الشارع المغاربي – عقبة بن نافع بين التاريخ والأسطورة / بقلم المؤرخ محمد سعيد

عقبة بن نافع بين التاريخ والأسطورة / بقلم المؤرخ محمد سعيد

قسم الأخبار

8 فبراير، 2020

الشارع المغاربي-عواطف البلدي: يصعب الفصل بين التاريخ والأسطورة عند الحديث عن شخصيات كان لها تأثير في الأحداث. هذه هي حالنا مع شخصية من أكثر الشخصيات إثارة للجدل:عقبة بن نافع؛ فهو “مجاهد في سبيل الله “لدى البعض، و”سفاح ومجرم حرب” لدى البعض الآخر. وما بين توصيف وآخر يبقى للمؤرخ القول الفصل بعيدا عن التشنج الأيديولوجي، وهو قول مرتهن بما يتوفر من مادة تاريخية، مع الأسف هي شحيحة في حالتنا، لأننا لا نملك سوى مصادر متأخرة ومن جانب واحد. وفي نظرنا كان عقبة قائدا يسعى لإنجاز مهام كُلِّف بها في أسرع وقت وبأقل كلفة. سنحاول في هذه الورقة رسم الملامح العامة لهذا القائد الذي ذاع صيته وظل حاضرا في ذهن أهل شمال إفريقية كحضوره في المصادر ذات الصلة بالفتوحات.

نسبه: هو عقبة بن نافع بن عبد القيس بن لقيط بن عامر من أمية بن طرف بن الحارث بن فهر، وهو من قريش. تُجمع المصادر على أن عقبة وُلِد قبل وفاة الرسول بسنة، وبالتالي لا تصح له صحبة، بل هو معدود في التابعين كما تشير جل المصادر المشرقية والإفريقية. أما من جهة الأم فهناك اختلاف، هل هو ابن خالة عمرو بن العاص أم أخوه لأمّه؟ يذكر ابن عبد البرّ في الاستيعاب أن عمرو بن العاص وعقبة أخوان للأم. وأمّهما هي النابغة سلمى بنت حرملة وهي من صاحبات الرايات مثلما أشار الى ذلك الكلبي في «مثالب قريش».

-غزوة عقبة الأولى وتأسيس القيروان

لما قدم عقبة غازيا بأمر من معاوية بن أبي سفيان كان قد ناهز الخمسين واكتسب تجربة طويلة في الحرب تحت إمرة ابن العاص بفضل الغارات المتواصلة على المناطق الغربية لحدود مصر والتي توافق ليبيا الحالية، وكانت تُعَّدُّ جزءا من إفريقية التي تصل حدودها شرقا إلى برقة عند غربي مصر.

تجدر الإشارة إلى أن مشروع فتح إفريقية كلف العرب مؤونة كبيرة في العتاد والعدة والوقت، غير أن الغنائم كانت تغطي هذه النفقات وأكثر. وقد سبقت غزوة عقبة الأولى عدة غزوات يحيط بها الغموض ويصعب الإلمام بتفاصيلها. بدأت الغزوات مع غزوة العبادلة السبعة في 647م ثم تعطلت بسبب الحرب الأهلية في المشرق-الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان- لتعود العمليات مع انتصاب الامويين الذين واصلوا مشروع عثمان، وفي 665م يقوم معاوية بن حديج بحملة على إفريقية. وفي 670م يعيَّن عقبة قائدا لغزو إفريقية. فقدِم وفي برنامجه تأسيس مصر[مستوطنة تؤسس خارج المجال الجغرافي للعرب في سياق عمليات الفتوح] القيروان التي ستكون رابعة الأمصار بعد الكوفة والبصر ة في العراق والفسطاط في مصر. فقبْل قدوم عقبة كانت الجيوش العربية تغزو وتغنم وتسبي ثم تعود إلى مصر التي كانت توفر الجند والعتاد وتوفر مجالا للانسحاب بعد كل غزوة. ومقابل ذلك لم تقم مقاومة بربرية هامة ما دام العرب يكتفون بالغنائم والسبايا، لكن مع قدوم عقبة على رأس قوة قوامها عشرة آلاف مقاتل تغيّر الموقف وبدأت مقاومة البربر للعرب.واختار عقبة الموضع الحالي للقيروان متخليا عن الموضع الذي اختاره سلفه معاوية بن حديج عند القرن، واختار لمدينته موقعا استراتيجيا بين البحر والجبل لأن المجال لم يكن قد وقع تأمينه بعد. وقد عبر عقبة عن ذلك: أخاف أن يطرقها قائد القسطنطينية بغتة، فيملكها. «في المقابل تأسست المدينة على مسافة من الجبال من الناحية الغربية تَجنُّبًا لهجوم مباغت من البربر والبيزنطيين من جهة الغرب. واختار لها موضعا قريبا من السبخة. قال عقبة: قربوها من السبخة فإني أرى أكثر دوابكم الإبل وهي التي تحمل أثقالكم. وما يدل على نيّة العرب في الاستيطان بالمنطقة وعدم الاكتفاء بالسبي والغنائم مثلما حصل سابقا، ما عبّر عنه عقبة بقوله: «فإذا فرغنا منها –القيروان- لم يكن لنا بد من الغزو والجهاد، حتى يفتح الله لنا الأول فالأول وتكون إبلنا آمنة على باب مصرنا في مراعيها آمنة من عاديات البربر والنصارى».كما أن اختيار الاسم يُحيل على سجل عسكري،القيروان تعني محط رحال القوافل، وهي كلمة فارسية مُعرّبة[ كروان]، لكنها تدل  أيضا على معسكر الجيش وعلى الجيش نفسه.

خلال هذه الحملة التي استغرقت خمس سنوات من 670م إلى 674 م حقق عقبة انتصارات على البربر والبيزنطيين وبرهن على حدّة وشدّة في التعامل مع أعدائه بشهادة المصادر الإسلامية. ونقتطف منها بعض ما كان يمارس هذا القائد ضد البربر. يورد ابن عبد الحكم بهذا الخصوص ما يلي: قصته مع أهل ودّان»، واخذ ملكهم فجدع أذنه، فقال: لم فعلت هذا بي، وقد عاهدتني؟ فقال عقبة: فعلت هذا بك أدبا لك، إذا مسست أذنك ذكرته،فلم تحارب العرب.واستخرج منهم ما كان بسر فرضه عليهم ثلاثمائة رأس، وستين رأسا.»

–  مع أهل فزّان: «…وأرسل عقبة خيلا حالت بين ملكهم، وبين موكبه فأمشوه راجلا حتى أتى عقبة وقد لغب، وكان ناعما فجعل يبصق الدم فقال له: لم فعلت هذا بي وقد أتيتك طائعا؟ فقال عقبة: أدبا لك إذا ذكرته لم تحارب العرب، وفرض عليه ثلاثمائة عبد وستين عبدا».

–  مع أهل قصور كوار: «فافتتحها حتى انتهى إلى أقصاها وفيه ملكهم فقطع إصبعه فقال: لم فعلت هذا بي؟ قال أدبا لك إذا نظرت إلى إصبعك لم تحارب العرب، وفرض عليه ثلاثمائة عبد وستين عبدا.»

في55هـ يُعزل عقبة ويُعيّن قائدٌ من الموالي- أبو المهاجر- الذي حقّق نجاحات على الميدان دون اللجوء إلى سياسة عقبة المتشددة القائمة على ضرب معنويات الخصم وردعه عن مواجهة العرب. وقد قضى أبو المهاجر سبع سنوات في المنطقة قبل أن يُعزل ويعود عقبة ثانية. مع العلم أن الوالي الجديد قد قام بإحراق القيروان ونقل المسلمين إلى منطقة تقع على مسافة 4 كلم شرق المدينة (تلّة ذراع التمار).

عودة عقبة إلى إفريقية ومقتله

وفي 681م يعزِل يزيد بن معاوية أبا المهاجر دينار ويُعيِّنُ عقبة من جديد على رأس ولاية إفريقية. فأوثق أبا المهاجر في الحديد وأمر بتخريب مدينته وأعاد الناس إلى القيروان.خلال هذه الفترة سيحقِّق عقبة انتصارات في جهة الغرب داخل عمق بلاد البربر وسيواجه مقاومة منهم ومن البيزنطيين المتحصنين بالمدن. وتشير المصادر الى أنه وصل إلى سواحل المحيط، بينما يستبعد البعض ذلك معتبرا أنه توقف عند نهر الملوية بالمغرب.وفي طريق العودة كمن له كسيلة الذي كان أسلم على يد أبي المهاجر ولكن عقبة أهانه، [قصة أمره بذبح الغنم للجيش] كما أهان أبا المهاجر. ورغم تحذيرات هذا الأخير لعقبة، إلا أنّه استهان بشأن كسيلة الذي تمكّن من الفرار وتعبئة قومه، وانتظر رجوع عقبة الذي عاد مزهُوًّا بنصره؛ ولا ندري ما الذي دفعه إلى إرسال جيشه والبقاء في قِلّة من جنوده وراء الجيش، ممّا سهّل على كسيلة مهمته. وقد قُتل عقبة وأُبيد من معه بعد مقاومة بطولية سنة 682م. وكان لهذه الصدمة أثر كبير على العرب الذين انسحب جيشهم بعد استرجاع البربر المجال المفتوح. ومن نتائج مقتل عقبة تعطل حركة الفتوح وسيطرة كسيلة على القيروان الذي أمّن من بها من المسلمين ولم يتعرض لهم بسوء خاصة أنهم كانوا من المدنيين.

وقد تمكن عقبة من أسر80 ألف عبد خلال حملاته على شمال إفريقيا.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING