الشارع المغاربي – الإسلام السياسي وتدمير الأوطان العربية شرقا وغربا/محمد الخالدي - شاعر وروائي

الإسلام السياسي وتدمير الأوطان العربية شرقا وغربا/محمد الخالدي – شاعر وروائي

قسم الأخبار

17 ديسمبر، 2022

الشارع المغاربي: شهدت المنطقة العربية خلال العقود الماضية انهيارات وتحوّلات دراماتيكية متسارعة أدخلتها في دوامة من الفوضى العارمة. وقد بدأت هذه الفوضى مع ظهور ما يسمّى بالصحوة الإسلامية التي قامت، أساسًا، على الدعوة إلى الفرقة والتّحريض على العنف والإرهاب، فكانت هي الممهد لما رأيناه ونراه اليوم من حروب طاحنة أتت على الأخضر واليابس، ما انفكّت تزداد حدة وعبثيّة يوما بعد آخر.

فعلى صعيد الشرق الأوسط، شهد لبنان في سبعينيات القرن الماضي حربًا طائفية استمرت خمس عشرة سنة، حولته إلى أنقاض، عد مئات الآلاف من القتلى والمهجرين، وما يزال هذا البلد يعاني من آثارها حتى يوم الناس هذا. أما خطيئته فانفتاحه والحريّة النسبية اللذان تميّز بهما خلافا لبقية الأقطار العربية. ومثل هذا النموذج كان لا بدّ من خنقه في المهد حتى لا تنتشر عدواه –لا سامح الله- فتطال بلدانا عربية، أشدّ ما يُرعب حكّامها هو شبح الديمقراطية والحريّة.

وعندما أراد العراق دخول عصر الذرّة، كان لا بدّ من منعه من تحقيق حلمه، إذ لا يجوز لبلد عربي، حسب منطق القوى العظمى أن يمتلك هذه التكنولوجيا، فقامت إسرائيل بتدمير مفاعل تموز وهو بعدُ في مراحله الأولى. وظلّ العراق مستهدفا إلى أن كان العدوان الثلاثيني في 2003 وإسقاط النظام الوطني عنوة لتقديم هذا البلد العربي ذي الإمكانيات الاقتصادية الهائلة – إضافة إلى ما يمثله من رمز حضاري، على طبق من ذهب إلى ملالي إيران ليدمّروا مؤسساته وينهبوا ثرواته عن طريق مليشياتهم الطائفية المرتبطة تنظيميًّا وروحيا بإيران… حدث كل هذا بتحريض وتواطؤ من بعض الأنظمة العربية، هي نفسها التي تحذّر اليوم من هيمنة إيران على المنطقة وتدخّلها في شؤونها، وكان الأحرى بها أن تنتبه إلى ذلك منذ البداية. لكنها لم تفعل، وها هي اليوم تجني ثمار خذلانها وتواطؤها: فإيران تحتل ثلاثة أرباع الشرق الأوسط احتلالا مباشرًا، فهي تحتل العراق منذ عشرين عامًا وقد حولته إلى مستعمرة تتصرّف فيها كما تشاء وتحتل لبنان عن طريق ميليشياتها الطائفيّة وسوريا واليمن، إضافة إلى الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وتطالب جهرًا بضم البحرين إليها بدعوى أن أغلبية سكانها من الشيعة. بل وصلت ذراعها الطولى إلى غزّة فحولتها، بتواطؤ من الإخوان إلى إمارة خمينية.

وباختصار، فإن الهلال الشيعي يُحكم قبضته على المنطقة بمباركة من الغرب وإسرائيل. أمّا المضحك المبكي في الأمر، فهو أن حكام الخليج يستنجدون بهاتين القوتين لحمايتهم من التغوّل الفارسي، مصدّقين التهديدات التي تطلقانها، من حين إلى آخر بتدمير المنشآت النووية الإيرانية. وغاب عنهم أن هذه التهديدات لا تعدو أن تكون مسرحية سخيفة ومع ذلك انطلت عليهم الخدعة. فلو كان في نية إسرائيل فعلا تنفيذ تهديداتها بضرب المنشآت الإيرانية لفعلت ذلك قبل عقدين من الزمن على الأقل، أي قبل مرحلة تخصيب اليورانيوم.

كما غاب عن هؤلاء الحكام أن من مصلحة إسرائيل أن تظل إيران قويّة بما يكفي بحيث تمثّل تهديدًا دائمًا للمنطقة، فيضطر هؤلاء إلى الاستنجاد بالكيان الغاصب مقابل التطبيع العلني. والسؤال الذي لا بدّ من طرحه: متى سيعرف هؤلاء بأن كلّ ممارسات إيران تصبّ، في نهاية الأمر، في مصلحة الصهاينة؟…

إن إلقاء نظرة ولو سريعة على منطقة الشرق الأوسط كفيله بأن تكشف لنا عن حجم المأساة: فهناك أربع دول، هي العراق وسوريا واليمن ولبنان قد خرجت من التاريخ بعد تدميرها وتغيير جغرافيتها ونسيجها الديمغرافي فتحوّلت إلى أشلاء ممزقة.

وفي ظل أوضاع كهذه عادة ما يحتمي الأفراد والجماعات بالقبيلة أو الطائفة أو الحزب أو المليشيا تعويضا لهم عن الوطن المفقود. فظهرت كيانات هزيلة هنا وهناك تتصارع في ما بينها بتوجيه وتحريض وتمويل من جهات عربية وأجنبية من مصلحتها ألاّ تستقر الأوضاع في المنطقة…

هذا على صعيد الشرق الأوسط. فماذا عن منطقة المغرب العربي؟ إن الوضع لا يختلف كثيرا: فالجارة ليبيا خرجت من التاريخ والجغرافيا شأنها شأن شقيقاتها في المشرق العربي، بعد عشر سنوات من حرب أهلية طاحنة وتقسيم البلاد إلى شرق وغرب، يبدو أنهما لن يلتقيا على المدى المنظور. فقد باءت كل محاولات “المصالحة” بين الأطراف المتصارعة بالفشل وفي كل مرّة يعود مبعوثو الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية بيد فارغة والأخرى لا شيء فيها. فالمليشيات المتصارعة لم يعد ولاؤها للوطن الذي تفتت وتشظى، بل للقوى الأجنبية التي تأتمر بأوامرها. وليس من مصلحة هذه الأخيرة أن تنعم ليبيا المدمّاة بالأمن والاستقرار وتستعيد سيطرتها على ثرواتها الهائلة التي تُسيل لعاب جهات عديدة.

أما الجزائر، الحلقة المستعصية في المنطقة فما تزال عرضة للمؤامرات بعد فشل محاولة تفتيتها إبّان العشرية السوداء في تسعينيات القرن الماضي. وما يزال الانفصاليون المرتبطون مباشر بالصهيونية وعرّابها برنار هنري-ليفي، يسعون إلى استقلال ما يسمونه بدولة القبائل. وقد شكلوا لهذا الغرض حكومة مؤقتة تدير شؤونها، من بين “وزرائها” وزير للثقافة الأمازيغية. ويأتي هذا ضمن مشروع أوسع خطّط له الاستعمار الفرنسي منذ بسط نفوذه على المنطقة. فعلى غرار الهلال الشيعي الذي يحكم سيطرته على منطقة الشرق الأوسط هناك محاولات حثيثة لإقامة هلال أمازيغي يمتد من ليبيا إلى المغرب، الهدف منه اقتطاع المناطق ذات الأغلبية البربرية وفصلها عن الأوطان الأم.

أما الأخطر من هذا كله فهو نذور الحرب بين الجزائر وجارتها، المملكة المغربية.. فالتوتّر بين البلدين بلغ أشدّه في الآونة الأخيرة وإذا ما اندلعت بينهما الحرب –لا قدّر الله- فستكون مدمّرة لكلا البلدين ككل الحروب العبثية.

لكن ماذا عن تونس وسط كل هذه الفوضى العارمة؟ إنها في عين العاصفة ولا أحد يدري إلى ما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل القريب. ففي ظل الضبابية وتخبط الماسكين بزمام السلطة وانعدام الرؤية، فإن كل الاحتمالات تظل واردة، سيما وأن قوى الردّة، مدعومة من الدوائر الصهيو-ماسونية لا تألو جهدا في زرع الفوضى. وقد استغلت تذبذب السلطة وعجزها عن اتخاذ القرارات الحاسمة لتستعيد أنفاسها وتكشّر عن أنيابها. بل بلغ بها التحدّي حد المجاهرة بعمالتها للقوى الأجنبية والتبجج بها علنا وعلى مرأى ومسمع من الجميع. وفي هذا منتهى السقوط الأخلاقي والسياسي. ولا يذهبنّ في ظن البعض أن هذه الجماعات قد أفلست وفقدت قدرتها على تعبئة الشارع وبالتالي لم تعد قادرة على تغيير مجرى الأحداث. ليكنْ. لكنها ما تزال، مع ذلك قادرة على زرع الفوضى وبطرق وأساليب ملتوية منها بث الإشاعات المغرضة وحجب المواد الاستهلاكية الضرورية عن المواطنين قصد حملهم على الاحتجاج والعنف، وقد شرعت في ذلك فعلا. وهي تتصيد اللحظة المناسبة للانقضاض على البلاد بدعوى استعادة الشرعية. وقد أعدّ الإخوان العدّة لذلك من خلال بعث ما يُسمى بجبهة الخلاص التي ضمّت حفنة من الانتهازيين والمفلسين سياسيّا بدعوى انقاذ البلاد من الحكم الدكتاتوري وإقامة نظام ديمقراطي، وهي خدعة لا تنطلي إلاّ على السذّج من الناس. فمن يضع نفسه أداة طيعة لخدمة أهداف ومخططات من لا يؤمن بالوطن أصلا وسعى ومازال إلى تدميره بكل الوسائل، لن يكون أهلا لإقامة الديمقراطية فما البديل إذن؟ لا وجود لبديل في الوقت الحاضر: فالنخبة- إن وجدت- أثبتت عجزها وانسحبت تجرّ أذيال الهزيمة تاركة الساحة مهيعًا لكل من هبّ ودبّ من المرتزقة والانتهازيين والعملاء.

أمّا ما يُسمّى باليسار، فقد تبيّن بأنه مجرّد كذبة أو ظاهرة صوتية، وأن “زعماءه” مرضى يعانون من تضخم الذات والنرجسية، حتى أن بعضهم تحوّل إلى كاراكوز مثير للشفقة. وقد فشل هذا اليسار المزعوم فشلا ذريعا في إيجاد موقع له على الساحة السياسية، مع أن الفرصة كانت متاحة لو عرف كيف يستغلها، بعيدًا عن اللغو الفارغ والشعارات الجوفاء التي لا تشبع ولا تغني من جوع.

إن بصيص الأمل الوحيد المتبقي هو المجتمع المدني بكل أطيافه، شرط أن يكون أكثر تنظيما وأكثر تماسكا. عدا ذلك، فإن البلاد تتجه نحو المجهول نتيجة لتخبّط السلطة القائمة وفقدانها لبوصلتها، مع أن إنقاذ البلاد قبل فوات الأوان أمر ممكن لو تُتّخذ الإجراءات الحاسمة والشجاعة اللازمة: محاسبة القتلة والإرهابيين ومسفّري الشباب إلى بؤر التوتّر واللصوص واسترجاع ما نُهب من المال العام خلال العشرية السوداء وتفكيك الأجهزة السرية لبعض التنظيمات الحزبية وإصلاح القضاء ليتمكن من أداء دوره دون خوف من أيّ كان، حتى لا تتكرّر المسرحيات السخيفة التي أصبحت مثار تندّر المواطنين إلى غير ذلك من الإجراءات التي يطالب بها الشعب لكن دون جدوى.

* * * *

لم أتوخّ في هذه الافتتاحية تحليل الأوضاع في المنطقة العربية إنما أردتها استعراضا فقط لما تعانيه منذ عقود من ويلات وحروب أهلية طاحنة أتت على الأخضر واليابس، وكان من نتائجها انهيار أكثر من دولة عربية وخروجها من التاريخ. ولمن يسأل عن سبب كل هذه الكوارث –إذ لابدّ من وجود سبب-نجيبه: إنه تسييس الدين وتحويله إلى أداة لتدمير الشعوب وحضاراتها، وإذا علمنا بأن كل التنظيمات الإرهابية التي عاثت وتعيث فسادا في أكثر من دولة عربية وُلدت جميعها من رحم واحد هو تنظيم الإخوان المسلمين الذي زرعته بريطانيا في قلب الوطن العربي عام 1928، أدركنا السرّ وراء تشبث هذه الأخيرة به ورعايتها له، ذلك أن الحاجة إليه لم تنتف بعدُ فهناك أقطار عربية أخرى مُدرجة على لائحة التقسيم هي مصر، والسعودية والجزائر، وخير من يؤدي هذه المهمة هو الإسلام السياسي.

افتتاحية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 13 ديسمبر 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING