الشارع المغاربي – البداية لم تكن مُوفّقة… ولكن التدارك لا يزال ممكنا / بقلم: عز الدين سعيدان

البداية لم تكن مُوفّقة… ولكن التدارك لا يزال ممكنا / بقلم: عز الدين سعيدان

قسم الأخبار

29 يناير، 2020

الشارع المغاربي: بعد انتخابات اكتوبر 2019 دخلت تونس في المرحلة الثانية من تشكيل الحكومة وذلك حسب الفصل 89 من الدستور. وقد تم في هذا الاطار تعيين السيد الياس الفخفاخ لتشكيل الحكومة.

وحسب نفس الفصل يقتصر دور رئيس الجمهورية الذي يجب أن يكون وأن يتصرف كرئيس كل التونسيين بدون أي شكل من أشكال الاقصاء، على اختيار الشخص الذي يراه الاقدر على تشكيل الحكومة وبالتالي فإنه ليس لرئيس الجمهورية أي دور في تشكيل الحكومة أو تحديد برنامجها وتحديد ما يسمى بحزامها السياسي.

الوضع الذي تمر به تونس الآن دقيق جدا وصعب جدا. تونس تعيش أوضاعا اقتصادية ومالية واجتماعية متأزّمة. ويمكن أن نضيف أن هذا التأزم يطال أيضا الأوضاع السياسي والديبلوماسية.

المنطق يقول أن الدور الأساسي لأية حكومة تتسلم المسؤولية في هذا الوضع الراهن يكمن في محاولة انقاذ الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي قصد انقاذ تونس وانقاذ تجربتها الديمقراطية وإعادة الحياة السياسية الى مسارها الصحيح.

ان سلّمنا بهذا فيجب أن يقتنع المكلّف بتشكيل الحكومة بأنه هو وكامل الفريق الذي سيكوّن الحكومة مقتنعون بضرورة التضحية بأي مستقبل سياسي شخصي وبأنهم يسعون لنيل شرف انقاذ البلاد فقط لا غير. نظرا لدقة المرحلة وصعوبة الوضع هذا التمشي يبدو الوحيد الذي يمكن أن يؤدي الى النتيجة المرجوة وهي انقاذ التجربة التونسية.

إن كانت هذه الفكرة مقبولة فإن المقاربة المنطقية تكون في ثلاث  مراحل كالآتي :

– تحديد البرنامج الذي من شأنه النجاح في انقاذ البلاد ويتم تحديد هذا البرنامج من طرف المكلّف بتشكيل الحكومة وفريق من المستشارين من حوله.

– تكوين الفريق حسب التحديات والحلول التي يحتوي عليها البرنامج.

– الذهاب أمام مجلس نواب الشعب قصد نيل الثقة دون أي تحديد مسبق لما يسمى بالحزام السياسي.

من يصوت لفائدة الفريق فهو في الحكم ومن يصوت ضده فهو في المعارضة وذلك دون اقصاء أي طرف ودون تقسيم الشعب الذي هو في أمس الحاجة الآن الى تصحيح وترسيخ الوحدة الوطنية وان صوتت أغلبية ضدّ الفريق فسيتم حل مجلس النواب واللجوء الى انتخابات تشريعية مبكرة.

أما التمشي الذي اختاره السيد الياس الفخفاخ فإن بدايته تبدو غير موفقة ولكن التدارك ممكن.

نعم أن نبدأ بتحديد الحزام السياسي فهذا يؤدي حتما الى صعوبات عديدة:

– إن كان تحديد الحزام يتم بطلب من السيد رئيس الجمهورية وان كان غير معلن فهذا خطأ سياسي له تبعات سلبية عديدة.

– ان كان المكلف بتشكيل الحكومة يعتبر مثلما صرّح بذلك أن عليه دين نحو رئيس الجمهورية فهذا خطأ سياسي آخر وفيه مخالفة لنص وروح الدستور.

– البداية بتحديد الحزام السياسي تؤدي حتما الى اقصاء بعض الاحزاب والسقوط حتما في المحاصصة الحزبية القاتلة. والحال  ان الامر يقتضي أن نسعى الى أوسع وحدة وطنية ممكنة.

– البداية بتحديد الحزام السياسي تجعل تحديد برنامج الانقاذ مهمة شبه مستحيلة لأن  للأحزاب التي سعت أو قبلت بأن تكون جزاءا من الحزام السياسي  مواقف متباينة جدا من أهم المشاكل والتحديات التي تواجهها تونس في هذا الظرف الصعب.

– مثل هذا التمشي يؤدي حتما الى أضعف الحلول وأضعف البرامج وهي البرامج التوافقية أو ما يسمى بالقاسم المشترك الأدنى.

تونس في حاجة ماسة إلى ترميم علاقاتها مع المانحين الأساسيين الأجانب وهم الاتحاد الاوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي الى جانب البنك الافريقي للتنمية والصناديق المالية الاخرى العربية والدولية. تونس في حاجة ماسة أيضا الى اعادة بناء الثقة مع كل الشركاء الاقتصاديين والماليين والسياسيين. وكل هؤلاء يراقبون التمشي الذي تختاره تونس قصد ايقاف النزيف الاقتصادي والمالي والمرور الى الاصلاحات الكبرى التي من شأنها انقاذ الاقتصاد وبالتالي انقاذ التجربة الديمقراطية برمتها.

حتى وإن كانت البداية غير موفقة فإن التدارك لا يزال ممكنا عبر تعديل المقاربة وتفادي السقوط في الاقصاء وفي المحاصصة الحزبية المقيتة.

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING