الشارع المغاربي – من أجل مشروع وطني جامع لإنقاذ تونس من المخاطر الداخلية والخارجية / بقلم: أحمد بن مصطفى(*)

من أجل مشروع وطني جامع لإنقاذ تونس من المخاطر الداخلية والخارجية / بقلم: أحمد بن مصطفى(*)

قسم الأخبار

6 أغسطس، 2020

الشارع المغاربي: قرار رئيس الجمهورية قيس سعيد بتكليف وزير الداخلية هشام المشيشي بتكوين الحكومة الجديدة، يمكن ان يشكل مرحلة مفصلية جديدة في تاريخ تونس المعاصر، إذا ترافق بمراجعة جذرية للسياسات الداخلية والخيارات الاقتصادية والدبلوماسية للنظام السابق التي تمسكت بها الطبقة السياسية الحاكمة طيلة العقد الماضي للظفر بالسلطة او الاستمرار فيها بالاعتماد على دعم الأطراف الخارجية وشركائها المحليين من ذوي المصلحة في تواصل هذه التوجهات.
هذا الوضع المتواصل منذ اندلاع الثورة جعل تونس رهينة دكتاتورية الأحزاب التابعة للخارج وغير المعنية بأوضاع التونسيين ومصيرهم، وهو مصدر الخيبات والانتكاسات والانهيارات الاقتصادية المتتالية التي حولت أحلام الشعب التونسي الى كابوس مظلم في مناخ إقليمي ودولي متفجر حافل بالاختراقات الخارجية للفضاء المغاربي المتوسطي، مما حوله الى ساحة دائمة للصراع على النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية التي لم تعد تخفي اطماعها ونواياها التوسعية على حساب شعوب المنطقة.
مجموعة السبع والمجموعة الأوروبية التي تموقعت كفاعل أساسي لاحتواء الثورة التونسية والانتفاضات العربية بما يحافظ على مصالحها واحتكارها مناطق النفوذ بالضفة الجنوبية للمتوسط، تواجه اليوم الطموحات التركية المتصاعدة التي جعلت من التدخل في الصراع الليبي، منطلقا لإحياء امجاد الإمبراطورية العثمانية الغابرة في غرب المتوسط.
التدهور الكبير في الأوضاع السياسية والأمنية على الحدود التونسية الليبية بفعل إقامة القواعد التركية القارة ونقل اعداد كبيرة من المقاتلين والمرتزقة الأجانب للقتال الى جانب حكومة السراج، يشكل بلا شك أحد مصادر التهديد الكبرى المحدقة بتونس في ظرفية بالغة الدقة تمر بها المنطقة.
رئيس الجمهورية ما انفك منذ مدة يحذر من المخاطر الداخلية والخارجية المحدقة بتونس وبالدولة الوطنية التونسية بفعل محاولات تفجير مؤسساتها وشلها من الداخل، مشيرا في أكثر من مناسبة، الى ان الأوضاع الراهنة هي بلا منازع الأكثر خطورة قي تاريخ البلاد. كما ارتفعت وتيرة التحذيرات الموجهة من الرئيس الى من وصفهم بالمتآمرين على الشرعية والمعطلين لدواليب الدولة، مشيرا الى انه يمتلك من الصلاحيات الدستورية ما يمكنه من افشال مؤامراتهم واجهاض مخططاتهم.
لا شك ان المقصود من تحذيرات رئيس الجمهورية هي الأطراف المتسببة في حالة الشلل والفوضى السائدة بالبرلمان الى جانب اعمال التخريب المتعمدة لوسائل الإنتاج ومحاولات تعجيز الدولة بقطع مواردها فضلا عن افتعال صدامات دموية بين الجيش الوطني والحراك الشعبي في المناطق الملتهبة جراء الانهيار المالي والاقتصادي والتدهور الحاد غير المسبوق للظروف المعيشية لغالبية التونسيين.
ويبدو ان ما يتردد عن توجه رئيس الحكومة الجديد لتكوين حكومة كفاءات من خارج الأحزاب، يندرج في سياق مواجهة هذه المناورات وتأكيد عزم الدولة على استعادة هيبتها ومصداقيتها المتضررة وقدرتها على التعاطي بفاعلية ونجاعة مع المخاطر التي تستهدفها مهما كان مأتاها.
غير ان التحدي الأكبر الذي سيواجه الرئاسة والحكومة القادمة يتمثل في مدى قدرتهما على مواجهة الاخطار الأمنية والاقتصادية والمالية الناجمة عن التدخلات الخارجية في محيطنا الأمني وفي شؤوننا الداخلية فضلا عن خضوع الحكومات المتعاقبة للاتفاقيات التجارية غير المتكافئة مع الاتحاد الأوروبي وللقروض المشروطة غير العادلة لصندوق النقد الولي وللمؤسسات المالية الدولية المندرجة في اطار سياسة التداين المفرط. وما ترتب عنها من فقدان الدولة توازناتها المالية وقرارها السيادي في رسم سياساتها وفي تحديد خياراتها الاستراتيجية بما يخدم مصالح الشعب التونسي.
يبقى ان نشير الى ان الأوضاع بتونس لم تكن لتصل الى هذا القدر من التدهور والانهيار لو لا تخلي الرئاسات المتعاقبة عن تحمل مسؤولياتها في تصويب هذه السياسات والحيلولة دون انحرافها على هذا النحو سيما ان ذلك يندرج في صميم الصلاحيات الرئاسية في مجال السياسة الخارجية والأمنية المرتبطة بالحفاظ على كيان الدولة واستقلال تونس وسيادتها.
وفي هذا الصدد يمكن لرئيس الجمهورية بموجب صلاحياته الدستورية في مجال السياسة الخارجية والحفاظ على الامن القومي بمفهومه الشامل الاقتصادي والمالي – وكذلك بموجب الفصلين 72 و80 المتعلقين بضمان تطبيق الدستور ومواجهة الاخطار الداهمة المحدقة بالبلاد – ان يوجه الحكومة القادمة لإعداد مشروع وطني شامل مستوحى من البنود الاقتصادية والاجتماعية والسيادية لدستور 2014 التي تم تجميدها مقابل المضي في السياسات التي تغلب المصالح الأجنبية على المصلحة الوطنية التونسية.
كما يجدر بالحكومة القادمة ان تعطي الأولوية المطلقة لتفعيل الدستور في جوانبه المتعلقة ببناء دولة القانون والمؤسسات والتسريع تباعا ببعث المحكمة الدستورية وبقية المؤسسات التي تسبب تعطيلها في انحراف الانتقال الديمقراطي عن مساره الصحيح وفتح المجال للقوى والمصالح الأجنبية للتأثير في المشهد السياسي والانتخابي وحتى مصادرة القرار الوطني والسيادة التشريعية الوطنية وفقا لأهوائها واجنداتها.
وفي هذا الصدد لا بد من مراجعة قانون الجمعيات والقانون الانتخابي وغيره من التشريعات الفاسدة التي لوثت الحياة السياسية بتونس وجعلتها مرتعا للاختراقات الخارجية ورهينة للأطراف التونسية التي باعت ضميرها وربطت مصيرها ومستقبلها بالمصالح الأجنبية.
اما المحور الأساسي الدستوري الثالث الذي يجدر بالحكومة القادمة العمل على تفعيله، فيتصل بالبنود السيادية المتعلقة باستعادة تونس قرارها السيادي في رسم سياساتها وفقا لمصالحها ومراجعة القوانين والاتفاقيات الدولية بما يمكنها من التحكم في ثرواتها الوطنية وحسن التصرف في الموارد المالية للدولة لتوظيفها لصالح الفئات والمناطق المحرومة والمهمشة بما ينسجم مع مبدا التمييز الإيجابي الوارد بالدستور.
خلاصة القول ان تونس والرئاسات الثلاث تمتلك بموجب الدستور الحالي رغم هناته، ما يكفي من الصلاحيات للاتفاق على برنامج وطني جامع للتونسيين حول اهداف وتوجهات استراتيجية واضحة، وهو التمشي الكفيل وحده بان يشكل خارطة طريق حقيقية للخروج من الازمة وانقاذ البلاد من المخاطر الداخلية والخارجية الجمة المحدقة بها.
ما كان يعطل هذا المسار هو التناحر المحموم على السلطة وغياب الإرادة السياسية الفعلية لخدمة مصالح تونس وشعبها فضلا عن عدم التعامل بحزم وجدية مع الأطراف الخارجية الساعية لاستمرار هيمنتها على بلادنا ومواصلة تحكمها في مقدراتها وقرارها السيادي ومستقبلها.
نُشرت بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الالكتروني الصادر بتاريخ 28 جويلية 2020

* احمد بن مصطفى باحث في القضايا الدبلوماسية والاستراتيجية

 
 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING