الشارع المغاربي – المرأة‭ ‬التونسية‭ ‬الثانية‭ ‬عالميا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلم‭ :‬سلّموها للانثى...! / بقلم: كمال العيادي(الكينغ)

المرأة‭ ‬التونسية‭ ‬الثانية‭ ‬عالميا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلم‭ :‬سلّموها للانثى…! / بقلم: كمال العيادي(الكينغ)

قسم الأخبار

17 فبراير، 2023

الشارع المغاربي: خلال‭ ‬النّدوة‭ ‬التي‭ ‬نظّمت‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬11‭ ‬فيفري‭ ‬2023‭ ‬بمدينة‭ ‬العلوم‭ ‬بتونس‭ ‬إحتفالا‭ ‬مع‭ ‬سائر‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬باليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للمرأة‭ ‬والفتاة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلوم‭ ‬والتي‭ ‬قدّمت‭ ‬فيها‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المحاضرات‭ ‬وورقات‭ ‬البحث‭ ‬لسيّدات‭ ‬تونسيّات‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬العلمية‭ ‬وخاصّة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالطب‭ ‬والبيئة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والطاقات‭ ‬المتجددة‭. ‬أفادت‭ ‬السيّدة‭ ‬نجوى‭ ‬باي‭ ‬وهي‭ ‬إطار‭ ‬سام‭ ‬بمدينة‭ ‬العلوم‭ ‬بأنّ‭ ‬دراسة‭ ‬نشرها‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬سنة‭ ‬2019‭ ‬صنفت‭ ‬المرأة‭ ‬التونسية‭ ‬الثانية‭ ‬عالميا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلم‭ ‬على‭ ‬114‭ ‬دولة‭ ‬وأنّ‭ ‬اختصاصات‭ ‬58‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬خريجات‭ ‬الجامعة‭ ‬التونسية‭ ‬علمية‭ ‬تليها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ايطاليا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وسويسرا‭.. ‬وهي‭ ‬دراسة‭ ‬تؤكد‭ ‬تفوّق‭ ‬التونسيات‭ ‬وتفوق‭ ‬المرأة‭ ‬عموما‮…‬‭..‬

وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬التقييمات‭ ‬المتعصّبة‭ ‬التي‭ ‬تتكئ‭ ‬بأظافرها‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬تراثنا‭ ‬البشري‭ ‬كلّه‭ ‬وبلا‭ ‬استثناء‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬وطُحال‭ ‬وكبد‭ ‬الحقيقة‭  ‬يتّضح‭ ‬أن‭ ‬الذَكَر‭ ‬لم‭ ‬ينجز‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬نمارس‭ ‬حقّ‭ ‬المواطنة‭ ‬فيها‭ ‬وحتى‭ ‬هذه‭ ‬اللّحظة‭ ‬غير‭ ‬الحروب‭ ‬والبغضاء‭ ‬والأحقاد‭ ‬وتأجيج‭ ‬الكراهية‭ ‬وإنتاج‭ ‬الموت‭ ‬بكلّ‭ ‬أشكاله‭ ‬وأصنافه‭ ‬رغم‭ ‬أنّه‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬ـ‭ ‬طبعًا‭ ‬أقصد‭ ‬الرجل‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬غير‭ ‬مطالب‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬مزاج‭ ‬رائق‭ ‬ليرتفع‭ ‬كلّ‭ ‬شهر‭ ‬في‭ ‬الجوّ‭ ‬لمدة‭ ‬أقصاها‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬هيّ‭ ‬موعد‭ ‬نضارة‭ ‬الخصوبة‭ ‬وفتح‭ ‬فجّ‭ ‬الرحم‭ ‬في‭ ‬حفير‭ ‬الأرض‭ ‬الولادة‭ ‬ليصطاد‭ ‬بويضة‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬عليها‭ ‬إلا‭ ‬نادرًا‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬أنثى‭ ‬حبيبة‭ ‬أو‭ ‬زوجة‭ ‬مدموغ‭ ‬اسمها‭ ‬إلى‭ ‬جواره‭ ‬أسفل‭ ‬وأعلى‭ ‬وثيقة‭ ‬رسمية‭ ‬بختم‭ ‬مأذون‭ ‬أو‭ ‬أختام‭ ‬ودمغة‭ ‬مؤسسة‭ ‬بلدية‭. ‬وليس‭ ‬عليه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يربطها‭ ‬إلى‭ ‬معصم‭ ‬أحد‭ ‬قادة‭ ‬جيوشه‭ ‬من‭ ‬البويضات‭ ‬الذكورية‭ ‬الفحلة‭ ‬النكرة‭. ‬لينتج‭ ‬حياة‭ ‬جديدة‭ ‬ولتستمرّ‭ ‬المهزلة‭. ‬وله‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يحبّ‭ ‬أو‭ ‬يكثر‭ ‬أو‭ ‬يهيم‭ ‬أو‭ ‬يرجع‭ ‬أو‭ ‬يمشى‭ ‬ويقضى‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬لعب‭ ‬النرد‭ ‬أو‭ ‬متابعة‭ ‬الحلقة‭ ‬الألف‭ ‬من‭ ‬المسلسل‭ ‬التركي‭ ‬الجديد‮…‬‭ ‬هل‭ ‬تتابعني؟‭ ‬‮…‬‭.‬لكنك‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أهليتنا‭ ‬بنزقك‭ ‬ومبالغتك‭ ‬في‭ ‬الضرب‭ ‬على‭ ‬صدرك‭ ‬كلّ‭ ‬مرة‭ ‬تبدو‭ ‬فيها‭ ‬بارقة‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬مطلقًا‭ ‬صيحات‭ ‬مثل‭ ‬صيحات‭ ‬القردة‭ ‬المذعورة‭ ‬ومنددًا‭ ‬بأنك‭ ‬الأصل‭. ‬وبأنّ‭ ‬المرأة‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬ضلعًا‭ ‬من‭ ‬أفرع‭ ‬ذلك‭ ‬الصدر‭ ‬المليئ‭ ‬بالشعر‭ ‬فيك‭ ‬وغصنًا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الشجرة‭ ‬التي‭ ‬تظنها‭ ‬ــ‭ ‬يا‭ ‬للخيبة‭ ‬ــ‭ ‬نفسك‭ ‬وكمال‭ ‬الوجود‭.‬

وما‭ ‬أقبح‭ ‬وأغبى‭ ‬تصورك‭ ‬هذا‭ ‬أيها‭ ‬الأهطل‭ ‬الأخرق‭ ‬مثل‭ ‬حفيدك‭ ‬ومثل‭ ‬أبيك‭ ‬فالروح‭ ‬كما‭ ‬أكّد‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬ذكر‭ ‬ولا‭ ‬أنثى‭. ‬والروح‭ ‬في‭ ‬اللغّة‭ ‬العربية‭ ‬أيضًا‭ ‬وهي‭ ‬سرّ‭ ‬أسرار‭ ‬الخالق‭ ‬لقوله‭ ‬تعالى‭: (‬وأنزلناه‭ ‬بلسان‭ ‬عربيّ‭ ‬مبين‭) ‬ولجوهر‭ ‬معنى‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تبارك‭ ‬وتعالى‭: ‬بأنه‭ (‬في‭ ‬البدء‭ ‬كانت‭ ‬الكلمة‭) ‬وهي‭ ‬أي‭ ‬الروح‭ ‬تؤنث‭ ‬وتذكر‭ ‬في‭ ‬لغتنا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬نكاد‭ ‬نفهمها‭ ‬أو‭ ‬نعرفها‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬ما‭ ‬أنتج‭ ‬الكائن‭ ‬البشري‭ ‬ولها‭ ‬من‭ ‬الجيوب‭ ‬والخفايا‭ ‬والأسرار‭ ‬والإمكانيات‭ ‬التي‭ ‬تجدون‭ ‬بعض‭ ‬قوالبها‭ ‬القليلة‭ ‬في‭ ‬متاريس‭ ‬القواميس‭ ‬القديمة‭ ‬والجديدة‭ ‬من‭ ‬لسان‭ ‬العرب‭ ‬وحتى‭ ‬القاموس‭ ‬الجامع‭ ‬والأطلس‭ ‬وقاموس‭ ‬القريب‭ ‬والبعيد‭ ‬ولن‭ ‬تبلغ‭ ‬نصف‭ ‬هباءة‭ ‬من‭ ‬إمكانياتها‭ ‬المذهلة‭ ‬التي‭ ‬يشيب‭ ‬له‭ ‬شعر‭ ‬رأس‭ ‬الوليد‭.‬

وكان‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬اليوم

ونعود‭ ‬لنؤكد‭ ‬أنّ‭ ‬الروح‭ ‬لُغة‭ ‬وعبارة‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬البئر‭ ‬والحبل‭ ‬والسكين‭ ‬والنفس‮…‬‭ ‬فنقول‭: ‬هذا‭ ‬الروّح‭ ‬ويصحّ‭ ‬القول‭: ‬هذه‭ ‬الرّوح‭. ‬وكلاهما‭ ‬في‭ ‬البلاعة‭ ‬والنحو‭ ‬والصرف‭ ‬صحيح‭. ‬وحتى‭ ‬الصَدرُ‭ ‬المُرضع‭ ‬يؤنث‭ ‬ويذكرّ‭ ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬الأعشى‭ ‬أحد‭ ‬الغيلان‭ ‬والأساطين‭ ‬السّبع‭ ‬في‭ ‬تراثنا‭ ‬العربي‭:‬

وتشرقُ‭ ‬بالقول‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬أَذَعْتَهُ‭ ‬كما‭ ‬شَرِقَتْ‭ ‬صدُر‭ ‬القناةِ‭ ‬من‭ ‬الدمِ

ومنذ‭ ‬كبُرَ‭ ‬أولّ‭ ‬ذَكَرٍ‭ ‬وترعرع‭ (‬وهو‭ ‬أوّل‭ ‬أجدادنا‭ ‬الذكور‭ ‬بعد‭ ‬آدم‭) ‬الذي‭ ‬أسموه‭ ‬قابيل‭ ‬أو‭ ‬هابيل‭ (‬في‭ ‬رواية‭ ‬أرضية‭ ‬أخرى‭) ‬واشتدّ‭ ‬عوده‭ ‬نظر‭ ‬وتدبرّ‭ ‬وفكّر‭ ‬وبئس‭ ‬ما‭ ‬نظر‭ ‬وما‭ ‬قدّرَ‭ ‬وما‭ ‬فكرّ‭ ‬وما‭ ‬دبّر‭ ‬فكَبُر‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬ينعم‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬كأبيه‭ ‬سابقًا‭ ‬في‭ ‬الجنّة‭ ‬بالحبّ‭ ‬والسكينة‭ ‬والصفاء‭ ‬ويتأمّل‭ ‬ويبدع‭ ‬ويبتكر‭ ‬ويخلق‭ ‬ولم‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬سبب‭ ‬يفتح‭ ‬فيه‭ ‬ماسورة‭ ‬وبالوعة‭ ‬الدّماء‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تغلق‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬وبان‭ ‬الشرّ‭ ‬والرجس‭ ‬وطبيعة‭ ‬الذباب‭ ‬في‭ ‬أصله‭ ‬الذكوري‭ ‬فأتى‭ ‬أخاه‭ ‬وأصابه‭ ‬بحجر‭ ‬في‭ ‬رأسه‭ ‬مدّعيا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يصحّ‭ ‬أن‭ ‬يستأثر‭ ‬دونه‭ ‬وينكح‭ ‬أخته‭ ‬التوأم‭ ‬الجميلة‭ ‬ــ‭ ‬إقليما‭ ‬ــ‭ (‬على‭ ‬ما‭ ‬يُذكر‭) ‬وما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬سوى‭ ‬سبب‭ ‬وتعلّة‭ ‬ليست‭ ‬هيّ‭ ‬المحرّك‭ ‬والأصل‭ ‬فالقاتل‭ ‬حين‭ ‬تعصف‭ ‬به‭ ‬طبيعة‭ ‬الرغبة‭ ‬المدمرّة‭ ‬والتعطش‭ ‬للدماء‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬بالضرورة‭ ‬سببًا‭ ‬آخر‭ ‬للإندفاع‭ ‬إلى‭ ‬أزهاق‭ ‬روح‭. ‬بل‭ ‬أقرب‭ ‬روح‭ ‬إليه‭.‬

ولو‭ ‬كان‭ ‬لقابيل‭ (‬أو‭ ‬هابيل‭) ‬أخوة‭ ‬كُثر‭ ‬لوجد‭ ‬لكلّ‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬سببًا‭ ‬لفشخ‭ ‬رأسه‭ ‬بقصبة‭ ‬عضمة‭ ‬خنزير‭ ‬أو‭ ‬ثور‭ ‬أو‭ ‬حجر‭ ‬كبير‭ ‬ولكان‭ ‬قتله‭ ‬أيضًا‭ ‬بالـتأكيد‭.‬

لكنّه‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬الذكور‭ ‬غير‭ ‬أب‭ ‬واهن‭ ‬وأخ‭ ‬شاب‭ ‬متوقّد‭ ‬ومحبوب‭ ‬مقرّب‭ ‬لله‭ ‬ولأبويه‭ ‬بالرضى‭ ‬والعرفان‭ ‬والطاعة‭ ‬فدبّر‭ ‬قصة‭ ‬ووجد‭ ‬سببًا‭ ‬وهوى‭ ‬بالصخرة‭ ‬على‭ ‬جمجمة‭ ‬أخيه‭ ‬الوحيد‭ ‬بكلّ‭ ‬وحشية‭ ‬ثم‭ ‬قرفص‭ ‬على‭ ‬خراء‭ ‬ندمه‭ ‬باكيًا‭ ‬وشاكيًا‭ ‬حظّه‭ ‬حتى‭ ‬كاد‭ ‬أخاه‭ ‬أن‭ ‬يتعفّن‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬فأكرم‭ ‬الله‭ ‬القتيل‭ ‬بأن‭ ‬أوحى‭ ‬لأحطِّ‭ ‬وأوضع‭ ‬وأحقر‭ ‬طيور‭ ‬الأرض‭ ‬وأبشعها‭ ‬صوتًا‭ ‬وصورة‭ ‬فحطّ‭ ‬غراب‭ ‬ذكر‭ ‬أسود‭ ‬قربه‭ ‬قاتلاً‭ ‬مثله‭ ‬أخيه‭ ‬بمنقار‭ ‬غادر‭ ‬لئيم‭ ‬دمويّ‭ ‬وشاء‭ ‬الله‭ ‬جلّ‭ ‬جلاله‭ ‬وعظمت‭ ‬حكمته‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أولّ‭ ‬معلّم‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬هو‭ ‬أحطّ‭ ‬طيور‭ ‬الأرض‭ (‬وأنا‭ ‬بالمُناسبة‭ ‬أسميه‭ ‬منذ‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬بحمار‭ ‬الطيور‭ ‬لصوته‭ ‬البشع‭ ‬ويا‭ ‬كم‭ ‬أكرهه‭) ‬وعلّم‭ ‬الغراب‭ ‬القاتل‭ (‬قابيل‭ ‬أو‭ ‬هابيل‭ ‬القاتل‭ ‬الشبيه‭) ‬بشكل‭ ‬بليغ‭ ‬وعمليّ‭ ‬كيف‭ ‬يواري‭ ‬سوءة‭ ‬جثة‭ ‬أخيه‭ ‬بدفنها‭ ‬وارجاعها‭ ‬إلى‭ ‬كريات‭ ‬الطين‭.‬

وكان‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬رغم‭ ‬بدعة‭ ‬الحرق‭ ‬عند‭ ‬عبدة‭ ‬البقر‭ ‬وعبدة‭ ‬الأرض‭ ‬والصكوك‭ ‬والبنوك‭ ‬من‭ ‬الضالين‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وفي‭ ‬أعتى‭ ‬الحضارات‭ ‬الأوروبية‭ ‬على‭ ‬السواء‭. ‬وقد‭ ‬رأيتُ‭ ‬وعشتُ‭ ‬وعاشرت‭ ‬بنفسي‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬التي‭ ‬ضيعتُ‭ ‬في‭ ‬صقيعها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلث‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬حياتي‭ ‬القصيرة‭ ‬قضيتها‭ ‬فيها‭ ‬مستغربًا‭ ‬من‭ ‬عجب‭ ‬ربي‭ ‬ورأيتُ‭ ‬بأمّ‭ ‬عيني‭ ‬ودهشتي‭ ‬من‭ ‬بلادتهم‭ ‬ونفوسهم‭ ‬الميتة‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬أغلبهم‭ ‬يتخلص‭ ‬من‭ ‬جثة‭ ‬وثقل‭ ‬مصاريف‭ ‬القبر‭ ‬بحرق‭ ‬أمه‭ ‬أو‭ ‬أبيه‭ ‬أو‭ ‬عزيزًا‭ ‬عليه‭ ‬مع‭ ‬وضع‭ ‬باقة‭ ‬من‭ ‬الزهور‭ ‬الملفوفة‭ ‬بعناية‭ ‬لم‭ ‬ينس‭ ‬أن‭ ‬يشتريها‭ ‬بسرعة‭ ‬من‭ ‬محلّ‭ ‬الزهور‭ ‬الملاصق‭ ‬للكنيسة‭ ‬ورأيتهم‭ ‬خلال‭ ‬تأبين‭ ‬معّد‭ ‬على‭ ‬عجل‭ ‬يمسحون‭ ‬دمعة‭ ‬عصيّة‭ ‬وتكاد‭ ‬تخون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬الرسمية‭ ‬المهيبة‭. ‬ويا‭ ‬كم‭ ‬كنتُ‭ ‬أتعجّب‭ ‬ويا‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أتألمّ‭ ‬خصوصًا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الميّت‭ ‬صديقًا‭ ‬ولا‭ ‬حيلة‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬أهله‭ ‬وثنائهم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الجرم‭ ‬ولا‭ ‬قدرة‭ ‬لي‭ ‬على‭ ‬خطفه‭ ‬ودفنه‭ ‬كما‭ ‬يليق‭ ‬وكما‭ ‬علّمنا‭ ‬الغراب‭ ‬عبر‭ ‬إلهام‭ ‬من‭ ‬ربّ‭ ‬العزّة‭.‬

وسيكون‭ ‬عَليّ‭ ‬أن‭ ‬أبتلع‭ ‬ريقي‭ ‬متأسفًا‭ ‬مُشفقًا‭ ‬من‭ ‬عنادك‭ ‬وجهلك‭ ‬وجهل‭ ‬نصف‭ ‬الأمّة‭ ‬الغمّة‭ ‬من‭ ‬الذكور‭ ‬وأن‭ ‬أردّ‭ ‬عن‭ ‬سؤالك‭ ‬الذكوري‭ ‬الفَرْعَ‭ ‬المضلّلَ‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بأنّ‭ ‬الله‭ ‬تبارك‭ ‬وتعالى‭ ‬أعظم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يُخطئ‭ ‬هذا‭ ‬الخطأ‭ ‬الفاحش‭ ‬في‭ ‬التقسيم‭ ‬وهو‭ ‬الربّ‭ ‬الحكيم‭ ‬وأنّه‭ ‬جمع‭ ‬القاتل‭ ‬والمقتول‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬الأخوّة‭ ‬فقط‭ ‬ولم‭ ‬يحدد‭ ‬اسم‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬مَن‭ ‬بالتحديد‭. ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬غير‭ ‬مهمّ‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬والتأكيد‭ ‬عليه‭ ‬ينفي‭ ‬عمق‭ ‬وبعد‭ ‬الحكمة‭ ‬الإلهية‭ ‬أصلاً‭ ‬في‭ ‬التقسيم‭ ‬كون‭ ‬النفس‭ ‬واحدة‭ ‬خارج‭ ‬كَبسَة‭ ‬الفخّار‭ ‬والسؤال‭ ‬فيه‭ ‬أشبه‭ ‬بمن‭ ‬يركّز‭ ‬على‭ ‬إصبعك‭ ‬الممتدّ‭ ‬إلى‭ ‬فوق‭ ‬حين‭ ‬تشير‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬القمر‭ ‬فيتابع‭ ‬كلّ‭ ‬الوقت‭ ‬وبعناد‭ ‬إصبعك‭ ‬لا‭ ‬يحيد‭ ‬عنه‭ ‬قيد‭ ‬أنملة‮…‬

وأتحدى‭ ‬أيّ‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والمتحذلقين‭ ‬والمُزيفين‭ ‬وأنصاف‭ ‬المثقفين‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬لي‭ ‬أحدهم‭ ‬الخبر‭ ‬اليقين‭. ‬ويذكر‭ ‬لي‭ ‬بالضبط‭ ‬أين‭ ‬ذكر‭ ‬الله‭ ‬اسم‭ ‬قابيل‭ ‬أو‭ ‬هابيل‭ ‬أصلاً‭ (‬بالاسم‭) ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الذي‭ ‬هوّ‭ ‬مرجعي‭ ‬الأصل‭ ‬الثابت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يأتيه‭ ‬باطل‭ ‬ولا‭ ‬يلحقه‭ ‬تضليل‭ ‬من‭ ‬شيطان‭ ‬أو‭ ‬إبليس‭ ‬زنيم‮…‬‭ ‬وأُصِرّ‭ ‬أن‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬هوّ‭ ‬مَذكور‭ (‬لحكمة‭ ‬إلهية‭) ‬أنهما‭ ‬فقط‭ ‬نصفان‭ ‬أحدهما‭ ‬خير‭ ‬وطاعة‭ ‬وتقوى‭ ‬والآخر‭ ‬شرّ‭ ‬وخبث‭ ‬ولؤم‮…‬‭ ‬واسمهما‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬أحد‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬ذكرته‭ ‬اليهود‭ ‬من‭ ‬أسماء‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التسمية‭. ‬وهو‭ ‬موضع‭ ‬خلاف‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬وقرون‭. ‬ولن‭ ‬يحسم‭ ‬أبدًا‭ ‬لأنه‭ ‬غير‭ ‬مهم‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‮…‬‭ ‬ومثله‭ ‬كمثل‭ ‬صديق‭ ‬لجوج‭ ‬ثرثار‭ ‬يُضيع‭ ‬عليك‭ ‬استحلاب‭ ‬دمعة‭ ‬نادرة‭ ‬خلال‭ ‬متابعة‭ ‬شريط‭ ‬سينمائي‭ ‬مؤثر‭ ‬جدًّا‭ ‬بسؤاله‭ ‬المتكرر‭ ‬عن‭ ‬اسم‭ ‬البطل‭ ‬أو‭ ‬البطلة‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تذكره‭ ‬أنت‭ ‬أصلاً‭ ‬ولا‭ ‬يهمك‭ ‬أن‭ ‬تذكره‭ ‬ولا‭ ‬يعنيك‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬بالذات‭ ‬اسمه‭.‬

الحلّ‭ ‬هو‭ ‬النساء

ولكن‭ ‬وبصراحة‭ ‬دعونا‭ ‬نتحدث‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬بشجاعة‭ ‬ودعونا‭ ‬نتخلص‭ ‬من‭ ‬عطانة‭ ‬هذه‭ ‬الكراهية‭ ‬وهذا‭ ‬الزهو‭ ‬الذكوري‭ ‬البشع‭ ‬الذي‭ ‬أُبتلينا‭ ‬به‭ ‬فأنا‭ ‬مثلكم‭. ‬ويوجعني‭ ‬ذلك‭ ‬مثلكم‭ ‬وربّما‭ ‬أكثر‭ ‬منكم‭ ‬كوني‭ ‬انتبهت‭ ‬له‭ ‬وهو‭ ‬يحرقني‭ ‬ويشويني‭ ‬منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أظافري‭ ‬بين‭ ‬أسوار‭ ‬القيروان‭ ‬العجوز‭ ‬ولم‭ ‬أتخلص‭ ‬من‭ ‬ثقله‭ ‬ووزره‭ ‬المزيف‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬رحلة‭ ‬طويلة‭ ‬دامت‭ ‬ثلث‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الوحدة‭ ‬والتأمّل‭ ‬والبحث‭ ‬والملاحظة‭ ‬والتعمقّ‭ ‬في‭ ‬تقشير‭ ‬الشفرة‭ ‬والأحجية‭ ‬والتوغل‭ ‬في‭ ‬جوهر‭ ‬خبايا‭ ‬السؤال‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الخارطة‭ ‬الأولى‭ ‬للطريق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنقاذ‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬الضلالة‭ ‬وتصحيح‭ ‬مسار‭ ‬الرحلة‭ ‬الذكورية‭ ‬التي‭ ‬انحرفت‭ ‬منذ‭ ‬أول‭ ‬قاتل‭ ‬وأول‭ ‬مقتول‭ ‬في‭ ‬متاهات‭ ‬الوحشة‭ ‬العامرة‭ ‬بالوحوش‭ ‬ولم‭ ‬يزدكم‭ ‬التقدم‭ ‬فيها‭ ‬غير‭ ‬الخسران‭ ‬والضعة‭ ‬والضياع‭. ‬حتى‭ ‬عبدتم‭ ‬العجول‭ ‬والبقر‭ ‬والحلوى‭ ‬والخشب‭ ‬والمال‭ ‬وأرباب‭ ‬العمل‭ ‬والبيوت‭ ‬والحيطان‭ ‬والإسمنت‭ ‬والحديد‭ ‬والتكاثر‭ ‬وتوحشتم‭ ‬كالكواسر‭ ‬والسّباع‭.‬

ولكن‭ ‬يوجعني‭ ‬أن‭ ‬أسكت‭ ‬عمّا‭ ‬أرى‭ ‬وما‭ ‬تأتون‭ ‬وما‭ ‬تُكابرون‭ ‬وما‭ ‬تحتالون‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يُفضح‭ ‬ولا‭ ‬يُرى‭ ‬فيكم‭. ‬وهو‭ ‬بيّن‭ ‬لكم‭ ‬مثل‭ ‬الشمس‭ ‬وحارق‭ ‬لكم‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬مثل‭ ‬جمر‭ ‬الأتون‭.‬

وإليك‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬أطيل‭ ‬عليك‭ ‬فتغصّ‭ ‬قابليّة‭ ‬فهمك‭ ‬الضيّقة‭ ‬كالمنخار‭ ‬وتختنق‭ ‬مع‭ ‬أولّ‭ ‬قطرة‭ ‬أمدّك‭ ‬بها‭ ‬ممّا‭ ‬ألهمني‭ ‬الله‭ ‬فيضيع‭ ‬جهدي‭ ‬هباء‭.‬

الحلّ‭ ‬يا‭ ‬ولدي‭ ‬النِساء‮…‬

وأعيدها‭ ‬وأكرّرها‮…‬‭ ‬الحلّ‭ ‬هوّ‭ ‬النّساء‭.‬

فسلموهن‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬والقيادة‭ ‬يقودونكم‭ ‬صوب‭ ‬الخلاص‭ ‬ويرجعنكم‭ ‬إلى‭ ‬أّوَّل‭ ‬طريق‭ ‬الحقّ‭ ‬والخير‭ ‬والطيّب‭ ‬المثمر‭ ‬ولن‭ ‬تمض‭ ‬سوى‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬حتى‭ ‬تعوّضوا‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬فاتكم‭ ‬من‭ ‬الخير‭ ‬عبر‭ ‬متاهة‭ ‬آلاف‭ ‬أن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عبر‭ ‬ملايين‭ ‬السنين‭.‬

ووالله‭ ‬لو‭ ‬أنصتّم‭ ‬وآمنتم‭ ‬وفهمتم‭ ‬وتنازلتم‭ ‬عن‭ ‬وهم‭ ‬حقكم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السلطة‭ ‬الموهومة‭ ‬وتنازلتم‭ ‬عن‭ ‬افتعال‭ ‬نخوتكم‭ ‬المقيتة‭ ‬وكبريائكم‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يجرحها‭ ‬أحد‭ ‬غيركم‭ ‬لرأيتم‭ ‬الجنّة‭ ‬فوق‭ ‬الأرض‭ ‬ولكان‭ ‬الخطاب‭ ‬بينكم‭ ‬شعرًا‭ ‬سلسًا‭ ‬موقّعًا‭ ‬على‭ ‬بحور‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬النور‭ ‬وليست‭ ‬بحور‭ ‬تافهة‭ ‬كبحور‭ ‬ومغاليق‭ ‬الخليل‭ ‬ولعادت‭ ‬التحيّة‭ ‬بينكم‭ ‬سلام‭ ‬حقيقيّ‭ ‬وليس‭ ‬لفظًا‭ ‬ولا‭ ‬تضليلاً‭ ‬ولعادت‭ ‬المحبّة‭ ‬دينكم‭ ‬الرشيد‭ ‬الذي‭ ‬سيباركه‭ ‬الربّ‭ ‬كون‭ ‬المحبّة‭ ‬أيضًا‭ ‬دين‭ ‬خالقنا‭ ‬وسرّه‭ ‬الظاهر‭ ‬والدّفين‭. ‬ولآشرقت‭ ‬في‭ ‬ظلمات‭ ‬أنفسكم‭ ‬شموس‭ ‬لن‭ ‬يخطر‭ ‬روعة‭ ‬نورها‭ ‬ودفئها‭ ‬وفتنتها‭ ‬ولم‭ ‬تخطر‭ ‬ببالكم‭ ‬أبدًا‭ ‬على‭ ‬بال‭.‬

ولو‭ ‬قال‭ ‬لكم‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬أحدثكم‭ ‬به‭ ‬الآن‭ ‬امرأة‭ ‬مهما‭ ‬علا‭ ‬شأنها‭ ‬ومهما‭ ‬خصّها‭ ‬الله‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬بلاغة‭ ‬وقبول‭ ‬لأعرضتم‭ ‬بشدة‭ ‬ولقلتم‭ ‬إنّما‭ ‬هيّ‭ ‬امراة‭ ‬أنثى‭ ‬طريّة‭ ‬ولقلتم‭ ‬عنها‭ ‬إنّها‭ ‬متعصّبة‭ ‬لبني‭ ‬جنسها‭ ‬وإنّها‭ ‬مُرّة‭ ‬علقمٌ‭ ‬حقودة‭ ‬ضيّقة‭ ‬الآفاق‭ ‬صغيرة‭ ‬النفس‭ ‬وفاقدة‭ ‬للأنوثة‭.‬

ويا‭ ‬ما‭ ‬حاربتم‭ ‬من‭ ‬آلهة‭ ‬الجمال‭ ‬ويا‭ ‬ما‭ ‬ذبحتم‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬الرائيات‭ ‬المنذورات‭ ‬منذ‭ ‬زرقاء‭ ‬اليمامة‭ ‬التي‭ ‬اجتثثتم‭ ‬بؤبؤ‭ ‬عينها‭ ‬وتعجبتم‭ ‬من‭ ‬عروقها‭ ‬السود‭ ‬ونقشتموها‭ ‬لذلك‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬زبيب‭ ‬حكايات‭ ‬الليل‭ ‬التي‭ ‬تسليكم‭ ‬بها‭ ‬شهرزادكم‭ ‬وكأن‭ ‬العروق‭ ‬السود‭ ‬هي‭ ‬المسألة‭ ‬لكنكم‭ ‬حكمتم‭ ‬وحسبتم‭ ‬حسبتكم‭ ‬بمنطق‭ ‬الكاره‭ ‬الحاقد‭ ‬وقدرتم‭ ‬العقاب‭ ‬ونفذتموه‭ ‬فورًا‭ ‬وبلا‭ ‬تأخير‭ ‬أو‭ ‬نظر‭ ‬وتركتموها‭ ‬حيّة‭ ‬تنزف‭ ‬وأخرجتم‭ ‬منها‭ ‬بيّنتها‭ ‬وعلامتها‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬ثانية‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تريدون‭.‬

ما‭ ‬أشد‭ ‬عداءكم‭ ‬للفجر‭ ‬والضياء‭ ‬والنور‭ ‬وما‭ ‬أضيق‭ ‬نفوسكم‭ ‬وأبعدها‭ ‬عن‭ ‬سقف‭ ‬السماء‭ ‬وما‭ ‬أضلّ‭ ‬الأرضيّ‭ ‬فيكم‭ ‬وما‭ ‬أسخف‭ ‬ما‭ ‬تعتقدون‭ ‬وتحسبون‭ ‬وأنتم‭ ‬هباءة‭ ‬وطفل‭ ‬عار‭ ‬يلهو‭ ‬في‭ ‬حوض‭ ‬من‭ ‬الكبريت‭ ‬والدّم‭ ‬والبارود‭ ‬والسّم‭ ‬والقصدير‮…‬

ومن‭ ‬أخبرك‭ ‬بذلك‭ ‬أيّها‭ ‬الذكوري‭ ‬البليد‮…‬

من‭ ‬أخبرك‭ ‬غير‭ ‬هذه‭ ‬الإجتهادات‭ ‬الوهابية‭ ‬الأفغانية‭ ‬التافهة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يقلها‭ ‬نبيّ‭ ‬ولا‭ ‬حصّنها‭ ‬رسول‭ ‬ولا‭ ‬قدّرها‭ ‬الله‭ ‬العلي‭ ‬العليم‮…‬

من‭ ‬قال‭ ‬لك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬تجوز‭ ‬إمامة‭ ‬الأنثى؟‭!‬

أوَ‭ ‬نسيتَ‭ ‬أنّ‭ ‬تونس‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬تغار‭ ‬عليها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غابات‭ ‬شوك‭ ‬ومرتع‭ ‬للوحوش‭ ‬والزواحف‭ ‬والحطب‭ ‬اليابس‭ ‬واليباب‭ ‬والجوع‭ ‬والجهل‭ ‬والكهوف‭ ‬والقبائل‭ ‬البدائية‭ ‬المتناحرة‭ ‬بقيادة‭ ‬ميمنة‭ ‬بربروس‭ ‬وميسرة‭ ‬الترشيشيّ‭ ‬حتى‭ ‬جاءتك‭ ‬نبيّة‭ ‬في‭ ‬قارب‭ ‬هاربة‭ ‬من‭ ‬قصور‭ ‬الشام‭ ‬وظلم‭ ‬خالها‭ ‬الذكر‭ ‬المستبد‭ ‬فاشترت‭ ‬من‭ ‬أرضك‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬مساحة‭ ‬جلد‭ ‬ثور‭ ‬ثم‭ ‬بعبقرية‭ ‬ونفاذ‭ ‬الأنثى‭ ‬النحلة‭ ‬الدؤوبة‭ ‬الفاتنة‭ ‬بسطت‭ ‬جلد‭ ‬الثور‭ ‬شريطًا‭ ‬رفيعًا‭ ‬وعانقت‭ ‬به‭ ‬مساحة‭ ‬أوسع‭ ‬قليلاً‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألفي‭ ‬متر‭ ‬أو‭ ‬أقل‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬إلا‭ ‬لإشعال‭ ‬قِرَى‭ ‬للبخور‭ ‬والنداء‭ ‬لهبوط‭ ‬الغيم‭ ‬وحلول‭ ‬المُعجزة‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬فعلاً‭ ‬كذلك‭ ‬ولم‭ ‬تمض‭ ‬سنوات‭ ‬تحسب‭ ‬على‭ ‬أصابع‭ ‬أيديكم‭ ‬وأرجلكم‭ ‬يا‭ ‬ضعيفي‭ ‬الذاكرة‭ ‬وعديمي‭ ‬الموهبة‭ ‬في‭ ‬الحساب‭ ‬حتى‭ ‬فجّرت‭ ‬لكم‭ ‬من‭ ‬طوب‭ ‬الأرض‭ ‬الجبلية‭ ‬المهجورة‭ ‬حضارة‭ ‬خرّت‭ ‬لها‭ ‬الجبابرة‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬بعد‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬تُنعتُ‭ ‬بالبَنانِ‭ ‬وينظر‭ ‬لها‭ ‬بعين‭ ‬الدهشة‭ ‬والإنبهار‭ ‬ألم‭ ‬تبني‭ ‬لكم‭ ‬حضارة‭ ‬سحقت‭ ‬وفاقت‭ ‬حضارة‭ ‬الروم‭ ‬وبجند‭ ‬قليل؟‭!‬

ألم‭ ‬تنافس‭ ‬الفراعين‭ ‬ولا‭ ‬يهود‭ ‬عندها‭ ‬من‭ ‬جيوش‭ ‬البنائين؟‭!‬

ويا‭ ‬ما‭ ‬كنتُ‭ ‬أرغب‭ ‬في‭ ‬الإعتذار‭ ‬بدلاً‭ ‬عنكم‭ ‬للعظيمة‭ ‬ــ‭ ‬عليسة‭ ‬ــ‭ ‬أولّ‭ ‬رئيسة‭ ‬للبلاد‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬الأرض‭ ‬فيه‭ ‬بعد‭ ‬غير‭ ‬الملوك‭ ‬والأباطرة‭ ‬والطغاة‭.‬

وما‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أو‭ ‬تسمى‭ ‬ملكة‭ ‬لأنّ‭ ‬المُلك‭ ‬يورث‭ ‬أبًا‭ ‬عن‭ ‬جدّ‭ ‬أو‭ ‬يُفتكّ‭ ‬بالسمّ‭ ‬أو‭ ‬بحدّ‭ ‬السلاح‭ ‬والحصار‭ ‬والدمار‭ ‬والمؤامرات‭ ‬والدسائس‭ ‬والعار‭.‬

وهي‭ ‬لم‭ ‬ترث‭ ‬تونس‭ ‬عن‭ ‬أبيها‭ ‬ولا‭ ‬افتكت‭ ‬الأرض‭ ‬واغتصبتها‭ ‬من‭ ‬عمّها‭ ‬أو‭ ‬أخيها‭ ‬ولأن‭ ‬تونس‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أرضها‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬حسب‭ ‬اعتقادي‭ ‬ومفهومي‭ ‬الأعمق‭ ‬لمنصب‭ ‬الرئيس‭ ‬فعلاً‭ ‬أوّل‭ ‬رئيس‭ ‬منتخب‭ ‬بأصوات‭ ‬محبّة‭ ‬الشعب‭ ‬وقبل‭ ‬خلق‭ ‬بدعة‭ ‬الصناديق‭.‬

وقد‭ ‬أحبت‭ ‬الأرض‭ ‬وعمرّتها‭ ‬وجعلتها‭ ‬خضراء‭ ‬بكلّ‭ ‬معاني‭ ‬عظمة‭ ‬اللون‭ ‬الأخضر‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬والعمران‭ ‬كرمز‭ ‬وكصفة‭. ‬وخرج‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬حضارتها‭ ‬عظام‭ ‬الأرض‭ ‬وليس‭ ‬أشهرهم‭ ‬ــ‭ ‬حنّبعل‭ ‬ــ‭ ‬ولا‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬آخرهم‭ ‬أبو‭ ‬القاسم‭ ‬الشابي‭ ‬الذي‭ ‬أعادوه‭ ‬ــ‭ ‬مشكورين‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬ــ‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬الشعري‭ ‬الفاره‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بعد‭ ‬انتظار‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬في‭ ‬القبر‮…‬

ولكنّ‭ ‬ذاكرتكم‭ ‬أيضًا‭ ‬مقعّرة‭ ‬جوفاء‭ ‬وروحكم‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬روح‭ ‬الذباب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يصبر‭ ‬ولا‭ ‬يرى‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬قمامة‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الطريق‭.‬

فهل‭ ‬فهمتم‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الذكر‭ ‬والأنثى؟

بين‭ ‬روح‭ ‬النحلة‭ ‬وروح‭ ‬الذبابة؟

بين‭ ‬غاية‭ ‬وهدف‭ ‬تلك‭ ‬ووجهة‭ ‬الأخرى‭ ‬وخبيئتها؟

سلّموها‭ ‬للأنثى

وهل‭ ‬تحتاجون‭ ‬بيانًا‭ ‬أكثر؟‭! ‬لتقتنعوا‭ ‬بأنّ‭ ‬خيركم‭ ‬في‭ ‬تسليم‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬إلى‭ ‬أنثى‭ ‬ــ‭ ‬امرأة‭ ‬ــ‭ ‬من‭ ‬خير‭ ‬نسائكم‭ ‬تختارونها‭ ‬بمحبة‭ ‬وتذودون‭ ‬عنها‭ ‬كما‭ ‬فعلتم‭ ‬في‭ ‬بدء‭ ‬فجر‭ ‬التاريخ‭ ‬مع‭ ‬حبيبتكم‭ ‬ــ‭ ‬عليسة‭ ‬ــ‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬سيكون‭ ‬إختصارًا‭ ‬بصراحة‭ ‬لكلّ‭ ‬ما‭ ‬سأقول‭ ‬وما‭ ‬سأعدكم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬خير‭ ‬عميم‭ ‬كان‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أسوقه‭ ‬في‭ ‬مؤلف‭ ‬كامل‭ ‬متين‭ ‬وأعكف‭ ‬عليه‭ ‬سنة‭ ‬أو‭ ‬تزيد‮…‬‭ ‬ولكنني‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬منكم‭ ‬مجدًا‭ ‬ولا‭ ‬تهليلاً‮…‬أريد‭ ‬أن‭ ‬تقشروا‭ ‬رمانة‭ ‬الكلام‭ ‬وحبات‭ ‬العبارة‭ ‬والعِبر‭ ‬لتتسّاقط‭ ‬بين‭ ‬أياديكم‭ ‬طيب‭ ‬حباتها‭ ‬السكّر‭ ‬ويمتلئ‭ ‬حوشكم‭ ‬بالرطب‭ ‬والثمار‭ ‬والبركة‭ ‬والمنّ‭ ‬والسلوى‭ ‬وتجري‭ ‬بينكم‭ ‬الأنهار‭ ‬قِربًا‮…‬

سلموها‭ ‬لأنثى‭ ‬وتحديدًا‭ ‬لامراة‭ ‬منكم‭ ‬ومن‭ ‬نسلكم‭ ‬تختارونها‭ ‬أنتم‭ ‬على‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عاشقة‭ ‬مخلصة‭ ‬للبلاد‭ ‬وحدودها‭ ‬اللغوية‭ ‬والحضارية‭ ‬والنفسية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬والجغرافية‭ ‬ولا‭ ‬تكون‭ ‬مغتربة‭ ‬مثلي‭ ‬هاربة‭ ‬من‭ ‬مواجهتكم‭ ‬وتحملكم‭ ‬ولا‭ ‬مسرفة‭ ‬في‭ ‬لثغتها‭ ‬الأجنبية‭ ‬ولهجتها‭ ‬الغريبة‭ ‬عنكم‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬متحيزة‭ ‬لثقافة‭ ‬الغرب‭ ‬وجارية‭ ‬له‭ ‬تعبده‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬كارهة‭ ‬للإسلام‭ ‬الوسطي‭ ‬البنّاء‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬شرقية‭ ‬ولا‭ ‬هيّ‭ ‬غربية‭ ‬إنما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬منكم‮…‬‭ ‬نبتة‭ ‬طيّبة‭ ‬تربت‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬تونسي‭ ‬اصيل‭ ‬ومن‭ ‬طينة‭ ‬طيبة‭ ‬ونقية‭.‬

حينها‭ ‬فقط‭ ‬سأنظر‭ ‬صوب‭ ‬السماء‭ ‬ملتمسًا‭ ‬برفق‭ ‬ومحبة‭ ‬أن‭ ‬يُغمض‭ ‬الله‭ ‬عينيّ‭ ‬وانا‭ ‬مرتاح‭ ‬البال‭ ‬وعلى‭ ‬يقين‭ ‬بأن‭ ‬بلدي‭ ‬الحبيب‭ ‬سيكمل‭ ‬ما‭ ‬بدأته‭ ‬عليسة‭ ‬وسيعيد‭ ‬امجاده.

*نشر باسبوعية الشارع المغاربي الصادرة بتاريخ الثلاثاء 14 فيفري 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING