الشارع المغاربي – تقرير : أزمة السياحة بين تداعيات الجائحة الصحية وتراكمات سوء التصرّف

تقرير : أزمة السياحة بين تداعيات الجائحة الصحية وتراكمات سوء التصرّف

قسم الأخبار

4 سبتمبر، 2020

الشارع المغاربي- كريمة السعداوي: أكد وزير السياحة الجديد، الحبيب عمّار، اليوم الجمعة 4 سبتمبر 2020 أن قطاع السياحة في تونس مهدد اليوم بالانهيار وان ذلك يقتضي حسب تقييمه الشروع في تنفيذ إصلاحات هيكلية للقطاع، يمكن أن تضاعف أداءه عشر مرّات وفق تقديره وهو امر يبدو بعيدا نسبيا عن الواقع وعن قابلية التحقيق لعدة اسباب ابرزها اهمية الديون البنكية الفندقية التي تتجاوز قيمتها 4.4 مليارات دينار وضعف البنية التحتية للبلاد سيما على المستوى البيئي مما يجعلها في الواقع غير قابلة لضمان العيش اللائق للمواطن ناهيك عن السائح الاجنبي.

وبالعودة إلى الماضي القريب، تعد سنة 2019 أحسن سنوات السياحة التونسية منذ 2011 حيث دخل تونس أكثر من 9.4 ملايين سائح، بزيادة 13.6٪، اعتبارًا من 31 ديسمبر 2019، مقارنة بعام 2018. أما بالنسبة للإقامة الإجمالية لليالي المقضاة، فقد سجلت، حتى 31 ديسمبر 2019، زيادة بنسبة 10.9٪ لتصل إلى 30 مليون ليلة مقضاة. أما المداخيل السياحية فقد ارتفعت في 31 ديسمبر 2019 بنسبة 35.7٪ إلى 5619.2 مليون دينار وأصبحت مؤشرات القطاع خضراء مرة أخرى.

ماض مشرق

منذ السبعينات من القرن الماضي، اعتمدت الأنظمة المتعاقبة على السياحة لسببين: تعزيز صورة البلاد وتوفير العملة الصعبة.

كانت تونس تبحث عن سمعة جديدة تليق بدولة الاستقلال وبدا أن ركوب موجة السياحة الشاطئية الاقتصادية المزدهرة كان فرصة مثالية.

وكان من المفترض أن تؤدي هذه المقاربة التنموية إلى قفزة نوعية وتنويع المنتوج السياحي بمجرد وصول قوافل الزوار إلى عدد كافٍ وهو ما تم في نهاية الثمانينات بتدفق سنوي يتجاوز 3 ملايين سائح.

ومع ذلك، فإن هذا التوجه لم يتحقق. وبدلاً من ذلك، اختارت السلطات الاعتماد على السياحة الشاطئية والجماعية بتوحيد معايير المنتوجات المقدمة ورفع التنافسية بتخفيض الأسعار. وتركزت جميع المناطق السياحية تقريبًا في المناطق الساحلية مثل جربة وسوسة ونابل والحمامات والمنستير والمهدية وأخيرا طبرقة.

استمر تدهور المنتج السياحي خلال العقد الأول من القرن الحالي مع ظهور منتج all-inclusive وهو مصطلح يستخدم لوصف الصيغ التي تشمل الإقامة والمشروبات والوجبات في سعر الإقامة. جاء منظمو الرحلات السياحية للترويج للإقامة “الشاملة كليًا” على مدار الأسبوع عند 299 أورو، رغم أنّ تذكرة الطائرة نفسها تكلف أكثر.

وصل هذا الإغراق تدريجياً إلى فنادق الخمس نجوم وأدى إلى انهيار المداخيل السياحية على مدى العقد الماضي: إذ كانت العائدات لكل سرير 11،360 دينار (7،044 أورو) في عام 2005 وبعد عشر سنوات في سنة 2015 لم تتجاوز 9،999 دينار (4،593 أورو).

وتواصل اعتماد السياحة في تونس على عرض ضعيف وغير متنوع ممّا أفضى بالسياسة السياحية إلى تهميش تسويق مساحة شاسعة من البلاد تغطي 51٪ من التراب الوطني أي ما يعادل 13 ولاية من أصل 24 وهي باجة وبنزرت وقابس وقفصة وجندوبة (باستثناء طبرقة وعين دراهم) والقصرين والكاف وقبلي ومدنين (ما عدا جزيرة جربة) وصفاقس وسيدي بوزيد وسليانة وزغوان.

دعم غير مفيد

في تونس، لعبت السياحة دائمًا دور واجهة للسلطة السياسية. وبين التمويل البنكي والحوافز الضريبية، يمكن القول انّ السياحة أحد القطاعات الأكثر دعمًا من قبل الدولة التونسية. وعلى الرغم من هذه الجهود، لا تزال مساهمته في الاقتصاد الوطني محل نقاش.

ويرى مهتمون بالقطاع السياحي، أنّ الموارد المخصصة لقطاع السياحة لم تسفر عن النتائج المتوقعة خاصة إذا درسنا توزيع القيمة المضافة في الناتج المحلي الإجمالي لتونس وهو مؤشر يساعد على تقدير مساهمة كل قطاع، نرى أن مساهمة السياحة لم تتجاوز 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تبلغ مساهمة الفلاحة حوالي 10٪ وفي غضون ذلك، كانت الاعتمادات المخصصة للسياحة أكبر بمرتين من تلك المخصصة للفلاحة.

أما في ما يتعلق بخلق مواطن الشغل المباشرة، فالركود واضح: فقد خلق القطاع 4،600 موطن شغل مباشر جديد فقط من 2005 الى 2015، مقابل 29،300 من 1994 الى 2004.

ديون هائلة

أصبح القطاع مثقلًا بالديون، خاصةً تحت تأثير القروض غير المضمونة الممنوحة خلال نظام بن علي. وبصرف النظر عن المكاسب السياحية، ظهرت آفات أخرى ساهمت في تدهور القطاع وأهمها عدم تسديد جزء كبير من هذا الدين حتى الآن، وما زالت قيمة الديون المعدومة باهظة. وحسب التقرير السنوي للبنك المركزي لسنة 2018، تبلغ ديون القطاع الآن 4.3 مليارات دينار (1.47 مليارات أورو) منها 54.2٪ ديون معدومة.

التأثير الفوري للجائحة

أدّت الجائحة إلى إلغاء المعارض العامة والتجارية الكبرى وتعليق أنشطتها. وكان لهذه الإلغاءات تأثير فوري على الاقتصاد والسياحة في العالم وفي تونس فاقمتها تدابير تقييدية بالحد أو بحظر السفر إلى الخارج.

وتراكمت الخسائر عبر سلسلة السياحة بأكملها – النقل الجوي والسياحة التجارية والترفيهية ووكالات السفر ومنظمي الرحلات السياحية وزيارة المواقع والإقامة والمطاعم.

وتتوقع وزارة السياحة والصناعات التقليدية خسائر بقيمة 6 مليارات دينار لهذا القطاع هذا العام. وحسب المؤشرات المالية التي نشرها البنك المركزي التونسي. وحسب نتائج استطلاع نشرته الجامعة المهنية المشتركة للسياحة التونسية في جويلية 2020، أجرته شركة مختصة لقياس أثر الأزمة أثناء الحجر وبعده وكذلك التوقعات للقطاع حسب تقديرات الأعضاء يُقدر المستجوبون خلال فترة الحجر متوسط خسارة المبيعات بـ 83٪ .ويعتبر أصحاب وكالات السفر أن إجراءات الدولة غير مناسبة لأعمالهم ويرى (53٪) أن هناك غيابًا تامًا لتدابير دعم الدولة في هذا الصدد ويعتبر (24٪) أن الإجراءات التي وضعتها الدولة إجراءات معقدة وبطيئة جدًا وغير كافية؛ في ما يقول 72.5٪ من الشركات المشاركة في الاستطلاع أنها غير راضية عن إجراءات الدولة.

بعد الحجر، اضطر 48٪ من المستجوبين إلى تسريح جزء من العاملين أثناء الحجر أو بعده وقامت الشركات التي تواجه صعوبات بتسريح ما معدله 71٪ من القوى العاملة لديها.

وحسب الدراسة، يتوقع 89٪ من المستجوبين استمرار تراجع النشاط “عدة شهور قد تصل إلى عام. فيما يأمل 51٪ من المستطلعين في الحصول على قروض تضمنها الدولة و44٪ يعتقدون أن التأخير أو الإعفاء من رسوم صاحب العمل يمكن أن يكون أحد الحلول المثلى لإنقاذهم من هذه الأزمة.

ويعاني قطاع السياحة في تونس من التقلبات الناجمة عن العوامل الداخلية وغيرها من العوامل الخارجية (الفرص والتهديدات) في ما يتعلق بكل من النظام الاجتماعي والاقتصادي للبلاد واستراتيجيات السياحة. ويمكن القول إنّ منظومة السياحة التونسية في أزمة حادة منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. علاوة على ذلك، فإن غياب الرؤية في قطاع السياحة للمستثمرين في فترة ما بعد سنة 2011 وآفة الإرهاب التي تلت ذلك يمثلان عاملين سلبيين إضافيين.

اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING