم يحمل وزير الثقافة تصوّرا ورؤية متكاملين للثقافة. حافظ على “مركزية” الأنشطة الثقافية على حساب الجهات ممّا تسبّب في تعميق حالة اختلال التوازن. همّش دور الثقافة وأغلقها في نهاية الأسبوع. أحاط نفسه بالمقرّبين وتعامل وفق مبدإ المحسوبية والمحاباة. فشل في حلحلة مشكل النشر وأزمة الكتاب ولم يحسن الإحاطة بالكتّاب والشعراء. بالغ في الاهتمام بـ”البهرج” والأشكال على حساب المضامين كالاقتصار خاصّة على أنشطة “المدينة” ورصد أموالا ضخمة للاحتفاء والاحتفال وتوسيم المقربين منه وإقالة من يهدّد منصبه وذلك طبعا على حساب الاهتمام بالجهات والكتّاب والمبدعين والفرق المهمّشة في الجهات الناشطة في أنماط مختلفة من الفنون. إهدار للمال العام في مشاريع فاشلة كساحات الفنون إلى جانب اتهامات أخرى ذكرها البعض من مستجوبينا ربّما تحتاج الى عملية تدقيق مالي شامل وعاجل يدعو لها رئيس الجمهورية…هذا غيض من فيض ذكره ضيوفنا في هذا الملف رغم بعض  الانجازات التي تحسب لزين العابدين كـ”السينماتيك” وبيت الرواية، الإنجازين اليتيمين اللّذين لا يحجبان حجم الفشل الذي طبع مسيرة الوزير الذي أنهى عهدته تقريبا بـ”وسام” ثقافي “عظيم” يكشف مشهدا وطنيا سرياليا غريبا: وزير “موسّم” رسميا ومنظوريه في حالة “غضب” وإحباط عامّ وشامل إلّا من رحم ربّك من ” أهل عشيرته المقرّبة” !

ثقافة تلميع الصورة

عن نظرة الوزير الحالي للشعر وللشعراء قال الشاعر عبد الفتاح بن حمّودة ” ماذا ننتظر من وزير يسافر إلى الصّين ودول العالم ويحرم الشّاعرين صبري الرحموني وصابر العبسي من تذكرتيْ سفر إلى كولمبيا ورومانيا..” متابعا “الوزير عيّن شاعرة تونسية من الدّرجة الثّالثة مديرة لأيام قرطاج الشعرية لدورتين في حين أن الشاعرين منصف الوهايبي وآدم فتحي هما الأجدر بذلك نظرا لعمق تجربتيهما وصِيتيهما  في الوطن العربي..”.

وأضاف بن حمودة “الوزير يهتمّ بتلميع صورته ويكرّم نفسه في يوم الثقافة ويكرّم مديريه العامّين… وزير له مكتب إعلام ومستشارون ويرمي دعمه بالمليارات للسينما والمسرح ويعمل بسياسة المكيالين مع المبدعين”. متابعا “دخل الوزير حزب نداء تونس بعد دخوله الوزارة ثمّ انضم الى حزب تحيا تونس، في حين أنه كان يجب أن يظلّ خارج الأحزاب وأن يكون قريبا من القطاع الثقافي ومشاكله التي لا تُحصى… وزير ساهم في خراب الثقافة بمثل هذه الأشياء وما خفيَ أعظم”.

أما الشاعر أشرف القرقني فقد قال “يبدو لي وزير الشّؤون الثّقافيّة الحاليّ شخصا ذكيّا إلى درجة أنّني قد أسمّي ذكاءه مكرا. فقد سعى إلى اتّخاذ قرارات تغلّظ اسمه في التّاريخ التّونسيّ المعاصر، أو هكذا بدا له. وليس ذلك عيبا في حال كانت هذه القرارات ناجعة ومعمّمة على من يستأهلها” مضيفا “من بين هذه القرارات إضافة أعواد جديدة إلى حزمة القرطاجيّات (مهرجان قرطاج للشّعر مثلا)… كان يمكن أن تكون معظم هذه القرارات مهمّة جدّا وثوريّة حتّى، لو لم يركّز فيها على الصّورة والإعلام على حساب المحتوى والرّؤية ويعمل على تشريك “الرّفاق” في الرّئاسة والإدارة قسرا دون غيرهم. فمثلا، تعمل مدينة الثّقافة في سياق المركزيّة ذاتها التي هي تتناقض مع روح الدّستور الجديد. ولا غرابة في ذلك”

وأوضح القرقني انه “ولرتق هذا الأمر، أُنشئ يوم الجهات ردّا على كلمة حقّ مفترضة… مضيفا “مازالت الجهات تسافر إلى المركز حتّى تكون.. وهناك وعود أخرى كثيرة لم يتم الايفاء بها… فأين الكتاب في سياسة الوزير؟ أين ما لا تحتمل الصّورة الإشهاريّة وله وقعه الكبير في واقع التّونسيّين؟ أحسب أنّ الإجابة لن تأتي أبدا”.

من جهتها قالت الشاعرة سوسن العجميالحمد لله أن شياطين الشعر لا يأكلون من ميزانية وزارة الثقافة .. فالمتوحش الأكول  ذاك الذي يرعب هذا الوزير تحديدا نعلم كيف يجتث الرأس فتنشف الرقبة” متابعة “أحيي أكلة المال لأنه خوفا من ” فيديو لايف” للطفي العبدلي مثلا  يتدفق الدعم وتتدفق الخدمات نحو جهة بعينها وأخطر من ذلك الضرر في اللاّعدل أن يهان المبدع الحق الذي يضطر في عهده لتحمّل نفقات كتابه أو أن يركن إلى الغربة في وطن بائس وزيره يهتم بالصور المضيئة وبصفحاته المشعشعة  بعيدا عن قتامة الماء الذي تغرق فيه هذه الصور… ماء اللعنة… لعنة الكاتب ولعنة الشاعر ولعنة المثقف “.

واضافت العجمي ” الوزير حقق في فترة توزيره -أرجو أن تنجلي بدجاها وليلها المظلم- الملاحم التي فقدنا بعد الثورة”… موضحة ” ملاحم التطبيل لبن علي وقرأناها مع وزير ثقافتنا وحاشيته وبساطه الأحمر الذي يستقبل خطواتهم نحو مدينة الثقافة أو من أمام مكتب الوزير تلك الملاحم التي كتبت في عشقه ولا ننسى ” ولد عائلة وميصّل وولد فاميليا”.

سينماتيك وبيت الرواية نقطتا ضوء

اعتبر الكاتب عبد القادر بن الحاج نصر أن هذا الوزير “ظاهرة”، و”شاذ يحفظ ولا يقاس عليه”.. قائلا “لا شك أن له حسنة ، فكل مسؤول مر بهذه الوزارة له حسنات، لأنهم حاولوا وان يضيفوا وأن يؤسسوا بما أوتوا من إمكانات “.

ولاحظ بن الحاج نصر ان “لمحمد زين العابدين حسنة هي انه احاط نفسه بمن له بهم ارتباطات معينة فانتفعوا منه وانتفع منهم،.. متسائلا “ألم نر كيف وهب عددا من الاداريين اوسمة تخص المبدعين وحدهم؟ أي انه رفع موظفين مقربين من درجة اداري بحت الى درجة مبدع كاتب اديب شاعر وفنان؟”.

وأضاف “هذا الوزير له سيئات، لولا المحاصصة اللعينة لما كان وزيرا ولما سولت له نفسه ما سوّلت. من سيئاته انه اذا اهداه احد المبدعين لا تربطه به علاقة تأليفا جديدا فإنه لا يكلف نفسه رد التحية، واذا تقدم اليه احد بطلب من هؤلاء فلا يعيره اهتماما لكنه يرد على المقربين في الدائرة الضيقة.. ثم إنه أساء إساءة كبرى للمثقفين بأن سطا على اعلى وسام ثقافي وطني ووهبه لنفسه دون حياء، كذلك سطا على اوسمة ثقافية اخرى ومنحها لمقربين له”. متابعا “هذه السيئة التي اقترفها الوزير في عهد الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات والقانون والعدل لم يقترفها وزير من قبله في العالم العربي ولا في مجاهل افريقيا على مر التاريخ… ألا يستدعي مثل هذا الجرم مساءلة ومحاسبة ومحاكمة علنية”.

أما الناقدة هيام فرشيشي فقد أشارت الى حرص محمد زين العابدين، على اكتمال بناء مدينة الثقافة، وافتتاح أنشطتها، والى انتظام فعاليات ثقافية دولية وأخرى وطنية على غرار أيام الجهات وأيام قرطاج في مجالات ثقافية مختلفة، وتأسيس بيت الرواية، واقامة ندوات وطنية كبرى حول رموز اﻷدب والشعر والثقافة في تونس، وافتتاح مراكز الفنون الدرامية في مختلف الولايات، وتهيئة وصيانة بعض المؤسسات الثقافية إضافة إلى التركيز على العروض الفرجوية في الشارع من خلال ساحات الفنون، وتعدد المهرجانات الفنية والثقافية والندوات في مختلف جهات البلاد”.. مضيفة “ما لاحظنا هو تخصيص ميزانية ضخمة لمدينة الثقافة وساحات الفنون على حساب دعم المشاريع الثقافية، والأنشطة والنوادي الثقافية المهمة، والتي ظلت تعمل في ظروف متواضعة، بل لاحظنا تفاوتا في دعم الوزارة للمهرجانات حسب الولايات، وهو تفاوت غير مبرر يخلو من تكافىء فرص الدعم .. هذا إلى جانب استئثار قطاعات فنية كالسينما والموسيقى والمسرح بنسب مهمة من ميزانية الوزارة على حساب القطاعات الأخرى، كما لاحظنا دعما مبالغا فيه لجمعيات ثقافية لا تقدم أية فعاليات جادة ..ولا ننسى التعيينات ودعم الكثير من المشاريع الثقافية حسب الولاءات والمحاباة ..”.

وقال الكاتب عبد الجبار مدوري “وزير الثقافة ركز برنامجه خلال توليه مهامه على الاهتمام بالثقافة الفرجوية والمناسباتية وخصص الجزء الأكبر من الدعم للتظاهرات الثقافية الكبرى التي ميزت المشهد الثقافي على امتداد عقود مثل أيام قرطاج بمختلف اختصاصاتها والمهرجانات الموسمية في الجهات ومعرض تونس الدولي للكتاب وغيرها… وهو بذلك يعتبر محافظا وغير مجدد ولم يكن له برنامج واضح رغم الفترة الزمنية التي منحت له نسبيا ولا يملك رؤية متكاملة لمشروع ثقافي وطني بل بقيت الوزارة في عصره أشبه بالإدارة التي تواكب الأحداث بطريقة روتينية وبيروقراطية…” متابعا “شخصيا لم أكن أنتظر منه الكثير لأني أعرف أن الثقافة الجادة التي تستهدف تثوير العقول ليست أولوية بالنسبة له… كان عليه مثلا الاهتمام بالثقافات التي تعاني من قلة الدعم وليست لها صبغة تجارية رغم أهميتها مثل الفنون التشكيلية والدراسات المعمقة في مختلف الاختصاصات والتركيز على مشروع ثقافي كبير واحد أفضل من دعم مئات المشاريع دون هدف ودون رؤية”.

أما الروائي وليد سليمان فقد قال “كي نكون منصفين مثّل تركيز مدينة الثقافة بمؤسساتها المتنوعة، وخاصة المستحدثة منها، كالسينماتيك وبيت الرواية، نقطة القوّة في فترة تولي محـمد زين العابدين مقاليد وزارة الشؤون الثقافية، تضاف إلى ذلك ديناميكية كبيرة عرفها قطاع السينما وإنجازات محترمة في ميدان المحافظة على التراث” مضيفا “كلّ هذا جاء للأسف على حساب قطاعات أخرى وقع إهمالها تماما، إلى درجة أنه يمكن الحديث دون مبالغة عن كارثة حقيقية. وأعتقد أن أكثر قطاع تضرر هو قطاع الكتاب الذي شهد تراجعا كبيرا في عهد زين العابدين، حتىّ أنّه ليخيّل للإنسان أن هذا الوزير يزدري الكِتَاب والكُتّاب”.

وتابع سليمان “لم نر في عهده أية إجراءات مفيدة لفائدة هذا القطاع، بل إن المهنيين تضرروا كثيرا بسبب قلّة الدعم وغياب أية استراتيجية، كما أن حضور تونس كان باهتا في المعارض والتظاهرات الدولية. وأعتقد أننا سنحتاج إلى سنوات عديدة حتى نتمكّن من إصلاح الأضرار الجسيمة التي لحقت بهذا القطاع”.

واشار سليمان الى الحال الذي وصلت إليه دور الثقافة، قائلا “لا يكفي أن تكون هناك بنايات اسمها دور الثقافة بل يجب أن توفّر لها الميزانيات الكافية وتتم صيانتها وتجهيزها باستمرار وإلّا فإنها تتعرّض إلى تدمير ممنهج وأرجو ألّا يكون ذلك هو الهدف المقصود”.

محاباة ومحسوبية

الناقد المسرحي محمد مومن قال بدوره “يصعب تقييم عمل وزاري امتد على سنوات. فيه إنجازات جديرة بالاعتبار ما في  ذلك شك ولكن لم يخل ممّا اعتبره- هفوات، لكي لا نقول هنات. معتبرا افتتاح مدينة الثقافة والاستماع إلى طلبات أهل المهن الثقافية والفنانين امر يحفظ للوزير.

وأشار مومن الى مسألة إعادة الاهتمام بالمسرح التونسي الذي تجلى في عودة المهرجان المخصص للإنتاج السنوي للمبدعين في الميدان وتطوير الفن المسرحي الوطني… قائلا ” أكيد أن هناك إنجازات أو مبادرات أخرى حسنة ولكني لا أعرفها شخصيا أو لم انتبه لها”.

وعن الهنات والاخفاقات قال مومن “لن أتحدث عنها كلها وانما عن أهمها على الإطلاق وهو عدم تطبيق مبدأ الانسان المناسب في المكان المناسب… لا تضم التسميات والتنظيمات الكفاءات. بل تعتمد المحاباة والحسابات. وتغلب عليها المحسوبية والانتماءات “الجهوية” والولاءات “الحزبية”، والاعتبارات الشخصية فغلبت الاعتباطية على العقلانية والحيادية … مضيفا “رداءة  الأداء الوزاري، مهما كان وكان شكله، هي في الأخير نتيجة لرداءة المدونين والمساعدين والفرق العاملة مع المسؤول الأول … شخصيا ألوم  الوزير على عدم اهتمامه بالنقد المسرحي بما فيه الكفاية”.

الجهات بلا ثقافة

 قال الناشط الثقافي بتطاوين محمد راشد انه “رغم عديد الوعود والمحاولات وعديد الزيارات التي اداها محمد زين العابدين الى كل الجهات والولايات تقريبا فإن عمل الوزارة مازال يعاني من المركزية المقيتة والتركيز المفرط للأنشطة بالعاصمة “، متابعا “يمكن ملاحظة هذا بوضوح من خلال مؤشرين بسيطين: الأول هو الميزانيات الهزيلة المرصودة للمندوبيات الجهوية للشؤون الثقافية التي رغم ضعفها يذهب الجزء الأعظم منها الى مصاريف التسيير والصيانة اليومية على حساب الأنشطة والابداع. اما المؤشر الثاني فهو توزيع التمويل العمومي للجمعيات حسب الولايات إذ تذهب اغلب هذه التمويلات الى الجمعيات المنتصبة بالعاصمة وأحوازها والمدن الكبرى ( حسب الأرقام المنشورة بموقع البيانات المفتوحة للوزارة)”.

من جهته تساءل المسرحي الحبيب العدواني(صاحب الفضاء الثقافي الخاص آرتو بمدنين) “عن عمر المثقف الإبداعي في ما أفنى، وأمام سياسة الدولة الثقافية كيف تموقع.. وهل خاض محمد زين العابدين حقا في تساؤلات المثقفين؟ وعن غمار تجربة الجهات؟ وعن نواميس العروض والتعيينات؟عن مدى نجاح الأفراد أو فشلهم في تأصيل المشهد الثقافي؟..”. متابعا “ألم يتساءل عن المشاريع التي اقترحها ولم يتابعها جديا..عن تدشين ساحات الفنون…بل أعمق من ذلك مدن الفنون أكانت مدنا حقا كما رسمها أم أنها سراب مدن تسيل لعاب المهمشين ثم تنطفئ.. ذلك أن المشروع الحقيقي في الضفة المقابلة.”.

وأضاف العدواني “محمد زين العابدين تأرجح بين المركز والجهات ففقد الوجهتين فكان حضور الجهات في المدينة فلكلوريا ووليمة دسمة للمصوّرين ونفسا آخر للمتمعّشين…رسم ملامح جديدة للمشهد الثقافي إلا أن ضخ الروح فيها اقتصر على التظاهرات”..

عدوّ المبدعين

قال الموسيقار زياد الزواري ان ارتفاع عدد المهرجانات والأيام الفنية هي نقطة ضوء تحسب للوزير الحالي مستدركا “حدث مقابل ذلك خلل بين العرض والطلب وبين امكانات الوزارة في توفير الدعم لهذه التظاهرات .. اذ في الظاهر نرى ثراء  لأن العناصر التي تحيي هذه التظاهرات تشتغل وتجتهد حتى تعطي لكل ذي حق حقه ولكن في الباطن لا يتم الاعتراف بمجهود هؤلاء ولا يقع دفع اجورهم وهنا يكمن الاشكال…”.

وأشار الزواري الى عدم دفع وزارة الثقافة مستحقاته عن عروضه الصيفية لافتا الى ان عددا من الفنانين لم تمكنهم الوزارة من اجورهم منذ سنتين.. وإلى أن عددا آخر لجأ الى بيع ممتلكاته لدفع ديونه..

واعتبر الزواري ان ما سمّي بـ”دمقرطة الثقافة واخراجها من المركز الى الجهات” مبدأ مهم لو تم تطبيقه فعلا من قبل الوزارة .. نظرا لانها تندرج في اطار تثقيف الشعب والجهات المحرومة ومحاربة الارهاب بالثقافة … متابعا ” للأسف هناك هوة سحيقة بين القول الذي سمعنا والفعل الذي طُبّق… فالنية حسنة والأهداف سامية ولكن التطبيق كان مغايرا تماما.. لأن الجهات المحرومة بقيت على حرمانها والمهرجانات التي كان لها إشعاع محلي انكفأ وأصبح التركيز أكثر على مدينة الثقافة وأنشطتها.

من جهته قال مصدر تحفظ عن ذكر اسمه “لم أر وزيرا أفشل من هذا لأنه لم يول الثقافة اهتماما مثلما أولاه للسياسة ولخدمة بعض الاحزاب والسياسيين” مضيفا “سوء التصرف في المال العام هو الطامة الكبرى او الاخفاق الكارثي الذي ارتكبه هذا الوزير”.

واعتبر مصدرنا ان للوزارة مخطط مناسباتي événementiel لأنها تفتقر الى استراتيجية واضحة في الثقافة على حد تعبيره، قائلا “أن يسند الوزير وسام الثقافة الاكبر لنفسه فذلك فضيحة كبرى وعلى رئاسة الجمهورية ان تفتح تحقيقا في شأنها وربما الحل في التوجه الى المحكمة الادارية”.

وأضاف مصدرنا ” وزير الثقافة الحالي يحتقر المبدع التونسي… هو لا يعترف بمثقفي تونس لأنه يرى ان الثقافة الحقيقية هي تلك الوافدة من الغرب” متسائلا عن مصير الاموال التي يمنحها مكتب “Europe créative” لدعم الثقافة في تونس” قائلا: “تونس هي الدولة الافريقية والعربية الوحيدة  التي تحظى بدعمه الى درجة انه تم إحداث مكتب “أوروبا المبدعة” بمدينة الثقافة… فلماذا لم نسمع شيئا عنه ولماذا لم يروج له الوزير؟… وزير الثقافة عدو المبدعين”.

وأشار مصدرنا إلى “الأموال التي صرفت لإحداث ساحات الفنون بالجهات” قائلا “الوزير يهز في الطامّة والعامة في كل تدشين ومصاريف وحجوزات بالنزل… بلغت كلفة تدشين كل ساحة عشرات الملايين في المقابل نلاحظ موت تلك المشاريع بعد تدشينها لتصبح في أغلب الأحيان فضاءات لتجميع الفضلات”..

 

منيرة يعقوب رئيسة سابقة لحركة نوادي السّينما:

فترة محمّد زين العابدين لن تصمد أمام الزمن

في كلّ بلاد العالم، يُذكَرُ الوزراء بأعمالهم وإنجازاتهم وبما يتركون من أثرٍ في الحياة السّياسيّة بمختلف أوجُهِها طيلة فترة تحمّلهم المسؤوليّة وبعدها. منهم من يكون وراء تأسيسٍ قانوني أو مؤسّساتي ومنهم من يتعدّى ذلك لطبع فترةٍ بل أجيال بأكملها بفضل خيارات تغيّر بعضا من السّلوكات العامّة وتؤسّس لحقوق جديدة…

يُمكن هنا استحضار أمثلة عديدة لوزراء ووزيرات طبعوا/ طبعن حياة بلدانهم/ بلدانهنّ على غرار “Simone Veil” وقانون تنظيم الإجهاض و”Robert Badinter” وقانون منع عقوبة الإعدام و”Jack Lang” وتميّزت عهدته بإنجازات كبرى كتأسيس المدرسة الوطنيّة لفنون السّرك بفرنسا وغيرها من المؤسّسات التّعليميّة الفنيّة العليا وقانون “تسعير الكتاب” للحدّ من هيمنة بعض الفضاءات الكبرى المختصّة في توزيع الكتاب عدا طبعا عيد الموسيقى ومعركة “الإستثناء الثّقافي الفرنسي” في مواجهة العولمة الفكريّة والثّقافيّة و”الأمركة” المتوحّشة…

في تونس،عرفنا أيضا وزراء ثقافة طبعوا الحياة الثّقافيّة الوطنيّة كمحمود المسعدي والشّاذلي القليبي الذي يبقى إسمه مرتبطا بفترة هيكلة الوزارة (كانت في البداية تحمل تسمية كتابة دولة) وتأسيس مُعظم المهرجانات والتّظاهرات التي تُعدّ الآن من المكتسبات الوطنيّة كأيّام قرطاج السّينمائيّة على سبيل المثال.

قد تتّفق أو تختلف مع وزير أو بصورة أشمل الحكومة التي ينتمي لها وحتّى منظومة الحكم بأكملها، لكن الحكم لوزير (وهنا وزير الشّؤون الثّقافيّة) أو عليه يخضع لمعيار واحد: ما أنجز وما سيبقى حتّى بعد مغادرة خطّته!

فترة تحمّل محمّد زين العابدين مسؤوليّة حقيبة وزارة الشؤون الثّقافيّة وللأسف لن يصمد منها الكثير أمام الزّمن، فلا قوانين أثّرت في سير المؤسسات الثّقافيّة الوطنيّة ولا بروز تظاهرات ثقافيّة كبرى لا مركزيًّا ولا جهويًّا ولا دعم للكتاب التّونسي وصناعته ولا استعادة الدّولة (دولة ما بعد الثّورة؟!) مخابر السّينما بقمّرت ولا حماية وحفظ للمواقع الأثريّة التي تزخر بها البلاد …

كلّ ما سمعنا من محمّد زين العابدين هو ترديد مقولات “دمقرطة الثّقافة” و”حقّ الجهات في الثّقافة” و”اللّامركزيّة” .أمّا ما شاهدنا فهو مركزة مُجحِفة للتّظاهرات في العاصمة بل في مدينة الثّقافة تحديدا ونصيب بقيّة المناطق لا يتعدّى بعض الاحتفاليّات رغم محاولات إصباغها بتسميات رنّانة “مدن وساحات الفنون” وما شابه!

قد لا يُذكر إسم الوزير الحالي للثّقافة بعد مدّة إلا في قائمة وزراء الثّقافة الذين طال نسبيًّا بقاؤهم في مناصبهم في حكومات ما بعد انتخابات 2014.

 

لسعد بالغايب: تظاهرة “الموسم الأزرق” استباحت بحارنا

أدعو إلى محاكمة وزير الشؤون الثقافية لأنه ترك دور الثقافة والمكتبات بكامل تراب الجمهورية مغلقة خلال نهايات  الاسبوع  لمدة قاربت الثلاثة سنوات محققا بذلك اهداف عبد الفتاح مورو التي ذكرها للداعية وجدي غنيم  عندما قال  له: “هدفنا ابناؤهم” فكانت النتيجة غلق الفضاءات المشار اليها من اجل منح بسيطة طلبها الموظفون لقاء عملهم خلال نهايات الاسبوع ووزعت الاموال علي  جمعيات مشبوهة لا علاقة لها بالشآن الثقافي  مسآلة اخرى تعلقت بالامن القومي تمثلت في سماح وزارة الشؤون الثقافية لسفير فرنسا بتنظيم تظاهرة “الموسم الازرق” التي  استباحت بحارنا من رأس انجلاء علي الحدود الجزائرية الي جرجيس علي الحدود الليبية، فهل من مهام السفير الفرنسي تتظيم التظاهرات؟

وزير الشؤون الثقافية أحدث صلب الوزارة على الرغم من إحداث مؤسسات وطنية ذات صبغة غير إدارية لتتولى تنظيم التظاهرات الراجعة بالنظر إليها فقد احدث صلبها  هيئات موازية  لتقوم بتنظيم التظاهرات بعيدا عن الاطار القانوني  من اجل ان يحقق موظفو الوزارة والمؤسسات التابعين لها مداخيل خيالية من أعمال تعود لإشراف المؤسسات الموظفة لديها، وتتراوح المبالغ ما بين 10 و 25 الف دينار عن كل مهرجان من مهرجانات الوزارة وعددها 10 مهرجانات أي أن منح الموظف الواحد تصل الى أكثر من 150 ألف دينار سنويا بعنوان العمل الاضافي في المهرجانات وذلك في مخالفة صريحة للفصل 52 من قانون الوظيفة العمومية والأمر عدد 438 لسنة 1989 وصولا إلى المجلة الجزائية.. هذا وقد رفعت قضية لدى القطب القضائي الاقتصادي والمالي في هذا الخصوص، وقد حاولت الوزارة تبرير ممارساتها بقدم الامر عدد 438 لسنة 1989 وهي مبررات سفسطائية كذّبها المشرع عندما اصدر الأوامر  عدد  424 و431 و 432  لسنة 2019 المتعلقة  بالأعمال الإضافية لموظفي وتقنيي دور الثقافة والذين يقومون بنفس الأعمال الموكلة للموظفين  العاملين في المهرجانات اي برمجة افلام وعروض موسيقية مع فارق كبير في المنح يصل إلى أضعاف ما هو قانوني بـ 40 مرّة.

 

أسبوعية “الشارع المغاربي” عدد 190


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING