الشارع المغاربي – كاتب أردني يكتبُ عن "شيخة" مدينة تونس وعن "إخوانها"!

كاتب أردني يكتبُ عن “شيخة” مدينة تونس وعن “إخوانها”!

10 يوليو، 2018

الشارع المغاربي -قسم الثقافة نشر عضو رابطة الكتاب الأردنيين، د. زيد حمزة مقالاً بصحيفة “الرأي “، اليوم الثلاثاء 10 جويلية 2018، احتفى فيه، على طريقته الخاصة، بانتخاب سعاد عبد الرّحيم “شيخة”، حسب تعبيره المعجمّي، على بلدية تونس المدينة معتبرًا أنّ انتخابها يعكسُ تكيّف إخوان تونس مع الظروف والتيارات التي “تخلقها بلا هوادة قوى تقدمّية عديدة في الشعب التونسي واتحاد الشغل على رأسها”.

وفي ما يلي أبرز ما جاء في المقال:

الى ما قبل أيام لم أكن أعلم انهم في تونس يدعون رئيس البلدية بالشيخ فهو إذن شيخ العاصمة ويأتي لهذا الموقع عن طريق الانتخابات،وعندما فازت سعاد عبد الرحيم في الاسبوع الماضي برئاسة بلدية العاصمة كأول امرأة في العالم العربي تتبوأ هذا المنصب ضايقني ان وكالات الانباء تناقلت اسمها مسبوقاً بلقب الشيخ لا الشيخة لكنها تداركت خطأها بعد قليل،ولدى مراجعتي لعدد من المعاجم العربية لم اجد لأسفي تأنيث لفظ الشيخ ليصبح شيخة إلا في قاموس واحد اسمه ((الرائد))!

المفاجأة الثانية في هذا النبأ أنها عضو في حزب النهضة (الاخوان المسلمون في تونس) ولو أنها قالت لاحقاً بأنها لم تعد منظمةً فيه بل مستقلة،واستغرب الناس–ليس في تونس حيث يعرفونها جيداً–أنها غير متقيدة بالزي الاسلامي (الحجاب والنقاب والجلباب) ودهشوا حين رأوها على شاشات التلفزيون تتبادل بشكل تلقائي قبلات التهنئة مع انصارها الرجال!.

الى هنا والأمر مجرد ملاحظات شكلية قد يكون لها بعض الدلالات،لكن الأبلغ ان الشيخة سعاد عبد الرحيم ليست شذوذاً عن المتوقع بل تأتي في السياق الطبيعي لاستمرار مشاركة المرأة التونسية لرفيقها الرجل في حلبة النضال السياسي والعمل الوطني خاصة بعد أن تخلصت من الحكم الدكتاتوري في ثورة يناير 2011 ويذكّرنا ذلك بأن مكانة المرأة في تونس تتقدم على مثيلتها في باقي المجتمعات العربية التي وان كان تحرر المرأة في بعضها كمصر قد بدأ منذ نهايات القرن التاسع عشر الا أنها فيما بعد تعثرت كثيراً خصوصاً بعد ظهور جماعة الاخوان المسلمين والحركات الاخرى التي خرجت من تحت عباءتها تحمل الفكر الوهابي مدعوماً من قوى خارجية عربية واجنبية، ويُرجع البعض تقدم المرأة في تونس الى الحبيب بورقية زعيم حركتها الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي واول رئيس لجمهوريتها بعد الاستقلال،لكن الدراسات المتأنية بالاستناد الى تاريخ المرأة في هذا البلد العربي الصغير تفيد بانها كانت قبل ذلك ايضاً عزيزة مكرمّة حتى في الريف وبين القبائل وهو ما سهّل مهمة بورقيبة ذي العقل المنفتح فتمكن بما يتمتع من نفوذ معنوي لدى شعبه ان يواجه التيارات الرجعية التي حاولت كثيراً أن تقف في طريق نهوض المرأة وسعت بشكل محموم الى إبقائها في البيت مجرد زوجة ومربية اطفال حتى لا أقول كلاماً آخر..

لن ادع ابتهاجي بأول امرأة رئيسة لبلدية عاصمة عربية يغرقني في التفاؤل ويدفعني للتبشير بمستقبل اكثر اشراقاً للنساء وبعهد افضل عمرانا وتنظيماً للعاصمة تونس فذلك ضرب من الوهم لا أقبله لفكري،وموقف انفعالي حماسيٌ تعلمت منذ زمان طويل أن أتأنى قبل أن أتبناه لكني هنا أمام انتخاب سعاد عبد الرحيم الصيدلية (لا الصيدلانية التي جانب الصواب مَنْ نَحَتَها لكي يتجنب استعمال الصيدلية وقد شاع اطلاقها خطأً على دارالدواء) وانتخابها في تقديري يشير الى علامة لا بد أن نتنبه لها على طريق المساوة بين الرجل والمرأة في عالمنا العربي الاسلامي،فقد تمثل ولو في الظاهر خروجاً عن نمط المحجبات او المنقبات اللاتي دخلن برلماناتنا العربية إما بالكوتا غير المنصفة التي قررتها الحكومات لاستكمال ديكور الديمقراطية،أو بدعم من الحركات الاسلامية التي عادةً ما تستفيد من اصوات النساء الناخبات لايصال ((رجالها)) الى البرلمان وتغطي ذلك ببضع نائبات يحملن فكراً ربما كان اشد تعصباً ضد حقوق المرأة من كثير من الرجال الذكوريين!

وبعد..فان حزب النهضة الاسلامي الذي(يعتدل )بين حين وآخر في سياساته وبرامجه واسلوب عمله ونرى نموذجه هذه المرة في ترشيحه للمرأة غير المحجبة سعاد عبد الرحيم لمنصب شيخة العاصمة تونس الذي قال عنه زعيمه الغنوشي انه يأتي من حيث الأهمية بعد منصب رئيس الجمهورية، انما يفعل ذلك متكيفاً مع الظروف والتيارات التي تخلقها بلا هواده قوىً تقدميةٌ عديدة في الشعب التونسي واتحاد الشغل ابرزها.

ولقد قيل – والقول في رايي صحيح–ان الشعب هو المعلم الاول.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING