الشارع المغاربي – في ميزانية 2020 المليئة بالمغالطات والمعطيات المفخّخة : الشاهد يَنْصِبُ مصائد وفخاخا لخليفته

في ميزانية 2020 المليئة بالمغالطات والمعطيات المفخّخة : الشاهد يَنْصِبُ مصائد وفخاخا لخليفته

قسم الأخبار

25 يناير، 2020

الشارع المغاربي-منى المساكني: كما هو معهود في أواخر كلّ سنة، قدّمت الحكومة مشروع قانون المالية للعام الحالي إلى مجلس نواب الشعب كوثيقة لتنفيذ السياسة المالية العامة للبلاد. غير انه وفي سابقة من نوعها، لم تتجاوز مدة المصادقة على أحكامه أكثر من عشرة أيام لا غير باحتساب فترة مراجعته من قبل اللجنة المالية المؤقتة، والتي طالبت بتوضيحات تخص كافة جوانبه من وزارة المالية نظرا، من ناحية إلى عدم إلمامها بمثل هذه الوضعيات وانعدام اختصاصها فيها وبحكم ما حف بحيثياته من ريبة ولبس بصفة جعلته يرتقي إلى مصاف الفخاخ والمصائد، من ناحية أخرى.

وبغض النظر عن الجدل الذي رافق المسألة وتحليلات الاقتصاديين، فقد تيقن طيف هام من المجتمع أن الحكومة أثبتت مجددا «جدارتها» و«حنكتها» في التلاعب بالأرقام ومبادئ المالية العمومية، إذ يفيد عدد من أحكام قانون المالية بعدم الترفيع في الضرائب دعما للاستهلاك والاستثمار، حسب السلط المالية، ولكن القسم الأهم منها ضرب النمو في مقتل باعتبار حرمان منشآت ومرافق حيوية من الدعم المالي ومواصلة التعويل على الديون الخارجية رغم هوامش المناورة المتاحة جبائيا لتعبئة موارد كافية لسد حاجات الدولة.

قانون المالية 2020، أو التفنن في حبك الحيل

يرى عدد هام من الخبراء أنّ القائمين على إعداد قانون المالية لعام 2020 قد اعتمدوا «مقاسات جديدة» لصياغته لا تحترم المبادئ الأساسية للاقتصاد والإدماج الاجتماعي بحكم أن القانون يخالف مبادئ شمولية المالية العمومية وقواعد عدم المرونة والفصل بين السنوات المحاسبية إذ تم وضعه في إطار ميزان اقتصادي يشمل السنوات الثلاث القادمة بمعنى أن كل الحكومات التي ستتداول على تسيير شؤون البلاد إلى غاية 2021 ستكون مجبرة على التقيد بمقتضياته بما يشكل بالفعل مصيدة وحيلة كبرى.

من حيث الميزانية، فتقدر بـ 47227 مليون دينار بزيادة قدرها 9.5 % مقارنة بميزانية سنة 2019 وهي وضعية توسعية مبهمة لا تتناسق مع ما تشهده البلاد من تراجع واضح للنمو والارتفاع المتواصل للتضخم النقدي. كما انه من المفروض، حسب معايير المحاسبة العمومية الوطنية، ألا يتجاوز حجم الميزانية 20 % من الناتج المحلي في حين يمثل مجموعها نحو الضعف بما يعادل 37 % من ذات الناتج.

ومن المتوقع أن تزيد مداخيل الدولة بنسبة 4 % في سنة 2020 وهي نسبة أقل بكثير من نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي المقدر للعام القادم. وتجدر الإشارة إلى أنّه من المنتظر أن تكون نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 2.7 % في عام 2020 مقابل 1.4 % في سنة 2019 مما يعني أن القيمة المضافة للقطاعات الاقتصادية ستتضاعف وهو ما يشكل مغالطة سخيفة باعتبار أن مؤشري قطاعي الصناعة والخدمات اللذان يتيحان تكوين نحو 60 % من رأس المال الثابت في البلاد هي في انحسار وذلك على التوالي بنسبتي 3.6 و7.8 % لمرورهما منذ أعوام بأزمات هيكلية وعميقة باعتراف الحكومة نفسها.

وسوف تأتي عائدات الضرائب بشكل رئيسي، وفق قانون المالية 2020، من تطور النشاط الاقتصادي، من جهة وجهود التغطية التي ستقوم بها المصالح الجبائية، من جهة أخرى رغم التأكد من أن نسبة النمو للعام القادم سوف لن تتجاوز في أحسن الحالات وفي صورة تعبئة قروض بحوالي 12 مليار دينار %0.9 استنادا الى تقديرات منتدى دافوس العالمي للتنافسية الاقتصادية.

كما انه من المنتظر ألا توجد خطة لزيادة الضرائب للعام المقبل حسب توطئة وثيقة قانون المالية في حين تحيل فصول عديدة منه على سبيل الذكر لا الحصر إلى الترفيع في أسعار المحروقات بنسبة تناهز %25.9 والأدوية بنسبة %7 ومدخلات الإنتاج الفلاحي سيما بعض أصناف الأسمدة العضوية والأعلاف الاصطناعية بنحو 31 % وأنواع مختلفة من المعدات الإعلامية كالخوادم بنسبة 19 %.

وفي ذات السياق، أدرجت تدابير لتبسيط شروط النظام الجزافي وهو نظام التهرب الضريبي بامتياز لعدم اعتماده في قاعدة احتساب الضريبة على الدخل على رقم المعاملات كما تدل عليه تسميته مما يخالف قواعد الإنصاف في مادة الجباية والبعد عن تعقيدها ودعم شفافيتها.

 

 

السياق العام للإعداد

في جانب اخر، تحيل قراءة مقتضيات قانون المالية 2020 الى انه قد تم الاستناد والى حد بعيد على ما ورد في مختلف أقسام وأجزاء وثيقة أعدتها وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي تحت عنوان «الميزان الاقتصادي 2020» وهي بمثابة «الميزانية الموازية» تحصل عليها موقع «الشارع المغاربي» ونشر بشكل حصري بعض ما احتوته من معطيات.

هذا ولم تتطرق مقتضيات قانون المالية إلى ما يصطلح على تسميته بالإصلاحات الكبرى فيما عدى بعض الإشارات العابرة والفضفاضة والعموميات خاصة على مستوى المنظومة الجبائية وجهاز الديوانة، إذ يبدو جليا أن المنظومة الحالية بعيوبها وهناتها المختلفة والمتمثلة أساسا في عدم احترامها لمبادئ العدل والإنصاف بين المطالبين بدفع الضرائب والمتمثلة أيضا في التشعب لكونها تشمل أكثر من أربعة آلاف نص ضريبي ولا تضمن حق التنازع القضائي بمختلف درجاته وأيضا في انعدام شفافيتها على مستوى منح الامتيازات، تخدم أطراف عديدة ونافذة. هذا ويذكر، في هذا الصدد، أن عائدات الديوانة وفقا لمذكرة تنفيذ ميزانية الدولة لم تتجاوز 956 مليون دينار نهاية سبتمبر الفارط، في حين أن حجم الواردات بلغ في نفس الفترة 47857 مليون دينار وذلك حسب نشرية المبادلات التجارية الخارجية للمعهد الوطني للإحصاء بمعنى أن نسبة استخلاص المعاليم الديوانية تساوي %1.9.هذا وتمّ رسم الميزانية على أساس رصد نفقات للتجهيز بقيمة 6900 مليون دينار في ظل نسبة انجاز منتظرة لا تفوق 30 % بناء على معطيات الميزانيات السابقة، علما أن ميزانيات الدفاع الوطني والداخلية والشؤون المحلية والعدل تمثل %23 من الميزانية العامة للدولة. كما تشكل أجور القوات الأمنية 34% من إجمالي أجور موظفي الدولة .

وعلى أساس المؤشرات المقدمة، سترتقي نفقات التنمية عموما الى 34300 في غضون 2016-2020 مقابل 23480 مليون دينار خلال الفترة 2011 – 2015 ستوظف لتمويل الاستثمار العمومي المباشر في المشاريع المبرمجة لاسيما في مجالات البنية الأساسية والمرافق الجماعية وتنفيذ البرامج التنموية في الجهات الداخلية حيث ينتظر أن تصل قيمة الاستثمارات المباشرة والتمويل العمومي 31 مليار دينار نهاية الفترة 2016 – 2020 بالإضافة إلى 900 مليون دينار للاقتصاد الرقمي تموّل عن طريق صندوق تنمية المواصلات وتكنولوجيا المعلومات والاتصال وذلك مقابل 19 مليار دينار خلال الخماسية الفارطة.

ولكن هذه المؤشرات تنفيها بوضوح وضعية البنية التحتية المتهرئة والمنهارة سيما في قطاعات النقل والطرقات والجسور والتطهير والمنشآت المائية والفلاحية الكبرى والتربية والتعليم العالي إلى درجة طالبت فيها اللجنة المالية المؤقتة جردا مفصلا لهذه المعطيات انطلاقا من شكها في مصداقياتها واستدعت لذلك فرق العمل التي أنجزت الميزانية على مستوى وزارة المالية وهي الراجعة بالنظر للإدارات العامة للدراسات والتشريع والتمويل والمحاسبة العمومية والاستخلاص بوزارة المالية. غير أن اللجنة لم تتحصل على أي توضيح خصوصا في ظل اختلاف أعضائها وعدم انسجامهم في طرق العمل.

مال المجالات الحيوية والقطاعات الناشئة

لم يتم في إطار إقرار قانون المالية للعام القادم رصد اعتمادات مخصصة بعنوان تشجيع المبادرة والاستثمار الخاص بما يسهم في تسريع نسق إحداث المؤسسات الجديدة خاصة منها تلك الناشطة في المجالات الواعدة إلى جانب اعتمادات التمويل العمومي المخصصة لمساندة استثمارات المؤسسات العمومية في المجالات الحيوية على غرار النقل والخدمات اللوجيستية والطاقة.

واقتصر الأمر على الإعلان على بعض الحوافز الإدارية لباعثي المشاريع الصغرى في الجهات بالتوازي مع التخفيض في دعم الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة التونسية لصناعات التكرير بنحو مليار دينار.

كما لم يجر إدراج الدعم المعلن عنه لأكثر من 14 منشاة ومؤسسة تعنى بالمرافق العمومية وقيمته 1475 مليون دينار في ميزانية الدولة مما يمثل مغالطة غير مسبوقة، في حين أن حاجيات هذه المؤسسات التي لا تعتبر ذات غاية ربحية تناهز 6800 مليون دينار.

وينتظر أن تنخفض، عموما، نفقات الدعم لتنحصر في حدود 11553 مليون دينار نهاية 2016 – 2020 أي ما يعادل %2.1 من الناتج المحلي الإجمالي لشعب يرزح ثلثه تحت خط الفقر مقابل 19025 مليون دينار و5.1 % من الناتج خلال الخماسية 2011 – 2015 نتيجة التقلص المرتقب لنفقات دعم المحروقات إضافة إلى التخفيض في نفقات دعم المواد الأساسية التي من المنتظر أن تستقر في حدود 1% من الناتج، فحسب، سنة 2020.

وبالتوازي مع ما سبق بيانه، ستواصل مؤشرات الدين العمومي ارتفاعها مع بعث وكالة تونس للخزينة وهو ما يشبه «الكومسيون المالي»، إذ أن صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والاتحاد الأوروبي هي الجهات التي طلبت إحداثها وتعتزم هيكلتها وتنظيمها بالكامل. ووقعت تغطية الموضوع بتعلة أن هذه الوكالة الفريدة من نوعها إقليميا وحتى دوليا ستسهم في إحكام التصرف في الموارد المالية المتاحة وتنشيط سوق رقاع الخزينة وتوظيف التقنيات الحديثة لتغطية مخاطر الصرف والفائدة.

وستتطور نفقات التصرف بنسق، جد عال، رغم محدودية الموارد وذلك في حدود 6.9 % نظرا لارتفاع الاعتمادات المخصصة للتأجير وتطور مصاريف التسيير الإداري ووسائل المصالح والتي تتعلق أساسا باستهلاك الطاقة ومستلزمات أخرى متنوعة وصيانة أسطول السيارات الإدارية، دون اعتبار الأمنية منها، وتجديده في ظل وصول عدد العربات إلى 38 ألف عربة وبلوغ الأعباء العامة المتعلقة بها إلى 400 مليون دينار سنويا.

هذا ولم يتجاوز مردود الإدارة التونسية باعتماد تصنيفها كطرف اقتصادي يقدم خدمات غير مسوقة من قبل المعهد الوطني للإحصاء لا تتجاوز 17 % نهاية 2018 .

وإجمالا، وقع حصر عجز ميزانية الدولة في حدود 3.5 % مع ضبط نسبة ضغط جبائي في مستوى 21 % من الناتج.

إنّ تقييما موضوعيا لما ورد في قانون المالية للعام القادم بما تضمنه من حيل ومغالطات وارتباك عام يؤدي إلى استجلاء جملة من نقاط الضعف والخلل الفادح التي تجعل من تنفيذه مسالة مستحيلة لقيامه على معطيات مصطنعة وغير واقعية وبالتالي غير قابلة للتحقيق وستزداد بذلك حتما الإشكاليات المتراكمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي على حدّ سواء.

كما يرى خبراء ومتابعون أنّ إحدى أهم المشاكل التي ستتردى فيها البلاد بمقتضى هذا القانون تتمثل في ارتفاع النفقات العمومية بشكل غير متلائم مع الموارد. ومن الملاحظ في هذا السياق أنّ عجز الميزانية العامة للدولة سجل منذ عام 2016 اتجاها تصاعديا من المرجح أن يفاقم من نسبة الديون.

من ناحية أخرى، فإن ارتفاع النفقات الجارية لا سيما الرواتب لم يشجع الاستهلاك في ظل تنامي الاحتكارات والتوريد ولم يمكن من المحافظة على القدرة الشرائية للأسر، كما أنّ آثاره السلبية ظهرت جليّا بارتفاع التضخم. في الآن نفسه انخفضت نسبة الاستثمار والنمو الاقتصادي خاصة في المناطق الأكثر فقراً في البلاد.

ومن المتوقع أيضا أن تستحوذ فاتورة الرواتب وخدمة الدين والدعم على 74 % من الميزانية في سنة 2020 في حين تمثل نفقات التنمية والتجهيز والإنفاق على البنية التحتية 14 % فحسب من إجمالي ميزانية الدولة وهي مفارقة ظاهرة للعيان يهيمن عليها الإنفاق العدمي والمبهم على حساب الإنفاق على التنمية دون الأخذ في الاعتبار الحاجة الكبيرة إلى استثمار عمومي يمكّن من تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتعزيز النمو.

 

 

 

ونسيم شمامة، وزير المالية للدولة الحسينية الذي فرّ بنصف ميزانية تونس نسيم شمامة هو ابن الربّي شلومو شمامة، ولد عام 1805 وتوفي بمدينة القرنة (Livourne) الإيطالية في 23 جانفي 1873، رجل أعمال يهودي تونسي عمل لفائدة البايات الحسينيين وتولى خطة قابض عام للدولة التونسية بما يساوي رتبة وزير.

اشتغل نسيم شمامة في بدايته بتجارة القماش. وهو ما مكنه من التعرف على الدوائر العليا في الدولة الحسينية واشتغل لدى عائلة بن عياد كقابض، ثم في عام 1852 انتقل ليعمل مع الوزير الأكبر ذي النفوذ الكبير مصطفى خزندار، قابض مال خاص له .

وبعد فرار محمود بن عياد من البلاد التونسية في جوان 1852، عين عوضا عنه في منصب قابض مال الدولة، وحاز على ثقة الباي، حتى أنه حصل على رتبة أمير أمراء وعلى وسام نيشان افتخار وهو أكبر وسام تمنحه الدولة آنذاك.

وقد أصبح يسيطر على الوظائف المالية، ومنذ عام 1860 وحتى العام 1864 اشتغل مديرا لوزارة المالية. وأصبح من أثرى أثرياء البلاد حتى أنه أقرض الدولة الحسينية عشرين مليون ريال.

أما إزاء طائفته فقد أسند إليه منصب قايد اليهود عام 1859، وكان يساعد في المشاريع ذات الصبغة الدينية من ذلك مساعدته في بناء كنيس مدينة تونس، وأوصى بمنح مبلغ من ثروته لفائدة مكتبة تلمودية بالقدس وساعد على طباعة الكتب الدينية اليهودية.

وفي نفس الإطار استطاع عام 1853، أن يقنع الباي بإعفاء الطائفة اليهودية من أعمال السخرة. في شهر جوان 1864، فر نسيم شمامة أولا إلى فرنسا ثم بعيد حرب عام 1870 مع ألمانيا، غادرها إلى إيطاليا ليستقر بمدينة القرنة، وقد حمل معه عند فراره إلى الخارج مبلغا تختلف المصادر في تقديره بين من يقول إنه لا يقلّ عن ثلاثين مليون فرنك ، ومن يقول إنه في حدود عشرين مليون متأتية من اختلاس ما يعادل انذاك نصف مال الدولة و عندما توفي ترك ثروة تقدر بـ: 27716688 فرنك.

لاحقته دولة البايات بتهمة اختلاس أموالها وأرسلت الجنرال حسين (1824 – 1887) لرفع قضية ضده أمام القضاء الإيطالي، مثلما كانت فعلت ذلك بخصوص قضية محمود بن عياد أمام القضاء الفرنسي. وقد استمرت تلك القضية عدة سنوات. المصدر : موسوعة مشاهير تونس، ماي 2013.

 

●25,9 زيادة في المحروقات… 7 % في الأدوية و31 % في الأسمدة والأعلاف 

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING