الشارع المغاربي – لماذا تُصر وزارة المالية على تشتيت المنظومة الجبائية ؟

لماذا تُصر وزارة المالية على تشتيت المنظومة الجبائية ؟

قسم الأخبار

22 يوليو، 2020

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي:  اعلن يوم امس الثلاثاء 21 جويلية 2020 وزير المالية نزار يعيش عن اعتزام الوزارة اقرار جملة من الاجراءات لتحسين اداء النظام الجبائي في سياق مبهم اذ لا يعلم بشكل عملي مآلها سيما في اطار تنفيذها الفعلي بحكم تزامن الافصاح عن فحواها من قبل عضو حكومة مغادر وفي اطار فوضى اقتصادية عارمة تشهدها البلاد.
وتمحور اجراءات الوزير عموما في إلغاء العمل بالنظام التقديري ورقمنة شهائد الخصم من المورد ودعم المراقبة الاقتصادية واعادة النظر في مناهج المراجعة الجبائية وتطوير نظام المعلومات الخاص بالديوانة.
غير ان ما صرح به يعيش يشكل اجراءات عديدة ومختلفة تاتي في الواقع في مسار جد بعيد عن اي منحى اصلاحي متناسق وشامل مما يكرس مزيد تشتيت النصوص الجبائية ويُعقد التعامل معها في اتجاه متضارب بالكامل مع روح الاصلاح الجبائي المنتظر من قبل الفاعلين الاقتصاديين والقائم على التبسيط والعدل والانصاف وضمان حقوق المطالب بالضريبة عند التنازع مع الادارة.
وكان من المرتقب وفق تقرير ميزانية الدولة للسنة الحالية في صيغته المحينة ان تشرع سلط الاشراف في اواخر مارس 2020 في تجسيم اهم ملامح مشروع اصلاح المنظومة الجبائية الذي جرى تقديم ابرز ملامحه في نوفمبر 2014 في انتظار الشروع في تجسيمه، كمشروع وطني يندرج ضمن اطار سياسة اقتصادية واجتماعية اصلاحية شاملة تنسجم مع توجهات الدستور التونسي الجديد الذي ينص في فصله العاشر على ان “اداء الضريبة وتحمل التكاليف العامة واجب وفق نظام عادل ومنصف” بحيث تضع الدولة الاليات الكفيلة بضمان استخلاص الضريبة ومقاومة التهرب والغش الجبائيين. وهو بالتالي من اوكد اولويات المرحلة الراهنة بالخصوص لما تتسم به من تحديات تتعلق اساسا بتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص لكافة المواطنين.
وبذلك تقرر اطلاق مشروع اصلاح المنظومة الجبائية بهدف وضع نظام جبائي مبسط وعادل ذي نجاعة ومردودية عالية مع تطوير الادارة لتصبح عصرية وشفافة. وقد اعتمد في ذلك منهج تشاركي يرتكز على التشاور والتشارك بين الادارة ومختلف المتدخلين في الميدان والاطراف الاجتماعية من منظمات وطنية وخبراء وجامعيين ومكونات المجتمع المدني طوال سنة كاملة لكي تتاح الفرصة للجميع لابداء الراي وتقديم المقترحات.
وجرى انجاز مشروع اصلاح النظام الجبائي التونسي تحت اشراف وزارة المالية على اساس تقارير تحليلية اعدتها مصالح الوزارة ومنظمات وطنية ودولية ومكتب استشارة دولي متخصص حول النظام الجبائي واعتمادا على نتائج اشغال فرق العمل الفرعية المكلفة من قبل وزارة المالية لاعداد مشروع اصلاح النظام الجبائي، حددت عدة اهداف كخطوط رئيسية لعملية الاصلاح الجبائي ابرزها تبسيط النظام الجبائي وتحقيق العدالة الجبائية وتشجيع الجباية المحلية الى جانب تعصير الادارة ودعم حيادها مع  ضمان نجاعة عملها في التصدي للتهرب الجبائي ودعم شفافية المعاملات المالية.
وقد نشطت اكثر من 200 ورشة عمل قصد تشخيص النظام الجبائي التونسي واعداد مشروع الاصلاح الجبائي ليتم تقديم تقرير تأليفي لاعمال اللجان ومناقشته في اطار ندوة مفتوحة تم عقدها ايام 28 و 29 نوفمبر 2013.
يذكر ان النظام الجبائي التونسي كان وفي العديد من المراحل التاريخية السبب الأوّل والرئيسي لاندلاع التحركات الاجتماعية في البلاد. وفيما تمّ تكريس مبدأ الإنصاف الجبائي لأوّل مرّة في عهد الأمان في سنة 1857، تم تضمينه في الدستور الأوّل للبلاد التونسية في سنة 1861. وفي الاتجاه نفسه، ذهب دستور 1 جوان 1959 في الفصل السادس عشر منه، ثمّ دستور 27 جانفي 2014 الذي جاء ليعيد التذكير بهذا المبدأ في الفصل العاشر منه.
ورغم أنّ مفهوم الإنصاف الضريبي حظي بتكريس دستوري منذ قيام الدولة التونسية، فإنّ التشريع الجبائي التونسي ما يزال مشوبا بعدم توازن جبائي وبالتشعب لوجود ثلاثة انظمة وخمس مجلات و 11 عشر منظومة توظيف الى جانب مشكل ضعف ضمان حقوق المطالب بدفع الضريبة عند التنازع مع الادارة ووجود اربعة الاف نص جبائي منها الفي مذكرة مشتركة.
غير انه ومن أبرز اشكاليات النظام الجبائي الحالي، أنه يتعامل مع الأداءات كلا على حدة. فاستثناء الضريبة على الدخل حيث يتم اعتماد مبدأ الضريبة التدريجية (أو التصاعدية)، وهي ضريبة توظف نسبا ترتفع تدريجيا حسب ارتفاع المداخيل، تبقى سائر الضرائب نسبية أو ثابتة تشمل دافعي الضرائب مهما كانت قدرتهم على المساهمة في النفقات العمومية.
ومن هنا، توظف الضريبة على ارباح المؤسسات ونسبتها 25% على أغلب الشركات، مهما كان قدر المرابيح أو رقم المعاملات. ومن المهم التاكيد في هذا الاطار على ان تخفيض نسبة الضريبة على المرابيح من 25 إلى 20% حسبما جاء في مشروع الإصلاح الجبائي، امر يشكل مجازفة ان لم يجري تجسيمها باحكام باعتبار امكانية تسببه في تقليص الموارد ونقل العبء الجبائي من الشركات إلى الأشخاص الطبيعيين.
كما ان ارتفاع القيمة المضافة إلى 19% منذ سنتين قد ساهم في نقص القدرة الاستهلاكية لثقل الضغط الجبائي (35% اجمالا باحتساب عبء الجباية المحلية والاداءات الاجتماعية). ويبقى التهرب الجبائي معضلة أخرى تخلّ بالإنصاف الجبائي. فارقام البنك الدولي تشير إلى أن 40 % من اقتصاد تونس هو اقتصاد غير مهيكل او قائم على التهريب مما يجعل من اقرار مبدأ العدل والمساواة أمام القانون الجبائي وأمام القدرة التنافسية مسالة في غاية التعقيد. كما  أن 400 الف من دافعي الضرائب ينضوون تحت النظام التقديري فيما تنتفي عن الغالبية منهم شروط التمتع بهذا النظام.
يشار إلى أن التهرب الجبائي الذي ينتشر أيضا في أوساط الشركات وبين أصحاب المهن الحرة بنسب تصل حسب دراسة لمجمع الاقتصاديين التونسيين صدرت سنة 2016، تتسبب في تفاقمه الهياكل جبائية المقسمة دون تنسيق تقني محدد المعالم فنيا أي على مستوى قواعد البيانات ومعالجتها بين اربعة ادارات عامة وهي المكلفة بالتمويل و المحاسبة العمومية والاستخلاص والمساهمات والاداءات يضاف الى ذلك ضعف الموارد البشرية الذي تشهده وفقدانها لآليات الرقابة الناجعة.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING