الشارع المغاربي – كرة القدم: لعبة الهويات / بقلم: محمد الجويلي

كرة القدم: لعبة الهويات / بقلم: محمد الجويلي

11 مايو، 2018

الشارع المغاربي : كرة القدم مصنع لا ينضب للهويات.الهويات الفردية كما الجماعيةـ الإثنية كما الدينية، المحلية كما الجهوية، الوطنية كما القومية. كلها تجد في هذه اللعبة فرصا للتجلي وفرصا للحياة. عديدة هي المدن  والأحياء والقرى التي تنهض من تحت الأنقاذ بمجرّد مباراة كرة قدم. عديدة هي الدول التي تستعيد ألقها بامتياز في كرة القدم. ما هذه اللعبة التي تشحن الهويات وتعطيها الطاقة الجبارة التي تجعلها قادرة على شحن الناس، على شدّ أزرهم وعلى إعطائهم معنى للانتماء..؟

نذكر جميعا أن الأرجنتين خسرت حرب الفوكلاند مع بريطانيا، تمرغت هوية بلد بأكمله في التراب جراء هزيمة عسكرية نكراء. وحدها كرة القدم أعادت الاعتبار لرقصة التانغو، وحده مارادونا أخرج بلده من حزن عميق جراء الفوكلاند. أعادت كرة القدم للأرجنتين هويتها المنكسرة، مباراة النصف النهائي ضدّ أنقلترا في مونديال 1986 لملمت جراح شعب بأكمله ومنحته سعادة كسب حرب من نوع آخر. هذا مثال من أمثلة عديدة ومختلفة..

أغلب نوادي كرة القدم في العالم أسماء لمدن كبيرة وصغيرة، قديمة وحديثة، فقيرة وغنية. هي جغرافيا من نوع مغاير لا تحتكم بالضرورة للشروط التقليدية في تصنيف المدن. عالم كرة القدم ليس مجرّد منافسات من أجل الفوز فحسب، إنما هو مدن تعيد باستمرار تشكيل هويتها. لذلك فإن لعبة كرة القدم هي لعبة هويات بلا منازع.

يختزل الدوري الفرنسي في كرة القدم الصراع الأزلي بين مدينتين بتصورين للهوية على طرفي نقيض، باريس ومرسيليا. هذان التصوران يحضران في كل مرّة يتقابل فيها الناديان. باريس مدينة السلطة والمال والتفوق المقترن بالغرور في مواجهة مدينة جعلها التاريخ منكوبة، مفتوحة على رياح الدنيا، تستقبل المهاجرين من كل صوب، هي مدينة الضعفاء والبسطاء، لذا فكل انتصار لمرسيليا هو انتصار لهؤلاء.

الدوري الإيطالي أو الكالشيو، والكالشيو هو تسمية فلورنسية منذ القرن الخامس عشر ميلادي للعبة شبيهة جدا بكرة القدم الآن، هذا الكالشيو هو أيضا حلبة هويات لا نظير لها. الصراعات الجهوية بين الشمال الغني والجنوب الفقير تتجسد في ملاعب كرة القدم الإيطالية. في إحدى المواجهات بين أنتر ميلانو ونابولي رفعت جماهير فريق الشمال لافتة لإستقبال جماهير نابولي كتبت عليهامرحبا بكم في إيطاليا“. يحدث هذا في جميع مباريات كرة القدم في العالم وإن بأشكال مختلفة..

الدّوري التونسي في كرة القدم لا يشذّ عن الظاهرة. والعنوان الأبرز هو المؤامرة التي تحاك ضدّ فريق وبالتالي ضدّ جهة. الخطاب الكروي في تونس أميل إلى استعمال الانتماء الجهوي لتمجيد انتصار أو لكشف مؤامرة. ويصبح المسؤول الأول عن النادي هو المسؤول الأول عن الجهة، يتداخل النادي مع الجهة ليذكرنا قديما بتداخل الحزب مع الدّولة.

الانتماء الجهوي هو أحد أهمّ الموارد الرمزية في الثقافة التونسية . يستعمل هذا المورد لشحذ عزائم الناس وحشدهم من أجل قضية، وبما أن كرة القدم هي إحدى أبرز القضايا فإن الجهة معطى يقع تحريكه باستمرار في كل الاتجاهات من أجل تأويل وضعية أو تبريرها أو مناصرتها.

هناك مخاوف كبيرة في تونس من مساهمة كرة القدم في إثارة النعرات الجهوية. مخاوف في محلّها عندما تتجاوز المسألة عتبة التسامح . السباب الجهوي في سياق لعبة كرة القدم هو سباب من أجل إهانة الخصم رمزيا من أجل التنكيل به في إطار اللعبة لا غير ويجب فهمه في هذا المستوى. ولكن حضوره بهذه الكثافة غير معزول عن حضوره في سياق تاريخ سيء لعلاقة الدولة بالتنمية العادلة


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING