الشارع المغاربي – انسحاب أحمد شفطر: فصل جديد من حرب الشقوق داخل القصر

انسحاب أحمد شفطر: فصل جديد من حرب الشقوق داخل القصر

قسم الأخبار

16 يونيو، 2022

الشارع المغاربي-كوثر زنطور:تتضارب الروايات حول حقيقة انسحاب ” المفسّر” احمد شفطر مما يسمى بـ” دوائر التفكير” المحيطة برئيس الجمهورية قيس سعيد وتتقاطع المعطيات في المقابل حول  تعفّن الاجواء داخل ” الشقوق” وتحول المنافسة على التموقع في اعلى هرم للسطة الى صراعات محمومة تدار بأقذر الوسائل .

اعلن احمد شفطر الذي يقدّم نفسه كأحد ” المتطوعين” في حملة قيس سعيد التفسيرية عن انسحابه من ” الدور الذي كان يلعبه”. الاعلان جاء في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بموقع “فايسبوك” قبل ان يحذف حسابه وينسحب ايضا من هذا الفضاء الازرق . تدوينة اثارت الانتباه بالنظر الى ان شفطر كان من اهم متصدري المشهد بعد 25 جويلية ويلقّبه خصوم سعيد باستهزاء  بـ” كبير المفسّرين”‘ وبالنظر ايضا لما تضمنت التدوينة من رسائل مشفّرة لا يعرف مقاصدها الا ” جماعة” الرئيس .

هذه الرسائل تُحيل الى الصراعات الدائرة داخل محيط ساكن قصر قرطاج الذي طالته بدوره الانتقادات من اقرب المقربين منه بسبب ” تغاضيه وصمته” الموصوف من البعض بالمستراب على التجاوزات المتعددة وعلى رأسها تدخل العائلة والصفحات الفايسبوكية المشبوهة التي اتجهت سهامها الى “الاصدقاء والمخلصين” بالاضافة الى اعادة سيناريو “نادية عكاشة” وهنا الامر يتعلق بالعميد الصادق بلعيد المتهم بسحب البساط من تحت أقدام “ابناء المشروع” وحتى اهانتهم واقصائهم.

ماذا يحدث ؟

جاء انسحاب شفطر بعد ايام قليلة من تصريح مثير للعميد الصادق بلعيد نقل فيه ما قال انها توضيحات تلقاها من رئيس الجمهورية عند سؤاله عن بعض من يتحدثون باسمه على غرار احمد شفطر.  من بين التوضيحات التي نسبها بلعيد لسعيد نفي اي قرب ولا معرفة بشفطر  اضافة للتأكيد على ان سعيد لم يلتقه الا مرة واحدة في ولاية توزر اقتصرت على ” معاينة الأحصنة” التي يمتلكها شفطر.  رد الاخير على بلعيد سريعا بالتكذيب وبنبرة لا تخفي انتظاره رد اعتبار من ” صديقه” ” الاستاذ الرئيس” مثلما يسميه من خلال استقباله في القصر الرئاسي مثلا.

اثارت اهانة العميد شفطر حفيظة من يعرفون الرجل في الاوساط الناشطة مع سعيّد منذ سنوات. لم يستغرب جلهم ” صمت” سعيّد واستنكروا ” توظيف” ما اعتبروه ” شهادة كاذبة” من بلعيد في حملة فايسبوكية تطال شفطر منذ مدة.  الغريب ان قلة دافعت عن شفطر وعن انتمائه لـ “المشروع” فيما تنكر له البقية ممن يراقبون ربما في غياب فهم واضح للتوازنات الجديدة داخل  الدوائر المؤثّرة والقريبة من الرئيس.

تقول الروايات ان انسحاب شفطر ” لن يطول” وانه سبق له الانسحاب والابتعاد لفترات متقطعة سابقا لا سيما قبل 25 جويلية عندما كان “الجميع” في نفس الخندق اي “مساندين مُجمّدين” بلا أي تأثير . وشفطر يعد من النواة الصلبة للمشروع منذ انطلاق تشكل “مجموعات التفكير” بقيادة رضا شهاب المكي وسنية الشربطي. واكد مصدر قريب من سعيد لـ”الشارع المغاربي” ان علاقة شفطر بقيس سعيد توطدت خاصة بعد وفاة ابن اخته الذي كان ناشطا في “الحملة التفسيرية” منذ بداياتها.

ولم يُعرف شفطر اعلاميا الا بعد 25 جويلية كان خلالها احد اكثر الشخصيات اثارة للجدل في دوره كـ “مفسر” لما يسمى بمشروع البناء القاعدي وبسبب تدويناته التي كانت تنتقد بشراسة خصوم الرئيس الى ان انسحب مكتويا بنيران صديقة استهدفته طيلة اشهر دون ان يجد اي دعم وانضافت اليها الشهادة التي قدمها الصادق بلعيد المهينة لشخصه والتي تعني في غياب تكذيب من قيس سعيد التبرأ منه .

يقول ناشطون في ” تنسيقيات” سعيد ان واجهة ” رجالات سعيد” انهارت بسبب تتالي الاخطاء والتهافت على السلطة وسوء الاداء. ويذهب بعضهم الى ابعد من ذلك بالتاكيد على ان “اغلبهم خسر ثقة الرئيس” الذي ينتظر الفرصة لابعادهم  الواحد تلو الاخر” .  اما عن الاخطاء فتضم  ” بناء تحالفات مع لوبيات نافذة مثلما كان الحال في منظومة الاحزاب” و”خلق  تكتلات داخل اجهزة الدولة بالتعيينات بالموالات” و” الاعداد للانتصاب الخاص” لاسيما مع الحديث عن امكانية عدم تجديد قيس سعيد ترشحه لولاية جديدة وهو امر ألمح إليه استاذ القانون الدستوري امين محفوظ.

مسألة اخرى محل انتقادات حادة موجهة للرئيس من خصومه ويبدو ايضا انها محل تساؤلات في “تنسيقياته” وتتعلق بالصفحات الفايسبوكية التي تقاد صلبها المعارك بين  الشقوق. تحولت هذه الصفحات من قاطرة ساهمت في وصول سعيد الى رئاسة الجمهورية الى “نقمة” يقول انس الحمادي رئيس جمعية القضاة انها كانت سببا في عزل رئيس محكمة الاستئناف بتونس بعد ان توصل الى “الجهات النافذة التي تقف وراءها”. ويقول  ناشطون في تنسيقيات سعيد انها “اضرت ولم تنفع” وانها”  خرجت تماما عن جوهر نشاطها الاول في الحملة الانتخابية بتحولها الى “وسيلة قذرة يصفى بها الاصدقاء والخصوم على حد سواء”. 

صفعة التعيينات

توصف التعيينات الاخيرة في سلك الولاة بـ” بداية استفاقة قيس سعيد” .فحسب مصدر مطلع شكلت التعيينات “صفعة” لمختلف الشقوق التي تضم العائلة بجناحيها (شبيل وسعيد)  والوزراء (توفيق شرف الدين ومالك الزاهي) والناشطون في الحملة (رضا شهاب المكي وسنية الشربطي واحمد شفطر). يفسر المصدر الصفعة باعتبارها” مكنت الشباب المتطوع من موضع قدم في الدولة ” قال انها ” ستسمح لهم بتنفيذ اهم شعار للحملة وهو “الشعب يريد”. فبالنسبة للشباب الداعم لسعيد والذي نشط كمتطوعين في حملته التفسيرية شكّلت التعيينات نهاية مرحلة وبداية اخرى.

الاسباب تتمثل وفق قراءة ” ابناء المشروع” في  ” عدم انجرار سعيد وراء مسار رجالاته الذين فقدوا البوصلة والمتهمين بـ”تفكيك المشروع وافراغه من محتواه القيمي”.  والتعيينات التي وصفها المصدر بـ”الضربة الموجعة” هي بمثابة” المصالحة بين الرئيس ومشروعه الاصلي”. وستكون لها تبعات يقول المصدر انها ستتوضح بعد الانتهاء من استفتاء 25 جويلية ومع البدء في الاعداد لانتخابات 17 ديسمبر 2022 ومن خلال اعادة تشكّل المشهد حول الرئيس بـ” الشباب الذي دعّمه وسانده ” قبل الوصول الى الرئاسة وبعدها .

ما يُتناقل في الاوساط ” المتفائلة” بتعيينات يرون انها اعادة اعتبار لـ” المشروع” وتحرك ضد ” من خانوا اهدافه” يبدو مفهوما ممن جمعتهم بقيس سعيد  ما يسمونه بـ”حلم التغيير” وباتوا اليوم في مواقع ” القرار” وخلقت هذه التعيينات ديناميكية داخل هذه المجموعات التى ترى انها ” صاحبة الفضل” في وصول سعيد للسلطة وأنه في ” حاجة” اليها اليوم  باعتبارها تمثل خزانه الانتخابي  و” جزءا من  ماكينته” وقد يفتح تواصل تجاهلهم مع حالة الغليان التي كانوا عليها الباب امام انقلابهم عليه.

التفاتة سعيد الى الناشطين الميدانيين في “المشروع” وفي مختلف الاحتجاجات التي عرفتها جهاتهم للمطالبة خاصة  بالتنمية والتشغيل  تندرج في سياق حملته الانتخابية وان مثلت نكثا بوعوده التي قطعها بعدم” المكافاة بالمناصب” وبالقطع مع التعيينات بالمحسوبية وبالموالاة وهي ايضا تنصلا ليس بجديد عن قيس سعيد من أخطائه عبر تعليق الفشل على الاخرين. فالرواية المتداولة صلب “التنسيقيات والقواعد الداعمة لسعيد حول خفايا ” انسحاب”  احمد شفطر لا تبدو مقبولة وهي فقط تبييض للرئيس ومحاولة لاكسائه “طهورية” فقدها على الاقل بسبب صمته على الانحرافات العديدة  التي شابت مسار ما بعد 25 جويلية وحتى قبله.

فالترويج الى ان قيس سعيد “غير راض” عما يقوم به كبار المؤثرين في محيطه  رغم علمه بأخطائهم وفشلهم في ادارة ملفاتهم بما جعلهم في المحصلة  انموذجات جديدة  للمنظومة السابقة، قد لا يكون في الاخير سوى  محاولة لاحتواء الغضب داخل التنسيقيات  مع اقتراب المواعيد الانتخابية . اما ” انسحاب” شفطر فهو من جهة الشجرة التي تخفي الغابة مما يحدث داخل محيط الرئيس من مكائد ودسائس ومؤامرات وهتك اعراض وصراعات ومحاولات تصفيات بين “الاخوة الاعداء” وهو على الارجح، من جهة اخرى،  مناورة  للايهام بعدم تمسك سعيد بمشروع البناء القاعدي عبر ابتعاد واجهة اساسية سوقت لهذا المشروع طيلة اشهر.

والمعلوم ان لدى “كاتبي دستور الجمهورية الجديدة ” واساسا الصادق بلعيد وامين محفوظ ومحمد صالح بن عيسى او الواجهة الاكاديمية والعلمية التي اختارها سعيد لتمرير برنامجه  السياسي  موقفا رافضا لـ”البناء القاعدي” وابعاد شفطر واختفاء ” رضا لينين” قد يكون  ضمانة سعيد لـ”عدم تمرير البناء القاعدي”  و” صونا لمصداقيتهم”  امام طيف واسع من المتابعين يشكك في سقوط هذا المشروع من حسابات سعيد وحذروا الثلاثي المذكور من توظيفهم من قبل الرئيس .

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 14 جوان 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING