الشارع المغاربي – حركة النهضة ونهاية أسطورة وحدة الجماعة  /بقلم: عبد الواحد اليحياوي

حركة النهضة ونهاية أسطورة وحدة الجماعة  /بقلم: عبد الواحد اليحياوي

قسم الأخبار

30 يناير، 2020

الشارع المغاربي : شهدت حركة النهضة على مدى تاريخها خلافات داخلية ولكنها خلافات لم تهدد وحدتها الداخلية التي تعتبر أحد عناصر عقيدتها السياسية حيث وحدة الجماعة مقدمة على الديمقراطية وعلى الأفراد مهما كانت مكانتهم .لذلك فان الانسلاخات التي عرفتها حركة النهضة بداية بتيار الإسلاميين التقدميين ونهايات ببعض القيادات التاريخية مثل حمادي الجبالي لم تعن يوما تفككا بنيويا لها.

لقد ظلت حركة النهضة صامدة أمام مختلف محن تجربتها التاريخية ولكن هذا الوضع بصدد التحول العميق حيث أخذت الحركة في التفكك ’إذ يبدو أن وحدتها لم يعد من الممكن أن تستمر، وان الرهانات عليها سقطت في امتحان الانتقال الديمقراطي والسلطة . بعد مجموعة من الانسحابات الصامتة لقياديين وأعضاء من حركة النهضة أخذت الأصوات ترتفع تعبيرا عن عدم الرضا على سياساتها، وقد تطور ذلك إلى استقالات استعراضية ( زبير الشهودي وهشام العريض وزياد بومخلة) وهي استقالات تعكس قلقا عميقا داخل الحركة وتحولا في منسوب الصراعات ذات الطابع السياسي والشخصي ، وهو صراع عبر عن نفسه من خلال مسار تشكيل حكومة الجملي وخلالها تصارعت لأول مرة قيادات الحركة بكل قوة من اجل تحديد تشكيلة الحكومة وتمرير وزراء من القريبين منها، وهي صراعات طالت حتى المؤسسات التي كانت تبدو موحدة خلف رئيس الحركة خاصة المكتب التنفيذي ، بل وحتى عائلة الغنوشي إذ لأول مرة قرر صهره رفيق عبد السلام الخروج من جبة الغنوشي واللعب لصالحه الخاص من خلال محاولة فرض حصة له داخل الحكومة .

وعندما اقترح المكتب التنفيذي قائمة بأربعة مرشحين لرئاسة الحكومة على مجلس شورى الحركة كان رضا بن مصباح هو المرشح المفضل للغنوشي ، وكان يعتقد انه يمكن أن يمرره كعنوان لاستمرار التوافق مع المنظومة القديمة ولكن معارضي الغنوشي استطاعوا أن يفرضوا الحبيب الجملي الذي هو في الحقيقة من قيادات الصف الأخير داخل الحركة وهو ما أثار غضب زياد العذاري الذي كان يمني نفسه باستمرار دوره في منظومة الحكم باعتباره احد عناوين منظومة التوافق وجعله يقدم استقالته من الأمانة العامة وجميع المسؤوليات في الحركة .

مثلت الشخصية الضعيفة لرئيس الحكومة المكلف وافتقاده أية شرعية انتخابية مباشرة مدخلا لقيادات للحركة للصراع على افتكاك مسار تشكيل الحكومة, بعضهم من خلال الإشراف المباشر على العملية مثل رضا السعيدي وبعضهم بشكل مؤسساتي من خلال لجنة التفاوض مثل علي العريض ونور الدين البحيري مما أدى إلى تكوين حكومة هجينة تعبر عن ترتيبات ناشئة عن موازين القوى داخل حركة النهضة عوض التعبير عن موازين القوى داخل البرلمان .كما أن ذلك أدى إلى خروج المسار من هيمنة راشد الغنوشي ومحيطه الضيق .

أصبحت رغبة الغنوشي واضحة في عدم تمرير حكومة الجملي وكان يأمل في تحقيق ذلك من خلال مجلس الشورى ولكنه عجز عن ذلك بعد التطمينات التي قدمها بعض قيادات الحركة للمجلس بان اغلب كتلة قلب تونس ومستقلين آخرين سيصوتون للحكومة وأنها ستمر .

كان واضحا أن حكومة الجملي قد حولت إلى انقلاب مكتمل الأركان على رئيس الحركة ، وهو انقلاب متأت خاصة من قيادات لم يعرف عنها معارضتها للغنوشي مثل علي العريض ونور الدين البحيري ،  كانت المرة الأولى التي يخوض فيها قياديو الحركة صراعا مريرا على الساحة العلنية للسياسة وهو صراع اتخذ شكل الانقلاب على الغنوشي  وان كان ذلك لا يعني أنهم كانوا موحدين وان الانقلاب تم كمخطط تنظيمي وسياسي.

لم يكن أمام رئيس الحركة سوى المرور إلى الخطة البديلة التي بدأت ملامحها قبل فترة، وهي الاستعانة بحليفه نبيل القروي لإسقاط حكومة الجملي ومعها الانقلاب الداخلي عليه.

نجح الغنوشي في إفشال الانقلاب عليه ويعرف الطرف الأخر مثلما صرح بذلك القيادي محمد بن سالم أن مرحلة تصفية خصومه قد بدأت وهو ما يعني حتما  نهاية أسطورة وحدة الجماعة تحت وطأة الصراع على السلطة وعلى القرار السياسي داخل الحركة .

استعاد الغنوشي هيمنته على القرار داخل الحركة وهو ما يتضح من خلال ترشيح فاضل عبد الكافي رئيس حكومة الاتفاق القديم بين الغنوشي والقروي  لرئاسة حكومة الرئيس ، خلال فترة تقديم الترشيحات لرئيس الجمهورية ،واستطاع أن يفرض ايضا نبيل القروي كحليف سياسي وذاتي مقبول من بقية مكونات الساحة السياسية وأصبح من الواضح اليوم أن حركة النهضة لن تكون في حكومة دون قلب تونس ، وان قلب تونس بات ضمانتها ضد التحالفات المضادة وضمانة رئيسها في مواصلة الهيمنة على مفاصل الحركة من مدخل الدولة .

اندلعت الحرب داخل حركة النهضة وإذا كان الغنوشي قد ربح معاركها الأولى فان ربحه الحرب ليس متأكدا خاصة مع فقدانه مكانته الرمزية وتقدمه في السن وهذه الوضعية بالذات تجعله مهددا بالتاريخ لان القاعدة التاريخية تقول أن الأب الذي يحتكر كل شئ ينتهي مقتولا من طرف أبنائه.

عبد الواحد اليحياوي: قيادي بحزب التيار 

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING