الشارع المغاربي – قراءة في حيرة النهضة بعد موقف لجنة الدفاع عن الشهيدين : بقلم نايلة السليني

قراءة في حيرة النهضة بعد موقف لجنة الدفاع عن الشهيدين : بقلم نايلة السليني

11 أكتوبر، 2018

الشارع المغاربي :  منذ 24 سبتمر تاريخ إعلان رئاسة الجمهورية عن إنهاء التوافق والنهضة، بجميع قيادييها في محنة، هم أشبه بشهريار المعلّق بين الأرض والسماء، أو قل يتحرّكون كالفراشة الحائرة التي جذبها نور اللهيب فأسرها.. استنفرهم شيخهم خفافا وثقالا فانتشروا في جميع القنوات التلفزية والإذاعية مردّدين لحنا واحدا تلقّوه من زعيمهم الذي علّمهم سحر الكلام.. لكن كان هذه المرّة حديثا هو أشبه باللغو والهذيان والحشو.

سؤال بسيط يحضر الإنسان العادي: لماذا كلّ هذا النفير؟ ألم تكتب المقالات التي تدين هذه الحركة بالعنف والإرهاب؟ ألم تلق محاضرات داخل البلاد وخارجها تنبّه إلى خطرهم على البلاد والعباد؟

الجواب سهل بسيط وواضح ، ويمكن أن نحصره في النقاط التالية:
1. أعتقد أنّ للتوقيت أهمّية بالغة، فالندوة الصحفية انعقدت بعد أن اكتملت أشغال تنصيب البلديات، وبعد أن حازت النهضة، حسب قراءة عادية، على رئاسات كثيرة للبلديات، أي بعد أن أنهت النهضة مرحلة طالما اعتبرتها القاعدة لقيام حكمهم على أساس شرعية الصندوق التي تضاهي في رأيهم قداسة الله . وهي فترة انطلاق النهضة في الإعداد للانتخابات المصيرية القادمة سواء كانت تشريعية أو رئاسية. وليس بالخفي ما تقتضيه هذه الفترة من حزم وثبات حتى تكون كلّ خطوة مدروسة لضمان القسط الأوفر من الغنيمة الانتخابية.

2. قدّمت لجنة الدفاع عن الشهيدين وثائق، عكس الندوات الصحفية السابقة التي اكتفت فيها بالتهم والتنديد، أي تهم قائمة على سند ودليل. ورغم ما بذلته ميليشياتها الإعلامية من عبارات تقلّل من خطورة هذه الوثائق.. ورغم مساندة البعض لهم في سياسة التهجين والسخرية كان للخبراء هذه المرّة تأثير في التنبيه إلى خطورة ما ورد في هذه الندوة، وانقلب السحر على الساحر.. وتغيّر الخطاب، وأمكن تحطيم أسيجة المراقبة الإعلامية التي كانت النهضة قد نسجتها حول قنوات تلفزية اعتبرت ذات تأثير في المشاهد. تقطّع الحزام الحامي، لأنّ هذه القنوات فيها إعلاميون أحرارا يتبرّمون من هيمنة النهضة على مسارهم الإعلامي ولا يجدون عند مالكيها نصيرا.

3. لكن، حذار لا يذهبنّ بكم الظنّ إلى أنّ هذه القنوات قد تحرّرت من سيطرة الإخوان، فانفتحت على أصحاب الكلمة الحرّة، وعلى معارضي النهضة، وإنّما على الأقل فتحت المجال للمشتغلين فيها من الصحافيين حتى يحلّلوا وينقدوا دون قيد أو شرط. ولذلك تغيّرت صيغة الخطاب، وصاروا يحاورون الإخوان حوار الأنداد. ولو فتحت أبواب هذه القنوات لذوي الفكر الحرّ لوجدت حديثا آخر يعجز النهضويون حتى على التنفس أمامهم.

4. اتهم الإخوان بصفة مستعملين صيغة التلميح السيد الباجي قايد السبسي الذي قد يكون هو من سرّب هذه الوثائق.. وهاجوا وماجوا. وفي هذا السياق أقول: غاب عنهم أنّ الباجي قايد السبسي أعلن في 24 سبتمبر عن اندلاع معركة معهم، وقبل انطلاق المعركة تمنّى لهم، وفي التمنّي دلالة على المستحيل، التوفيق والنجاح، وذلك في قوله” نتمنى ليهم النجاح وإن كنت أشكّ في ذلك”. ويعلم الجميع أنّ المعارك لا تخضع لمبادئ أو شروط، وأنّ كلّ شيء مباح شرط أن يضمن الغلبة على الخصم. وبما أنّ السيد الباجي ماسك بخيوط الحكم الإخواني بتونس ظاهره وخفيّه، ومنغرس في دواليب العلاقات التي تسيّر السياسة الإخوانية بتونس.. وخاصّة أنّ ما عرف بالتوافق لم يكن سوى سياسة مفروضة على النداء قبيل انتخابات 2014. فكان لزاما على الباجي، وهو الشيخ المحنّك أن يحمي نفسه في هذه المغامرة المسقطة عليه إسقاطا بجميع الأدلّة التي تنجيه من الغرق لو انقلب عليه الإخوان، خاصّة وأنّهم عرفوا بالمزاجية والتقلّب والازدواجية قولا وفعلا.

5. قد أسأل من فرض الإخوان على الباجي ونصّبهم على صدور الشعب التونسي؟ وأجيب: فرضهم الغرب وأميركا.. والدليل على ذلك الشهادات التي يقتطفها الباحث سواء ممّا كتبه الإخوان وخاصّة منهم الذين انشقّوا عنهم، هذا من جهة ومن جهة أخرى ما يلمسه الخبير في جلسات عمل تنظّم مع خبراء أجانب تدفعك إلى أن تفهم أنّ الإخوان بتونس هم الطفل المدلّل عند الغرب والأمريكان، لأنّهم وببساطة سفراء الإسلام المعتدل الذي سيجعل الغرب يعيش في أمن من الإرهابيين. واختيرت تونس حقلا للتجربة الفريدة في قيام حكمها على إسلام معتدل يضمنه ويسهر عليه الإخوان أنفسهم.. ومن يدري إذا نجحت التجربة التونسية أن تعمّ هذه التجربة كامل بلدان الوطن العربي ويكون الإخوان قد حقّقوا الخلافة المفقودة.

6. حتى لا أتّهم بالتجنّي.. وحتى لا أرمى بتدليس النوايا أورد شاهدين ، شهادة ثروت الخرباوي صاحب كتاب سرّ المعبد في 2012 ، يقول: “الإخوان عقدوا لقاءات وصفقات قديمة مع الأمريكان، ومسألة خلاف عبد الناصر معهم كان سببه اكتشافه اتصالاتهم مع الأمريكان من وراء ظهره، وتجددت العلاقات مرة أخرى فى فترة سجن دكتور سعد الدين إبراهيم التى تزامنت مع سجن محمد بديع وبعض الشخصيات الإخوانية، فطلبوا منه مساعدتهم لعمل حوار مع الأمريكان لتحسين صورتهم لديهم. وهو ما تم بعد خروج سعد الدين إبراهيم من السجن فالتقى عصام العريان ومحمد عبدالقدوسفى الإسكندرية مع ممثلين لبعض الدول الأوروبية، وفى 2005 عقدت لقاءات بين البرلمانيين الإخوان ومسؤولين أمريكان. وتوالت اللقاءات وكان عصام العريان ومحمد عبد القدوس ضيوف كل اللقاءات التى تعقدها السفارة الأمريكية فى مصر.وبعد الثورة جاءت شخصيات أمريكية للقاء الإخوان ورسم علاقتهم مع أمريكا. وأقول إن علاقة الإخوان والأمريكان متوطدة بشكل كبير، للحد الذى باتت فيه أمريكا تشارك فىصناعة القرار داخل مصر عبر تواصلها القوى مع الجماعة بالتوافق فى الخطوات تارة ومراجعتهم تارة أخرى.” وكم تذكّرني هذه الشهادة بشهادة المنصف بن سالم في كتابه سنوات الجمر، فيذكر أنّ أعضاء الكونغرس الأمريكي كانوا على صلة مباشرة به في أواخر التسعينات حين كان مقيما بمنزله.ص73.. وتعتبر سنة 2006 حاسمة بالنسبة إلى الإخوان سواء بتونس أو مصر. إذ تشير ” وثيقة ويكيليكس” إلى أن من ضمن ما طالب به الوفد الإسلامي الذي قابل سفير أمريكا في أوت 2006 : إدراج الإسلاميين المعتدلين في قائمة المخوّل لهم السفر للولايات المتّحدة،زيارة أحد الإسلاميين المقيمين بمدينة سوسة (حمّادي الجبالي). وللإشارة، فقد أكد الموقع أيضا أنّ الزيارة بقيت سرّية ولم تتحدّث عنها أي وسيلة إعلام حتّى اليوم” ولعلّ ما ورد في مقال أحمد الحباسي بجريدة كابيتاليس ما يثير الرعب في نفس قارئه( مقال: في علاقة حزب النهضة بالمشروع الأمريكي الصهيوني في الشرق الأوسط. 9 سبتمبر 2018).

لجميع ما ذكرت أعتقد أنّه يجب أن نضع كلام الرئيسقايد السبسي في سياقه الدولي، في سياق الالتزامات الدولية قبيل انتخابات 2014 وفرض التوافق مع النهضة والشروع في تجربة الحكمالمشترك مع الإخوان بتونس..ولذلك بدا في أحيان كثيرة من كلامه أنّه شبه يهذي: في تقديم سلسلة من الاعترافات ، اعتراف بأنّ النهضة هي التي قطعت مع التوافق منذ أسبوع.. واعتراف بأنّه خان ناخبيه.. تمنّى للنهضة النجاح وإن كان يشكّ في ذلك… ولذلك لم يهلّل أنصار النهضة بنجاح زعيمهم في سياسته، وإنّما قوبل كلامه بشيء منالحذر والتخوّف، وخاصّة في تعليقات من يحملون أسماء مزوّرة، وهؤلاء إن اختاروا التقيّة فلأنّهم من قياديي النهضة، واليوم وبعد أن عرّى الباجي سياسة الغنوشي.. وبعد أن رمى به وجها لوجه مع لجنة الدفاع عن الشهيدين أراد أن يسأله من الأدهى؟ لأنّه يدرك أنّ النهضة تشتغل على مستويين، مستوى داخلي في العمل على تمكين نفسها من تونس عن طريق الشرعية وليس أفضل من الانتخابات وقد بدأت بالبلديات، ومستوى خارجيتحرص على أن تبدو في مظهر المعتدل والساعي إلى التوافق سيما وأنّها تخلّت عن مبادئها الإيديولوجية، وهذا التحليل ليس كلامي أنا وإنّما أسمعه من مختصّين دوليين أوروبيين. وعلى هذه القاعدة تمّ فرض التوافق علينا..

فعندما يعلن الباجي رسميّا بأنّ النهضة تنكّرت للتوافق فتلك رسالة يتوجّه بها إلى القوى الخارجية التي ألزمته بنكاح المتعة مع الغنوشي،وفي ذلك قطع الطريق عليه، وفي نفس الوقت تأكيد على أنّه باق على الالتزام بالرغم من أنّه خان الجسد الانتخابي الذي رشّحه رئيسا..

لذلك أعتبر أنّ الغنوشي اليوم اختلطت الأوراق بين يديه، ولذلك أيضا كانت بياناتالنهضة مؤكّدةأنّهم على العهد، وهم جميعا فيما يفعلون يتنافسون للتأكيد للرأي الديبلوماسي الدولي أنّ كلّ فريق ملتزم بإملاءات الخارج..

بقي ماذا ستفصح به الأيام؟ هل سينفض الآخر الذي يخيط لنا ثوب الديمقراطية يديه من الإسلام السياسي بتوظيف آلية الإرهاب التي وقاه منها أم ستبقى دار لقمان على حالها؟ وأشكّ في ذلك.
نائلة السليني


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING