الشارع المغاربي – تقرير : من المستفيد من عطش التونسيين ؟

تقرير : من المستفيد من عطش التونسيين ؟

قسم الأخبار

28 يوليو، 2020

الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: “بشر” يوم أمس الاثنين 27 جويلية 2020 الرئيس المدير العام للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (الصوناد)، مصباح الهلالي، التونسيين بخبر اعتادوا عليه، منذ مدة مفاده أن تزامن عيد الأضحى في السنوات الأخيرة مع الذروة الصيفية لاستهلاك المياه، ومع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الطلب على المياه، سيجعل الذروة متضاعفة، وان ذلك سيطرح صعوبات على مستوى التزود بالمياه بالمناطق ذات الانخرام في التوازنات المائية بين العرض والطلب، وحتى بالمناطق الأخرى التي بها توازن بين العرض والطلب مما يعني أن المسؤول يعد نفسيا التونسيين لإمكانية انقطاع الماء الصالح للشرب في طقس يتسم بحرارة قياسية وفي أيام العيد التي يكون فيها المواطن في امس الحاجة للماء.

ولكي تكتسب البشرى كل معانيها، فقد اختار مصباح الهلالي مدنين لكي “يزف” منها الخبر السعيد للمواطنين سيما أن المنطقة منكوبة مائيا وتنمويا حيث أشار لدى وجوده ضمن وفد رافق وزير الفلاحة في زيارة إلى المنطقة، إلى استعدادات كبيرة قامت بها “الصوناد”، ومنها إضافة بعض الموارد المائية قدر الإمكان رغم استنزافها، وخاصة بالجنوب الشرقي، مع القيام بعدد من التدخلات بالمتاح من الإمكانات، داعيا المواطنين إلى ترشيد الاستهلاك واحترام عدة إجراءات، موضحا أن الشركة ستصدر بلاغا توضيحيا يوم 31 جويلية لحث المواطنين على ترشيد الاستهلاك وتأجيل بعض الاستعمالات يوم العيد. ويصعب إلى حد بعيد التعليق على هذا الموقف السريالي في فترة قيظ ومعيشة مضنية لم يشهدها التونسيون منذ عقود.

المنشآت المائية تعود إلى أكثر من قرنودعوات دولية لتحسين جودة المياه

تفاقمت أزمة المياه خلال السنوات الأخيرة في تونس حيث أصبحت تصنف ضمن البلدان التي تقع تحت خط الفقر المائي أو ما يسمّى بالإجهاد المائي الذي يقدر بحوالي 500 متر مكعب .فحسب آخر الإحصائيات لسنة 2018، تناهز حصة الفرد الواحد من الماء في السنة بنحو 360 مترا مكعبا. ويعود هذا الوضع بالأساس استنادا إلى العديد من التقييمات الفنية إلى هشاشة المنظومة المائية التي تعاني منها البلاد وتدني جودة المياه ونوعيتها.

وبالرجوع إلى التقييمات والدراسات فان الأسباب المؤدية إلى هشاشة المنظومة المائية في تونس عديدة وتعود خصوصا إلى شح الموارد المائية وسوء استعمال المياه وإلى الحالات المتردية للمنشآت المائية وإلى غياب نص قانوني منظم لقطاع المياه في تونس.

فشح هذه الموارد ناتج عن عدم استقرار كميات الأمطار التي تلعب دورا في تجديد الموائد المائية السطحية منها والجوفيّة التي تمثل موارد مائية متجددة. ومع تغير المناخ ازداد تراجع نسبة الموارد المائية وتفاقمت الكوارث الطبيعية (الجفاف والفيضانات) المؤدية إلى ندرة المياه. أما العامل الثاني حسب المتخصصين والمتسبب في هشاشة الموارد المائية فيتمثل في سوء استعمال المياه كالتبذير بسبب غياب وعي المواطن بقيمة الثروة المائيّة وكذلك إلى سياسات الدولة التي تمنح قطاع الفلاحة 80 % من الموارد المائية بالرغم من ضعف عائداته على الاقتصاد. كما يظهر تردّي هذه السياسات في تقصير الهياكل المعنية في ما يتعلق بصيانة وتجديدا المنشآت المائية التي يعود أغلب تاريخ إنشائها إلى أوائل القرن الماضي.

مجلة “الأطماع” المائية 

إضافة إلى الأسباب سالفة الذكر فانّ غياب نص قانوني منظم لقطاع المياه في تونس يتماشى مع الوضع الحالي للمياه ( القانون عدد 16 لسنة 1975 المتعلّق بإصدار مجلة المياه ) يعد من أبرز أسباب تفاقم مشكل المياه في تونس. فبالرغم من أن مجلة 75 كانت مجلة تقدمية آنذاك وقامت كل من المغرب والجزائر باعتمادها لتنظيم قطاع المياه في كلتا البلدين، فأنه في بداية الألفيات ومع تغير الوضع العالمي قامت الجزائر والمغرب بإعادة صياغة النص القانوني المنظم لقطاع المياه في حين أبقت تونس على نفس المجلة واكتفت بتنقيحها.

بعد مجلة المياه لسنة 1975 والتنقيحات التي أجريت عليها، تعيش البلاد اليوم تحت وقع إصدار مجلة مياه جديدة والتي أثار مقترحها الذي تداولته المقالات الصحفية جدلا وسعا بين التأييد والرفض وغصت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعاليق.

وقال تقرير للبنك الدولي صدر آخر أوت 2019 انه من المؤكد معالجة نقص إمدادات المياه النظيفة بحكم أن الأمر يحد من النمو الاقتصادي بمقدار الثلث،  ودعا في هذا الإطار إلى إبلاء اهتمام فوري لهذا التحدي.

وفي معرض تعقيبه على التقرير، بين رئيس مجموعة البنك الدولي “ديفيد مالباس” أن مياه الشرب النظيفة عامل أساسي في النمو الاقتصادي. ويؤدي تدهور جودة المياه إلى وقف النمو الاقتصادي، وتفاقم الأوضاع الصحية، وتراجع إنتاج الأغذية، وتفاقم أوضاع الفقر. ويجب بالتالي اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتلوث المياه حتى يتسنَّى تحقيق معدلات نمو أسرع على نحو منصف ومستدام من الناحية البيئية.

هذا وأمضت في شهر ماي 2019 وزارة الفلاحة مع الاتحاد العام التونسي للشغل اتفاقية توافق حول مشروع المجلة الجديدة للمياه، مع الإشارة إلى أن الدولة لا تشمل قطاع المياه ببرامج وطنیة كافية منذ مدة طويلة واستثمارات ملائمة لتعبئة الموارد المائیة المتاحة، وتأمين میاه الشرب للمواطنين واستحداث المناطق السقویة، وترشيد الاقتصاد في الماء، وبعد ان كانت الجهود منقوصة طيلة سنوات أصبحت حاليا منعدمة أو تكاد.

ويبرز العديد من المتخصصين في الملف المائي بتونس أن مشروع مجلة المياه الجديد يقوم على مقاربات، تقبل النقد على أكثر من صعيد، إذ هي ترتكز أساسا حول ملكية الدولة المطلقة للمياه وعلى ندرة المياه بالبلاد التونسية – وهو راجع وفق تقييماتهم إلى سوء التصرف وليس إلى الشح المائي الهيكلي في البلاد – وإدارة المسالة بالاعتماد المكثف على الرخص واللزمات وعقود الامتياز.

كما يوضح الخبراء أن المجلة تتضارب مع دستور 2014 الذي يفيد فصله الرابع والأربعين بأن الحق في الماء مضمون في حين أن الفصل الثاني من مشروع مجلة المياه يشير إلى أن الماء الصالح للشراب ضروري للحياة والى أن السلطة المختصة تعمل على جعله متاحا.

في جانب آخر، قام المرصد التونسي للاقتصاد بنشر تقرير بعنوان “سياسة المياه : هل ستستجيب مجلة المياه الجديدة لأزمة المياه في تونس؟” وذلك في سياق تقييمه لمجلة المياه الجديدة بعد أن نظر فيها مجلس وزاري مخصص للغرض. وأوصى التقرير بأن تنص مجلة المياه بوضوح على أن الخدمات المتعلقة بالمياه لا ينبغي أن تخضع للشراكة بين القطاعين العام والخاص وعلى أن المياه يجب أن تعتبر مصلحة عامة وليس خدمة أو سلعة.

واعتبر المرصد أنّ الشراكة بين القطاعين العام والخاص بعيدة كل البعد عن أن تكون شراكة مثالية وانه يمكن أن تنطوي على عدد من الأخطار والأهم من ذلك أنّ التزود بالماء مصلحة عامة حساسة.

ووفقًا للمرصد التونسي للاقتصاد يتم تقديم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في أغلب الأحيان كحل لديون الدولة وطريقة فعالة لتطوير البنية التحتية، في حين أنّ الخبراء يعتبرونها ديونا خفية. ويضيف المرصد أن الدين مؤجل في الواقع على المدى المتوسط والطويل، مما يجعل منه عبئا على الميزانية وعلى الأجيال المقبلة.

والأسوأ من ذلك، حسب المرصد، أن تزيد الشراكة بين القطاعين العام والخاص من ديون الديوان الوطني للتطهير والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه. أما في حالة تحلية المياه، فيمكن أن تكون الفاتورة باهظة جدًا بالنسبة للمواطن ولكن خاصة بالنسبة للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه نظرًا لأن سعر الماء الذي يدفعه المواطن أعلى بكثير من تكاليف تشغيل محطات تحلية المياه. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون التفاوض على العقود معقدًا بالنسبة للشريك العمومي إذ ستتم إعادة التفاوض على 55% من الشراكات بين القطاعين العام والخاص، كل عامين تقريبًا، مع تفضيل القطاع الخاص في أغلب الحالات.

ويشير المرصد إلى أن العلاقة بين القطاعين العام والخاص تصبح غير متوازنة للغاية لصالح المشغلين من القطاع الخاص، لا سيما في مواجهة الجماعات المحلية التي تفتقر إلى الخبرة والتي ليس لديها إمكانيات للجوء إلى المحامين والاقتصاديين المتخصصين في هذا النوع من الترتيبات التعاقدية المعقدة.

https://openknowledge.worldbank.org/bitstream/handle/10986/32245/9781464814594.pdf?sequence=3&isAllowed=y

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING