الشارع المغاربي – الفاتحة...على روح المنتخب

الفاتحة…على روح المنتخب

قسم الرياضة

20 يونيو، 2018

الشارع المغاربي: العربي الوسلاتي: قامت الدنيا ولم تقعد ولازال الجمع منشغلا بتحليل بيانات الهزيمة القاسية التي تكبّدها المنتخب التونسي أمام المنتخب الإنقليزي في الوقت البديل من المباراة التي جمعتهما لحساب الجولة الافتتاحية من منافسات المجموعة السابعة لمونديال روسيا.

كثير من الجدل واللغط وسيل عارم من القيل والقال في الشارع الرياضي التونسي وفي وسائل الاعلام بتعدّد ميولاتها وتمويلاتها ليس بسبب المردود الهزيل الذي قدّمه المنتخب في موقعة الانقليز وليس بسبب الحذر الممزوج بالجبن الذي ميّز فكر وتكتيك الاطار الفنّي بقيادة نبيل معلول الذي رفض اللعب واختفى وراء قوالب دفاعية جاهزة لا تليق بمنتخب تسيّد العرب والأفارقة في تصنيف الفيفا الأخير ولكن للأسف كل ما أثير خلال الساعات القليلة الفارطة التي عقبت المباراة الحدث حول الهزيمة كان بسبب قراءة الفاتحة قبل وأثناء المباراة.

لن نخوض في هذا الجدل العقيم فلكلّ عقل طقوسه ولكلّ منتخب نواميسه والفاتحة لم تكن يوما سبب الهزيمة كما أنّها لم ولن تمنع الانكسار ولن تكون يوما عتاد الانتصار… كلّ ما في الأمر أنّنا شعوب مسلمة مستسلمة بطبعها تتزاحم وتتدافع داخلها الكريات الحمراء والبيضاء فقط عندما نكثر من الدعاء… ولأنّنا عادة لا نملك غيره نهمل بقيّة الأسلحة الضرورية لصناعة الفارق ونحبس ذواتنا داخل جدران وهمية لا وجود لها سوى في مخيّلتنا العربية وهويتّنا الانهزامية.

لن نغوص أكثر في المعارك الوهمية التي انشغل بها البعض لأنّنا على يقين تام وعلى قناعة راسخة بأنّ قراءة الفاتحة لا تعيبنا في شيء بل قد تكون هي محرّك “النهضة” داخل سواكننا وهي وقود همّتنا التي استسلمت للعجز ولمقاربات القوّي والضعيف… سنقفل هذا القوس لأنّه ليس مجالنا وسنتحدّث فقط عن طبيعة اختصاصنا… عن المنتخب الوطني وعن نبيل معلول الذي حدّثنا عن فتوحات وهمية وانجازات تاريخية بان بالكاشف فيما بعد أنّها وساوس شيطانية لا علاقة لها بالنبوءات الرياضية.

قبل انطلاق المونديال أكّد نبيل معلول أنّ المنتخب التونسي سيلعب من أجل تحقيق الترشّح الى الدور ربع النهائي وشدّد معلول على أنّ الجيل الحالي قادر على كتابة التاريخ وأنّه واثق من امكانات لاعبيه وقدرتهم على مقارعة ومنافسة منتخبات كبيرة في حجم انقلترا وبلجيكا. وزادت النتائج الايجابية التي تحقّقت في المصافحات الوديّة الأخيرة في تأكيد هذه القناعة وفي رفع سقف الأمنيات والطموحات لدى الجماهير التونسية التي باتت تحلم بأكثر من العبور ثقة في كلام “الحاج” وايمانا منها بما تختزله أقدام النسور.

وكنّا حقيقة  نتوهّم أنّنا نملك فعلا جيلا من اللاعبين الاستثنائيين الذين لا يعرفون الرهبة ولا تهتّز عزائمهم مهما كانت هوية منافسهم وكنّا نظنّ أنّنا على أبواب فتح مبين على حدود مدينة “فولفوغراد” لكن ثبت أن كلّ ذلك كان أضغاث أحلام وأنّ كلّ الظنّ إثم…

المنتخب التونسي رفض اللعب واكتفى بالدفاع على امتداد ردهات المباراة وكلّ العالم تقريبا شاهد كيف تراجعت أقدامنا وأجسادنا الى الخلف رهبة وخوفا من الانقليز… التزمنا بالدفاع وبالحذر المبالغ فيه وكان الجبن يتصبّب منّا أكثر من العرق… رفضنا اللعب لأنّنا نفخنا في صورة المنافس وصورّناه في أذهاننا على أنّه بطل لا يقهر والحال أنّ المنتخب الانقليزي كان فقط مزيجا من السرعات تفتقد الى اللحمة والانسجام… لم نؤمن بإمكانياتنا لأنّنا ببساطة فكرّنا في التعادل وفي الخروج بأقلّ الأضرار ولأنّنا لم نثق في ذواتنا فسحنا المجال لذلك الطوفان الانقليزي الذي تلاعب بدفاعاتنا مثلما اشتهى وأراد…

كلّ ذلك حصل على مسمع ومرآى من المدرّب الداهية نبيل معلول الذي أوقد حماسنا على عجل ولكنه نسي بعمد أو دونه أن يحرّر نفسه من الخوف الذي يسكنه… معلول الذي اشتغل لسنين وسنين على قراءة وتحليل كبرى المباريات وعلى النبش في هفوات وزلاّت أكبر المدرّبين في العالم خانته الشجاعة وخبرة السنين واكتفى بمعاينة المنتخب التونسي وهو يحشد صفوفه الى الخلف رافضا اللعب أو حتّى مجرّد التفكير في ذلك…

قد يكون معلول أكثر دراية منّا بحقيقة امكانات لاعبيه وقد يكون “الحاج” محقّا في التكتيك الذي جنح اليه على اعتبار أنّه يخشى حصول هزيمة نكراء تدنّس شرف سجلّه التدريبي وتبقى تلاحقه الى حيث حلّ وارتحل وقد يكون “بلبل” القناة القطرية قد أخفى كلّ أوراقه لموقعة بلجيكا مثلما يروّج لذلك البعض ولكن مهما يكن من أمر ما حصل في مباراة انقلترا هي فضيحة بكلّ المقاييس لا تليق بمنتخب يحتلّ المركز 14 عالميا ولا تفصله سوى مرتبة واحدة عن المنتخب الانقليزي الذي انتصر علينا حتى قبل أن تبدأ المباراة.

تحدّثنا كثيرا عن اختيارات نبيل معلول الفنيّة وعن اختياراته للقائمة النهائية وكيف تحوّل الى روسيا بلا مهاجمين كلاسيكيين واليوم نحن نجني ضريبة قرارات كانت من البداية غير مفهومة ولكن توسّمنا الخير في الأسماء الموجودة ويبدو مرّة أخرى أننا أخطأنا العنوان لأنّه بهذا الفكر العليل والخوف من المنافس لا مكان لنا بين الكبار…

في ملحمة الأرجنتين التي لازالت الذاكرة تحتفظ بكامل عناوينها سجّلنا اسم تونس بأحرف من ذهب لأنّه كانت لنا في ذلك الوقت أقدام من ذهب وكان لنا مدرّب على تواضعه يعرف جيّدا كيّف يقيّم المعادن النفيسة وكيف يوظّف طاقاتها بعيدا عن النفخ في صورة الخصم أو تقزيم الذات… تصوّروا معي للحظة لو أنّ معلول أو غيره من مدرّبي الـ” HD ” كانوا على البنك في رحلة الأرجنتين… أكيد أنّ الامبراطور طارق ذياب أو ساحر الجيلين حمادي العقربي كان سيلازم البنك لأنّه مجنون من يواجه ألمانيا بلاعب ارتكاز واحد وبصانعي ألعاب في مواجهة بطل العالم… على الاقلّ كان هذا سيكون تبرير نبيل معلول لأنّنا خبرنا جيّدا هذه الكفاءات وندرك ما تخفيه سواكنها…


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING