الشارع المغاربي – استقالة الجلاصي... بداية نهاية النهضة ؟ / بقلم خالد عبيد

استقالة الجلاصي… بداية نهاية النهضة ؟ / بقلم خالد عبيد

قسم الأخبار

10 مارس، 2020

الشارع المغاربي: تفاجأت بعض الأوساط باستقالة عبد الحميد الجلاصي من حركة النهضة وعدّها البعض الآخر استقالة من الحجم الثقيل وتكهّن آخرون بقرب تصدّع الحركة على غرار نداء تونس، لكن هل كان ثمّة خيار آخر للجلاصي غير هذه “الاستقالة المدوّية”؟ وقبله ماذا فعل حمادي الجبالي ورياض الشعيبي وزبير الشهودي وزياد العذاري..سوى الاستقالة التامّة أو من المهامّ ؟ وبالتأكيد، سَتتْلو في قادم الأيّام استقالات أخرى إذا تواصلت “الدار” على ما هي عليه.

لكن، هل هي بداية النهاية لحركة النهضة ؟ لا أعتقد ذلك بالمرّة! صحيحٌ أنّ نهاية هذه الحركة حتمية، لكن ليس بسبب استقالات هذا أو ذاك التي قد تدفع، وعلى عكس ما يأمل البعض، إلى مزيد رصّ الصفوف حول “الرمز المؤسّس” ! ما يحدث داخل النهضة هو مجرّد صراع بين “آخر سُلالة المُوهِيكَانْز” المؤسّسين للحركة وبين أجيال ما بعد التأسيس، لن يُحسم إلاّ إذا قرّر “الرمز” التخلّي أو طرأ طارئ منعه من القيادة. أمّا أن “ينهزم” أمام هؤلاء أو تتركه “بطانيته” ينهزم، فهذا مستحيل !

إنّه صراع “التموْقع” حتى وإن فُنّد، بين “الأب المؤسّس” الذي يريد أن يمسك بكلّ مقاليد الحركة بيده حتى وإن بدا عليه الوَهَن واعْترَاه المرض، وبين “أبناء ما بعد التأسيس” الذين يقدّرون أنّه حان الوقت كي يتولّوا الزمام، لأنّهم الأقدر على الدفّة، والأجدر بالنظر إلى “تضحياتهم” و”نضالاتهم” منذ عقود خلت، وعليه، لن يسمحوا بـ”المتزلّفين” على أعتاب “الأب” أن يحشروه في زاويتهم، وإنْ أوْهموه بأنّه هو حَجَر الزاوية !

بدا التجاذب مريرًا ولا يبْرز منه للعلن إلاّ ما انفلت من عقَال الكِتْمان، لكن، سرعان ما يرجع العقَال إلى جُحْره في انتظار فَلَتَانٍ، كان هذه المرّة أقوى، لِتَتَالِيه في ظرف وجيز بدْءًا بالعذاري ونهايةً، لن تكون الأخيرة، بالجلاصي. لكن، هل هذا “التملْمل” هو تعبير عن مراجعة حقيقية تَطال مرْجعية الحركة ذاتها منذ التأسيس إلى الآن؟ أم هي مراجعة سلوك “أب مؤسّس” عُدّ مُتهوّرًا – حتى لا نقول شيئا آخر- أدّى إلى ما أدّى بالحركة وشبابها في أَتون “محْرَقة” التسعينات من القرن الماضي، وتواصل حتى ما بعد 2011 بل تعمّق أكثر اغْتباطا بنشْوة “التمْكِين”؟

اعتقادنا أنّ مؤدى هذا “التملْمل” مراجعة السلوك، وليس التشكيك في حيثيات التأسيس، لذا لن تكون هذه الاستقالة كما سابقاتها ولاحقاتها هي “القاصِمَة” لِظهْر الحرَكَة، وإن كانت تعبيرا جليّا عن زيْف الدعاية النهضوية بخصوص “الديمقراطية” و”الشورى” في مجلسها..

الواضح أيضا، أنّ الجلاصي بدأ يتلمّس حقيقة وُجود “مأزق” هويّاتي يهمّ ماهية الحركة التي انتسب إليها منذ 40 سنة خلت حدّده في ممارسات “الزعيم” الذي “جثم” 50 سنة على الحركة، وكأنّه ينازعها صفة من صفات الله سبحانه وتعالى، لذا بدأ ينْقُب في غَيَاهِب التاريخ لعلّه يفهم ما الذي يحدث في حركته، فانتبه إلى مؤتمر 1974 وتأبيد “الزعيم” مدى الحياة وما انجرّ عن ذلك من انعكاسات كارثية على حزب الدستور وعلى تونس، وهنا أطلق صيحة الفزع، لأنّه هَالَه ما ينتظر حركته من زَوَالٍ إنْ واصلت على نفس المِنْوال.

لكن، هل انتبه الجلاصي في “انتفاضته”، وهو الذي ينبش في غَياهب التاريخ،الى أنّ مأزق الحركة الحقيقي يكمن في هذا “الخلْط التاريخي” أو “سُوء الفهم التاريخي” الذي وقع فيه “الأب المؤسّس” وبنى عليه كلّ بُنْيَانِه وأدبيات الحركة إلى الآن ؟ مأزق الادّعاء “جهْلا” أنّ دولة الاستقلال وزعاماتها حاربت الإسلام وعملت على محْوه من المجتمع التونسي..الخ ؟

اعتقادُنا أنّ الجلاصي في فَوْرة “انتفاضته”، إنْ تمكّن من الانتباه إلى هذا “الخلط”، فإنّه سيخرج حتما من أوْهَام السِيزِيفِيَة إلى يقظة “انْبعَاث” الخلاص من أدْرَان “سوء الفهم” ومن المؤكّد أنّ الجلاصي ذو التكوين العلمي يدرك مسبقا أنّه، إذا كانت الانطلاقة خاطئة فستكون النتيجة حتما خاطئة، حتى وإن استوفت كلّ المراحل حقها في الشرح.

لكن، هل انتبه فعلا الجلاصي إلى ذلك؟ هل راجع فعلا الجلاصي قناعاته الحركية المتأثرة بالأدبيات الإخوانية خاصّة “القُطْبِية” منها؟ لا نعتقد ذلك تماما، فقد بانَ مَهْوُوسًا بـ”المناصحة” و”السرّية” حتى في بعض تجلّياتها “التَقِيِّيَة”.

في انتظار أن تكون لديه الشجاعة الأدبية، وهي لا تُعْوزه، تبقى هذه الاستقالة غير ذات معنى، إذ لا فرق بينها وبين صخب شقوق النداء إلاّ في الضجيج الذي أقضّ مضاجع التونسيين لسنوات إلى أن انتهى بانتهاء مُفْتَعِلِيه من مُراهقي السياسة والحكم.

لكن إن غاص الجلاصي في العمق، سيكتشف في الأثناء المعنى الحقيقي لكلمة “التَتَوْنَس” الفعلي وليس الظاهري، و”التراكم التاريخي” ومواصلة البناء وليس هدمه من أجل تأسيس بنيان سيكون واهيًا حتما، ولاعْتمد “المصالحة ” وتجنّب استعمال “المناصحة”…

صدر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في العدد الصادر بتاريخ 10 مارس 2020


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING