الشارع المغاربي – اختراق الجهاز السري للنهضة : من الاتجاه الإسلامي إلى التغلغل في الحكم/ إبراهيم بوغانمي

اختراق الجهاز السري للنهضة : من الاتجاه الإسلامي إلى التغلغل في الحكم/ إبراهيم بوغانمي

12 أكتوبر، 2018

الشارع المغاربي : قد نكون مجانبين للواقع إذا قلنا إن الندوة الصحفية الأخيرة التي عقدتها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي هي التي أثارت مسألة وجود جهاز أمني سري مسلح لحركة النهضة من عدمه. فالدقة تفترض منا القول إن تلك الندوة أعادت طرح القضية من جديد التي طُرحت مرات عديدة في السنوات الأخيرة, لكن غياب إرادة سياسية واضحة حال دون الذهاب بعيدا في التحقيق بشأن هذا الجهاز السري, فضلا عن أن النهضة نفسها كانت تقود دفة الحكم بُعيْد الثورة وأحكمت سيطرتها على وزارات السيادة بما فيها وزارة الداخلية التي تضم بين جنباتها “الغرفة السوداء” التي جاءت الندوة المذكورة على ذكرها. وذلك تفصيل مهم سنعود إليه في سياق هذا المقال.

“ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين”
في الحقيقة ارتباط جماعة الإخوان المسلمين بالعمل السري العنيف والانخراط في الانقلابات والتخطيط للإطاحة بالقوة بأنظمة الحكم أمر لم يعد خافيا وهناك وثائق عديدة تثبت هذا سواء لمؤرخين أو شهادات بعض ممن انتموا إلى هذا التنظيم.
ولعل القولة الشهيرة لمؤسس “الجماعة” حسن البنا “ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين” تختزل ما أردنا قوله عندما علم بضلوع الإخوان في حادثة اغتيال النقراشي باشا رئيس وزراء مصر عام 1949. وهذه الحادثة توثقها الجماعة نفسها من ذلك اعترافات الدكتور محمود عساف مستشار “النظام الخاص” في كتابه “مع الإمام الشهيد حسن البنا”. مرورا باغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات. وفي السودان لم تختلف الأمور كثيرا ونذكر هنا اختراق خلية إخوانية نفذت انقلابا عسكريا ضد حكومة صادق المهدي المنتخبة بقيادة قائد اللواء الثامن مشاة عمر البشير.

إخوان تونس.. داخل الأكاديمية العسكرية

أما في تونس فمنذ تشكلها في السبعينيات انطلقت جماعة “الاتجاه الإسلامي” (حركة النهضة حاليا) في توجيه عدد من التلاميذ المنتمين إليها إلى مدارس ضباط الصف والذين شكلوا فيما بعد النواة الأولى للجهاز العسكري و الأمني للتنظيم بينهم :جمعة العوني المسؤول في سلاح الطيران, إبراهيم العمري الضابط في سلاح الطيران,سيد الفرجاني في الاستعلامات,عبد السلام الخماري في جيش البر. وكان هؤلاء يحاولون استقطاب عناصر جديدة للجهاز من زملائهم في الأكاديمية العسكرية بفندق الجديد. ويحدثنا الدكتور أحمد المناعي رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية والذي كان صديقا حميما لرئيس الحركة حاليا راشد الغنوشي فيقول إن الجهاز الأمني السري أنشأته حركة النهضة “بشكل شبه عفوي” بالتوازي تقريبا مع تأسيس الأكاديمية العسكرية وكان ذلك تحديدا في أواخر عام 1978 وبدايات عام 1979 وكان مكلفا بالتخطيط للانقلاب على الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة عبر اختراق المؤسسة العسكرية. وفي تلك الفترة كان الصادق شورو يشغل أستاذ مادة الكيمياء في الأكاديمية العسكرية بفندق الجديد و كان يسعى إلى التأثير على طلاّبه خاصة أولئك الذين لديهم ميول دينية.

وفي هذا الصدد يقول أبو مصعب السوري وهو من أبرز القيادات المسلحين المنتمين إلى الجهاز السري للاتجاه الإسلامي: ” التزم الضباط الشباب من أعضاء هذا الجهاز بالغ السرية بناء على فتاوى تحصل عليها من فقهاء التنظيم ومن استفتاهم بسلوك يخفي أي إشارة إلى التزامهم الديني .. فكانوا يصلون سرا .. بل إذا حضرتهم الصلاة في أوقات الدروس والتدريبات, صلّوا إيماءا..و كانوا لا يصومون إلا إذا تمكنوا سرا. بل وصل الأمر في التخفي إلى اكتفائهم بلباس الحشمة لنسائهم مع الترخص في كشف غطاء الرأس للضرورة التي كانوا فيها. ثم مضى التنظيم على مدى نحو عشر سنوات وفق مخططه الذي كان يقوم على فكرة الانقلاب العسكري أساسا للإطاحة بالسلطة..”

وفي أروقة الداخلية لم تدخر حركة الاتجاه الإسلامي أي جهد في التموقع داخلها بنفس الأسلوب من خلال زرع عناصرها. ولعب عبد الله غريس دورا حاسما في أمن “الجماعة” ومدها بالتقارير الأمنية وتحركات الشرطة من خلال موقعه كضابط أمن في “المصالح المختصة”, وكان افتضاح أمره بعد وصول بن علي إلى منصب إدارة الأمن الوطني ضربة قاسية للجماعة.

وبالفعل تمكنت حركة الاتجاه الإسلامي من اختراق عديد الأسلاك الأمنية على غرار الحرس الوطني والشرطة وجهاز المخابرات والجيش الوطني عبر 156 عنصرا انطلقت في التشكل منذ بداية السبعينات ليبدأ استنفار التنظيم عبر محاولة تغيير النظام البورقيبي.
رسالة المنصف بن سالم.. وكشف المستور
إلى جانب شهادة صالح كركر الموثقة وشهادة أبي مصعب السوري حول العمل السري المسلح الذي كانت تعكف عليه مجموعة منتقاة بدقة داخل حركة الاتجاه الإسلامي, فإن الرسالة التي بعث بها القيادي الراحل في الحركة المنصف بن سالم إلى الدكتور أحمد المناعي تفكّ الكثير من الألغاز حول ما كان يقوم به هذا الجهاز الأمني السري وهي رسالة كشف لنا الدكتور المناعي جوانب كثيرة منها. القيادي المنصف بن سالم الذي تسوّغ منزلا في ضاحية باردو في العاصمة لتكون مقرا لقيادة العملية عبر تخزين الأجهزة والأسلحة اللازمة لإنجاح مخطط الانقلاب الذي كان مبرمحا ليوم 8 نوفمبر 1987 والذي كان يقابله مخطط انقلابي مُواز كان في 7 نوفمبر 1987 كان يجهّز له الضابط السامي آنذاك زين العابدين بن علي. وقد أفشى المسؤول عن المحموعة الأمنية المدبرة للانقلاب محمد شمام الذي أُلقي عليه القبض يوم 27 أكتوبر 1987 عن طريق دورية أمنية, أفشى بكل تفاصيل مخطط الانقلاب بما فيها تفاصيل عمل هذه المجموعة الأمنية السرية وتحركاتها. وهو ما يفسر استعجال بن علي في الانقلاب على بورقيبة بأن سبق الإسلاميين بيوم واحد لإحباط مخططهم.
ويقول بن سالم من ضمن ما يقول في رسالته: “المجموعة تكونت بسرعة خيالية وهي تضم عددا من العسكريين من شتى الرتب ومن رجال الأمن بكل أصنافهم و من المدنيين. وضعت المجموعة لنفسها هدفا واحدا هو إزاحة بورقيبة و من سار في دربه عن الحكم أما وسائلها فهي سليمة إلى أبعد حد ممكن ولذلك تم جلب 5000 مسدس غازي من الخارج قمنا بتجربته على أنفسنا للتأكد من عدم إلحاق الضرر بالمستهدف. دور المسدس هو تحييد المستهدف لمدة نصف ساعة. وسائل الدفاع الأخرى من الأسلحة النارية و الدبابات و الطائرات العسكرية تكون بيد رجال المجموعة..”
سرّ الغرفة السوداء..

أشارت هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي إلى ما أسمته “الغرفة المظلمة” أو الغرفة السوداء التي قالت إنها تحوي الوثائق التي تؤكد وجود جهاز أمني مُواز يعمل سرا لفائدة حركة النهضة وهو الأمر الذي يؤكده الدكتور أحمد المناعي الذي أضاف بأن هذا الجهاز الأمني أُعيدت هيكلته من جديد بعد الثورة. وتتقاطع هذه المعلومات مع معلومات أخرى قدّمها في نوفمبر الماضي رئيس منظمة الأمن والمواطن عصام الدردوري في الملف الذي وضعه بين يديْ لجنه التحقيق في شبكات التسفير إلى مناطق القتال التابعة لمجلس نواب الشعب.
الدردوري قدم بالوثائق ما يفيد أن حركة النهضة اخترقت الدولة التونسية وقام جهازها السري بالتغلغل في مفاصل الدولة وخاصة وزارتيْ العدل والداخلية. كما لعب جهازها السري دورا رئيسيا في تسفير السباب “للجهاد” في سوريا. وتمثل الفترة التي كان فيها علي العريض وزيرا للداخلية ثم رئيسا للحكومة أكثر الفترات التي تسرّب فيها أعضاء الجهاز السري للنهضة إلى مفاصل وزارة الداخلية حتى انه –بالتواطئ مع قيادات أمنية- تم تسريب تطبيقة خاصة باستخراج جوازات السفر التونسية لتكون بين يديْ هذا الجهاز لاستخراج جوازات سفر لإرهابيين. وهو ما يؤكده الدردوري بالوثائق.
وبالعودة إلى الغرفة السوداء فهي موجودة منذ أيام بن علي ومُحاطة بالكثير من السرية وتضم وثائق غاية في الخطورة على علاقة بأمن الدولة. بعض الكوادر الأمنية أكدت لنا أن بن علي نفسه لم يكن بإمكانه الاطّلاع على محتوياتها مضيفة أن حركة النهضة حاولت زمن الترويكا الولوج إلى داخل هذه الغرفة المظلمة وتمكنت من الاطّلاع على النزر القليل من وثائقها.
هي بمثابة وحدة مخابرات أو استعلامات وليست مُدرجة بالهيكل التنظيمي (organigramme) لوزارة الداخلية ويصعب جدا اختراقها. لكن بعض الأمنيين يؤكدون لنا أنْ لا حاجة لهذه الغرفة السوداء للتأكد من وجود الجهاز الأمني السري للنهضة ومن طبيعة أنشطته. فالوثائق والشهادات التي تؤكد ذلك عديدة وقسم كبير منها وثقته منظمة الأمن والمواطن.

أعضاء جهاز سري برتبة مسؤولين في الدولة..
أكدت لنا مصادرنا أن العديد من الناشطين في الجهاز الأمني السري لحركة النهضة هم مسؤولون يتعاملون بشكل علني مع الإعلام ومع المحتمع المدني ومع بقية الأحزاب. من ذلك نذكر علي الطيب الزردي وهو عضو مجلس شورى النهضة, وبوراوي مخلوف وهو صهر حمادي الجبالي وعمل معه مستشار في قصر الحكومة بالقصبة, ورؤوف صفر المستشار بوزارة المالية ومدير عام الامتيازات الجبائية بوزارة المالية.. والقائمة طويلة كما أن الحديث عن هذا الجهاز السري سيطول ولن يٌغلق الملف بين عشية وضحاها إذ سيُستخدم -كما هو في أغلب الحالات- لغايات إيديولوجية وسياسوية بعيدة عن الرغبة الحقيقية في الكشف عن الحقيقة.

 

 

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING