الشارع المغاربي – توريث‭ ‬و"فريقو" ووظائف‭ ‬مزدوجة بالوكالة‭ ‬العقارية‭ ‬الصناعية/ تحقيق: محمد‭ ‬الجلالي

توريث‭ ‬و”فريقو” ووظائف‭ ‬مزدوجة بالوكالة‭ ‬العقارية‭ ‬الصناعية/ تحقيق: محمد‭ ‬الجلالي

قسم الأخبار

12 مارس، 2022

الشارع المغاربي: تعيش الوكالة العقارية الصناعية التابعة لوزارة الصناعة والطاقة والمناجم على وقع اخلالات في التصرّف في الموارد البشرية وفي حوكمة الأصول الثابتة عمّقتها تراكمات على مستوى انتدابات مشبوهة منذ أكثر من عشر سنوات وانفلات في متابعة انضباط الأعوان وفي مدى احترامهم لقانون الوظيفة العمومية.

ضعف تسيير المؤسسة العمومية نتج عنه تلاعب بمناظرات الانتداب التي مكنت موظفين واعوانا من توريث أبنائهم واقاربهم على حساب مترشحين أخرين فضلا عن استغلال مهندسين فضاءات العمل لممارسة أنشطة خاصة بمقابل او لامتهان وظائف مزدوجة في تجاوز لافت لقانون الوظيفة العمومية. في المقابل كان “العزل” الإداري وإيقاف الرواتب وخاصة الاحالة على مستشفى الرازي مصير كل من يرفض قرارات الإدارة او يحاول التصدي لشبهات فساد في صفقات عمومية.

الأقارب أولى بالمعروف

بعد نقلة ممثل الوكالة العقارية الصناعية من إحدى مدن الوسط إلى احدى مدن الشمال الغربي استقر رأي الإدارة العامة للمؤسسة على تعويضه بموظف جديد لتمثيلها على المستوى الجهوي ومراقبة مشاريع تهيئة المناطق الصناعية وإنجاز التقارير والتثبت من مدى تقدم أشغال البناءات الصناعية وإنجاز مخططات المناطق الصناعية الجديدة.

اللافت في عملية التعيين ان الموظف الجديد يعاني من اضطرابات نفسية وعقلية بما جعله عرضة للسخرية والتندر وحتى الاستغلال من قبل بقية موظفي الشباك الموحد.

يفسر حافظ السالمي ممثل الوكالة سابقا بإحدى مدن الوسط ان تعيين خليفته بسعي الإدارة العامة لتنصيب موظف ضعيف المستوى والشخصية وغير متمكن من عمله لافتا الى ان معوضه أصبح مجرد ساع يتم التلاعب به من قبل موظفي الشباك الموحد وانه عادة ما يقضي يومه في التسوق لفائدتهم وفي اقتناء المشروبات عوض مراقبة مدى احترام المستثمرين بنود الاتفاقات مع الوكالة والسهر على تمثيلها افضل تمثيل.

يقول السالمي: “الموظف الجديد هو نتاج انتدابات مشبوهة شهدتها الوكالة العقارية الصناعية على مدى سنوات”.

تؤكد الوكالة في موقعها الالكتروني انه تمّ بعثها سنة 1973، وأنها منشأة عمومية ذات صبغة صناعية وتجارية تنشط تحت إشراف وزارة الصناعة والطاقة والمناجم، بهدف تعزيز النسيج الصناعي والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بتونس.

وتشير معطيات حصلت عليها أسبوعية “الشارع المغاربي” من مصادر بالوكالة العقارية الصناعية المعروفة اختصارا بـ AFI الى تواتر عمليات انتداب مشبوهة صلبها بما حوّلها الى فضاء تسيطر عليه عائلات بعينها.

من جهته يؤكد “ب” وهو موظف فضّل عدم كشف هويته، ان بعض زملائه استغلوا مناظرات لانتداب أبنائهم أو اخوتهم او أقاربهم وان هذه الممارسة انطلقت قبل الثورة وتواصلت الى حدود 2016.

ويتابع: “استغل بعض المتحكمين في زمام الإدارة موجة تسوية ملف عمال المناولة في 2011 فارضين أسماء أبنائهم وأقاربهم في قائمات موجهة الى رئاسة الحكومة بينما حُرم العشرات من العمال الذين كانت تربطهم بالوكالة عقود هشة من الانتداب.”

في هذا السياق يستشهد “ب” بحادثة إضافة اسم قريب زميلة له بالوكالة الى قائمة عمال المناولة في آخر لحظة مؤكدا ان الموظفة عمدت الى كتابة اسم ابن شقيقتها بقلم جاف في مخالفة للإجراءات الإدارية وأنها ضمنت انضمامه الى الوظيفة العمومية قبل تقاعدها.

من جانبه سجل مُراجع الحسابات في تقرير له حول انظمة الرقابة الداخلية بالوكالة لسنة 2019 ان “التدقيق في الاجراءات المعمول بها لسد الشغورات وانتداب أعوان جدد بيّن انه لم يتم التقيد بالآجال المحدّدة ببرامج الانتدابات المصادق عليها من طرف سلطة الإشراف.”

من “الفريقو” الى الرازي

تطرّق “ب” الى تغلغل المحسوبية والمحاباة مبينا ان توريث الوظائف أدى الى انضمام ثلاثة أجيال (الإبن والأب والجد) من نفس العائلة الى الوكالة وأدى الى انتداب ابنة مسؤول سابق بعد ادانته باختلاس أموال عمومية قبل الثورة وأنه تم عزل الأب ثم توظيف الابنة مكانه بعد سنوات قليلة.

من جهة أخرى أشار “ب” الى اعتماد الإدارة على سياسة الترغيب والترهيب ملاحظا انه كان عرضة للهرسلة الإدارية ولحجب راتبه الشهري وتعطيل تنصيب مكتب نقابي كان ينتمي اليه بسبب ما اعتبرها استماتة في الدفاع عن حقوق منظوريه وانتقادا لسياسات الإدارة.

وشدد “ب” على ان الإدارة عمدت مؤخرا الى ترقية موظفة كانت في إجازة طويلة الأمد الى رتبة مديرة في غير الاختصاص الذي كانت تشغله مقابل تجميد زميل لها بعد ان احتج على التعيين.

من جهته لفت حافظ السالمي، المهندس بالوكالة، الى ان الإدارة العامة عملت على الرفع من شأن كل من ينسجم مع توجهاتها سواء كانت صائبة أو خاطئة مستغربا من اسراعها في ترقية موظف طالما كان متربصا لديه ليصبح بين عشية وضحاها رئيسه المباشر.

وبيّن السالمي انه كان بين 1996 و2022 عرضة لنُقل تعسفية حملته الى 7 ولايات بسبب تصديه لتجاوزات في مشاريع عمومية قال ان سوء حوكمتها من قبل المؤسسة العمومية تسبب في اهدار ملايين الدنانير.

يقول المهندس حافظ السالمي: “لقد تعودت على العقوبات الإدارية التي تتراوح بين الإيقاف عن العمل والنقل التعسفية وإيقاف راتبي لقرابة أربع سنوات. وكانت الإدارة تبرر إجراءاتها التعسفية بما تعتبره تطاولا او غيابا غير شرعي”.

في نفس الإطار عرج برهان على لجوء المؤسسة في 2014 الى سياسة قال انها لا تخرج عن “العزل الإداري”.

وأوضح ان الادارة كانت تنقل كل موظف يرفض إجراءاتها وقراراتها التي وصفها بغير الواضحة والمشبوهة الى إدارة فرعية وان ذلك تسبب في تجميد عديد الموظفين من بينهم مديرين في إدارة عرفت لدى الاعوان بـ “الفريقو”.

ولفت الى ان المؤسسة باتت تنوّع في أساليب الهرسلة وأنها فرضت على أكثر من عون التوجه الى مستشفى الرازي للحصول على شهادة طبية قبل صرف اجورهم، معتبرا ذلك سلاحا ذو حدين قد تستخدمه الإدارة ضد اعوانها للتشكيك في سلامة صحتهم النفسية او العقلية.

وظائف مزدوجة وفواتير وهمية

مصدر آخر بالوكالة العقارية الصناعية أشار الى ان سوء التسيير ساهم في استهتار عدد من الموظفين بقانون الوظيفة العمومية مؤكدا ان مهندسين باتوا يمارسون مهنا مزدوجة عبر التدريس في جامعات خاصة بالتوازي مع وظيفتهم العمومية.

معطى أكده “ب” قائلا: “لم يكتف بعض المهندسين بالتعاقد مع مؤسسات تعليمية خاصة بل أصبحوا يستغلون أوقات العمل لإصلاح أعمال الطلبة أو التوسط لهم لضمان تربص بالوكالة أو حتى استغلال تجهيزات عمومية لإنجاز امثلة معمارية بمقابل.”

“ب” أكد ان ما يأتيه بعض المهندسين ليس سوى عينة من تجاوزات أخرى يرتكبها زملاء لهم خلال تحولهم في مهمات ميدانية مبينا انه اكتشف تحوزهم على أختام ودفاتر أكل وهمية لاستغلالها في الحصول على أموال نظير نفقات الاكل.

وتابع: “هؤلاء المتحيلين لا يكتفون بالاستظهار بفواتير أكل وهمية بل يضخّمون قيمتها مستغلين تنقلات في مهمات شبه يومية دون أي تقييم لجدواها. وقد سبق لي ان اعلمت هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية التابعة لرئاسة الحكومة عند تحولها الى مقر الوكالة في مهمة رقابية.”

وملف السيارات الإدارية..

لم يشذ ملف السيارات الادارية عن مجمل الاخلالات صلب الوكالة العقارية الصناعية.

موظف بالمؤسسة تطرق الى ملفين اعتبرهما مثالين عن سوء حوكمة اسطول السيارات الادارية.

الملف الأول قال انه يتعلق بتعمد الرئيس المدير العام سهيل شعور قبل ثلاث سنوات التخلي عن سيارته الإدارية الفخمة واقتناء سيارة رباعية الدفع، مؤكدا ان نفس السيارة التي رفض المسؤول الأول عن المؤسسة استغلالها بدعوى قدمها واهترائها كانت من بين أسطول السيارات التي استغلتها رئاسة الجمهورية لنقل الرؤساء والملوك العرب خلال القمة العربية التي احتضنتها تونس سنة 2019.

الموظف ذكر إن ما أقدم عليه الرئيس المدير العام لقي معارضة داخل مجلس إدارة المؤسسة وأن مراقب الدولة كان ضد إهدار أموال عمومية لاقتناء سيارة جديدة وانه رفع شكاية في الغرض إلى الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية.

وتابع الموظف: “بعد اقتناء السيارة الجديدة تم ركن سابقتها بمربض المؤسسة بدعوى تعطبها ثم راسلت الادارة الشركة الموردة لها للاحتجاج على سرعة تعرضها الى أعطاب مختلفة رغم حداثة شرائها فكانت اجابة الشركة الخاصة ان ما حدث للسيارة يعتبر حالة نادرة وغير مفهومة على خلاف مئات آلاف النسخ الاخرى التي بيعت عبر العالم.”

بعد الاجراءات الرئاسية المعلن عنها يوم 25 جويلية 2021 فتحت الوكالة العقارية الصناعية بتة عمومية لبيع خمس سيارات زال الانتفاع بها فكانت سيارة الرئيس المدير العام ضمن الاسطول المعروض.

يؤكد الموظف ان المؤسسة فرّطت في السيارة الفخمة بمبلغ مالي لا يتجاوز 50 ألف دينار معتبرا بيعها محاولة يائسة من الإدارة العامة للتخلص من ملف أرقها لأشهر بعد تعالي أصوات بعض زملائه للتنديد بسعي الرئيس المدير العام لإهدار أموال عمومية في سيارة جديدة هو في غنى عنها.

مراجع حسابات الوكالة اكد في تقرير له عن انظمة الرقابة لسنة 2019 ان المؤسسة لا تواظب على اعداد مخطط سنوي للصيانة الوقائية لاسطولها مبيّنا ان مستعملي السيارات هم من يقومون بالاعلام عن تاريخ اجراء اعمال الصيانة وان ذلك تسبب احيانا في تأخير اجراء عملية الصيانة وعدم احترام الاجال المحددة.

وأشار الى ان هذه الوضعية لا تمكّن من متابعة جيدة لعمليات الصيانة ولا من مراقبة مدى شموليتها ونجاعتها والى انها يمكن ان تكون سببا في ترفيع غير مبرر في اعباء الصيانة والاصلاح.

أما الملف الثاني فأكد الموظف أنه يهم تعمد سائق بالشركة العودة بسيارة إدارية رباعية الدفع إلى منزله وتعرضها للسرقة في نفس الليلة وتهريبها الى الخارج.

وأشار محدثنا الى أن إدارة الوكالة حاولت الدفاع عن السائق خلال مثوله للبحث الأمني بتشديدها على أنه عرف بمواظبته وباستقامته مستغربا إصرارها على تبرئته رغم انه لم تمر على التحاقه بها سوى بضعة أشهر.

وتابع: “رغم الخطأ الجسيم الذي اقترفه السائق، مكنته الوكالة في وقت قياسي من الترسيم بينما انتظر موظفون آخرون سنوات طويلة قبل الحصول على ذلك”.

هكذا اذن باتت الوكالة العقارية الصناعية في مهب سوء تسيير لافت مما تسبب في انفلات اداري استغله البعض لتحقيق مأرب خاصة سواء عبر ممارسة وظائف مزدوجة او افتعال فواتير وهمية وغيرها. في المقابل كان التجميد والهرسلة الإدارية والنقل التعسفية في انتظار كل من تسوّل له نفسه رفض الانخراط في بعض الممارسات المشبوهة.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 8 مارس 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING